أنت هنا

العصرانيون
28 ربيع الأول 1428

فئة هجينة، فلا هم علمانيون نعرفهم ويعرفوننا، ونعلم طريقة تفكيرهم، خاصة وأنهم صريحون في مطالبهم مكشوفون في أهدافهم "لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ" (الأنفال: من الآية42). ولا هم ممن ثبت على الثوابت والمبادئ، أو طالبوا باجتهاد يجعلنا نعيش واقعنا ضمن منهج قويم وصراط مستقيم وحق في الاختلاف والحوار ولكنهم يلتفون على النصوص ويشنون عليها الغارات تأويلا متعسفاً ليتناسب مع (العصر) المهزوم ثقافيا. أو يتناسب مع الضغوط القادمة من المنافقين الحاقدين على الإسلام وأهله.

إنهم لا يهاجمون النصوص (قرآنا وسنة) ولكن يهاجمون العلماء الذين جمدوا على النصوص – بزعمهم – وتحت ضغط الواقع وباسم التجديد يشوشون مفاهيم الإسلام بإدخال الزيف على الصحيح، يدندنون كثيرا حول آية "لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ" (البقرة: من الآية256) أو حول حديث الردة، ومن البديهات أنه (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) ولكنها ليست حرية مطلقة غير مقيدة بشيء، هذا لا يفهم من الآية، بل الأصل في المجتمع الإسلامي حفظ الدين وتحريم الإلحاد، وتحريم نشر الضلالة والفساد في الأرض. وقد نشرت إحدى الصحف اليومية الصادرة في لندن أن لجنة تألفت في تركيا لحذف كل حديث يومي بظاهرة الإساءة للمرأة.

والرد على هؤلاء هو: هل هناك أحاديث صحيحة تسيء للمرأة؟ ولكنهم يريدون حذف الأحاديث التي لا تعجب الغربيين والمنافقين، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يتكلم إلا بحق، فإذا ذكر المرأة بما يتعلق بالحلال أو الحرام أو بشيء من صفاتها فهو حق. وإن إباحة حرية التهجم على كل المقدسات هو من نتاج الحضارة المادية التي نشرت هذا الوباء الشديد الفتك، والتي ذهبت بأخلاق وآداب البحث والإنصاف وكف اللسان عن الأذى.

اضطرب العصرانيون واهتزت عندهم القيم التي لا تتبدل بسبب الانتقال من حالة المجتمع الذي يغلب عليه أحيانا بعض العادات والتقاليد إلى مرحلة أفضل تتلاءم مع زيادة الوعي والعلم، فهل هم مشردون ثقافياً لا يستقرون على قرار بسبب التحولات الكبيرة التي فاجأتهم فلم يستطيعوا إيجاد التوازن المطلوب بين المبادئ والثوابت وبين العيش في (العصر) وليس عندهم القدرة على تحمل الضغوط الجديدة وفهم النص على حقيقته؟ فقد العصراني ذاته وتولدت لديه الحيرة والتشوش الذهني والافتقاد إلى معرفة الخيار الصحيح؟ ومن ثمَّ بدأ في إنكار قيم المجتمع.

إن الرد على الأخطاء كالعصبيات المذمومة بأنواعها وأشكالها أو العادات والتقاليد المخالفة للدين أو الفقر في السلوك الاجتماعي لا يكون بالهدم والنقض وعند فقدان التوازن الاجتماعي لا يكون الرد بالإعجاب بكل ما هو (أجنبي) واحتقار كل ما هو داخلي ولو كان صحيحا.
إن هذا الفكر ربما يؤدي بالعصراني إلى حالة من الاغتراب النفسي حين يشعر أنه غريب في المجتمع ويظن أنه وحده الذي يملك الحقيقة. ولو كانت بعض آراء العصرانيين مبنية على أساس من المعرفة العلمية والنقد السليم لكانت جديرة بالبحث والدرس ولكنها مشكلة نفسية لأنهم أفطروا العصرانية على الريق كما يقال فرددوا شعارات وأقوالا ظاهرها براق فيها تجدد وخروج عن المألوف ونقد لشخصيات ونقد لعقليات، ولكن هل هذا يغير من الحقائق شيئا؟

إن بعض الناس يرى أن أي فرد يختلف رأيه عن الآراء التقليدية لا بد أن يكون على صواب وهذا وهم من الأوهام بل هذا هو التفرق لأن كل جماعة صغيرة تذهب في مذهب العصرنة مذهبا يخالف الأخرى، وقد أرشدنا الله سبحانه وتعالى حتى لا نقع في هذه الأوهام ولا يأخذنا بريق الأفكار الخادعة فقال مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم ومن ثم الأمة التي تقتدي به: "فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" (الزخرف:43).