أنت هنا

ندوة زكاة الأراضي والمساهمات العقارية المتعثرة
30 ربيع الأول 1428

ضمن فعالياتها الاقتصادية الإسلامية المتخصصة، ونتيجة الحاجة لوجود آراء فقهية تعالج المشاكل المستجدة على الصعيد الاقتصادي المحلي والإسلامي، عقدت الهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد والتمويل يوم الجمعة 12 صفر 1428هـ، ندوة اقتصادية متخصصة بعنوان "زكاة الأراضي والمساهمات العقارية المتعثرة" بالعاصمة السعودية الرياض.

وقد جاءت هذه الندوة ضمن برنامج (دراسات فقه الزكاة) الذي طرحته اللجنة المختصة في (الزكاة) من الهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد والتمويل قبل مدة، وينوي هذا المشروع إصدار أدلة تفيد التجار والشركات والأفراد في العالم الإسلامي في كيفية حساب الزكاة خاصة مع المستجدات الحاصلة في المعاملات. فضلاً عن الحاجة الملحة في ذلك لورود الفتوى والاستفسارات للعلماء في حكم الزكاة في المساهمات المتعثرة، وهذا ما تشهده سوق الأسهم والعقار المحلية والإسلامية.

تأصيل قضايا الزكاة في الشرع:
الندوة التي امتدت لنحو 5 ساعات تقريباً، حضرها عدد كبير من العلماء وطلاب العلم والاقتصاديين المتخصصين ورجال الأعمال وتجار العقارات. وقد ناقشت ثلاثة محاور وهي:
- زكاة الأراضي.
- مذهب المالكية في زكاة الأراضي.
- زكاة المساهمات العقارية المتعثرة.

بُدئت الندوة بمقدمات تأصيلية حول قضايا الزكاة، طرحها كل من الشيخ الدكتور يوسف الشبيلي (عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء) والشيخ الدكتور خالد الماجد، (أستاذ الفقه المساعد بكلية الشريعة بالرياض) والدكتور صالح الفوزان.

ناقش الدكتور الماجد في ورقته عدة مسائل، هي: "هل الأصل في المال الزكاة أو عدمه؟" و"هل النماء علة لوجوب الزكاة في المال؟" و"إجراء القياس في تقرير مسائل الزكاة غير المنصوص على حكمها".

وفيما يتعلق بالمسألة الأولى، خلص الدكتور الماجد إلى الرأي الراجح بأن القاعدة أن الأصل في المال الزكاة، يستثنى منها ما ورد النص بعدم وجوب الزكاة فيه، ومنه المال غير الصالح للنمو، أو مال القنية، وعلى هذا فتكون القاعدة جارية في كل ما لنام أو معد للنمو.

أما المسألة الثانية، فقد خلص الدكتور الماجد إلى اعتبار أن النماء علة وجوب الزكاة، مستنداً إلى عدة أدلة، منها قوله الله _تعالى_: "ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو" (البقرة:219). وحديث رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ "ليس على المسلم في فرسه ولا عبده صدقة"، وحديث سمرة بن جندب قال: "أمرنا رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ أن نخرج الصدقة من الذي نعد للبيع"، وغيرها من الأدلة.

ورجّح الدكتور خالد الماجد في المسألة الثالثة جواز إجراء القياس في أحكام العبادات، مستنداً إلى عدة حجج، منها: قوة ما استدل به لهذا القول وضعف أدلة المخالفين، وتناقض أدلة المخالفين، وأن القياس في العبادات جائزة عقلاً وواقع شرعاً، وعدم ورود دليل يخص أحكام العبادات من عموم أدلة القياس الدالة على حجيته.

زكاة الأرض عند الفقهاء:
بعد المقدمات التأصيلية، عرض الشيخ الدكتور فهد المشعل (أستاذ الفقه المساعد بكلية الشريعة بالرياض) بحثه الذي حمل عنوان " زكاة الأراضي عند الفقهاء" قصد فيه بيان أحكام الزكاة المتعلقة بالأرض المملوكة الخالية باختلاف أنواعها واختلاف مقاصد الناس فيها.

يقول الدكتور المشعل في مقدمة بحثه "دفعني لاختيار هذا البحث أن الأرض تشكل نسبة كبيرة من أملاك أرباب الأموال وملامسته لواقع الناس كما أن إفراد هذا الموضوع بالبحث يشهره ويبرزه ويسهل مهمة الوصول إليه"، مضيفاً بالقول: "إني لا أعلم من أفرد هذا الموضوع ببحث مستقل سوى فتوى مجردة للشيخ بكر أبو زيد وعنونها (فتوى في زكاة الأموال)".
وكان هذا البحث على مبحثين الأول: حكم زكاة الأرض. والثاني: شروط زكاة الأرض، بعد ما قدم لتعريف الزكاة.

وفي المبحث الأول يقول الدكتور المشعل: "اتفق الفقهاء على وجوب الزكاة في ثلاثة أصناف من المال، وهي: (النقدان: الذهب والفضة، وبهيمة الأنعام، والحبوب والثمار)، واختلفوا فيما سوى ذلك _ومن ذلك الأرض التي هي موضوع حديثنا، فالأرض التي يملكها الإنسان بشراء أو هبة أو إرث يختلف مقاصده فيها_ إلا أن الفقهاء اتفقوا على أنه لا زكاة بحال من الأحوال إلا إذا كان قصد مالكها التجارة بها.

وخلص بعد استعراض بحثه إلى رجحان قول عامة أهل العلم في وجوب زكاة الأرض وسائر العروض لقوة ما استدلوا بع مقابل ضعف أدلة المخالفين، ولأن عروض التجارة ليست مقصودة لذاتها، وإنما المقصود منها النقود ذهباً كانت أو فضة والأمور بمقاصدها، والأعمال بالنيات".

أما المبحث الثاني، فذكر فيه الدكتور فهد المشعل أن شروط زكاة الأرض _حسب رأي الفقهاء والشروط العامة للزكاة_ أن يمتلك صاحب الأرض أرضه بفعله، وأن تكون لديه نية للتجارة بها. مشيراً إلى أن أكثر الفقهاء اشترطوا لوجوب الزكاة في الأرض أن تكون قد دخلت في ملكه بفعل منه، كالشراء أو الصلح الذي بمعنى البيع، أو الإجارة بأن يأخذ الأرض عوضاً عن شيء يؤجره، ونحو ذلك.. ويخرج من ذلك ما دخل ملكه بغير فعله، كالميراث، أو دخل ملكه بمجرد قبوله كالهبة والوصية، أو دخل ملكه بمعاوضة ليس المقصود منها المال كالنكاح والخلع والصلح عن دم.

قدم بعد ذلك فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القاسم أستاذ (الفقه المساعد بالمعهد العالي للقضاء) بحث عن زكاة المساهمات العقارية المتعثرة، بدأ بذكر بعض الإحصاءات حول المساهمات المتعثرة ذكر منها أنه من عام 1395هـ وحتى 1424هـ عدد المساهمات المتعثرة (114) مساهمة عقارية.

ثم أشار إلى تقرير نشرته صحيفة الاقتصادية قبل أربعة أيام من عقد الندوة عن شركات توظيف الأموال مما جاء فيه أن أكثر من خمسة مليارات ريال ضحية لهذه المساهمات المتعثرة.

كما أورد أن عدد المساهمات المتعثرة في الشرقية (24) مساهمة بمبلغ خمس مليارات ريال، كما أنه أشار إلى اعتراف بعض موظفي الأموال بأنهم قاموا بتوزيع الأرباح من رأس المال.

بعد طرحه المختصر للبحث خلص في الخاتمة إلى أهم النتائج والتوصيات، في النظر إلى سبب تعثر المساهمات ثم لخص بعض التوصيات منها:
1 – أنه ينبغي على المسؤولين في الدولة دراسة الأسباب التي أدت إلى تعثر المساهمات العقارية دراسة جادة، وإيجاد الحلول.
2 – الحذر من وضع الحلول التي هي أشبه بالعراقيل منها بالمخرج من هذه الأزمة.
3 – وجوب الإسراع في علاج واقع الأسهم السعودي.
4 – سن الأنظمة ووضع الرقابة الصارمة التي تضع حداً لتلاعب أهل النصب والاحتيال.
5 – إقامة الندوات والمنتديات التي تعنى ببعث الوعي الاقتصادي في نفوس التجار وأرباب العقار.

جلسة النقاش العام:
في الجلسة الأخيرة، فتحت الجهة المنظمة المجال أمام جميع الحضور من علماء وطلاب علم واقتصاديين وتجار، المجال للمشاركة عبر حلقة نقاش مفتوحة، تم خلالها تشكيل لجنة لصياغة التوصيات الختامية. وقد تم ترشيح اثنين من الباحثين وآخرين من الشرعيين وآخرين من العقاريين.

وأجمعت غالبية المشاركة من الحضور على أهمية إفراد ندوة أو أكثر حول كل مبحث من مباحث الموضوع، كأن تعد ندوة خاصة بزكاة الأراضي، وأخرى خاصة بالمساهمات العقارية. بهدف الحصول على تفاصيل وملاحظات أوسع، وللخروج بتوصيات ووثائق أدق وأعمق. خاصة وأن هذه المواضيع باتت تهم شريحة كبيرة من المجتمع، داخل السعودية وخارجها.

وقد اقترح الدكتور سعد الخثلان بأن يفرغ وقت الندوة كاملاً في مسألة أو مسألتين. فيما داخل الدكتور صالح العصيمي من مؤسسة الوقف الإسلامي بطرح بعض الإشكالات التي تواجه التجار مثل تساؤلهم عن "ماذا لو تملك أرضً ولم ينوِ بيعها إلا بعد خمس سنوات فهل تعد هذه الأرض من عروض التجارة؟".

على ذلك طالب البعض بأن تقام بعض الورش والندوات بين العلماء والباحثين والعقاريين حتى تكون الفائدة أصوب، مع النظر على التطبيقات المعاصرة وإخراج أفكار ومقترحات من خلال هذه الاجتماعات تخدم هذه القضايا.

حرصت الهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد لكسب هذا الجمع بتوزيع استمارة عضوية للانضمام إليها. واختتمت هذه الندوة بوجبة العشاء بعد أن كرمت الهيئة مؤسسة محمد وعبد الله السبيعي الخيرية الداعم الرسمي لهذه الندوة.