أنت هنا

محاولات التسلّل إلى نقد الشرعية الإسلامية العليا
5 شعبان 1427

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله أما بعد

فقبل بضع سنوات ، تفتقت عبقرية ! الحاخام اليهودي الكبير / موشيه فيشر رئيس مدرسة هيكل التوارة في القدس وقاضي محكمة الحاخامية عن فتوى ! عنونتها صحيفة معاريف بـ : " الخنازير لحماية الباصات " ! وافق على إصدارها هذا الحاخام ، وهي فتوى يسمح خلالها لليهود باستخدام أكياس نايلون مليئة بدهن الخنزير يجري ، تعليقها في الحافلات والمتاجر والقاعات ، وذلك لردع أي استشهادي من الوصول للجنة !! وقال هذا الحاخام : إنَّ الله لن يسمح لهؤلاء الاستشهاديين بدخول باب الجنة ؛ لأنهم تدنَّسوا بدهن الخنزير !!

هذه الفتوى الساذجة - وإن أردت دِقّة في التعبير فقُل : الاقتراح السخيف ! - لأحد كبار الحاخامات اليهود من ذوي المناصب الكبيرة في الكيان الصهيوني ! ، عرضت على عدد من الفلسطينيين ، فعلّق عليها أحدهم بقوله بعد ضحك كاد أن لا يتوقف : " إنَّ كل خنازير الأرض لن تنجي الصهاينة من غضبنا " ..

وعلّق عليها مجاهد فلسطيني آخر بعد شروعه في الضحك ، إثر طرح أحد المراسلين للسؤال عليه حول رأيه فيها : " إسمع ، حتى لو وضع اليهود جلد شارون في الباصات ، فإنَّ هذا لن يردعنا عن مواصلة نضالنا " !!!
تذكرت هذا الطرح الحاخامي الساذج اليائس ، بعد أن بدأتُ في استعراض بعض المقالات المستميتة في إيقاف مسيرة الصحوة الإسلامية التي يقودها علماء الأمة وقادتها المسلمون ، والتي تعاضد في تنميتها ، ولاة أمرنا من الأمراء والعلماء المخلصين ، على بصيرة من نور الوحي الذي أبى الله عز وجل إلا أن يتمه ولو كره من كره ! وكفى تأكيدا لذلك النص على ضمان المسيرة الإسلامية في حكم الكتاب والسنة في ( النظام الأساسي للحكم ) ، ثم في معاهدة خادم الحرمين الشريفين اللهَ عزّ وجل على أن يجعل القرآن الكريم دستوره ..

في ضوء هذا التقدّم الذي لن يقهر إن شاء الله تعالى ، أحببت أن أقدم بالمقترح الصهيوني البليد ؛ لما فيه من دلالات لا تخفى على ذي لبّ ، سنرى منها – إن شاء الله تعالى - في حلقات هذا المقال ما يُبكِي الفَرِح ويضحِك الحزين !

1) فإنَّ مما بليت به أمتنا في هذا العصر إشغالها بعدد من المُصَدَّرين أو المتصدِّرين للإعلام بصفة ظاهرة مستمرّة ، وإشغالها بتقلبات بعض المنتسبين للعلم و اضطرابات بعض المنسوبين له إعلاميا في أحايين منتقاة أو عفوية ، أو على ما جرت به الرياح وإن لم تشته السفن !

ولقد كنت - كغيري من طلبة العلم - أتابع بعض ما يلفت الانتباه من المقالات ، والطرح الإعلامي المضمَّن نصوصاً شرعية ونقولاً إسلامية ! يريبك فيه - أوّل ما يريبك - أنَّه حاسر الرأس ، صادر من غير مختص ! وتجد فيها ما يزيدك ريبة في دراية كاتبها أو طارحها بما يطرح ، وتزداد ريبة فوق الريبة حين تجد الكاتب قد وضع على رأسه عمامة العالِم ، وحاول أن يضع فوقها قبعة الإفرنجي ! فتحدّث في مسائل أكبر مما تحتهما ، ومهما حاول القوم الخداع فلحن القول يُعرِّفهم للعالمين ، بل حتى لو حاول بعضهم الظهور الإعلامي بلحية إرشيفية أو نحوها ! وما عليك للتأكّد ، إلا أن تقرأ لأحدهم تعالماً ، ثم تشاهد له حوارا مباشراً ، وحينها ستردد : تسمع بالمعيدي خير من أن تراه ..
كنت أتابع ذلك ، وربما كتبت مقالا حين لا يسع الصبر على حجم الاستغفال ، وخطورة المآل .. ولكن السير مستمرٌّ في ذات الاتجاه على نحو مريبٍ ، وقد كفانا مؤنة الحديث عن خطورته أبو عبد الله ، فضيلة الشيخ /د. سعد البريك – حفظه الله – في مقولاته ومقالاته .. والحقّ أنَّ هذه المسيرة التنظيرية الحثيثة المتناغمة من جمعٍ غير مختصٍ ، تدعو للتوقّف والتأمّل !!

2) وبعد استعادةٍ لبعض المقالات من بداياتها ، والنظر فيها بعد وضعها في سلّة واحدة ، وجدت أمامي عملية يمكن وصفها بمحاولة تسلل مشبوهة - ومكشوفة أحياناً - إلى نقد الشرعية الإسلامية العليا !! في سبيل الانتقال إلى المرحلة التي وصفها الله عز وجل بقوله: { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ }.. تلك المرحلة التي لا زالت محاولاتها الفاشلة تتالى بين رسالة نابليون بونابرت وتفاعلات تقرير راند 2002م ؛ وقد تحدثت عن شيء من ذلك في مقال نشر في موقع القلم ، بعنوان : ( مسلسل الخَوَر اللعين : ومحالة النيل من الدِّين ) .

وهاهي الفكرة مستمرّة في فرض نفسها بأنفاسٍ من غير أهلها ، أُرجِّح أنَّ بعضهم لا يعرف عن الأمر أكثر مما تعرفه العامّة عنه ؛ فمن محاولات إقناع الأمّة بفصل الدين عن الدولة في الإسلام ! إلى محاولةِ إقناعنا بإعادة تشكيل العقل العربي .. ومنها إلى محاولة استغفالنا بتأويل النص الشرعي تأويلاً يعود على معناه بالبطلان ، ثم المحاولات التي لا تكلّ في طرْق موضوع الحريّة التي يراد منها الانطلاق لنقد الدِّين ( الإسلام ) ذاته عند بعضهم ، بل وعدم التثريب على من شاء التحوّل عنه والعياذ بالله! بزعم الحرية الدينية! كما صرح بعضهم بذلك في بعض المنتديات التي تولت إغلاقها الجهات المسؤولة بحمد الله .. و محاولة الولوج إلى ذلك من بوابة نقد التكفير والحديث عن ( المكفّراتية ) [ وهو مصطلح سبق إليه بعض الإسلاميين في نقد الفكر التكفيري المنحرف ] .. ، و استقطاب كتّاب يخدمون الفكرة عن جهل ، وأخيراً إلى الولوج في نقد العلماء الشرعيين ، حملة العلوم الشرعيّة المؤهلين تأهيلاً شرعيّاً والتنقّص منهم مع سبق الإصرار ، والردّ عليهم بجهل وسوء أدب ، والتعالم عليهم أحياناً بأساليب ممجوجة تستجلب الرِّقّة لحال المسيء لنفسه بالتعالم ، إلى درجةٍ ينسب فيها بعضُهم - في صحف سيّارة - بعضَ آيات القرآن الكريم التي يحفظها عامّة المسلمين ، إلى غير مواضعها من كتاب الله عز وجل !!

وفي خضم هذا المكر الكبّار الذي لا يماري عاقل في أنه وراء الكثير من ذلك ، ولا سيما مع وجود تقارير إفرنجية تتحدث عن هذا الطرح وعن ( شركاء )! سواء علم بعض هؤلاء الكتّاب العرب أو لم يعلموا - تذكّرتُ رسالةً بُعِثَت إلى أهل مصر ، وتذكرت منها الجملة التالية : " يا أيها المصريون : قد يقولون لكم إنني ما نزلت في هذا الطرف إلا بقصد إزالة دينكم ، فذلك كذب صريح ! فلا تصدقوه ، وقولوا للمفترين ! : إنني ما قدمت إليكم إلا لكيما أخلِّص دِيْنَكُم وحقَّكم من يد الظالمين ، وإنني أكثر من المماليك أعبد الله سبحانه و تعالى ! وأحترم نبيه محمد ! والقرآن العظيم ! ... ". ( من نص الرسالة في : مظهر التقديس بزوال دولة الفرنسيس ، للجبرتي [ت1241هـ ] اختصار د. محمد بن حسن بن عقيل موسى الشريف :61 ، دار الأندلس الخضراء ) .

أما صاحب الرسالة فهو المجرم الحقود السفاح الفرنسي نابليون بونابرت عليه من الله ما يستحق !! إنها رسالة دجل كاذبة لجأ فيها نابليون إلى النفاق عندما وجد المجتمع المصري متحصناً بعقيدة الولاء والبراء .. وعُدْ – إن رمت تفنيدها – للكتاب المحال إليه ولا تنس مقدمة محققه التي تستحق أن تفرد .
ومن هنا ، رأيت أن أتحدث في عدد من المسائل المطروحة – إن شاء الله تعالى – بأسلوب علمي موجز ، أُبيِّن فيه بعض مغالطات التسلل إلى نقد الشرعية الإسلامية العليا على نحو موجز ، يوضح الفكرة ويكشف المحاولة ، ويُبين طريقة الاستهداف .
فإلى الحلقة القادمة من هذا المقال إن شاء الله تعالى

---
*عن موقع القلم