أنت هنا

الوحدةالإسلامية في الحج
2 ذو الحجه 1427

أعظم مدرسة في (الحج)، دلالته على وحدة الأمة الإسلامية، وقد تجلَّت هذه الحقيقة في الحج من خلال عدة أمور:
أحدها: قبلة واحدة يتجهون إليها في صلاتهم من مشارق الأرض ومغاربها، وهذه القبلة هي التي يجتمعون عندها ليؤدوا شعائر مناسك الحج "وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ" (الحج:27).
الثاني: عقيدة واحدة، فالجميع يلبون تلبية التوحيد لله لا شريك له، فهي عبودية لله وحده، وليست لفئة ولا لقوم ولا لمصالح مادية مشتركة، بل ولا للغة أو قبيلة أو تراب.
الثالث: في إحرامها، فالجميع يلبسون في الإحرام لبساً واحداً، وتزول الفوارق بين الناس التي قد تصنعها أحياناً بعض أنواع اللباس ليقال: هذا أمير، أو وزير، أو غني، أو شيخ كبير... إلخ.
الرابع: وفي الاجتماع في صعيد عرفات – مكاناً وزماناً – تتوحد الأمة الإسلامية كلها، حجاجاً وغير حجاج.
وليس الحج إلا مظهراً واحداً من مظاهر وحدة الأمة الإسلامية، وهناك مظاهر أخرى كثيرة؛ من أبرزها: وحدة كتابها القرآن الكريم، وسنة الرسول _صلى الله عليه وسلم_، ومَن فرَّق بين هذين المصدرين فليس من الأمة الإسلامية في شيء.
وإذا كان الحج من معالم وحدة الأمة الإسلامية، فإنّنا نقول: في الكلام على الوحدة، لا بدّ من إرجاع الأمور إلى أصولها الشرعية، ومن خلال المنهج الإسلامي تبرز قضيتان كبيرتان:

القضية الأولى: أن العقيدة هي التي تجمع بين الشعوب والأمم، وهي التي تقضي على عوامل التفرق، مهما كانت عميقة الجذور، وأمثلة وأدلّة ذلك لا تحتاج إلى بيان:
· فالقبائل العربية المتناحرة في الجزيرة العربية قبل الإسلام لم يوحد بينها ويزيل ضغائنها وأحقادها المريرة إلا الإسلام.
· والبلاد التي فتحها المسلمون – وقد اختلفت لغاتها وعادتها ودياناتها وبلادها – لم يوحد بينها إلا عقيدة الإسلام.
· وما هُزم اليهود – وكانوا في قلب جزيرة العرب – ولا النصارى، ولا الملاحدة الوثنيون، إلا لما واجههم المسلمون من خلال راية العقيدة لا راية العروبة أو الوطنية أو غيرها.
· وفي الحروب الصليبية رُدَّ النصارى حملة الصليب على أعقابهم بالجهاد الإسلامي، الذي كان من أبرز قواده الكرد والأتراك.
ولقد توحدت – من خلال عقيدة الإسلام الصافية - الأمة، في أمة إسلامية واحدة منذ عهد الرسول _صلى الله عليه وسلم_ وإلى عصرنا الحاضر، على تفاوت في قوة تلك الوحدة وتماسكها، ولكن الشيء الذي لا شك فيه، هو أنها امتدت قروناً متطاولة.
إنها وحدة قامت على عقيدة صافية انبثقت منها شريعة كاملة طبقها رجال أمناء يريدون بأعمالهم وجه الله والدار الآخرة.
وأي وحدة تبنى على غير هذا، فلن تكون إلا وحدة مصالح سرعان ما يقضى عليها إذا تبدلت المصالح.

القضية الثاني: أن العقيدة تجمع ولا تفرق.
فتأصيل العقيدة وجعلها أساساً في الدعوة إلى الله _تعالى_ وذلك على منهاج السلف الصالح، كما أنه واجب دلَّت على وجوبه النصوص، وهو منهاج الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – فإنه أيضاً من أعظم وسائل جمع الكلمة.
والمدعوون – إذا ما وحدت بينهم عقيدة صحيحة صافية -، فلن تجد أسباب التفرق إليهم من سبيل؛ لأن تلك الأسباب ستتكسر أمام صخرة العقيدة الصلبة.
ولكم يحزنني حين أسمع – أحياناً – مقولة، مثل: لا تركزوا على العقيدة أولاً؛ لأنها تسبب الفرقة، بل اقتصروا على الدعوة العامة إلى الإسلام، ومما يزيد في حزن الإنسان، أنه قد يسمع مثل هذا الكلام من أناس فضلاء ومن دعاة إلى الله.
ونحن نقول: على أي أساس ستقوم الدعوة، إذا لم تقم على العقيدة؟!
ولأي شيء يدعو الداعية إلى الله؟
إن هناك عدداً من الحقائق:
أولها: أن اجتماع المسلمين في عهد رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ وبعده، لم يكن إلا على عقيدة، قال _تعالى_: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا" (آل عمران: من الآية103).
وقال _تعالى_: "وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ" (الأنفال: من الآية63).
فما هو حبل الله، وعلى أي شيء ألف بين تلك القلوب؟ إنه العقيدة القائمة على إخلاص التوحيد ونبذ الشرك.
ثانيها: إننا إذا أردنا الوحدة الحقيقة الباقية فلنؤصل دعوتنا على العقيدة – وأعني العقيدة السلفية الصافية المبرأة من بدع المبتدعين وانحرافات المنحرفين.
ثالثها: أن القبول بالانحراف في البداية، هو بمثابة دق مسمار في نعش الوحدة المطلوبة