أنت هنا

مقدمات في الزواج
23 جمادى الأول 1427

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فإن الزواج ذو شأن خطير وأثر بالغ في حياة الإنسانية وتوجيهها، ولا أدل من عناية القرآن الكريم بالأسرة وبنائها، حيث جاء الحديث في الكتاب العزيز عن الأسرة وقضاياها فيما يزيد على ثمانين وثلاثمائة آية، ومن ذلك نزول سورتين في القرآن الكريم: سورة النساء، والثانية: سورة الطلاق، وكلاهما عنيت بشؤون الأسرة وأحوالها وحل قضاياها، وعلاج مشكلاتها.
فالإسلام أوجب النكاح حيناً واستحبه أحياناً ويسره ودعا إليه ورغب فيه، وهو يفعل ذلك لأمور منها:
1 - بقاء مواكب الإنسانية موصولة السعي والنشاط على ظهر الأرض تستعمر وتستثمر، ولا يوجد طريق محترم لبقاء الإنسانية ممتدة على مر السنين إلا بالزواج.
2 - إن بناء الأسرة يقوم على التراحم والسكينة النفسية.
لذلك فإن الغريزة الجنسية في نظر الإسلام ليست رجساً من عمل الشيطان ولم يكن من أهدافه سحقها أو القضاء عليها بل دعا إلى احترامها حيث عدها جزءاً من منطق الفطرة التي هي الصفة الأولى للإنسان في الإسلام والاعتراف بها كما هو أساس لاضطراد الحياة على ظهر الأرض فهو أساس لإقرار العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة.
وسورة النساء عندما تحدثت عن الأسرة وبينت أحكامها وفصلت القول في قضاياها وكيف تُقام الأسرة، وكيف تُعالج مشكلات الزوجية، قال تعالى: "وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً" (النساء: من الآية34).
وفي هذا إشارة إلى أن المرأة متى التزمت بالطاعة تعين الإبقاء عليها وعدم طلاقها؛ لأن الأصل في الطلاق الحظر لقوله: "فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً" (النساء: من الآية34). أي ما دامت المرأة مطيعة فإن الإساءة إليها جريمة ولا معنى لهذه الإساءة، ثم إذا حدث أن تغيرت العاطفة، فإن الرجل ينبغي أن يتهم نفسه كما أمر الله " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً" (النساء:19). وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يفرك مؤمنٌ مؤمنة - أي لا يمقت ولا يسخط - إن ساءه منها خُلق سره آخر» أخرجه مسلم في صحيحه. وعندما استشار أيوب رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلاق امرأته أم أيوب قال عليه السلام: «إن في طلاق أم أيوب حوباً» أي إثماً، وجاء رجل إلى الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال: أريد أن أطلق امرأتي، قال: لمَ؟ قال: لأني لا أحبها، قال عمر رضي الله عنه: ويحك! أو كل البيوت تبنى على الحب فأين التجمل والوفاء؟ أين العهود والأخلاق والمروءة والحياء؟ إن الإنسان ينبغي أن يكون في هذا تقياً.
والقصد من هذا أن الإسلام يريد فعلاً أن تبنى البيوت على أنها محاضن وليست فقط متنفساً للغريزة الجنسية في جو طهور مقبول، بل وليست محاضن فقط بل إنها مدرسة يُربى الولد أبناً كان أو بنتاً تربية دينية أخلاقية، تجعل مستقبله ينشأ في جو عف، وخُلق كريم، يتعلم في البيت الآداب، يتعلم في البيت الطهارة، يتعلم في البيت الصلاة، يتعلم في البيت الاستئذان، يتعلم في البيت ستر العورات، يتعلم في البيت الكثير من القيم والأخلاق والمُثل العليا.
مقدمات الزواج:

الزواج له مقدمات تكفل حسن الاختيار، واستمراره، واستقرار الحياة الزوجية، ومن هذه المقدمات:
1 - السؤال والتحري والاعتماد على خبر الثقات عن صفات وأحوال وسلوك كل من الرجل والمرأة نحو الآخر رغبة في تحقيق الصفات الواردة في قوله تعالى: "إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً" (الأحزاب:35). والصفات الست الواردة في قوله تعالى: "عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ" (التحريم: من الآية5).
فهذه تسعة عشر صفة، منها ست مكررة، وثلاث عشرة بعضها أُسس وعُمد لصحة الزواج، والبقية جمال وكمال، واعتماداً على توجيه المصطفى صلى الله عليه وسلم في قوله «ألا أخبركم بخير ما يكنز المرء؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: المرأة الصالحة التي إن نظر إليها سرته، وإن أمرها أطاعته، وإن غاب عنها حفظته» أخرجه أبو داود، وقال صلى الله عليه وسلم: «ما كسب المرء بعد إسلامه خيراً له من امرأة صالحة تسره إذا نظر وتطيعه إذا أمر ولا تخالفه في نفسها وماله بما يكره»، وقال عليه الصلاة والسلام: «تُنكح المرأة لأربع: لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها، فأظفر بذات الدين تربت يداك» أخرجه البخاري، وقال صلى الله عليه وسلم: «تزوجوا الولود الودود فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة» أخرجه النسائي، وخاطب عليه الصلاة والسلام المرأة وأهلها في قوله: «إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته وخُلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير» أخرجه الترمذي.
والصفات الطيبة تنتقل إلى المرأة من خلال أصلها وأمهاتها وخالاتها وعماتها، بحسبان أن الأصل والنسب لهما أثر كبير في نسيج الحياة الزوجية، قال عليه الصلاة والسلام: «الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا» أخرجه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: «تخيروا لنطفكم وانكحوا الأكفاء وانكحوا إليهم» أخرجه ابن ماجه. وقال أيضاً: «تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس» أخرجه ابن ماجه.
وقال الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إياكم وخضراء الدمن فإنها تلد مثل أبيها وأخيها وعمها وعليكم بذوات الأعراق فإنها تلد مثل أبيها وأخيها وعمها) أخرجه الدارقطني.

الأهداف السامية للزواج:

لا ريب أن الزواج يحقق أهدافاً سامية وغايات نبيلة، تتمثل في: حماية الشرف ومنع ابتذال الجنس وحفظ الصحة، وسرور النفس مع غض البصر وتحصين الفرج، والتمتع بالنعمة، والتماس الذرية؛ لأن النسل امتداد للإنسان، فذكر الفتى عمره الثاني، قال صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: ولد صالح يدعو له، وصدقة جارية، وعلم ينتفع به» أخرجه الترمذي، وقال: «إن العبد لتُرفع له الدرجة بعد موته فيقول يا رب من أين فيُقال من دعاء ولدك لك».
مقومات الزواج:

تتجلى المعاني السامية في الزواج ببذل الجهد في حسن اختيار كل من الطرفين للآخر، ومن أجل ذلك الدين القويم والخُلق الحميد، فلا ينبغي للرجل أن يجعل جل همه وغاية مناه الظفر بامرأة جميلة أو امرأة غنية أو امرأة حسيبة نسيبة على حين أنه دونها في كل ذلك، والعاقل اللبيب هو الذي يحرص على الاقتران بامرأة ذات دين قويم وخُلق حميد، فهذه هي التي يكون الزواج بها أجمل وأكمل، وتستقر به الحياة الزوجية، دون نكد أو تنغيص، وعلى كل منهما أن يعنى بنفاسة الجوهر، وعظمة المخبر، وإذا أمكن الجمع بين نفاسة الجوهر وعراقة المخبر مع حسن المظهر كانت السعادة في هذا الزواج أكبر وأفضل.
على أن من أقوى العوامل التي تحقق السعادة بين الزوجين تتمثل في أن يبذل كل منهما ما في وسعه للتودد للآخر والوفاء بحقوقه تنفيذاً لقوله تعالى: "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ" (البقرة: من الآية228).
وقال عليه السلام: «اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله» أخرجه مسلم، وقال عليه السلام: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي» أخرجه الترمذي، وقال أيضاً: «استوصوا بالنساء خيراً فإنهن خُلقن من ضلع أعوج وإن أنت ذهبت تقومها كسرتها وكسرها طلاقها فاستمتع على ما هي عليه» أخرجه البخاري، وقال عليه السلام: «حبب لي من دنياكم الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة» أخرجه النسائي، وكان عليه السلام في حاجة أهله (يغسل ثوبه ويرقعه، ويخسف نعله، ويحلب شاته) وفي الجملة فقد كان في حاجة أهله، كما تروي ذلك عائشة رضي الله عنها، ومتى أدى كل منهما واجبه نحو الآخر حصل على حقه؛ لأن الحق والواجب وجهان لعملة واحدة.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما (والله إني لأحب أن أتزين لامرأتي كما أحب أن تتزين هي لي) ولا ريب أن عناية المرأة بزوجها ورعايتها لمصالحه ونزولها على رغبته، مما يُكسبها الفوز والظفر في الدنيا والفوز بالنعيم في الآخرة. قال صلى الله عليه وسلم: «إذا صلت المرأة فرضها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت بعلها دخلت جنة ربها» أخرجه أحمد.

النظر إلى المخطوبة:

إذا كان مما يكفل للزواج البقاء والاستقرار والاستمرار المزيد من بذل الجهد في تعرُّف كل من الطرفين على الآخر، فإن هذا يتوج بمشروعية نظر الخاطب إلى المخطوبة.
فمن عناية الشارع بالزواج وتأكيد الرغبة في استقراره، وامتداده أن جعل من أقوى الوسائل لدوامه أن ينظر الخاطب إلى الفتاة، وأن تنظر هي إليه حتى تصح منهما الرغبة، ويكونا على بينة من أمرهما في الاقتران؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: «هلا نظرت إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما» أخرجه الترمذي. أي تستقر الصحبة وتستمر الحياة الزوجية وتمتد العلاقة بينهما، وقال لمن خطب امرأة «انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً» أخرجه مسلم. وقال عليه الصلاة والسلام لثالث: «إذا ألقى الله في قلب أحدكم خطبة امرأة واستطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه لنكاحها فليفعل» أخرجه أبو داوود.

الحقوق التي يرتبها عقد النكاح:

إذا تم إبرام العقد ترتب عليه إثبات حقوق المرأة، وحقوق للزوج، وحقوق مشتركة.
فحقوق المرأة تتمثل في:
1 - الصداق، لقوله تعالى: "وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً"(النساء:4).
2 - النفقة: وتشمل الطعام والشراب والكسوة والسكن والدواء وأدوات الزينة، لقوله تعالى: "أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى" (الطلاق:6). وهذه الآية وإن كانت واردة في حق المطلقة فهي في حق الزوجة من باب أولى، قال تعالى: "وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ" (البقرة: من الآية233).
3 - المعاشرة بالمعروف، لقوله تعالى: "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ" (النساء: من الآية19).
4 - العدل والمساواة بغيرها إن كان في عصمته أخرى، لقوله تعالى: "فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً" (النساء: من الآية3).

أما حقوق الرجل فهي:

أ - حق الانتقال بها إلى بيته الملائم والمستوفي لوسائل الراحة، إن لم تشترط بقاءها في بيتها.
ب - حق السفر مع توافر الأمن للمرأة في الطريق وفي بلد القدوم، وأن يكون الرجل مأموناً عليها.
ج - القرار في بيت الزوجية إلا لما تدعو إليه الحاجة.
د - عدم الإنفاق من ماله إلا بإذنه، ولها الأخذ من ماله بقدر ما يكفيها إن كان مقتراً.
كما أن عقد الزواج يرتب حقوقاً أخرى مشتركة وهي:
1 - حق الاستمتاع.
2 - حق التوارث.
3 - حق المعاشرة بالمعروف.
4 - حرمة المصاهرة بحيث تُحرم عليه أصولها وفروعها ويُحرم عليها أصوله وفروعه.
ويجوز لكل من الزوجين أن يشترط في صُلب العقد حقوقاً إضافية، وهذه الشروط تحكمها قاعدة (كل شرط لا يحل حراماً، ولا يُحرَّم حلالاً، ولا يُسقط واجباً، ولا يُوجب ساقطاً، فهو شرط معتبر) يتعين الأخذ به عند الاتفاق عليه، وبعبارة أخرى (كل ما كان للمشترط فيه غرض صحيح كان شرطاً لازماً) وأيضاً كل ما كان مباحاً بدون شرط فإن الشرط يجعله لازماً، بل إن الشرط العُرفي كالشرط اللفظي، والمعروف عُرفاً كالمشروط شرطاً، فللمرأة أن تشترط البقاء في بيتها وعدم السفر مع زوجها، وتشترط مهراً معيناً في الكم والكيف، أو تشترط أن ينفق على أولادها أو والديها، أو ألا يتزوج عليها أو أن تكمل دراستها أو أن تستمر في وظيفتها، وللزوج كذلك حق الاشتراط في مثل هذه الأمور، وحينئذ يتعين الوفاء بما اتفقا عليه، قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ" (المائدة: من الآية1)، وقال تعالى: "وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا" (الأنعام: من الآية152)، وقال تعالى: "وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً" (الإسراء: من الآية34)، "مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ" (الأحزاب: من الآية23)، وقال تعالى: "وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا" (النحل: من الآية91).
وقال صلى الله عليه وسلم: «إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج»، وقال عليه السلام: «ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة»، وجاء في الحديث القدسي قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة (رجلٌ أعطى بي ثم غدر..) أخرجه البخاري، وقال صلى الله عليه وسلم: «من آية المنافق: إذا حدَّث كذب وإذا وعد اخلف وإذا عاهد غدر..» صحيح مسلم. وقال عليه الصلاة والسلام: «الصُلح جائز بين المسلمين إلا صُلحاً أحل حراماً أو حرَّم حلالاً، والمسلمون على شروطهم» سنن الترمذي، وقال الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (مقاطع الحقوق عند الشروط).
غير أن هناك أموراً محرمة لا يصح اشتراطها لما يترتب عليها من الإضرار بالمرأة والإجحاف بها ومن ذلك:
1 - نكاح الشغار: وهو تبادل النساء من غير مهر، لقوله عليه السلام: «لا شغار في الإسلام» صحيح البخاري. ولنهيه عن نكاح الشغار وهو أن يزوج الرجل موليته على أن يزوجه الآخر موليته ولا مهر بينهما، أو بينهما مهر يسير.
وهذا النوع كان معروفاً في الجاهلية، فجاءت الشريعة بمنعه، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه في أكثر من حديث، وقضى الصحابة ببطلانه لخلوه من المهر، ولما فيه من احتمال إلحاق الضرر بالمرأة والإجحاف بها، وتزويجها من غير الكفء؛ لأن مثل هذا الزواج قد يجر الولي إلى تحقيق الخير لنفسه فيغض الطرف كل منهما عن مساوئ من تقدم لخطبة موليته.
2 - نكاح التحليل: وهو زواج الرجل من مطلقة ثلاثاً بقصد إحلالها للأول دون رغبة لإقامة الأسرة، وتحقيق الأهداف السامية للزواج من غض البصر وتحصين الفرج وسرور النفس، وراحة البال، والمحافظة على الصحة، ووجود النسل، ونكاح التحليل خال من هذه الأهداف، ولذا فهو نكاح محرم، ملعون فاعله على لسان المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث وصف المحلل بالتيس المستعار فقال: «ألا أخبركم بالتيس المستعار، هو المحلل لعن الله المحلل والمحلل له» صحيح سنن أبي داود؛ ولأن نكاح التحليل مظنة الشر المستطير، والفساد العريض، فربما لا يتورع المحلل عن الزواج بالمرأة وبنتها، أو المرأة ومحارمها، أو الزواج بأكثر من أربع، وهو زواج مشوب بالحيل والتدليس فجاءت الشريعة بتحريمه والمنع منه.