خطوات جريئة نحو شخصية مؤثرة (1)

[email protected]
اعتدنا أن نرى انجذابا كبيرا من شبابنا نحو ذلك المصطلح - " الشخصية المؤثرة " – فما يلبث أحدهم يجد مقالا أو كتابا أو محاضرة بهذا المسمى حتى يسعى إليها ويحاول قراءتها والاستمتاع بها متمنيا لنفسه أن يوصف بهذا الوصف ولشخصيته أن تصير تلك الشخصية المؤثرة التي يقرأ عنها ..
وللأسف الشديد فكثير ممن يقرؤون عن الشخصية المؤثرة تستهويهم القراءة وينسون تطبيق ما قرؤوه أو أن المكتوب أصلا يكون حديثا من نوع أحاديث الترفيه التي كثيرا ما قلد كاتبوها الكتاب الغربيين في طريقة كتاباتهم الإدارية حول المدير المؤثر والرئيس المؤثر وغيرها من الكتب التجارية كثيرة البيع ضعيفة الأثر !
وكنت قد كتبت قبل فترة في هذا المكان تحديدا حول الشخصية الدعوية المؤثرة كشكل من أشكال التحليل البنائي في أسباب كون شخصية ما تستطيع أن تؤثر في الآخرين ..
http://www.almoslim.net/tarbawi/show_article_main.cfm?id=1327
ولكننا اليوم نريد معا أن نسلك سبيلا أكثر عملية وتطبيقية للوصول إلى الشخصية المؤثرة عبر عدة خطوات وصفتها بالجريئة حيث إنها تحتاج تصميما ودافعية بنية صالحة ..

* * هل نعاني من نقص في الشخصية ؟
قد تعتري المرء بعض المشاعر في بعض المواقف يستشعر فيها من نفسه بنقص في شخصيته , إذا وجد نفسه مهمشا في موقف هام أو وجد نفسه غير ذي حظ حيث يفوز المؤثرون وأقوياء الشخصية ..
وقد أصبح وصف الشخصية بالنقص تعبيرا شائعا في كثير من أوساط الشباب وهم – في غالب الأحيان – لا يدركون كنهه الحقيقي ..

فإن الشعور بذلك النقص قد يكون وهما داخليا ارتبط بالإنسان منذ صغره وطفولته , وقد يكون ناتجا من عدم معرفة الإنسان بقدراته وطاقاته التي يتميز بها ..ولازلت أذكر ذلك الموقف في الصغر بينما كان من زملائنا التلاميذ من كنا نعتبره منطويا ضعيفا لا يتمتع بشخصية مؤثرة وبينا نحن في طريق لنلعب بعض الألعاب إذ اعترض طريقنا بعض الذين يكبروننا سنا وإذا بأخينا المنطوي هذا يصير هو فارس الميدان ويتحمل وحده مسئولية الدفاع عن فريقنا جميعا وإذا بالكبار يخافونه ويفسحون لنا السبيل ..ومنذ ذلك الحين وهو له في فريقنا أكبر المقام !!

وبغير إسهاب نستطيع أن نقول أن كل موقف سلبي يمر بالإنسان من صغره ولم يستطع أن يؤثر فيه كما يرتضي يعتبر مكونا صغيرا من مكونات هذا الشعور السيئ بضعف الشخصية والعكس صحيح فكل موقف إيجابي يمر بالمرء ويوفقه الله في أن يكون مؤثرا فيه ويرضى عن سلوكه فيه يكون عنصرا مهما من مكونات قوة شخصيته ..

* * الخوف ..كيف يؤثر على الشخصية ؟!
فإذا نما شعور الخوف في شخص نتيجة تجربة قاسية مرت به أو خطأ ارتكبه فإن ذلك سوف يورثه تراجعا في نموه الشخصي والتأثيري , وانظر ههنا كيف يوجه الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم نحو ذلك المعنى ويقول " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف , وفي كل خير , احرص على ما ينفعك ولا تعجز ...الحديث " رواه مسلم
وانظر كيف عالج النبي صلى الله عليه وسلم مواقف الخوف عند أصحابه علاجا لا مثيل له , فبينما هم عائدون من غزوة أحد وجراحهم بعد تنزف نزفا ترسل إليهم قريش أنها ستأتيهم لتستأصل شأفتهم ..فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: " حسبنا الله ونعم الوكيل " ويأمر أحابه أن يخرجوا إليهم في حمراء الأسد ويؤكد ألا يخرج معه إلا من شهد أحدا .. !! إنه يداوي جراح الألم ويزيل أثر الضعف ويؤكد على معنى الثبات والتأثير والفداء ..
والخوف عادة يخفي ميزات الشخصية ويبديها ضعيفة منكسرة باهتة , وانظر لمن يلقى خصمه وهو خائف منه كم ينظر إليه خصمه باستهتار واستعلاء ... ودعونا نتذكر موقف شيخ الإسلام ابن تيمية في لقائه بقازان ملك التتر وحديثه الجريء معه وثباته وصلابته وقوته في الحق الأمر الذي جعل قازان يهابه كما لم يهب أحدا قبله وهو الوحيد الغريب وهذا ملك متوج !! يروي تلاميذ شيخ الإسلام أنه قد ذهب للقاء قازان في عدد من العلماء وأنهم لما رأوا جرأته على الملك خشوا من مصاحبته في طريق عودته فسلكوا طريقا آخر وتركوه وحده , ثم إنهم قد تلقفهم اللصوص وسرقوا ثيابهم , ودخلوا البلاد بلا أثواب بينما شيخ الإسلام يعود مظفرا !!
* * هل بلغنا الرشد النفسي ؟!
كثير من أعراض ضعف الشخصية الذي نعاني منه يرجع إلى أننا لم نبلغ النضج والرشد على المستوى النفسي بصورة مناسبة , وإنما يكون سبب ذلك عدم اكتمال المنهج التربوي الذي استخدمه الآباء والمربون في نفوسنا وأثناء حياتنا ..
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص على تربية أبناء أمته تربية نفسية رشيدة فإذا بهم ينضجون مبكرا ويتحملون مسئولياتهم مبكرا ولا ترى في شخصياتهم عوجا ولا نقصا ..
وكنت كثيرا ما أتحدث للأصدقاء أن المنهج التربوي الإسلامي لم يعترف بتلك الصفات المنقوصة التي جمعها التربويون الغربيون فيما أسموه : " فترة المراهقة " , نعم قد اهتم الإسلام بجميع فترات العمر ولكنه لم يجعل تلك الفترة – كما يصور لنا الغربيون – هي فترة التمرد والغواية والاهتمام بالجسد ونزعاته مع ضعف الحكمة وقلة الإنجاز ..بل لقد أسند النبي صلى الله عليه وسلم قيادة جيش عرمرم لشاب لم يبلغ الثامنة عشر من عمره , وأجاز في الغزوات شبابا في الخامسة عشر من أعمارهم , وكان السابقون من علماء هذه الأمة لا يبلغ أحدهم الثامنة عشر سنه أو أقل من ذلك إلا نضحت فكرته واتضحت طريقته وتحمل مسئوليته كاملة وقام بها على أكمل وجه ..

* * ضياع الهدف وراء ضعف الأثر ..
كل نشاط لا هدف له يدل على حقيقة خافية ، وهي وجود مركب نقص لدى الإنسان ، فالإنسان العشوائي الذي غم عليه هدفه ما يزال يتخبط في سلوكه , فتضيع منه أيامه ولا يكتمل له إنجاز ولا يؤثر في محيطه ومجتمعه تأثيرا إيجابيا ..
ومن هنا نستطيع أن نقول أن انطلاق منظومة من الأهداف التربوية في كل مرحلة من مراحل العمر مأخوذة من المنهج القرآني وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم صار واجبا ملحا على كل القائمين بالعملية التربوية سواء على مستوى التنظير لها أو التطبيق , لأن تربية لا تتضح أهدافها ومعالمها في نفس المرء لا تورثه إلا ذوبانا في غيره وضعفا في شخصيته ..

* * صفة الاجتماعية وأعراض الخجل !
أتألم كثيرا عندما أجد من الدعاة إلى الله من هو منطو على نفسه منغلق في شخصيته , بعيد عن التأثير في الناس , وأتساءل عندها في نفسي ..من إذن يعلم الناس ويوجههم وينصحهم ويصوب خطاهم إذا كنا جميعا نفضل الانزواء والانطوائية والبعد وعدم الاجتماعية , إن الدعوة إلى الله أشرف وظيفة وأحسن مهمة , فمن ذا الذي يتأبى عليها ويخجل منها ؟ حتى العلماء الذين كتبوا في فضائل العزلة لم يعدوا منها عدم دعوة الخلق إلى الله ونصحهم وتعليمهم , وإنما يتأتى خجل بعض الدعاة وانطوائيتهم من سببين لا ثالث لهما الأول عدم قدرته على السيطرة على نفسه في تطبيق الأخلاق التي تعلمها فعلياً مع الناس والثاني عدم اتصافه بالتواضع وخفض الجناح للمؤمنين فهو يخشى أن يخالط من لا يعرف قدره فيهتز مقامه , لذا تجد كثيرا من هؤلاء هو اجتماعي ممازح بين القريبين منه , عبوس قطب الجبين بين الناس .. فيا عجباً من أمثال هذا !