الطواف أنواعه وأحكامه (1)
5 ذو الحجه 1430
أ.د. سليمان العيسى

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. وبعد
معنى الطواف وصفته وحكمة مشروعيته وفضله:
أولاً: معناه في اللغة:
جاء في الصحاح: طاف حول الشيء يطوف طوافاً وطوافاناً، وتطوف، واستطاف، كله بمعنى، ورجل طافٌ أي كثير الطواف... وطائف بلاد ثقيف، والطائف من الشيء قطعة منه... وتطوف الرجل، أي طاف، وطوَّف أي أكثر التطواف(1).
وجاء في القاموس المحيط: (طاف) حول الكعبة وبها طوْفاً وطوافاً وطوفاناً، واستطاف وتطوف وطوَّف تطويفاً بمعنى، والمطاف موضعه(2).
ثانياً: معناه في الشرع:
أما معناه في الشرع فهو الطواف سبعة أشواط حول الكعبة المشرفة بنية الطواف على صفة مخصوصة(3).

صفة الطواف:
صفة الطواف بالبيت هو أن يبتدأ طوافه من الركن الذي فيه الحجر الأسود فيستقبله ويستلمه ويقبله إن لم يؤذ الناس بالمزاحمة، فيحاذي بجميع بدنه جميع الحجر فيمر جميع بدنه على جميع الحجر وذلك بحيث يصير جميع الحجر عن يمينه ويصير منكبه الأيمن عند طرف الحجر، ويتحقق أنه لم يبق وراءه جزء من الحجر ثم يبتدئ طوافه ماراً بجميع بدنه على جميع الحجَر، جاعلاً يساره إلى البيت ثم يمشي طائفاً بالبيت ثم يمر وراء الحِجْر(4) ويدور بالبيت(5) فيمر على الركن اليماني ثم ينتهي إلى ركن الحَجَر الأسود وهو المحل الذي بدأ فيه طوافه فتم له بهذا طوافه واحدة ثم يفعل كذلك حتى يتمم سبعاً.
قال النووي – رحمه الله – في المجموع (فرع) في صفة الطواف الكاملة: وإذا دخل المسجد فليقصد الحجر الأسود وهو في الركن الذي يلي باب البيت من جانب المشرق ويسمى الركن الأسود ويقال له وللركن اليماني الركنان اليمانيان... ثم يبتدأ الطواف إلى أن قال وصفة الطواف أن يحاذي جميعه جميع الحجَر الأسود فيمر بجميع بدنه على جميع الحجَر وذلك بأن يستقبل البيت ويقف على جانب الحجر الذي إلى الركن اليماني بحيث يصير جميع الحجر عن يمينه ويصير منكبه الأيمن عند طرف الحجر ثم ينوي الطواف لله تعالى ثم يمشي مستقبل الحجر ماراً إلى جهة يمينه حتى يجاوز الحجر فإذا جاوزه انفتل وجعل يساره إلى البيت ويمينه إلى خارج، ولو فعل هذا من الأول وترك استقبال الحجر جاز لكنه فاتته الفضيلة، ثم يمشي هكذا تلقاء وجهه طائفاً حول البيت كله فيمر على الملتزم وهو ما بين الركن الذي فيه الحجر الأسود والباب سمي بذلك لأن الناس يلزمونه عند الدعاء، ثم يمر إلى الركن الثاني بعد الأسود ثم يمر وراء الحِجْر – بكسر الحاء وإسكان الجيم – وهو في صوب الشام والمغرب فيمشي حوله حتى ينتهي إلى الركن الثالث ويقال لهذا الركن مع الذي قبله: الركنان الشاميان، وربما قيل المغربيان.
ثم يدور حول الكعبة حتى ينتهي إلى الركن الرابع المسمى بالركن اليماني ثم يمر منه إلى الحجر الأسود فيصل إلى الموضع الذي بدأ منه فيكمل له حينئذ طوفة واحدة ثم يطوف كذلك ثانية وثالثة حتى يكمل سبع طوافات فكل مرة من الحجر الأسود إليه طوفة والسبع طواف كامل، هذه هي صفة الطواف الذي إذا اقتصر عليه صح طوافه(6).

حكمة مشروعية الطواف وبيان فضله:
أولاً: في حكمة مشروعيته:
قبل أن نبدأ بذكر حكمة مشروعية الطواف، يجب أن نعلم تمام العلم وأن نعرف تمام المعرفة أن أصل عبادة الله هي طاعته بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وأن هذه هي العبادة هي التي أود الله الخلق لها قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذريات:56)، كما أنه سبحانه خلق الموت والحياة للابتلاء والامتحان.
قال تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) (الملك:1، 2).
إذا عرفنا هذا فيجب أن نعلم أيضاً أن كل عبادة جاءت بها الشريعة فلها معنىً وحكمة قطعاٍ ؛ لأن الشرع لا يأمر بالعبث ولا بما ليس فيه مصلحة، ومعنى العبادة وكنهها قد يفهمه المكلف، أو يفهم بعضه أو لا يفهمه، فمثلاً الحكمة من الصلاة التواضع والخضوع وإظهار الافتقار إلى الله تعالى، والحكمة من الصوم كسر النفس وقمع الشهوات، والحكمة من الزكاة مواساة المحتاج، والحكمة من الحج إقبال العبد على ربه أشعث أغبر من مسافة بعيدة إلى بيته تعالى، طاعةً لله وإقامةً لذكره، وهكذا في كل عبادة تعبد الله بها عباده، وما ذكرناه هو بعض الحكمة لتلك العبادات لأن المخلوق قاصر لا يدرك كنه وسر ما أمر الله به أو نهى عنه إلا ما أطلعه عليه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، أو بسبب مما وهبه الله له من الفهم المقتبس منهما (سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) (البقرة: من الآية32)، وما أوتيه المخلوق من العلم بجانب علم الله قليل، قال تعالى: (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) (الإسراء: من الآية85).
هذا وإذا كان سر وجودنا في هذا الكون هو لتوحيد الله وطاعته بامتثال أوامره واجتناب نواهيه كان الواجب علينا أن نلتزم ما أمرنا به ونجتنب ما نهينا عنه سواء ظهرت لنا الحكمة في ذلك أو خفيت علينا لأن أوامر هذا الدين ونواهيه قد جاءت من لدن حكيم عليم لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، فله الحكمة البالغة في أمره ونهيه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ولهذا كان سلفنا الصالح وفي مقدمتهم الصحابة الكرام أسرع الناس إلى امتثال أوامر الله وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم، واجتناب النواهي، ولم يتوقف عملهم بما أمروا به، واجتنابهم.. لما نهوا عنه على ظهور الحكمة، لعلمهم أن ما جاءت به الشريعة الإسلامية من أوامر ونواهي هو عين الحكمة لأنها من عند الله العليم الحكيم، ولعلمهم أن عقولهم قاصرة عن إدراك ذلك، فقد جاء في صحيح مسلم وغيره عن معاذة، قالت: سألت عائشة رضي الله عنها فقلت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، فقالت: أحرورية(7) أنت؟ فقلت لست بحرورية ولكني أسأل قالت: كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة(8)، فعائشة رضي الله عنها أحالت ذلك إلى أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وهو وجوب قضاء الصوم دون قضاء الصلاة، وكان بإمكانها وهي العالمة الفقهية أن تجيب بالفرق بين الصوم والصلاة، وهو أن الصلاة كثيرة تتكرر في اليوم خمس مرات، فيشق قضاؤها بخلاف الصوم فإنه إنما يجب في السنة مرة واحدة، ولكنها رضي الله عنها أرجعت ذلك إلى الأمر الشرعي الذي يجب امتثاله.
وجاء في صحيح مسلم أيضاً عن ابن عمر أن عمر رضي الله عنه قبل الحجر الأسود وقال إني لأقبلك وإني لأعلم أنك حجر ولكني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك.
وفي رواية: أنه يقبله ويقول: إني لأقبلك وإني أعلم أنك حجر وأنك لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك(9).
فانظر رحمك الله إلى سرعة امتثال سلفنا الصالح لأوامر الله وأوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتسليمهم لذلك سواء ظهرت لهم الحكمة أو لم تظهر فعمر رضي الله عنه قد يدل قوله السابق على عدم ظهور الحكمة له في تقبيل الحجر الأسود ولكنه فعل ذلك اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه لولا ذلك لما فعل، وإنما قال رضي الله عنه وإنك لا تضر ولا تنفع لئلا يغتر بعض قريبي العهد بالإسلام والذين ألفوا عبادة الأصنام وتعظيمها، ورجاء نفعها أن تقبيل الحجر ينفع بذاته لأنه لا قدرة له على جلب نفع أو دفع ضر فهو حجر مخلوق كسائر المخلوقات التي لا تضر ولا تنفع، وليس معنى كلامه رضي الله عنه أنه لا نفع في تقبيله بل في ذلك امتثال لما شرع فيه ينفع بالجزاء والثواب ولهذا قال: ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك، فمجرد امتثال أمر الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا يحصل به الثواب والأجر من الله، قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) (الأحزاب:21).
هذا ومما تقدم نعلم أن أي أمر أو نهي جاءت به الشريعة الإسلامية يجب امتثاله ولو لم تظهر لنا الحكمة منه، لأن هذه الشريعة من عند الله الحكيم العليم، وليس معنى هذا أننا ننكر التماس الحكمة للأمر أو النهي، ولكننا ننكر توقف الامتثال أو الاجتناب على ظهورها لنا. وإذا عرفنا هذه المقدمة الجليلة بين يدي ذكر الحكمة فإليك بيان ما وقفت عليه من حكمة هذه العبادة أعني عبادة الطواف.
أولاً: هناك حكمة عامة للطواف، ولكل عبادة بل ولكل أمر أو نهي وهي طاعة الله فيما أمر به سبحانه في كتابه أو على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بفعله لوجوب الاقتداء به، ومن ذلك الطواف بالبيت فيكون الإتيان به طاعة لله يثاب عليها العبد، وهذا ما أشرنا إليه آنفاً.
ثانياً: الحكمة الخاصة بالطواف: من حكمة الطواف بالبيت أنه إقامة لذكر الله تعالى وهذه الحكمة قد نصت عليها السنة المطهرة فقد روى أبو داود في سننه قال: "حدثنا مسدد حدثنا عيسى ابن يونس، حدثنا عبيد الله بن أبي زياد عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما جعلا لطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله(10) فعلم من هذا الحديث أن حكمة الطواف هي من أجل إقامة ذكر الله تبارك وتعالى، ومن حكمة الطواف أنه طاعة قربة لله، قال تعالى: (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (الحج: من الآية26)، فيكفي في فضل الطواف بالبيت إضافة هذا البيت الذي شرع الطواف حوله إليه سبحانه وهذه الإضافة تقضي وتستلزم علو مكانته ومنزلته عند الله تعالى بل إن الله لما فرض الحج على عباده أضافه إلى هذا البيت المطهر حيث يقول سبحانه: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) (آل عمران: من الآية97)، وقد أجمع العلماء على عدم صحة من حج ولم يطف بهذا البيت، فالطواف ركنه الأعظم الذي لا يسقط بحال ومن عجز عنه طِيْفَ فيه محمولاً، ولقد أمر الله سبحانه بالطواف حوله بقوله تعالى: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (الحج:29) كما أن في الطواف حوله تأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي طاف حوله.
قال تعالى: )لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) (الأحزاب:21)، هذا وبيت الله والطواف حوله هو أعظم مكان للتضرع والدعاء، ففيه يلتجئ الطائف إلى حمى الله تعالى ويقرع باب إحسانه يلتمس العفو عن السيئات ويسأله الفوز بالجنات فهو مكان تسكب فيه العبارت وتقال فيه العثرات وتتنزل فيه الرحمة على العباد من الرب الكريم.

ثانياً: في فضل الطواف:
الأدلة على فضل الطواف كثيرة نقتصر منها على ما يتناسب مع البحث:
قال تعالى: (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ) (الحج: من الآية26)، وقال عز وجل: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (الحج: من الآية29)، وقال تعالى: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ) (آل عمران:96).
وروى الترمذي قال: حدثنا قتيبة أخبرنا جرير عن عطاء بن السائب عن ابن عبيد بن عمير عن أبيه: أن ابن عمر كان يزاحم على الركنين فقلت: يا أبا عبد الرحمن إنك تزاحم على الركنين زحاماً ما رأيت أ9حداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يزاحم عليه فقال إن أفعل فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن مسحهما كفارة الخطايا وسمعته يقول: لا يضع قدماً ولا يرفع أخرى إلا حط عنه بها خطيئة وكتبت له بها حسنة.
قال أبو عيسى: وروى حماد بن زيد عن عطاء بن السائب عن ابن عبيد بن عمير عن ابن عمر نحوه ولم يذكر فيه عن أبيه وهذا حديث حسن(11).
وروى عبد الرزاق في مصنفه قال: أخبرنا ابن محرر قال: سمعت عطاء ابن أبي رباح يحدث عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل حج وأكثر، أيجعل نفقته في صلة أو عتق فقال النبي صلى الله عليه وسلم: طواف سبع لا لغو فيه يعدل رقبة(12).
وروى عبد الرزاق أيضاً في قصة الرجلين اللذين أتيا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أحدهما من ثقيف والآخر من الأنصار فخيرهما الرسول صلى الله عليه وسلم أن يسألا أو يخبرهما بما جاء يسألانه عنه فاختارا أن يخبرهما الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم للأنصاري جئت تسأل عن خروجك من بيتك تؤم البيت الحرام فتقول: ماذا لي فيه؟ إلى أن قال صلى الله عليه وسلم: "وأما حلقك رأسك فإن لك بكل شعرة حسنة فإذا طفت بالبيت خرجت من ذنوبك كيوم ولدتك أمك"(13).
هذا وقد روي عن عدد من السلف أن التطوع بالطواف بالبيت للآفاقي أفضل من التطوع بالصلاة، فقد روى عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج قال: كنت أسمع عطاءً يسأله الغرباء: الطواف أفضل لنا أم الصلاة؟ فيقول: أمّا لكم فالطواف أفضل إنكم لا تقدرون على الطواف بأرضكم، وأنتم تقدرون هنا على الصلاة.
وروى أيضاً عن ابن جريج قال: أخبرت عن أنس بن مالك أنه قدم المدينة فكتب إلى عمر بن عبد العزيز يسأله، الصلاة أفضل للغرباء أم الطواف؟ فقال له أنس: بل الصلاة، والاستمتاع بالبيت أفضل.
وروى أيضاً عن الثوري عن سالم قال: رأيت سعيد بن جبير يقول للغرباء إذا رآهم يصلون انصرفوا فطوفوا بالبيت(14).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ينزل كل يوم على حجاج بيته الحرام عشرين ومائة رحمة ستين للطائفين وأربعين للمصلين وعشرين للناظرين". قال المنذري في الترغيب والترهيب رواه البيهقي بإسناد حسن(15).
هذا وقد ذكر النووي وغيره خلاف العلماء رحمهم الله فقال: اختلف العلماء في التطوع بالمسجد بالصلاة والطواف أيهما أفضل؟ فقال صاحب الحاوي الطواف أفضل، وظاهر إطلاق المصنف في قوله في باب التطوع (أفضل عبادات البدن الصلاة) أن الصلاة أفضل، وقال ابن عباس وعطاء وسعيد بن جبير ومجاهد الصلاة لأهل مكة أفضل والطواف للغرباء أفضل(16). انتهى.
وقال الشنقيطي في أضواء البيان اختلف العلماء في صلاة النافلة في المسجد الحرام والطواف بالبيت أيهما أفضل؟ فقال بعض العلماء: الطواف أفضل وبه قال بعض الشافعية واستدلوا بأن الله قدم الطواف على الصلاة في قوله تعالى: (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (البقرة: من الآية125).
وقال بعض أهل العلم الصلاة أفضل لأهل مكة والطواف أفضل للغرباء وبه قال ابن عباس وعطاء وسعيد بن جبير ومجاهد كما نقله عنهم النووي في شرح المهذب(17).

الترجيح:
قلت وما قاله ابن عباس وعطاء وسعيد بن جبير ومجاهد وغيرهم من تفضيل الصلاة لأهل مكة والطواف للغرباء قوي متجه لأن غير المكي لا يحصل له الطواف في بلده بخلاف الصلاة كما تقدم في قول عطاء إلا أنني أرى أن تفضيل الطواف للغرباء على نوافل الصلاة ليس على إطلاقه بل نقول: الطواف أفضل للغرباء من نوافل الصلاة المطلقة، أما النوافل المقيدة كالرواتب التي قبل بعض الصلوات أو بعدها فهي أفضل، وكذا ما تشرع له الجماعة كصلاة التراويح مثلاً فهي أفضل حتى للغرباء لأن وقتها محدود بزمن بخلاف الطواف ولهذا لا أرى للغرباء ولا لغيرهم من باب أولى أن ينشغلوا عن ذلك بالطواف. أيضاً الصلاة أفضل من الطواف فيما إذا حصل ممن يتطوعون بالطواف مضايقة لمن يؤدون طواف الحج أو العمرة لأنهم أحق. والله أعلم.

أنواع الطواف وحكم كل نوع:
جملة أنواع الطواف ستة منها ثلاثة في الحج المفرد والقران، وهي طواف القدوم، وطواف الإفاضة، ويسمى طواف الزيارة، وطواف الوداع.
وفي العمرة لمن أداها من أهل الآفاق وجلس في مكة وأراد السفر إلى أهله طوافان:
الأول: طواف الفرض ويسمى طواف الركن لها.
الثاني: طواف الوداع لها.
والنوع السادس طواف عام وهو طواف التطوع المطلق.
أولاً: في حكم طواف القدوم:
طواف القدوم له خمسة أسماء: طواف القدوم، والقادم، والورود، والوارد، وطواف التحية، ويسمى أيضاً طواف اللقاء، وهو بمعنى القدوم(18).
طواف القدوم إنما يتصور في حق مفرد الحج وفي حق القارن إذا كانا قد أحرما من غير مكة ودخلا قبل الوقوف بعرفة، فأما المكي فلا يتصور في حقه طواف القدوم إذ لا قدوم له، وأما المحرم بالعمرة فلا يتصور في حقه أيضاً طواف القدوم بل إذا طاف للعمرة أجزأه عنهما ويتضمن القدوم كما تجزئ الصلاة المفروضة عن الفرض وتحية المسجد.
وأما من أحرم بالحج مفرداً أو قارناً ولم يدخل مكة إلا بعد الوقوف بعرفة فليس في حقه طواف قدوم بل الطواف الذي يفعله بعد الوقوف طواف الإفاضة.

حكم طواف القدوم:
اختلف الفقهاء رحمهم الله في حكم طواف القدوم على قولين:
القول الأول: أنه واجب يجب بتركه دم إن لم يكن تركه لضيق الوقت وهو قول المالكية: وهو رواية عند الحنابلة.
القول الثاني: أن طواف القدوم سنة لا يجب به شيء وهو قول جماهير أهل العلم، وبه قال الحنفية، كما أنه المشهور عند الشافعية والحنابلة.

الأدلة:
أدلة أهل القول الأول والذين يرون الوجوب:
الدليل الأول: قوله تعالى: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (الحج: من الآية29).
وجه الدلالة: أن الله أمر بالطواف بالبيت فدل على الوجوب والفرضية.
مناقشة الدليل السابق:
قال الكاساني في بدائع الصنائع: ولنا أنه لا يجب على أهل مكة بالإجماع ولو كان ركناً لوجب عليهم لأن الأركان لا تختلف بين أهل مكة وغيرهم كطواف الزيارة، فلما لم يجب على أهل مكة دل على أنه ليس بركن، والمراد من الآية طواف الزيارة لإجماع أهل التفسير، ولأنه خاطب الكل بالطواف بالبيت، وطواف الزيارة هو الذي يجب على الكل، فأما طواف اللقاء فإنه لا يجب على أهل مكة دل على أن المراد هو طواف الزيارة، وكذا سياق الآية دليل عليه لأنه أمر بذبح الهدايا بقوله عز وجل: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) (الحج: من الآية28)، وأمر بقضاء التفث وهو الحلق والطواف بالبيت عقيب ذبح الهدي لأن كلمة (ثم) للترتيب مع التعقيب فيقتضي أن يكون الحلق والطواف مرتبين على الذبح، والذبح يختص بأيام النحر لا يجوز قبلها فكذلك الحلق والطواف وهو طواف الزيارة، وأما طواف اللقاء فإنه يكون سابقاً على أيام النحر فثبت أن المراد من الآية الكريمة طواف الزيارة وبه نقول إنه ركن(19).
وقال الشوكاني في نيل الأوطار: وأما الاستدلال على الوجوب بالآية فقال شارح البحر: إنها لا تدل على طواف القدوم لأنها في طواف الزيارة إجماعاً(20).
الدليل الثاني: ما جاء في الصحيحين "أن النبي صلى الله عليه وسلم أول ما يبدأ به الطواف"(21).
وجه الدلالة: أن هذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال صلى الله عليه وسلم: "لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعَلِّي لا أحج بعد حجتي هذه"(22).
أدلة القائلين بسنية طواف القدوم:
استدلوا بأن طواف القدوم تحية فلم يجب كتحية المسجد.
كما استدلوا أيضاً على عدم وجوبه بسقوطه عن أهل مكة بالإجماع، قالوا ولو كان واجباً لم يسقط عنهم(23).
وأجابوا عن فعله صلى الله عليه وسلم بأنه لا يدل على الوجوب.
الترجيح:
قلت والذي يترجح لي والعلم عند الله تعالى هو القول بوجوب طواف القدوم لمن دخل مكة مفرداً بالحج أو قارناً بينه وبين العمرة(24)، وذلك لأن فعل النبي صلى الله عليه وسلم له مع قوله: "خذوا عني مناسككم" يستلزم الوجوب، وقد فعل ذلك الصحابة رضي الله عنهم، فقد روى البخاري في صحيحه عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل القرشي أنه سأل عروة بن الزبير فقال: قد حج النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته عائشة رضي الله عنها أنه أول شيء بدأ به حين قدم أنه توضأ ثم طاف بالبيت، ثم لم تكن عمرة، ثم حج أبو بكر رضي الله عنه فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ثم لم تكن عمرة، ثم عمر رضي الله عنه مثل ذلك، ثم حج عثمان رضي الله عنه فرأيته أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ثم لم تكن عمرة ثم معاوية وعبد الله بن عمر، ثم حججت مع أبي – الزبير بن العوام – فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت، ثم لم تكن عمرة، ثم رأيت المهاجرين والأنصار يفعلون ذلك، ثم لم تكن عمرة، ثم آخر من رأيت فعل ذلك ابن عمر ثم لم ينقضها عمرة، وهذا ابن عمر عندهم أفلا يسألونه ولا أحد ممن مضى ما كانوا يبدؤون بشيء حتى يضعوا أقدامهم من الطواف بالبيت ثم لا يحلون، وقد رأيت أمي وخالتي حين تقدمان ولا تبتدئان بشيء أول من البيت تطوفان به ثلم لا تحلان(25)، وقد رواه مسلم أيضاً بلفظ أطول من هذا(26) هذا وما استدل به أهل القول الأول من قياس غير المكي على المكي قياس مع الفارق كما هو ظاهر، إذ لا بد في القياس من موافقة المقيس للمقيس عليه في العلة والحكم كذلك في قياس الآفاقي على المكي، هذا وقد رجح القول بالوجوب ابن تيمية والشوكاني.
قال ابن تيمية رحمه الله بعد ذكره لرواية الوجوب عن أحمد: وهذه رواية قوية لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده لم يزالوا إذا قدموا مكة طافوا قبل التعريف ولم ينقل أن أحداً منهم ترك ذلك لغير عذر، وهذا خرج منه: امتثالاً لقوله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) (آل عمران: من الآية97)، وقوله: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) (البقرة: من الآية196)، وبياناً لما أمر الله به من حج بيته كما بين الطواف الواجب بسبعة أشواط، فيجب أن تكون أفعاله في حجة كلها واجبة إلا أن يقوم دليل على بعضها أنه ليس بواجب وقد قال صلى الله عليه وسلم: "خذوا عني مناسككم"(27)، ولم يُردْ أن نأخذها عنه علماً، بل علماً وعملاً، كما قال: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ) (الحشر: من الآية7)، فتكون المناسك التي أمر الله بها هي التي فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم(28).
وقال الشوكاني في نيل الأوطار بعد عرضه لخلاف أهل العلم في طواف القدوم: والحق الوجوب لأن فعله صلى الله عليه وسلم مبين لمجمل واجب هو قوله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) (آل عمران: من الآية97)، وقوله صلى الله عليه وسلم: "خذوا عني مناسككم"، وقوله: "حجوا كما رأيتموني أحج" وهذا الدليل يستلزم وجوب كل فعل فعله النبي صلى الله عليه وسلم في حجه إلا ما خصه الدليل، فمن ادعى عدم وجوب شيء من أفعاله في الحج فعليه الدليل على ذلك، وهذه كلية فعليك بملاحظتها في جميع الأبحاث التي ستمر بك(29).
وقال في إرشاد الفحول حول حكم أفعال النبي صلى الله عليه وسلم ما نصه:
القسم السابع: الفعل المجرد عما سبق: فإن ورد بياناً كقوله صلى الله عليه وسلم صلوا كما رأيتموني أصلي، وخذوا عني مناسككم، وكالقطع من الكوع بياناً لآية السرقة، فلا خلاف أنه لا دليل في حقنا وواجب علينا، وإن ورد بياناً لمجمل كان حكمة ذلك المجمل من وجوب وندب كأفعال الحج وأفعال العمرة وصلاة الفرض وصلاة الكسوف.
فرع: في حكم وجوب الدم على من ترك طواف القدوم.
على القول بوجوب طواف القدوم فهل يجب بتركه لغير عذر دم؟ والجواب أنه محل خلاف بين القائلين بوجوب هذا الطواف فقال ابن القاسم من المالكية بوجوب الدم، وقال أشهب لا عليه.
قال الباجي في المنتقى: فصل وإنما سمى طواف الورود الطواف الواجب لأنه واجب على الوارد، وليس يجب بمجرد الحج، ولو كان من أركان الحج لما سقط عمن أحرم من مكة ولا على المراهق(30)، فإن أخره الوارد المدرك فقد قال ابن قاسم عليه دم، وقال أشهب لا شيء عليه، وجه قول ابن القاسم أن هذا نسك قد وجب عليه في حجة فإذا فات مع القدرة عليه، فعليه دم أصل ذلك رمي الجمار، ووجه قول أشهب أن كل ما لا يجب بتركه الدم على من أحرم من مكة فإنه لا يجب به الدم على من أحرم من غير مكة أصل ذلك طواف الوداع(31) قلت والقول في عدم وجوب الدم قوي متجه، والعلم عند الله تعالى.

ثانياً: طواف الإفاضة:
حكمه:
طواف الإفاضة له خمسة أسماء: طواف الإفاضة – وطواف الزيارة – وطواف الفرض – وطواف الركن – وطواف الصَدَر – بفتح الصاد والدال، وقد أجمع العلماء رحمهم الله على أنه ركن من أركان الحج لا يصح الحج إلا به، استناداً إلى قوله تعالى: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (الحج: من الآية29)، وقد أجمعوا على أن المراد بهذا الطواف: طواف الإفاضة.
هذا وقد نقل الإجماع على فرضية هذا الطواف غير واحد من أهل العلم.
قال الكاساني: وأما طواف الزيارة.. فالدليل على أنه ركن قوله تعالى: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (الحج: من الآية29) والمراد منه طواف الزيارة بالإجماع(32).
وقال القرطبي: قال إسماعيل بن إسحاق: والطواف الواجب الذي لا يسقط بوجه من الوجوه هو طواف الإفاضة الذي يكون بعد عرفة، قال الله تعالى: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (الحج:29) قال فهذا هو الطواف المفترض في كتاب الله عز وجل وهو الذي يحل به الحاج من إحرامه كله، قال الحافظ أبو عمر: ما ذكره إسماعيل في طواف الإفاضة هو قول مالك عند أهل المدينة، وهي رواية ابن وهب وابن نافع وأشهب عنه، وهو قول جمهور أهل العلم من فقهاء الحجاز والعراق(33).
وقال النووي في المجموع: واعلم أن طواف الإفاضة ركن لا يصح الحج إلا به، وقال أيضاً: وهذا الطواف ركن من أركان الحج لا يصح إلا به بإجماع الأمة(34).
وقال ابن قدامة في المغني: والأطوفة المشروعة ثلاثة: طواف الزيارة وهو ركن الحج لا يتم إلا به بغير خلاف(35).

بداية وقته:
طواف الإفاضة له وقت فضيلة ووقت جواز:
فأما وقت الفضيلة فهو يوم النحر أول النهار استناداً إلى ما رواه مسلم في صحيحه عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاض يوم النحر، ثم رجع فصلى الظهر بمنى، قال نافع: فكان ابن عمر يفيض يوم النحر ثم يرجع فيصلي الظهر بمنى ويذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله(36).
قال النووي: بعد ذكره لهذا الحديث: وفي هذا الحديث إثبات طواف الإفاضة وأنه يستحب فعله يوم النحر وأول النهار وقد أجمع العلماء على أن هذا الطواف وهو طواف الإفاضة ركن من أركان الحج لا يصح إلا به، واتفقوا على أنه يستحب فعله يوم النحر بعد الرمي والنحر والحلق(37).
وأما وقت الجواز فقد اختلف الفقهاء رحمهم الله في ابتدائه على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن ابتداء وقته من طلوع فجر يوم النحر وهو قول الحنفية، وقول في مذهب المالكية، وهو رواية عند الحنابلة.
القول الثاني: أن ابتداء وقته من منتصف ليلة النحر وبه قال الشافعية والحنابلة.
القول الثالث: أن من طاف يوم التروية قبل يوم عرفة فقد طاف للحج في وقته وهو قول في مذهب المالكية.

الأدلة:
أدلة القول الأول والذي مفاده أن ابتداء وقته بعد طلوع فجر يوم النحر:
الدليل الأول: فعله صلى الله عليه وسلم مع قوله: "خذوا عني مناسككم"(38)، وقد طاف صلى الله عليه وسلم طواف الإفاضة يوم النحر في النهار ولم يطف ليلة النحر، والليالي تابعة للأيام السابقة لا اللاحقة، والنهار يبتدأ من طلوع الفجر(39).
الدليل الثاني: ما رواه أبو داود في سننه قال حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا ابن أبي فديك عن الضحاك – يعني ابن عثمان – عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: أرسل النبي صلى الله عليه وسلم بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت وكان ذلك اليوم الذي يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم – يعني عندها(40).
وجه الدلالة: أن طوافها كان بعد طلوع الفجر، لأنها رمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت إلى مكة قال ابن تيمية في شرح العمدة(41): قالوا ومن المنزل إلى مكة نحو من سبعة أميال أو أكثر، ومن موقف الإمام بعرفة إلى باب المسجد الحرام بريد: اثنا عشر ميلاً... إلى أن قال رحمه الله وحديث أم سلمة لا يخالفه – أي لا يخالف حديث أسماء والذي فيه أنها إنما انصرفت من مزدلفة بعد غيبوبة القمر – فإن ستة أميال تقطع في أقل من ثلاث ساعات بكثير بل في قريب من ساعتين فإذا قامت بعد مغيب القمر: أدركت الفجر بمكة إدراكاً حسناً.
وأما طوافها.....(42).
قلت وحديث عائشة في إرسال أم سلمة قد سكت عنه أبو داود وسكوته يدل على أنه صالح عنده، إذ قال أبو حازم قال: أبو داود في رسالته لأهل مكة وليس في كتاب السنن الذي صنفته عن رجل متروك الحديث شيء(43).
قال ابن كثير: انفرد به أبو داود وهو إسناد جيد(44).
وقال ابن حجر: إسناده صحيح(45)، وقال ابن قدامة واحتج به أحمد(46).
قال النووي في شرح المهذب: وأمّا حديث عائشة في إرسال أم سلمة فصحيح رواه أبو داود بلفظه بإسناد صحيح على شرط مسلم(47).
وقال الشنقيطي في أضواء البيان بعد سياقه لكلام النووي السالف الذكر ما نصه: "قال مقيده عفى الله عنه وغفر له ما ذكره النووي من كون إسناد أبي داود المذكور صحيح على شرط مسلم: لأن طبقته الأولى هارون الحمال وهو ثقة من رجال مسلم، وطبقته الثانية محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فديك وهو صدوق أخرج له الشيخان وغيرهما وطبقته الثالثة الضحاك بن عثمان الحزامي الكبير وهو صدوق يهم، وهو من رجال مسلم، وباقي الإسناد هشام بن عروة بن الزبير عن عائشة وصحته ظاهرة فالاحتجاج بهذا الإسناد ظاهر لأن جميع رجاله من رجال مسلم، وبعض رجاله أخرج له الجميع فظاهره الصحة(48).
هذا وقد أطلت في الكلام عن بيان درجة الحديث لوجود من اعترض عليه من جهة سنده ومتنه ودلالته(49) وما ذكرناه عن الحديث من حيث قوة إسناده وصحته هو الأولى. والله أعلم.
أدلة القول الثاني: والذي مفاده أن ابتداء طواف الإفاضة من منتصف ليلة النحر استدلوا بحديث عائشة المتقدم(50)، والذي فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت... إلخ.
وجه الدلالة لهم: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل بها في ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت قالوا وهذا كله في الليل قبل الفجر.
كما استدلوا بأدلة جواز الدفع من مزدلفة قبل فجر يوم النحر والتي منها ما رواه البخاري عن عبد الله مولى أسماء عن أسماء أنها نزلت ليلة جمع عند المزدلفة فقامت تصلي، فصلت، ثم قالت: يا بنيّ هل غاب القمر؟ قلت: لا، ثم صلت ساعة ثم قالت: يا بني هل غاب القمر، فقلت: نعم. قالت: فارتحلوا فارتحلنا فمضينا، ثم رجعت فصلت الصبح في منزلها فقلت يا هنتا(51) ما أرانا إلا قد غلسنا(52)، قالت يا بنتي إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أذن للظعن(53)(54).
ومنها ما رواه النسائي في سننه عن عطاء بن أبي رباح أن مولى لأسماء بنت أبي بكر أخبرهم قال: جئت مع أسماء بنت أبي بكر، منى بغلس، فقلت لها: لقد جئنا بغلس فقالت: كنا نصنع هذا مع من هو خير منك(55). ولأبي داود قالت: كنا نصنع هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم(56).
وجه الدلالة من الأحاديث السابقة: جواز الدفع من مزدلفة بعد منتصف الليل وإذا جاز الدفع منها جاز الرمي والطواف.
أدلة القول الثالث: والذي مفاده أن من طاف يوم التروية فقد طاف للحج في وقته قال النمري القرطبي مستدلاً لهذا القول: ومن قال هذا قال: إنما قيل لطواف الدخول وطواف الإفاضة واجب لأن بعضها ينوب عن بعض على ما وصفنا، ولأنه قد روي عن مالك أنه يرجع من نسي أحدهما من بلده كما يرجع إلى الآخر على ما ذكرنا، ولأن الله عز وجل لم يفرض على الحاج إلا طوافاً واحداً بقوله: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ) (الحج: من الآية27)، وقال في سياق الآية: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (الحج:29)، والواو في هذه الآية وغيرها عندهم لا توجب رتبة إلا بتوقيت ومن طاف بالبيت يوم التروية فقد طاف للحج في وقته وحين عمله(57).
الترجيح والمناقشة:
بعد عرض أقوال العلماء رحمهم الله وأدلتهم على بداية وقت جواز طواف الإفاضة يتضح ما يلي:
أولاً: أن القول الثالث والذي مفاده جواز طواف الإفاضة قبل يوم عرفة قول ضعيف جداً، واستدلالهم بأن الله سبحانه لم يفرض على الحاج إلا طوافاً واحداً، أمر مسلَّم به غير أن هذا الطواف والمذكور في قوله تعالى: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (الحج: من الآية29) هو طواف الإفاضة بالإجماع وهو الطواف الذي يكون بعد عرفة وهو الذي يحلُّ به من إحرامه والدليل على ذلك أن الله سبحانه ذكر الحج بقوله: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ ) (الحج: من الآية27)، ثم قال سبحانه في سياق الآيات: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) وهو كل ما يحل به الحاج من رمي وحلاق، ثم قال: (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) أي يأتوا بما وجب عليهم (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (الحج:29)، فذكر الطواف بعد إلقاء التفث وهو عطف بالواو على ثم، وثم توجب الرتبة، فلا يكون الطواف المفترض الواجب إلا بعد ذلك.
ثانياً: أن القول الأول والذي مفاده جواز طواف الإفاضة بعد طلوع الفجر.
قد استدل أربابه بأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف يوم النحر بالنهار، وقال: "خذوا عني مناسككم" والنهار يبتدأ من طلوع الفجر.
والجواب: عن هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم إما طاف ضحى يوم النحر، فقد روى مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاض يوم النحر، ثم رجع فصلى الظهر بمنى(58).
وأما قولهم إن ابتداء النهار من طلوع الفجر، فالجواب عنه أنه محل خلاف بين أهل العلم إذ من العلماء من يرى أن ابتداء النهار من طلوع الشمس، ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يطف إلا بعد طلوع الشمس وقد قال: لتأخذوا عني مناسككم.
وأما استدلالهم بحديث عائشة والذي فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت... إلخ.
فالجواب عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أذن للضعفة بالدفع من مزدلفة آخر الليل إذا قلنا: إذا جاز لهم الدفع جاز الطواف، لكن هذا الإذن يختص بهم إذ إن مساواة القوي بالضعيف في الدفع من مزدلفة وما بعده من الرمي والطواف استناداً على الأدلة التي جاءت بالترخيص لهم غير مستقيم ولا مسلَّم به لأن التعبير بالرخصة يقتضي أن يقابلها عزيمة، وقياس القوي على الضعيف قياس مع الفارق وهو مردود كما هو مقرر في الأصول(59).
ثانياً: أن القول الثاني والذي مفاده جواز طواف الإفاضة بعد منتصف الليل غية ما استدلوا به: هي الأحاديث التي جاءت بترخيص النبي صلى الله عليه وسلم للضعفة من أهله وغيرهم بالدفع من مزدلفة آخر الليل قبل حطمة الناس والتي منها أن بعض من رخص له قد طاف طواف الإفاضة بعد رمي جمرة العقبة.
والجواب عنها كالجواب عن حديث عائشة في قصة إرسال النبي صلى الله عليه وسلم بأم سلمة إذ كلها بمعناه فالرسول صلى الله عليه وسلم إنما أذن بالدفع من مزدلفة آخر الليل للضعفة وقياس القوي على الضعيف قياس مع الفارق، وقد تقدم تفصيل ذلك آنفاً في الجواب عن أدلة القول الأول.
رابعاً: أن أرباب هذا القول وقتوا جواز طواف الإفاضة بالنصف الثاني من الليل وهو أيضاً لا دليل عليه حتى في حق الضعفة فضلاً عن الأقوياء إذ الأدلة التي جاءت بخصوص الضعفة والتي تقدم بعضها في القولين الأولين إنما جاءت بالرخصة بالدفع من مزدلفة، والذي قلنا: يترتب عليه جواز طواف الإفاضة جاءت بعد غيبوبة القمر، والقمر كما هو معلوم لا يغاب في الليلة العاشرة إلا بعد مضي أكثر الليل لا نصفه، قال العلامة ابن القيم رحمه الله والذي دلت عليه السنة إنما هو التعجل بعد غيبوبة القمر لا نصف الليل وليس مع من حدّه بالنصف دليل(60). وقال ابن تيمية رحمه الله: فهذه أسماء قد روت الرخصة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعلتها مؤقتة بمغيب القمر إذ كانت هي التي روت الرخصة وليس في الباب شيء مؤقت أبلغ من هذا، وسائر الأحاديث لا تكاد تبلغ هذا الوقت، وحديث أم سلمة لا يخالفه، فإن ستة أميال تقطع في أقل من ثلاث ساعات بكثير بل في قريب من ساعتين، فإذا قامت بعد مغيب القمر، أدركت الفجر بمكة إدراكاً حسناً... وعلى هذا فيكون المبيت واجباً إلى أن يبقى سبعا الليل إذا جعل آخره طلوع الشمس وذلك أقل من الثلث) إلى أن قال: (فتكون الإفاضة من جمع جائزة إذا بقي من وقت الوقوف الثلث وتقدير الرخصة بالثلث: له نظائر في الشرع، والتقدير بالأسباع له نظائر خصوصاً في المناسك فإن أمر الأسباع فيه غالب، فيجوز أن يكون الوقوف بمزدلفة مقدراً بالأسباع(61).
هذا وبناءً على استعراض أدلة الأقوال المتقدمة ومناقشتها يترجح لي والعلم عند الله تعالى أن ابتداء طواف الإفاضة ينبني على ابتداء وقت جواز الدفع من مزدلفة ليلة النحر وقد تبين لنا من خلال الأدلة المتقدمة أن ابتداء الدفع من مزدلفة يختلف باختلاف الحاج قوة وضعفاً، فالضعفة من النساء والصبيان والمرأة الحامل، وكبار السن من الرجال والنساء والمرضى، وكذا المرأة التي يخشى من حيضها أو نفاسها والذي يترتب على تأخرها تعطيل رفقتها، وكذاا لمرافق لأي ممن تقدم كالسائق والمحْرَم والمساعد ونحوهم كل هؤلاء يجوز لهم الطواف بعد دفعهم من مزدلفة وبعد غيبوبة القمر آخر ليلة النحر كما تقدم إيضاحه، وأما الأقوياء فلا يجوز لهم لطواف إلا بعد طلوع الشمس لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ممن لا عذر لهم لم يطوفوا إلا بعد طلوع الشمس وهذا القول هو الذي يجمع بين النصوص المتقدمة، ومتى أمكن الجمع وجب العمل به، ولا يلجأ لغيره كالترجيح بين الأدلة إلا لتعذره، والله أعلم.

نهاية وقت طواف الإفاضة:
لم يرد نص في نهاية وقت طواف الإفاضة وجمهور العلماء على أنه لا آخر لوقته بل يبقى وقته ما دام صاحب النسك حياً، لكن العلماء اختلفوا في لزوم الدم بالتأخير أو عدم لزومه إلى ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه لا يلزم بالتأخير دم مطلقاً ففي أي وقت أتى به أجزأه، وهذا قول أبي يوسف ومحمد من الحنفية ومذهب الشافعية والحنابلة.
القول الثاني: أن تأخيره عن أيام التشريق يجب فيه دم، وهو قول أبي حنيفة، وقول لبعض الحنابلة، وقد خرجه القاضي وغيره رواية في المذهب.
القول الثالث: أنه لا يجب الدم إلا إذا أخره عن شهر ذي الحجة، وهذا هو المشهور عن المالكية.
الأدلة:
استدل أهل القول الأول على عدم وجوب الدم في التأخير: بأنه لم يرد نص على نهاية وقت طواف الإفاضة فمتى فعله الإنسان أجزأه، ولأنه لو توقت آخره لسقط بمضي آخره كالوقوف بعرفة فلما لم يسقط دل على أنه لم يتوقف، ثم إنّ الأصل عدم وجوب الدم حتى يرد الشرع به(62).
واستدل أهل القول الثاني والثالث على وجوب الدم في التأخير بأن التأخير بمنزلة الترك في حق وجوب الجابر بدليل أن من جاوز الميقات بغير إحرام ثم أحرم يلزمه دم ولو لم يوجد منه إلا تأخير النسك، وكذا تأخير الواجب في باب الصلاة بمنزلة الترك في حق وجوب الجابر وهو سجود السهو فكان الفقه في ذلك أن أداء الواجب كما هو واجب، إذ مراعاة محل الواجب واجب فكان التأخير تركاً للمراعاة الواجبة وهي مراعاته في محله(63). قالوا ولأنه نسك يفعل في الحج فكان آخره محدوداً كالوقوف والرمي فإذا أخره لزم أن يجبره بدم.
الترجيح:
يترجح لي والعلم عند الله تعالى عدم وجوب الدم بتأخير طواف الإفاضة لأن آخر وقته غير محدود شرعاً، ولهذا أجمعوا على أنه من أتى به ولو سافر ورجع أجزأه، وإنما الخلاف في وجوب الدم ولا دليل على وجوبه إذ الأصل عدم وجوبه، واستدلال الموجبين بأن التأخير بمنزلة الترك في حق وجوب الجابر غير مسلم به إذ قد يعفى عن التأخير من غير جبر ولا حرج، ولا يعفى عن الترك فقد روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له في الذبح والحلق والرمي والتقديم والتأخير فقال: لا حرج، وفي رواية عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل يوم النحر بمنى، فيقول: لا حرج فسأله رجل فقال: حلقت قبل أن أذبح قال اذبح ولا حرج، وقال رميت بعدما أمسيت فقال: لا حرج، وروى البخاري أيضاً عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما سئل يومئذ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: افعل ولا حرج(64).
هذا وقياسهم طواف الإفاضة على الوقوف والرمي قياس مع الفارق لأن الوقوف والرمي مؤقتان بوقت يفوتان بفواته وليس كذلك في طواف الإفاضة فإنه متى أتي به صح كما تقدم. والله أعلم.

ثالثاً: طواف العمرة:
اتفق الأئمة الأربعة على أن طواف العمرة ركن من أركانها لا تصح إلا به بل نقل بعض أهل العلم الإجماع على ذلك.
قال الكاساني في بدائع الصنائع: وأما ركنها – يعني العمرة – فالطواف، لقوله عز وجل: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (الحج: من الآية29) ولإجماع الأمة عليه(65).
وجاء في مواهب الجليل ما نصه: "ثم الطواف لهما سبعاً" هذا معطوف على الإحرام في قوله: وركنهما الإحرام ويعني أن الركن الثاني من الأركان التي يشترك فيها الحج والعمرة الطواف فإن الطواف ركن في العمرة والطواف الركن في الحج طواف الإفاضة(66).
وقال النووي في المجموع: وأما العمرة فأركانها الإحرام والطواف والسعي والحلق إن جعلناه نسكاً(67).
وقال البهوتي في كشاف القناع: وأركان العمرة ثلاثة الإحرام والطواف والسعي... فمن ترك ركناً أو ترك النية له إن اعتبرت فيه كالطواف والسعي لم يتم نسكه إلا به(68).

رابعاً: طواف الوداع للحج لغير حاضري المسجد الحرام:
حكمه:
طواف الوداع سمي بهذا الاسم لأنه لتوديع البيت ويطلق عليه طواف خروج وطواف الصدر لأنه عند خروج وصدور الناس من مكة، وهو آخر ما يفعله الحاج غير المكي عند إرادته السفر من مكة.
وحكمة مشروعيته والله أعلم: تعظيم بيت الله تعالى الذي أضافه سبحانه إليه بقوله: (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (الحج: من الآية26) فيكون هو الأول وهو الآخر بياناً لكونه هو المقصود من السفر.
هذا وقد أجمع العلماء رحمهم الله على مشروعيته وعلى سقوطه عن الحائض إلا ما روي عن ابن الخطاب وابن عمر وزيد بن ثابت أنهم أوجبوه على الحائض وقد ثبت رجوع ابن عمر وزيد بن ثابت(69).
وقد جاء في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض(70).
وروى مسلم في صحيحه عن طاوس قال: كنت مع ابن عباس إذ قال زيد ابن ثابت: تفتي أن تصدر الحائض قبل أن يكون آخر عهدها بالبيت، فقال له ابن عباس: إما لا فسل فلانة الأنصارية هل أمرها بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فرجع زيد بن ثابت إلى ابن عباس يضحك وهو يقول: ما أراك إلا قد صدقت، وروى مسلم أيضاً عن عائشة رضي الله عنها قالت حاضت صفية بنت حيي بعدما أفاضت قالت عائشة فذكرت حيضتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحابستنا هي قالت: فقلت يا رسول الله إنها قد كانت أفاضت وطافت بالبيت ثم خاضت بعد الإفاضة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلتنفر"(71).
هذا وقد اختلفوا في حكمه في حق غير الحائض على قولين:
القول الأول: أنه واجب وهو قول جمهور العلماء منهم الحسن البصري والحكم وحماد والثوري وغيرهم وهو قول أبي حنيفة والأصح في مذهب الشافعي كما أنه مذهب الحنابلة.
القول الثاني: أنه سنة وبه قال الإمام مالك وحكاه النووي عن داود وابن المنذر وعن مجاهد في رواية عنه، وهو قول في مذهب الشافعي.
الأدلة:
أدلة القائلين بوجوب طواف الوداع:
الدليل الأول: ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض(72).
الدليل الثاني: ما رواه مسلم وأبو داود وابن ماجة وغيرهم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان الناس ينصرفون في كل وجه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت(73).
قال النووي في شرحه لهذا الحديث: فيه دلالة لمن قال بوجوب طواف الوداع وأنه إذا تركه لزمه دم وهو الصحيح من مذهبنا، وبه قال أكثر العلماء(74).
الدليل الثالث: ما رواه مالك في الموطأ عن نافع عن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال لا يصدرن أحد من الحاج حتى يطوف بالبيت فإن آخر النسك الطواف بالبيت(75).
قال الباجي قال مالك في قول عمر بن الخطاب فإن آخر النسك الطواف بالبيت أن ذلك فيما نرى والله أعلم لقول الله تبارك وتعالى: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) (الحج: من الآية32)، وقال: (ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (الحج: من الآية33)، فمحل الشعائر كلها وانقضاؤها إلى البيت العتيق(76).
الدليل الرابع: ما رواه مالك أيضاً عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ردّ رجلاً من ممر الظهران لم يكن ودع البيت حتى ودع(77).
الدليل الخامس: ما رواه البخاري ومسلم عن عروة عن أم سلمة رضي الله عنهما زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وهو بمكة وأراد الخروج ولم تكن أم سلمة طافت بالبيت وأرادت الخروج فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت صلاة الصبح فطوفي على بعيرك والناس يصلون ففعلت ذلك فلم تصلي حتى خرجت(78).
هذا وقد قال ابن حجر في الفتح: حديثها هذا في طواف الوداع(79).
أدلة القائلين بسنية طواف الوداع:
الدليل الأول: ما رواه البخاري ومسلم ومالك وغيرهم واللفظ لمسلم عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أراد من صفية بعض ما يريد الرجل من أجله فقالوا: إنها حائض يا رسول الله قال: وإنها لحابستنا، فقالوا يا رسول الله إنها قد زارت يوم النحر قال: فلتنفر معكم، وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم لما علم بحيضها قال لها: عقري حلقي إنك لحابستنا ثم قال: أكنت أفضت يوم النحر قالت نعم قال فانفري(81).
وجه الدلالة: من الحديث السابق لهذا القول:
قال الباجي (مسألة) إذا ثبت أنه مشروع – يعني طواف الوداع – فليس بواجب، ثم ذكر حديث عائشة المتقدم – وقال: فوجه الدليل من الحديث أنه خاف أن لا تكون طافت للإفاضة وأن يحبسهم ذلك بمكة، فلما أخبر أنها قد أفاضت، قال: أخرجوا ولم يحبسهم لعذر طواف الوداع على صفية كما خاف أن يحبسهم لعذر طواف الإفاضة(82).
الدليل الثاني: ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أُمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خُفف عن المرأة الحائض(83).
وجه الدلالة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم رخص للحائض في تركه ولم يأمرها بدم ولا شيء ولو كان واجباً لأمر بجبره ولوجب عليها كطواف الإفاضة، قالوا ولأنه كتحية البيت أشبه طواف القدوم(84).
الترجيح والمناقشة:
قلت والذي يترجح لي والله أعلم هو القول بوجوب طواف الوداع على كل من أراد الخروج من مكة وهو من غير حاضري المسجد الحرام إلا الحائض والنفساء وذلك لعدة وجوه:
الوجه الأول: أن غاية ما استدل به من رأى سُنية ترخيص النبي صلى الله عليه وسلم للحائض في تركه وأنهه تحية للبيت كطواف القدوم.
والجواب عن هذا: أن تخصيص الحائض بإسقاطه عنها دليل على وجوبه على غيرها إذ لو كان ساقطاً عن الكل لم يكن لتخصيصها بذلك معنى، هذا وقياس طواف الوداع على طواف القدوم قياس مع الفارق ذلك أن طواف الوداع جاء الأمر به من الرسول صلى الله عليه وسلم بخلاف طواف القدوم ثم إن بعض من قال بسنيته طواف الوداع وهم المالكية قالوا بوجوب طواف القدوم كما تقدم وبناءً على هذا فهو قياس مسألة مختلف فيها على مثلها، وهذا غير سليم في القياس إذ الصحيح في القياس قياس مسألة مختلف فيها على متفق عليها.
الوجه الثاني: أن الأدلة الصحيحة والتي تقدمت في أدلة القول الأول صريحة في أمره صلى الله عليه وسلم للناس بأن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض، والأمر يقتضي الوجوب.
الوجه الثالث: ثبوت نهيه صلى الله عليه وسلم الناس عن الانصراف والنفر قبل أن يكون آخر عهدهم بالبيت، فقد تقدم فيما رواه مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت(85)، فهو دليل على منع النفر بدون وداع، وهو واضح في وجوب طواف الوداع.
الوجه الرابع: ثبوت طواف الوداع بفعله صلى الله عليه وسلم فقد روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ورقد رقدة بالمحصب ثم ركب إلى البيت فطاف به(86).
قال ابن حجر في الفتح: وفي سياق حديث أنس الثاني ما يشعر بأنه صلى بالأبطح وهو المحصب مع ذلك المغرب والعشاء، ثم ركب إلى البيت فطاف به أي طواف الوداع(87).
قلت: وحديث أنس هذا صريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف للوداع قبل أن يخرج ففيه دلالة على ثبوت طواف الوداع بفعله صلى الله عليه وسلم والذي يدل على الوجوب مع قوله صلى الله عليه وسلم: "خذوا عني مناسككم".
قال الشوكاني في نيل الأوطار: وقد اجتمع في طواف الوداع: أمره صلى الله عليه وسلم به، ونهيه عن تركه، وفعله الذي هو بيان للمجمل الواجب، ولا شك أن ذلك يفيد الوجوب(88).
وقال ابن حجر على حديث ابن عباس رضي الله عنهما: ولفظه: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنّه خُفف عن المرأة الحائض.
(فيه دليل على وجوب طواف الوداع للأمر المؤكد به وللتعبير في حق الحائض بالتخفيف كما تقدم، والتخفيف لا يكون إلا من أمر مؤكد)(89).
وقال ابن قدامة: وليس في سقوطه – يعني طواف الوداع – عن المعذور ما يجوز سقوطه لغيره كالصلاة تسقط عن الحائض وتجب على غيرها، بل تخصيص الحائض بإسقاطه عنها دليل على وجوبه على غيرها إذ لو كان ساقطاً عن الكل لم يكن لتخصيصها بذلك معنى(90).
فرع فيما إذا طهرت الحائض أو النفساء بعد أن نفرت وقبل مفارقة بنيان مكة.
جمهور العلماء رحمهم الله على أن الحائض إذا طهرت قبل مفارقتها البنيان من مكة أن عليها أن ترجع، ولا يلزمها الرجوع فيما إذا تجاوزت مكة بمسافة قصر.
واختلفوا فيما إذا تجاوزتها بأقل من مسافة قصر على قولين:
أحدهما: يلزمها الرجوع.
والثاني: لا يلزمها.
قال النووي في المجموع: ولو طهرت الحائض أو النفساء فإن كان قبل مفارقة بناء مكة لزمها طواف الوداع لزوال عذرها، وإن كان بعد مسافة قصر لم يلزمها العود بلا خلاف، وإن كان بعد مفارقة مكة وقبل مسافة القصر، فقد نص الشافعي أنه لا يلزمها، ونص أن المقصر بترك الطواف يلزمه العود، وللأصحاب طريقاً (المذهب) الفرق كما نص عليه وبه قطع المصنف والجمهور لأنه مقصر بخلاف الحائض (والطريق الثاني) حكاه الخراسانيون فيهما قولان (أحدهما) يلزمها (والثاني) لا يلزمهما (فإن قلنا) لا يجب العود فهل الاعتبار في المسافة بنفس مكة أم بالحرم فيه طريقان (المذهب) وبه قطع المصنف والجمهور بنفس مكة (والثاني) حكاه جماعة من الخراسانيين: فيه وجهان (أصحهما) هذا (والثاني) الحرم(91).
وقال ابن قدامة في المغني (فصل) وإذا نفرت الحائض بغير وداع فطهرت قبل مفارقة البنيان رجعت فاغتسلت لأنها في حكم الإقامة بدليل أنها لا تستبيح الرخص فإن لم يمكنها الإقامة فمضت أو مضت لغير عذر فعليها دم، وإن فارقت البنيان لم يجب الرجوع لأنها قد خرجت عن حكم الحاضر، فإن قيل: فلم لا يجب الرجوع إذا كانت قريبة كالخارج من غير عذر، قلنا: هناك ترك واجباً فلم يسقط بخروجه حتى يصير إلى مسافة القصر لأنه يكون إنشاء سفر طويل غير الأول وههنا لم يكن واجباً ولا يثبت وجوبه ابتداء إلا في حق من كان مقيماً(92).
قلت وما ذكره ابن قدامة من عدم وجوب رجوع الحائض بعد مفارقة بنيان مكة قوي متجه وكذا النفساء، والله أعلم.
فرع في طواف الوداع للحج على أهل مكة أو من أراد الإقامة فيها.
جماهير أهل العلم ومنهم الأئمة الأربعة على عدم وجوب طواف الوداع للحج على حاضري المسجد الحرام أو من أراد الإقامة فيه من غيرهم وقد نص فقهاء المذاهب على ذلك.
قال الكاساني: أما شرائط الوجوب فمنها أن يكون من أهل الآفاق فليس على أهل مكة ولا من كان منزله داخل المواقيت إلى مكة طواف الصدر إذا حجوا لأن هذا الطواف إنما وجب توديعاً للبيت، ولهذا يسمى طواف الوداع ويسمى طواف الصدر لوجوده عند صدور الحجاج ورجوعهم إلى وطنهم، وهذا لا يوجد في أهل مكة لأنهم في وطنهم، وأهل داخل المواقيت في حكم أهل مكة فلا يجب عليهم كما يجب كما لا يجب على أهل مكة، وقال أبو يوسف أحب إليّ أن يطوف المكي طواف الصدر لأنه وضع لختم أفعال الحج، وهذا المعنى يوجد في أهل مكة، ولو نوى الآفاقي الإقامة بمكة أبداً بأن توطن بها واتخذها داراً فهذا لا يخلو من أحد وجهين: إما أن ينوي الإقامة بها قبل أن يحل النفر الأول، وإما أن ينوي بعد ما حل النفر الأول، فإن نوى الإقامة قبل أن يحل النفر الأول سقط عنه طواف الصدر أي لا يجب عليه بالإجماع، وإن نوى بعد ما حل النفر الأول لا يسقط وعليه طواف الصدر في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف يسقط عنه إلا إذا شرع فيه، ثم ذكر وجه قول أبي حنيفة وقول أبي يوسف(93).
وجاء في الكافي في فقه أهل المدينة: ولا ينصرف أحد إلى بلده حتى يودع البيت بالطواف سبعاً فإن ذلك سنة ونسك لا يسقط إلا عن الحائض وحدها وهو عند مالك مستحب لا يرى فيها دماً(94).
وقال الشيرازي في المهذّب (فصل) إذا فرغ من الحج فأراد المقام لم يكلف طواف الوداع، فإذا أراد الخروج طاف للوداع وصلى ركعتي الطواف للوداع(95).
وقالا لنووي في المجموع شرح المذهب: قال أصحابنا من فرغ من مناسكه وأراد المقام بمكة ليس عليه طواف الوداع، وهذا لا خلاف فيه سواء كان من أهلها أو غريباً، وإن أراد الخروج من مكة إلى وطنه أو غيره طاف للوداع(96).
وقال ابن قدامة على قول الخرقي (فإذا أتى مكة لم يخرج حتى يودع البيت) قال: وجملة ذلك: أن من أتى مكة لا يخلو إما أن يريد الإقامة بها أو الخروج منها فإن أقام بها فلا وداع عليه لأن الوداع من المفارق لا من الملازم سواء نوى الإقامة بها قبل النفر أو بعده) إلى أن قال: ومن كان منزله في الحرم فهو كالمكي لا وداع عليه ومن كان منزله خارج الحرم قريباً منه فظاهر كلام الخرقي أن لا يخرج حتى يودع البيت وهذا قول أبي ثور وقياس قول مالك ذكره ابن القاسم(97).
فرع: هل طواف الوداع من جملة المناسك أو عبادة مستقلة:
للعلماء في ذلك مذهبان: أحدهما أنه من المناسك، والثاني أنه عبادة مستقلة.
قال النووي في المجموع (السادسة) هل طواف الوداع من جملة المناسك أم عبادة مستقلة فيه خلاف (قال) إمام الحرمين والغزالي هو من المناسك وليس على الحاج والمعتمر طواف وداع إذا خرج من مكة لخروجه (وقال) البغوي والمتولي وغيرهما ليس طواف الوداع من المناسك بل هو عبادة مستقلة يؤمر بها كل من أراد مفارقة مكة إلى مسافة قصر سواء كان مكياً أو أفقياً، وهذا الثاني أصح عند الرافعي وغيره من المحققين تعظيماً للحرم وتشبيهاً لاقتضاء خروجه الوداع باقتضاء دخوله الإحرام.
قال الرافعي: ولأن الأصحاب اتفقوا على أن المكي إذا حج ونوى أن يقيم بوطنه لا يؤمر بطواف الوداع، وكذلك الأفقي إذا حج وأراد الإقامة بمكة لا وداع عليه، ولو كان من جملة المناسك لعم الحجيج هذا كلام الرافعي، ومما يستدل به من السنة لكونه ليس من المناسك ما ثبت في صحيح مسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثاً"(98).
وجه الدلالة: أن طواف الوداع يكون عند الرجوع وسماه قبل قاضياً للمناسك وحقيقته أن يكون قضاها كلها(99).
قلت: وهذا الخلاف في مذهب الشافعية.
أما الحنفية فظاهر كلامهم أنه نسك حيث قال الكاساني وهو يتكلم عن طواف الوداع (والطواف آخر مناسكه)(100).
وأما المالكية فقد اختلفوا فيه كالمذهبين، وسبب اختلافهم راجع إلى اختلافهم في معنى قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فيما رواه مالك عنه أنه قال: لا يصدرن أحد من الحاج حتى يطوف بالبيت فإن آخر النسك الطواف بالبيت(101).
قال الباجي بعد سياقه لهذا الأثر (فصل) وقوله فإن آخر النسك الطواف بالبيت يحتمل أن يريد به أن طواف الوداع آخر النسك الذي تلبس به الحاج أو المعتمر ويحتمل أن يريد به أن الطواف آخر نسك يُعمل لأنه بعد انقضاء كل نسك وعند فراق البيت وإلى التأويل الأول تتوجه أقوال: أشهب، وأما أقوال ابن القاسم فمبنية على التأويل الثاني، وقد قال أشهب فيمن أفاض ثم عاد إلى منى للرمي ثم صدر فليودع بالطواف فإذا طاف هذا الطواف الذي هو آخر النسك، ثم أقام أياماً ثم أراد الخروج فليس عليه أن يودع إن شاء فعل وإن شاء ترك فجعل الطواف من جملة حجه على معنى أنه ودع للنسك وليس لمفارقة البيت.
وقد قال ابن القاسم فيمن اعتمر إن خرج عن مكانه فليس عليه طواف وداع وإن أقام فعليه طواف الوداع فجعل طواف الوداع نسكاً كاملاً لمفارقة البيت وما قاله مالك وابن القاسم أظهر بدليل أنه يسقطه عن المكي المقيم(102).
أما الحنابلة فقد قال ابن قدامة: الوداع واجب على كل خارج من مكة فإن أقام بها فلا وداع عليه لأن الوداع من المفارق لا من الملازم سواء نوى الإقامة قبل النفر أو بعده(103).
وقال البهوتي: وهو – أي طواف الوداع – على كل خارج من مكة قال القاضي والأصحاب: إنما يُستحق عليه عند العزم على الخروج واحتج به الشيخ تقي الدين على أنه ليس من الحج(104).
الترجيح:
قلت والذي يظهر لي أن طواف الوداع ليس من جملة مناسك الحج وإنما هو عبادة مستقلة لأنه بالاتفاق لا يجب على من حج وهو من أهل مكة كما لا يجب أيضاً على الأفقي إذا حج وأراد الإقامة بمكة ولو كان من جملة المناسك لوجب على كل من حج، ولما رواه مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثاً"(105)، وقد تقدم أن وجه الدلالة منه: أن طواف الوداع يكون عند الصدور وقد سماه قبله قاضياً للمناسك وحقيقته أن يكون قضاها كلها.

وقت طواف الوداع:
وقت طواف الوداع بعد أن يفرغ من جميع مناسك الحج ومن جميع أعماله عند إرادته السفر من مكة ليكون آخر عهده بالبيت على ما جرت به العادة في توديع المسافر إخوته وأهله لما جاء في الصحيحين(106) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت(107) إلا أنه خفف عن المرأة الحائض، ولما رواه مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت(108).
فعلى الصادر من مكة أن يؤخره حتى يكون بعد جميع أموره، ولا يلزمه إعادة الطواف لو بقي بعد الوداع لانتظار رفقة أو تحميل رَحْلِه، وكذا لو اشترى حاجة في طريقه، وأنام يسيراً، أو بقي مدة لم تطل عرفاً، وهذا هو قول جماهير أهل العلم(109).
فرع في حكم ما إذا بقي مدة بعد طواف الوداع أو اشتغل بتجارة ونحو ذلك هل يعيد الطواف:
اختلف الفقهاء رحمهم الله في ذلك على ثلاثة أقوال:
القول الأول: للحنفية: ومفاده: أنه لو طاف للوداع ثم أطال الإقامة بمكة ولم ينو الإقامة بها ولم يتخذها داراً جاز طوافه وإن أقام سنة بعد الطواف إلا أنّ الأفضل أن يكون طوافه عند الصدر، وقد نص الكاساني في بدائع الصنائع على ذلك(110).
القول الثاني: وإليه ذهب المالكية ومفاده: أن طواف الوداع يكون متصلاً بفراق من يودع وليس شراؤه أو بيعه جهازاً أو طعاماً ساعة من نهار فاصلاً بين وداعه وسفره، وإنما يفصل بينهما مقام بوم وليلة بمكة، وقد نص على ذلك الباجي في شرح موطأ مالك وأفاد بأن ما ذكره هو على ما في مدونة مالك(111).
القول الثالث: للشافعي والحنابلة ومفاده: أنه إذا وادع واشتغل في تجارة من بيع وشراء لغير ما يحتاج إليه أو أقام مدة طويلة عرفاً، فعليه أن يعيد الوداع، وقد أشار إلى ذلك من فقهاء الشافعية الشيرازي في المهذب(112) ونص عليه النووي في المجموع(113)، ونص عليه من فقهاء الحنابلة ابن قدامة في المغني(114)، وابن مفلح في الفروع(115)، والمرداوي في الإنصاف(116)، والبهوتي في كشاف القناع(117) وغيرهم.
الترجيح:
قلت والذي يترجح لي والعلم عند الله تعالى أن طواف الوداع إنما يكون بعد نهاية أعمال المرء عندما يريد الخروج إلى أهله ليكون آخر عهده بالبيت كعادة المسافر في توديع أهله وأقاربه وأصحابه، ولا تجوز الإقامة بعده مدة طويلة عرفاً كما لا يجوز أن يؤخر عنه بعض أعمال الحج كالرمي مثلاً، لأن هذا لا يصدق عليه أن يكون آخر عهده بالبيت بل بالرمي، فإن فعل أعاده.
وأرى أنّ له أن يشتري ما يحتاج إليه بعد الوداع من جميع الحاجات حتى ولو اشترى شيئاً للتجارة ما دامت المدة قصيرة، كما أرى أن النوم اليسير للراحة لا يضر وكذا انتظار الرفقة ونحو ذلك، أما أن يقيم مدة طويلة ولو لم ينم الإقامة كقول الحنفية، أو يقيم يوماً وليلة كقول المالكية فأرى في مثل هذا أن يعيد الطواف، لأن هذه مدة طويلة لا يصدق على من بقي فيها أنّ آخر عهده بالبيت، والله أعلم.

حكم إجزاء طواف الإفاضة عن طواف الوداع:
جمهور العلماء رحمهم الله على أنه إذا أخر طواف الإفاضة فطافه عند الخروج أجزأه عن طواف الوداع.
قال الباجي في المنتقى شرح موطأ مالك (فرع) ويجزئ عن طواف الوداع الطواف الواجب إذا خرج بأثره فإن أقام بعده فعليه طواف الوداع لأن طوافاً لفرضه قرب من طواف البيت فليس عليه تجديد طواف(118).
وجاء في الشرح الكبير لأبي الفرج عبد الرحمن المقدسي (مسألة) [فإن أخر طواف الزيارة فطافه عند الخروج أجزأه عن طواف الوداع].
هذا ظاهر المذهب لأنه أمر أن يكون ـآخر عهده بالبيت، وقد فعل، ولأن ما شرع لتحية المسجد أجزأ عنه الواجب من جنسه كتحية المسجد بركعتين تجزئ عنهما المكتوبة، وركعتا الطواف والإحرام يجزئ عنهما المكتوبة.
وعنه لا يجزئ عن طواف الوداع لأنهما عبادتان واجبتان فلم تجزئ إحداهما عن الأخرى كالصلاتين الواجبتين(119).
قلت والقول بالإجزاء قوي لما ذكروه من التوجيه، والله أعلم.
فرع: إذا نوى بطوافه الوداع فهل يجزئ عن الإفاضة على قولين للعلماء، فذهب الشافعية إلى أنه يجزئه بينما ذهب الحنابلة إلى عدم الإجزاء.
قال النووي (فرع) قد ذكرنا أنه إذا كان عليه طواف فرض فنوى بطوافه غيره انصرف إلى الفرض نص عليه الشافعي واتفق عليه الأصحاب هذا مذهبنا، وقال أحمد لا يقع عن فرضه إلا بتعيين النية قياساً على الصلاة وقياس أصحابنا على الإحرام بالحج وعلى الوقوف وغيره.
وقال في موضع آخر: قال أصحابنا ولو طاف للوداع ولم يكن طاف الإفاضة وقع عن طواف الإفاضة وأجزأه(120).
وقال ابن قدامة في المغني على قول الخرقي (مسألة) قال (وإن طاف للوداع لم يجزئه لطواف الزيارة).
قال ابن قدامة: وإنما لم يجزئه عن طواف الزيارة لأن تعيين النية شرط فيه على ما ذكرنا فمن طاف للوداع فلم يعين النية له فكذلك لم يصح(121).
قلت والقول بعدم الإجزاء قوي متجه لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى"(122).
قال أبو الفرج عبد الرحمن بن محمد المقدسي: فأما إن نوى بطوافه الوداع لم يجزئه عن طواف الزيارة لقوله عليه السلام: "وإنما لكل امرئ ما نوى"(123) وحكمه حكم من ترك طواف الزيارة.
----------------------
* هذا البحث مأخوذ من كتاب (نهاية المطاف في تحقيق أحكام الطواف) بتصرف بعد إذن من الشيخ حفظه الله.
اللجنة العلمية بموقع المسلم
(1) الصحاح للجوهري 4/1396 وما بعدها مادة (طوف).
(2) القاموس المحيط 3/175.
(3) انظر المبسوط 4/10، وبداية المجتهد 1/248 والمطلع على أبواب المقنع ص 188.
(4) الحِجْر بكسر الحاء: هو حجر إسماعيل وهو ما بين الركنين الشاميين من جهة الشمال والمحوط بجدار قصر بينه وبين كل من الركنين فتحة، وهو قدر ستة أذرع فيشترط أن يكون الطواف من ورائه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف من ورائه.
كما في صحيح البخاري 2/123، هذا وسيأتي إن شاء الله تعالى لهذا زيادة إيضاح عند ذكر شروط صحة الطواف.
(5) جاء في مفيد الأنام لابن جاسر 1/283 في حكمة جعل البيت عن يساره: ليقرب جانبه الأيسر الذي هو مقر القلب إلى البيت، وقال شيخ الإسلام رحمه الله: لكون الحركة الدورية تعتمد فيها اليمنى على اليسرى، فلما كان الإكرام في ذلك للخارج جعل لليمنى. انتهى: قلت يكفينا في ذلك سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فإنه لما طاف جعل البيت عن يساره فوجب علينا اتباعه سواء عرفنا الحكمة في ذلك أم لا. لكن هذا لا يعني التماس الحكمة. وسيأتي زيادة بيان في حكمة الطواف.
(6) المجموع شرح المهذب للنووي 8/13، وانظر المبسوط 4/10، وبدائع الصنائع 2/128، وأيضاً بداية المجتهد 1/248، وانظر: كشاف القناع 2/478.
(7) قولها (أحرورية أنت) قال النووي: هو بفتح الحاء المهملة وضم الراء الأولى وهي نسبة إلى حرورة، وهي قرية بقرب الكوفة، قال السمعاني: هو موضع على ميلين من الكوفة كان أول اجتماع الخوارج به، قال الهروي: تعاقدوا في هذه القرية فنسبوا إليها، فمعنى قول عائشة رضي الله عنها أن طائفة من الخوارج يوجبون على الحائض قضاء الصلاة الفائتة في زمن الحيض وهو خلاف إجماع المسلمين، وهذا الاستفهام الذي استفهمته عائشة هو استفهام إنكار، أي هذه طريقة الحرورية، وبئست الطريق. النووي على شرح مسلم 4/27.
(8) صحيح مسلم بشرح النووي 4/28.
(9) صحيح مسلم بشرح النووي 3/16، وما بعدها.
(10) الحديث رواه أبو داود وسكت عنه مما يدل على أنه صالح عنده، وقد قال النووي في المجموع شرح المذهب 8/56 بعد سياقه للحديث المذكور ما نصه: هذا الإسناد كله صحيح إلا عبيد الله فضعفه أكثرهم ضعفاً يسيراً، ولم يضعف أبو داود هذا الحديث فهو حسن عنده، كما سبق وروى الترمذي هذا الحديث من رواية عبيد الله هذا. وقال: هو حديث حسن وفي بعض النسخ حسن صحيح فلعله اعتضد برواية أخرى بحديث اتصف بذلك. انتهى. قلت وما ذكره النووي عن بعض أهل العلم في تضعيف عبيد الله بن أبي زياد صحيح لكن قد وثقه جماعة أخرى من أهل العلم، فقد جاء في تهذيب التهذيب لابن حجر 7/4 ما معناه: عبيد الله بن أبي زياد القداع أبو الحصين المكي، روي عن أبي الطفيل والقاسم بن محمد وشهر بن حوشب ومجاهد... إلى أن قال: قال علي بن المديني عن يحيى القطان: كان وسطاً لم يكن بذاك، ثم قال: ليس هو مثل عثمان بن الأسود ولا سيف بن سليمان، ومحمد بن عمر أحب إليّ منه، وقال: عبد الله بن أحمد عن أبيه: صالح، قلت تراه مثل عثمان بن الأسود قال: لا، عثمان أعلى، وقالأحمد مرة ليس به بأس، وقال الدوري ومعاوية بن صالح عن ابن معين ضعيف، إلى أن قال وقال أبو حاتم ليس بالقوي ولا المتين هو صالح الحديث يكتب حديثه، هذا وقد ذكر ابن حجر بعد ما تقدم جماعة وثقوه وجماعة ضعفوه.
قلت: والذي يظهر لي – والله أعلم – أن الحديث حجة لا سيما وأن أكثر أهل العلم قالوا في عبيد الله بن أبي زياد: بأنه صالح مع أن أبا داود قد سكت عنه، كما تقدم بيانه ومعلوم أن ما سكت عنه فهو صالح عنده. والله أعلم.
(11) سنن الترمذي 2/217 تحت رقم 966. هذا وقد رواه البيهقي في سننه 5/110 بالسند الذي ذكره الترمذي وبلفظ: من طاف بالبيت يحصيه كتبت له بكل خطوة حسنة ومحيت عنه سيئة ورفعت له درجة وكان له عتق من النار، وبلفظ آخر: من طاف سبعاً وركع ركعتين كانت له كعتاق رقبة، قال البيهقي: واختلف فيه على عطاء فبعضهم ذكره عنه وبعضهم لم يذكره.
(12) مصنف عبد الرزاق 5/18.
(13) مصنف عبد الرزاق 5/15 و16، قال المعلق على المصنف الشيخ المحدث حبيب الرحمن الأعظمي: أخرجه البزار والطبراني في الكبير ولفظ الطبراني أشبه بلفظ المصنف، ورجال البزار موثوقون، قال البزار قد روى هذا الحديث من وجوه ولا نعلم له أحسن من هذا الطريق حكاه الهيثمي 3/284.
(14) مصنف عبد الرزاق 5/70 وما بعدها.
(15) الترغيب والترهيب للمنذري 3/29 تحت رقم (1676) والحديث رواه الطبراني في الكبير 11/124، وابن الجوزي في العلل (573).
(16) المجموع شرح المذهب 8/56.
(17) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن 5/229.
(18) انظر المجموع للنووي 8/12، وانظر بدائع الصنائع 2/128.
(19) بدائع الصنائع للكاساني 2/146.
(20) نيل الأوطار 5/44.
(21) صحيح البخاري 2/127، وصحيح مسلم 4/63.
(22) رواه مسلم في صحيحه 4/79 ورواه أبو داود برقم (1970)، والسنائي 2/50، والترمذي 1/168 وغيرهم.
(23) انظر فتح الباري 3/479، وبدائع الصنائع 2/146.
(24) أمّا من اتجه إلى منى أو عرفات رأساً ولم يدخل مكة فلا يجب عليه هذا الطواف.
(25) فتح الباري شرح صحيح البخاري 3/496 في باب من طاف بالبيت إذا قدم مكة، وانظر صحيح البخاري 2/127.
(26) صحيح مسلم 2/54.
(27) الحديث رواه مسلم وغيره بلفظ: "لتأخذوا مناسككم... إلخ" 4/79.
(28) حاشية العمدة في بيان مناسك الحج والعمرة، دراسة وتحقيق د/ صالح الحسن 2/653.
(29) نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار 5/44.
(30) تقدم أن معنى المراهق عندهم من قدم متأخراً وخشي إن طاف بالبيت أن يفوته الوقوف بعرفة.
(31) المنتقى شرح موطأ مالك 2/221.
(32) بدائع الصنائع للكاساني 2/127.
(33) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 12/51.
(34) المجموع شرح المذهب 8/12 و ص 20.
(35) المغني لابن قدامة 2/444.
(36) صحيح مسلم 4/84 في باب استحباب طواف الإفاضة يوم النحر.
(37) صحيح مسلم بشرح النووي 9/58، وانظر: المغني لابن قدامة 3/440.
(38) تقدم أن هذا الحديث رواه مسلم في صحيحه.
(39) بداية النهار: محل خلاف بين أهل العلم فمنهم من قال بأنه يبتدأ من طلوع الفجر ومن أدلتهم أن الصيام يبتدأ من طلوع الفجر... إلخ، ومنهم من قال يبتدأ من طلوع الشمس، ولكل من الفريقين أدلة كثيرة لا يستحسن بسطها في هذا البحث المختصر.
(40) سنن أبي داود 2/194.
(41) شرح العمدة في بيان مناسك الحج والعمرة لابن تيمية دراسة وتحقيق د/ صالح الحسن 2/617.
(42) قال المحقق د/ صالح الحسن: بياض في النسختين، ولعل تتمة الكلام: فكان بعد صلاة الفجر، المرجع السابق ص 118.
(43) شروط الأئمة الخمسة ص 54، ومقدمة سنن أبي داود 1/10.
(44) البداية والنهاية 5/182.
(45) الدراية في تخريج أحاديث الهداية 2/24.
(46) المغني والشرح الكبير 3/49.
(47) المجموع شرح المهذهب 8/157.
(48) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي 5/276 وما بعدها.
(49) في الاعتراض على الحديث انظر تفسير القرطبي 3/625، وزاد المعاد لابن القيم وعليه تعليق الأرناؤوط 2/249 وما بعدها، هذا ويراجع عن تلك الاعتراضات على الحديث سواء في رجال سنده أو في متنه أو دلالته: تهذيب التهذيب 4/189 وما بعدها حول تضعيف ابن القيم لسليمان أبي داود، وتلخيص الحبير 2/58 لابن حجر حول الجواب عن اضطرابه ومعالم السنن 2/405.
هذا وقد أطال ابن القيم رحمه الله في الاعتراض على الحديث المذكور: وإذا نظرنا في كلامه اتضح لنا أنه اعتمد في إنكاره على إنكار الإمام أحمد له، لكن يرد استنكار أحمد رحمه الله احتجاجه به قال ابن قدامة بعد سياقه للحديث المذكور: واحتج به أحمد، المغني والشرح الكبير 3/49 فقد تبين أن الإمام أحمد احتج به فبطل الأصل ببطلانه يبطل قول من اعتمد عليه، هذا وقد تقدم تصحيح الحديث عن عدد من أهل العلم.
(50) تقدم في أدلة القول الأول.
(51) يا هنتا: أي يا هذه.
(52) الغلس: ظلمة آخر الليل.
(53) الظعن: بضم الضاء المعجمة. جمع ظعن، وهي المرأة في الهودج، ثم أطلق على المرأة مطلقا، القاموس المحيط 2/195.
(54) فتح الباري شرح صحيح البخاري 3/825.
(55) سنن النسائي 5/266.
(56) سنن أبي داود 2/195.
(57) الكافي في فقه أهل المدينة 1/363.
(58) صحيح مسلم 4/84.
(59) انظر إرشاد الفحول إلى حقيق علم الأصول للشوكاني ص 205.
(60) زاد المعاد وعليه تحقيق الأرناؤوط 2/252.
(61) شرح العمدة في بيان مناسك الحج والعمرة لابن تيمية دراسة وتحقيق د/ صالح الحسن 2/618 وما بعدها.
(62) انظر بدائع الصنائع 2/132، والمجموع شرح المهذب 8/224.
(63) انظر بدائع الصنائع 2/132، وانظر المغني 3/441.
(64) صحيح البخاري 2/146 في باب الفتيا على الدابة عند الجمرة.
(65) بدائع الصنائع 2/227.
(66) مواهب الجليل 3/64.
(67) المجموع شرح المهذب 8/266.
(68) كشاف القناع 2/521.
(69) قال ابن حجر في فتح الباري 3/587، قال ابن المنذر: قال عامة الفقهاء بالأمصار ليس على الحائض التي أفاضت طواف وداع، وروينا عن عمر بن الخطاب وابن عمر وزيد بن ثابت أنهم أمروها بالمقام إذا كانت حائضاً لطواف الوداع فكأنهم أوجبوه عليها كما يجب عليها طواف الإفاضة إذ لو حاضت قبله لم يسقط عنها.. قال: وقد ثبت رجوع ابن عمر وزيد بن ثابت عن ذلك وبقي عمر فخالفناه لثبوت حديث عائشة، وروى ابن أبي شيبة من طريق القاسم بن محمد: كان الصحابة يقولون: إذا أفاضت قبل أن تحيض فقد فرغت إلا عمر.
(70) صحيح البخاري 2/149 في باب طواف الوداع وصحيح مسلم 4/93 في وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض.
(71) صحيح مسلم 4/93.
(72) صحيح البخاري 2/149 وصحيح مسلم 4/93.
(73) صحيح مسلم بشرح النووي 9/78، وسنن أبي داود 2/208، وأخرجه ابن ماجة برقم 3070 في باب طواف الوداع.
(74) صحيح مسلم بشرح النووي 9/79.
(75) هذا الأثر إسناده صحيح لأنه عن طريق مالك عن نافع عن ابن عمر عن أبيه.
(76) المنتقى شرح موطأ مالك للباجي 2/292.
(77) المرجع السابق 2/294 قلت وهذا الأثر قال عنه عبد القادر الأرناؤوط المعلق على جامع الأصول في أحاديث الرسول 3/201، قال رواه مالك من حديث يحيى بن سعيد بن قيس بن النجار عن عمر رضي الله عنه وإسناده منقطع، فإن يحيى بن سعيد لم يدرك عمر رضي الله عنه، قال الزرقاني في شرح الموطأ: قال ابن عبد البر: يقولون بينمر الظهران ومكة ثمانية عشر ميلاً، وهذا بعيد عن مالك وأصحابه لا يرون رده لطواف الوداع من مثله.
قلت: وهذا الأثر في الموطأ 1/336، وقد رواه ابن أبي شيبة كما في الملحق 213، 409 عن طاوس وعطاء أن عمر... إلخ، وذكره الطبري في القرى 553، وعزاه للشافعي وقال: وقد روي أن عمر رضي الله عنه رد رجلاً وامرأة كانا قد سارا يومين أو أياماً ليكون آخر عهدهما بالبيت أخرجه سعيد، انتهى هذا (ومر الظهران) موضع على مرحلة من مكة والظهران هو الوادي، (وبمر) عيون كثيرة ونخل هو لأسلم وهذيل، وهو المعروف اليوم بوادي فاطمة، وهي امرأة تركية اشتهرت بكثرة بساتينها وأملاكها بهذا الموضع فسمي باسمها، انظر أخبار مكة 1/95.
(78) صحيح البخاري 2/129 وصحيح مسلم 4/68.
(79) فتح الباري 3/487.
(80) صحيح البخاري 2/149 في باب طواف الوداع.
(81) صحيح البخاري 2/149 في (باب إذا حاضت المرأة بعدما أفاضت)، وصحيح مسلم 4/94 في (باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض)، والمنتقى شرح موطأ مالك 2/293 في (وداع البيت).
(82) المنتقى شرح موطأ مالك 2/293.
(83) صحيح البخاري 2/149، وصحيح مسلم 4/93.
(84) انظر المغني لابن قدامة 3/458، وانظر بدائع الصنائع 2/42.
(85) صحيح مسلم بشرح النووي 9/78، وانظر سنن أبي داود 2/208.
(86) صحيح البخاري 2/149 في (باب طواف الوداع و ص 151، في باب من صلى العصر يوم النفر بالأبطح).
(87) فتح الباري 3/590.
(88) نيل الأوطار 5/101.
(89) فتح الباري شرح صحيح البخاري 3/586.
(90) المغني لابن قدامة 3/458.
(91) المجموع للنووي 8/255.
(92) المغني لابن قدامة 5/342 طبعة هجر للطباعة والنشر، وقد آثرت نقل هذا النص من هذه الطبعة لوجود نقص في طبعة مكتبة الرياض، والتي كنت أنقل منها، وانظر الشرح الكبير 2/260.
(93) بدائع الصنائع 2/142 وانظر المبسوط للسرخسي 4/35.
(94) كتاب الكافي في فقه أهل المدينة للنمري القرطبي 1/378.
(95) المهذب في فقه الإمام الشافعي 1/239.
(96) المجموع شرح المهذب للنووي 8/254.
(97) المغني لابن قدامة 3/458 وما بعدها، وانظر شرح الزركشي 3/286.
(98) صحيح مسلم 4/108 في باب جواز الإقامة بمكة للماهجر منها بعد فراغ الحج والعمرة، وقد جاء بعدة روايات منها ما ذكره النووي، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم ثلاث ليال يمكثهن المهاجر بمكة بعد الصدر، وفي رواية: كث المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثاً.
(99) المجموع للنووي 8/256.
(100) بدائع الصنائع 2/143.
(101) هذا الأثر قد تقدم وسنده صحيح لأنه عن طريق مالك عن نافع عن ابن عمر عن أبيه، انظر المنتقى شرح موطأ مالك 2/292.
(102) المنتقى شرح موطأ مالك 2/293.
(103) المغني لابن قدامة 3/458.
(104) كشاف القناع للبهوتي 2/512.
(105) صحيح مسلم 4/108.
(106) صحيح البخاري 2/149، وصحيح مسلم 4/93.
(107) وقوله أُمر بصيغة المبني للمفعول ومعلوم في علم الحديث وأصول الفقه أن مثل هذا له حكم الرفع ويدل على أن الآمر هو النبي صلى الله عليه وسلم.
(108) صحيح مسلم بشرح النووي 9/78، وسنن أبي داود 2/208.
(109) انظر بدائع الصنائع 2/143، والمنتقى شرح موطأ مالك 2/293، والمجموع شرح المهذب 8/253، والمغني لابن قدامة 3/459.
(110) بدائع الصنائع للكاساني 2/143.
(111) المنتقى شرح موطأ مالك للباجي 2/293.
(112) المهذب في فقه الشافعي 1/239.
(113) المجموع 8/255.
(114) المغني 3/459.
(115) كتاب الفروع لابن مفلح 3/521.
(116) الإنصاف للمرداوي 4/50.
(117) كشاف القناع 2/512.
(118) المنتقى شرح موطأ مالك للباجي 2/293.
(119) الشرح الكبير لأبي الفرج عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي 2/259، وانظر كشاف القناع 2/513.
(120) المجموع شرح المهذب للنووي 8/62 و ص 220.
(121) المغني لابن قدامة 3/465.
(122) حديث إنما الأعمال بالنيات متفق عليه، فقد أخرجه البخاري في باب بدء الوحي، وفي الإيمان وفي عدة أبواب وأخرجه مسلم في الإمارة باب قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات" وأخرجه أبو داود وفي الطلاق برقم (2201) والترمذي برقم (1647).
(123) الشرح الكبير لأبي الفرج المقدسي 2/259، وانظر كشاف القناع 2/513.