أنت هنا

حوار مع الأمين العام للهيئة العالمية الإسلامية للاقتصاد والتمويل
30 ربيع الأول 1428

خلال الندوة الاقتصادية الشرعية الأخيرة التي أقامتها الهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد والتمويل، التقى موقع (المسلم) مع فضيلة الدكتور يوسف بن عبدالله الزامل (الأمين العالم المكلف للهيئة) وأجرى معه حواراً حول الندوة التي جاءت تحت عنوان "زكاة الأراضي والمساهمات العقارية المتعثرة"، فضلاً عن قضايا أخرى تتعلق بآليات عمل الهيئة، وخدماتها ومستقبلها.

أهلاً بكم دكتور يوسف.. هل لكم أن تقدموا لنا نبذة يسيرة عن الهيئة ونشاطاتها؟
الهيئة العالمية الإسلامية للاقتصاد والتمويل تأسست كإحدى هيئات رابطة العالم الإسلامي، ولها لجنة لإعداد استراتيجية، والهدف الأساس من إقامة الهيئة هو تشجيع البحوث التأصيلية في مجال التنمية والاقتصاد الإسلامي والعمل على التنسيق بين المؤسسات البحثية وبين الباحثين بغرض تركيز الجهود وتجنب الازدواجية وزيادة الإنتاج الأصيل العلمي.

ولها أيضاً برامج ومشاريع متعددة، ففي هذا العام يوجد لديها مجموعة من المشاريع وهي تركز على مشاريع الدراسات والبحوث بشكل أساسي، وهو المجال الذي نعانيه فيه نقصاً كبيراً، فنحن في الاقتصاد الإسلامي بحاجة إلى مراكز وبحوث لدراسة وبحث المسائل المستجدة سواء كان في فقه المعاملات أو المسائل المتعلقة بشتى مجالات الاقتصاد الإسلامي.

من أبرز مشاريع الهيئة موسوعة الاقتصاد والتمويل الإسلامي؛ إنشاء شبكة معلومات تضم أبرز البحوث في الاقتصاد الإسلامي، وهي متناثرة في مجلات علمية وفي رسائل جامعية وفي مقالات وبحوث وقرارات المجامع الفقهية وقرارات الهيئات الشرعية وغيرها، وهي في الحقيقة معلومات ضخمة وكبيرة ومتباعدة ومتناثرة، ولذلك تهدف الموسوعة إلى ضم هذا النتاج العلمي في العقود الماضية، وإبرازه على شكل شبكة معلومات على الإنترنت، بحيث تكون أغلب هذه الموسوعات متاحة لطلاب العلم والهيئات الشرعية وللمحتاجين من الباحثين في مجال الاقتصاد الإسلامي، وخلال المرحلة الأولى من هذا المشروع، تم اختيار مائتي ألف صفحة من الموسوعة، وتم توقيع عقد مع شركة حرف لاستكمال الإجراءات التقنية اللازمة لها.

من مشاريع الهيئة أيضاً الدراسات والبحوث ومشروع دراسات فقه الزكاة، وتأتي الندوة الأخيرة حول زكاة الأراضي والمساهمات العقارية المتعثرة ضمن برنامج دراسات فقه الزكاة، وهذا المشروع ينوي إصدار أدلة تفيد التجار والشركات والأفراد في العالم الإسلامي لكيفية حساب الزكاة بشكل صحيح، خاصة مع المستجدات الكثيرة التي يتساءل البعض إن كانت تدخل في الوعاء الزكوي أو لا تدخل فيه. فهذا مشروع يستهدف إصدار أدلة مختصرة لعموم أفراد المجتمع والشركات وغيرها في كيفية حساب زكاة أموال.

ومن المشاريع الأخرى، مشروع دراسات الاستثمار والتمويل، ويعنى بصيغ الاستثمار والتمويل خاصة فيما يتعلق بالمصارف والشركات، ويعزم أن يكون هناك منتجات مالية إسلامية متوافقة مع الشريعة الإسلامية وذات كفاءة اقتصادية عالية تضمن استثمارات موافقة للشريعة الإسلامية.

وكذلك مشروع دراسات الأسواق المالية، فسوق الأسهم كبير وكما تعلمون له مجال كبير جداً، وقد دخل في هذا السوق أفراد كثيرون، ولذلك يحتاج هذا السوق إلى قواعد للتعامل، سواء كانت قواعد اقتصادية أو قواعد شرعية والناس يحتاجون إلى بيان الموقف الصحيح فيما يتعلق بالحكم الشرعي وكذلك ما يتعلق بالطريقة الصحيحة في التعامل، فمن خلال هذا المشروع تهدف الهيئة إلى مساعدة الناس وتعليمهم كيف يستثمرون أموالهم بشكل صحيح وآمن.

ومن مشاريع الهيئة أيضاً مشروع الدراسات النظرية النقدية خاصة، والحاجة ملحة له بشكل كبير في ظل تقلب سير العملة والتضخم النقدي وما يتعلق به، فهذا المشروع يستهدف إجراء دراسة علمية تدرس جزئية هذا الموضوع، ويستشرف مستقبل العملة النقدية في المجتمع. كذلك مشروع دراسات التأمين وصناعة التأمين أو سوق التأمين، وهذا السوق بات رائجاً وكبيراً ودخل السوق الدولي والسوق المحلي على السواء، عبر العديد من الشركات. ويهدف هذا المشروع لإيجاد دراسات وبحوث تتعلق بصناعة التأمين وتطويرها وليس فقط هدفها هو إصدار فتوى، فالهيئة ليست من الهيئات التي تصدر فتاوى أو قرارات فقهية، وإنما هدفها الأساس هو إصدار دراسات وبحوث، وإيجاد دراسات ناضجة من الناحية الاقتصادية على وجه الخصوص لصناعة التأمين وغيرها من المشاريع.

طبعاً تستهدف الهيئة أيضاً مشروع ترجمة للكتب باللغة الإنجليزية، حيث يوجد في الساحة كتب إنجليزية كثيرة تعالج قضايا معاصرة يحتاجها الفقهاء والاقتصاديون ولكن لا تتاح للجميع، ويقتصر الاطلاع عليها من قبل متقي اللغة الإنجليزية، فهذا مشروع يتيح لعامة الناس الاستفادة من الكتب الإنجليزية الحديثة. ولدينا أيضاً مشاريع أخرى مثل طباعة الكتب ومجلة الهيئة المحكّمة، فضلاً عن إقامة الندوات وحلقات النقاش والدورات التدريبية والمؤتمرات وغيرها من الأمور العلمية ولله الحمد فقد وجدنا تفاعلاً كبيراً من قبل العلماء والاقتصاديين الأكاديميين والممارسين، سواء كان داخل المملكة أو خارجها،نسأل الله _سبحانه وتعالى_ أن يكلل هذه الجهود بالنجاح وأن يوفق الجميع لما يحب ويرضى.

لماذا الاهتمام الآن في النواحي الاقتصادية للعالم الإسلامي، هل لهذا علاقة مثلاً ببروز القوة الاقتصادية كقوة مؤثرة ربما أكثر من القوة العسكرية في عالم اليوم؟
لا شك أن الاقتصاد كما يقال هو عصب الحياة وكذلك الاقتصاد في العصر الحاضر برز بروزاً كبيراً جداً، وظهرت مشكلات اقتصادية كبيرة وعديدة في العالم، المقصود أن حفظ المال من الضرورات الخمس، والهيئة تستهدف المجال الاقتصادي بالدرجة الأولى وهو المجال الذي يحتاجه الناس كلهم، وتستهدفه الهيئة بهدف تحقيق مصالح الناس، فالهيئة جهة علمية غير ربحية بالدرجة الأولى ولذا تستهدف مساعدة الناس وجميع أفراد المجتمع لتحقيق مصالحهم.

هل تستفيدون من بعض التجارب الإسلامية الاقتصادية الناجحة، كمشروع بنك الفقراء في بنغلاديش، وغيره؟
نعم توجد تجارب كثيرة جداً سواء في هذا البنك أو حتى في مراكز البحوث أو البنك الإسلامي للتنمية ومنظمة المؤتمر الإسلامي وغيرها من المراكز، ومن أهداف الهيئة التنسيق بين هذه الجهود والتجارب والاستفادة منها، والهيئة لا يمكن لها أن تهمش كل هذه الجهود وإنما دورها يأتي ضمن دور هيئات كثيرة في العالم الإسلامي تقدم خدماتها العلمية، كذلك من أهدافها الأساسية والرئيسية التنسيق بين الجهات المعنية بهذا المجال.

هل يعني ذلك وجود مقار للهيئة خارج المملكة العربية السعودية؟
نعتزم إقامة مقار أخرى خارج المملكة، وقد وقّعت الهيئة مذكرات تعاون مع عدة جهات، والآن تنوي توقيع مذكرات تعاون في ماليزيا، فمراكز الهيئة داخل المملكة وخارجها أيضاً.

ألا تخشون من وجود ازدواجية في المعايير الإسلامية الاقتصادية، أقصد ألا توجد أكثر من جهة إسلامية متخصصة في النظر بالمسائل المالية أو التمويل؟
الحقيقة ربما تكون هناك عدة جهات وتعمل ربما على نفس العمل وبالتالي يصبح فيه تكرار للجهود، وبدلاً من أن تصبح مركزة منتجة ولها ثمرات واقعية وعملية؛ تصبح ركيكة ومكررة سطحية وهزيلة، فالهدف من إنشاء الهيئة هو تركيز الجهود وعدم تشتيتها، وتجنب الازدواجية وتجميع الباحثين على تخصصات معينة.

بعض البرامج والندوات التي تعقدونها تخرج بتوصيات أو نتائج، فهل يوجد لديكم آلية لتطبيق التوصيات؟
نعم بالطبع، في البداية نحن حريصون جداً أن تكون هناك مهنية عالية في دراسة التوصيات بشكل جيد، ثم توثيقها بشكل جيد أيضاً، ثم بعد ذلك رفع هذه التوصيات للجهات التي يمكن أن تستفيد منها.

بالنسبة للندوة الأخيرة حول زكاة الأراضي والمساهمات العقارية المتعثرة، من أين نبعت الحاجة لوجودها؟
جاءت الندوة نتيجة للحاجة الملحة في المجتمع، فكثير من الأسئلة الملحة تأتي للمشايخ وغيرهم يسألون فهيا "ما حكم الزكاة في الأراضي والمساهمات المتعثرة" وأيضاً الواقع يشهد بوجود مساهمات كثيرة سواء كان في سوق الأسهم أو سوق العقار، وسواء في السوق المحلية أو السوق الدولية، إذ يوجد تعثر كبير لأسباب كثيرة متعددة، فهذه الحاجة الملحة والكثيرة جعلت اللجنة العلمية المتخصصة بموضوع الزكاة ترشح هذا العنوان.

هل تعتر الهيئة جهة حكومية أم أهلية، وبحال كانت أهلية، ألا تحتاجون لغطاء حكومي من أجل تطبيق ونشر النتائج التي تتوصلون إليها؟
الهيئة تعد هيئة شبه حكومية لأننا في مظلة رابطة العالم الإسلامي، وإن كنا نعد هيئة مستقلة معنوياً ومالياً وإدارياً ولكن في مظلة رابطة العالم الإسلامي التي تعد منظمة شبه حكومية دولية.

وبحال توصلتم لنتائج قد تكون على شكل فتوى شرعية، فمتى يمكن أن ترى هذه الفتوى النور؟
الندوة تخرج بتوصيات سترفعها لجهة القرار، كالمجامع الفقهية والمجمع التابع للرابطة، لأن الهيئة تابعة للرابطة، ويمكن أن ترفع للمجمع الفقهي التابع للرابطة، والمجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي.

وهل سيتم تطبيق النتائج والتوصيات التي تخرج من الندوة، وما هي الآليات لتحقيق ذلك؟
الهدف الحقيقي هو تطبيق النتائج، ولذلك سوف تخرج توصيات _إن شاء الله_ بواسطة لجنة الصياغة لأجل العمل على إخراج نتائج هذه الندوة في وسائل وأدوات تطبيقية تنفع الناس إن شاء الله في مجال الزكاة وربما إذا احتجنا المزيد ورأت اللجنة إمكانية ذلك، فسوف نستمر في إقامة ندوات أو سلسلة من الندوات حتى يتم تحقيق الغرض الذي لأجله أنشئت هذه اللجنة.

وتوجد لدينا آليات لتحقيق ذلك، فنحن لدينا وسائل مختلفة لتطبيق التوصيات التي تخرج منها عبر النشر بالمطويات وعبر النشر في مجلة علمية سوف تخرج للوجود قريباً وعبر الاستشارات التي تتقدم بها الجهات حول موضوع الزكاة، يعني هناك الكثير من الوسائل التي سوف إن شاء الله يتم الاستفادة منها لتفعيل توصيات هذه الندوة.

هذا بالنسبة للمملكة داخلياً، ولكن ألا توجد حاجة لنشر نتائج الندوة المتخصصة الشرعية في العالم الإسلامي الذي قد يعاني من نفس المشاكل؟
هذا الكلام صحيح وواقعي، ونحن عندما بدأنا في الهيئة أول الأمر، فكرنا أن نبدأ من الداخل، وأن نركز في بداية الطريق على السعودية والخليج كخطوة أولى، ثم ننتقل منها بعد ذلك إلى أبعاد جغرافية أوسع بواسطة التنسيق مع الجهات المهتمة البحثية، سواء كانوا أفراداً أو مؤسسات في مختلف أنحاء العالم.

بالنسبة للعلماء والدكاترة الذي تم اختيارهم للمشاركة في الندوة، على أي أساس تم اختيارهم؟ وألا يوجد علماء متخصصون أيضاً في هذه الأمور من المهم أخذ رأيهم؟
في الحقيقة فقد تم اختيار بعض المشاركين على أساس أن لديهم بُعد شرعي، فيما تم اختيار المشاركين الآخرين لأن لديهم بُعد اقتصادي، فضلاً عن اختيار أناس عندهم بُعد تطبيقي في مجال نفس العقارات المتعلقة بالزكاة، وهذا هو الأساس الذي نحاول أن نجمع فيه المشاركون في الندوات، وطبعاً نجتهد في أن نصل إلى أشخاص ذو اختصاصات دقيقة ومفيدة، ولكننا إلى الآن لا نزال محصورين جغرافياً، وسنحاول _إن شاء الله_ أن نصل في المستقبل إلى أناس متخصصين في مختلف أنحاء العالم.

ما هو تقييمك بشكل عام للندوة الأخيرة؟
أعتقد أن عدد الحضور والحمد لله كان جيداً وكبيراً، ومن ناحية الأمور التي طُرحت أعتقد أنها كانت أفكار رائعة، ومن الواضح أنها أفكار ريادية، ونحاول دائماً تطوير ندواتنا ولقاءاتنا بشكل مستمر، ونلاحظ أن ندواتنا تتطور مرة بعد أخرى، وإن شاء الله في الندوات القادمة سنكون أفضل، فهذه الندوة على سبيل المثال بدأناها بورشة عمل خلال شهر شعبان الماضي، وقد وصلنا بها الآن إلى إقامة ندوة، ولعلنا نواصلها بندوة أخرى حتى نستكمل جني الثمرة _إن شاء الله_.

معنى ذلك أن هناك مشاريع مستقبلية أخرى لديكم؟
نعم، وإن شاء الله توجد خطط لاستكمال نفس موضوع الزكاة، إذ ستكون هناك استمرارية في عمل لجنة الزكاة إلى حين الوصول لنتائج نهائية، فضلاً عن وجود لجان أخرى، منها لجنة التأمين ولجنة الاستثمار والتمويل وغيرها، ونحن لدينا عدة مشاريع، ويتولى كل مشروع لجنة خاصة به.