أنت هنا

حوار مع الدكتور خالد الماجد
23 جمادى الأول 1427

كيف نتعامل مع اختلاف الفتاوى في بعض الزيجات كالزواج بنية الطلاق أو العرفي؟ وهل سبب ذلك اختلاف الأحوال والظروف؟ أرجو التفصيل في ذلك.

التعامل مع الاختلاف في مسائل النكاح والطلاق لا يخرج عن القواعد العامة في التعامل مع أي اختلاف، ويمكن أن أجمل أهمها في الآتي:
1- لا يقبل من الأقوال ما خالف إجماع أهل السنة والجماعة الثابت. كقول الرافضة بحل المتعة، لأن خلافهم غير معتبر.
2- لا يستفتى في مسائل الاختلاف إلا المؤهل المرضي للفتيا وهو من جمع بين الفقه والأمانة، فبفقهه يؤمن من قوله على الله بلا علم، وبأمانته يؤمن من كذبه واتباعه الهوى.
3- على المرء أن يختار من أقوال المختلفين ما تبرأ به ذمته عند الله، وذلك يحصل بالترجيح بين الأقوال إن كانت عنده ملكة الترجيح لكونه طالب علم، أو بأخذ قول أرجح العلماء عنده في علمه وأمانته. وليس له أن يختار من الأقوال ما وافق هواه؛ لأنه لا مدخل للهوى في دين الله. وهنا يحسن العمل بقاعدة (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك). ولئن جاز لمن ترجح عنده القول الأخف أن يحتاط بالأخذ بالأشد فإنه لا يجوز العكس، فليس لمن ترجح عنده القول بتحريم النكاح بنية الطلاق -مثلاً- أن يعقد نكاحاً ينوي فيه الطلاق وإلا كان آثماً.
4- لا إنكار في مسائل الاجتهاد، وهي التي وقع فيها اختلاف معتبر، لكن مع ذلك ينبغي النصح والإرشاد وأن يبين للمخالف خطأ قوله بأسلوب رفيق، وليس بأسلوب الزجر والتأثيم كما لو أنه خالف إجماعاً أو عمل بقول غير معتبر، فالزواج بنية الطلاق وبعض صور النكاح العرفي هي من هذا الباب. كما يجب حفظ حق المختلفين من أهل العلم المرضيين في الفتوى بعدم تجريحهم والخوض في أعراضهم؛ لأن هذا من الظلم والتعدي.
5- كل ما ترتب على العمل بقول معتبر فهو سائغ شرعاً، ففي مسائل النكاح لو تزوج بنية الطلاق مثلاً وكان ممن يرى صحته فالعقد صحيح شرعاً ويأخذ أحكام النكاح كلها كما يأخذه النكاح بلا نية الطلاق، ولا يجوز لأحد القول بأنه زنا أو نكاح شبهة.
6- مما يتعلق بمسائل النكاح أن من الأنكحة المختلف فيها ما يكون منعها بسبب فقدها شرطاً من شروط النكاح أو أكثر، فيكون مقتضى منعها القول ببطلانها كالنكاح بغير ولي، أو دون رضا المخطوبة، ومنها ما لا يكون سبب منعها ذلك وإنما لأمر آخر غير متعلق بأركان النكاح ولا بشروطه كالزواج بنية الطلاق، أو النكاح العرفي المكتمل الشروط والأركان، فهذه يفتي المانع بتحريمها لكن لو وقعت كانت صحيحة مع الإثم كالصلاة في الدار المغصوبة الصلاة صحيحة مع إثم الغصب كما هو قول أكثر الفقهاء.
7- على الآخذ بالقول الأخف أن يتقي الله بتحقيق ضوابط ذلك القول وألا يجعله تكأة له يستسيغ به ما يتفق المختلفون على خروجه عن المشروع. كالزيجات التي يغلب على الظن أنها أقرب إلى السفاح المنظم، حين يعلم الناكح أو يغلب على ظنه أن هذه المرأة لا تعنى بأمر العدة فتتزوج مرات عديدة في عدة من طلقها أولاً، أو تمارس البغاء تارة والنكاح تارة، فهي مع بعضهم زوجة ومع بعضهم بغي؛ فهذا لا يجوز عند أحد من المختلفين في النكاح بنية الطلاق ولو كملت شروطه وأركانه.

ينتشر في بعض البلدان ظاهرة الزواج السياحي حيث إن الطرفين (الزوج والزوجة) يعلمون عند العقد أن الزواج مؤقت بدون أن يشترط أحد منهم ذلك في العقد فما حكم ذلك؟ وما حكم زواج من يسافر لأجل ذلك.
لا يقال بحل هذا النكاح مطلقاً ولا بتحريمه مطلقاً، بل التفصيل بأن نقول إن هذا النكاح لا يحل إلا بالضوابط الآتية:
الضابط الأول: اكتمال أركان النكاح وهي (1-الزوجان الخاليان من الموانع كزوج لديه أربع ويريد الزواج بخامسة فهذا لديه مانع فلا يصح كونه زوجاً، أو امرأة في عدة طلاق أو وفاة حتى تنتهي عدتها. 2- الصيغة وهي الإيجاب والقبول) واكتمال شروط النكاح وهي: (1- رضا الزوجين بالنكاح المقتضي علم كل واحد مهما بالآخر وبالعقد الذي يجريه معه فلا يصح أن يعتقد أحدهما أن ما يتم بينهما صداقة بينما الآخر يعتقده زواجاً. وهذا قد يحصل حين يريد مسلم الزواج بكتابية لما بينهما من معرفة فيطلب منها إجراء عقد الزواج وهي لا تريد العقد ولا تعترف به، ولكنها تساير الرجل لرغبتها في قضاء الوطر معه أو الحصول على ماله وهو يعلم ذلك منها، فما لم تعلم وتقر بأن هذا زواج يترتب عليه ما يترتب على كل زواج فقد اختل شرط رضاها مما يبطل معه العقد. 2- ولي الزوجة وهو أبوها ثم أقرب رجل من عصباتها، ثم ولي أمر المسلمين أو من يقوم مقامه. 3- شاهدا عدل أو الإعلان عنه 4- المهر).
الضابط الثاني: التأكد من كون المرأة لا عدة عليها من زوج سابق، وأنها عفيفة لا تمارس الزنا، وأن من يتولى تزويجها هو فعلاً وليها، وليس شخصاً آخر، والسبب في هذا الاشتراط أن واقع ممارسة هذه الزيجات يؤكد أن وجود هذه المخالفات من الزوجة ليس مجرد وهم أو ظن، بل هو ظن غالب له حكم اليقين فلا تبرأ ذمة الزوج إلا بالبحث والسؤال، وفي هذا نوع ضمانة من السفاح المنظم باسم الزواج.
الضابط الثالث: نية الزوج الحسنة عند عقد النكاح أن يلتزم بكافة حقوق الزوجة من سكن ونفقة سواء أثناء زواجهما أو بعد الطلاق حتى تنتهي العدة، مع دفع متعة طلاق لها لقوله _جل وعلا_: "ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعاً بالمعروف حقاً على المحسنين" وعدم استبطان النية بإضاعة هذه الحقوق؛ لأنها خديعة وغش، فإن أسقطت الزوجة شيئاً من ذلك عن طيب نفس منها فلا بأس؛ لأن من حق المستحق إسقاط ما استحقه بطيب نفس منه.
فمتى توفرت هذه الضوابط فالنكاح صحيح ولو مع علم الزوجين بأن الطلاق قد يحصل وسواء سمي النكاح سياحياً أم لا. والعلم بالطلاق دون اشتراط ليس نكاح متعة ولا يصح قياسه عليه؛ لأن نكاح المتعة فيه اشتراط وإلزام لا تحتاج معه المرأة إلى طلاق بل هي تنفصل عنه بمجرد مضي المدة المحددة المؤقتة المثبتة في العقد الشفوي أو الكتابي. وقد وجدنا أهل العلم يفرقون بين اشتراط الشيء والوعد به أو العلم دون اشتراط، فتجدهم يمنعون في بيع المرابحة اشتراط البائع على الآمر بالشراء أن يشتري منه السلعة قبل دخولها في ملك البائع، ولكنهم يجيزون وعد الآمر البائع بالشراء منه قبل دخول السلعة في ملك البائع، فضلاً عن العلم به، فما نحن فيه من هذا الباب. والله أعلم.
ما الفرق بين الزواج بنية الطلاق وزواج المتعة، حيث إن البعض يلتبس عليه الفارق بينهما؟
الفرق من وجهين:
الأول: من حيث الحقيقة: حقيقة نكاح المتعة: الزواج المؤقت بعقد ينتهي بنهاية مدة التوقيت المتفق عليها في العقد ولا يلزم فيه التطليق. وحقيقة النكاح بنية الطلاق: الزواج المكتمل الأركان والشروط مع نية الزوج طلاق زوجته عند العقد بلا شرط. سواء أجهل أهل الزوجة نية الزوج أم علموا بها أم غلب على ظنهم. وبهذا تظهر عدة فروق:
1- التوقيت في نكاح المتعة مشروط منصوص عليه في العقد. غير مشروط ولا منصوص عليه في النكاح بنية الطلاق، بل مجرد نية.
2- التوقيت في نكاح المتعة له أثر وهو حصول الفرقة بمجرد انقضاء المدة، ولا أثر له في النكاح بنية الطلاق فلو نوى الطلاق ثم بدا له الاستمرار لم يلزمه الطلاق، كما لو أنه نوى الاستمرار فبدا له الطلاق لم يلزمه الاستمرار.
3- الفرقة في نكاح المتعة مقطوع بها عند إجراء عقد النكاح، غير مقطوع بها في النكاح بنية الطلاق وإنما مظنونة.
4- الفرقة في نكاح المتعة لازمة الزوج ولا يمكنه الرجوع عنها، غير لازمته في النكاح بنية الطلاق ويمكن الرجوع عنها.
الثاني: من حيث الحكم: حكم نكاح المتعة التحريم ثبت ذلك بالنص وإجماع أهل السنة، ولم يحك جوازه إلا عن بعض الصحابة كابن عباس ثم رجع إلى القول بالمنع، وانعقد الإجماع على التحريم بعدهم. ولم يخالف فيه إلا المبتدعة كالرافضة وخلافهم مردود غير معتبر، وحكم النكاح بنية الطلاق مختلف فيه عند أهل السنة بين الحل والحرمة، لكن لا نص يمنعه ولا إجماع، كما أن القول بجوازه قول جمهور الفقهاء.

هل من المناسب توحيد الفتاوى في الزيجات ويراعي ذلك مآلات الأمور وغايتها؟

القول بتوحيد الفتاوى في الزيجات غير ممكن إلا في المسائل المجمع عليها، وهذه لا تحتاج إلا دعوة لتوحيدها لأنها تحصيل حاصل، وأما المسائل المختلف فيها –سواء أكانت مما سبق وقوع الاختلاف فيها أو كانت من المسائل الحادثة- فلا يمكن توحيد الفتوى فيها إلا برفع الاختلاف فيها وهو غير ممكن؛ لأن الله أذن به فيها فلو شاء لجعل الناس فيها أمة واحدة، وليس لأحد من البشر أن يرد حكم الله أو يعقب لأمره، ولأن الاختلاف سبق ووقع في نوع منها فلا يمكن رفعه، إذ ليس الخلف حجة على السلف ولا قولهم بأولى بالأخذ بقول من سلف، ولأنه لا مفر من توصل المجتهدين إلى آراء مختلفة في المسائل التي حدثت ما دام الشرع أذن لهم بالاجتهاد فيها، ومنها مسائل النكاح.
لكن هذا لا يمنع من وضع تنظيم للزيجات يكفل تحقق العدل ويراعى فيه أحوال الناس وحاجتهم بما يحقق المصلحة ويدرأ المفسدة.