أنت هنا

الدكتور الدويش: برنامج حاسوبي لتدريب معلمي القرآن الكريم
26 رجب 1428

لا تحظى الكثير من الدراسات العلمية ذات الطابع النظري بالمزيد من الاهتمام، ولاسيما الدراسات التربوية، إذ إن الجانب التطبيقي له أهميته، ومن بين الرسائل العلمية التي عنيت بالجانب التطبيقي التربوي، رسالة الدكتوراة لفضيلة الشيخ/ محمد الدويش والتي قدمت لكلية التربية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ونظراً لأهمية موضوع الرسالة لصلته بكتاب الله، وتحديداً معلمي القرآن الكريم، فقد أجرى الموقع هذا الحوار مع فضيلته حول الرسالة ومحتوياتها ... لتعم الفائدة وللتعرف على المزيد من المعلومات حولها ..

المسلم : بداية نود أن نتعرف على عنوان أطروحتكم للدكتوراه وسبب اختياركم لهذا الموضوع؟
الدكتور الدويش : عنوان الأطروحة هو: (برنامج حاسوبي مقترح لتدريب معلمي القرآن الكريم في مراحل التعليم العام على مهارات تدريس القرآن الكريم) ..
والرسالة سعت إلى تصميم برنامج باستخدام الحاسب يتدرب فيه معلم القرآن على طريقة تدريس القرآن الكريم بالتعلم الذاتي.
أما سبب اختيار الموضوع فقد كان استكمالا لدراستي في الماجستير والتي قوّمت فيها أداء معلمي القرآن في مدارس تحفيظ القرآن الكريم، ولاحظت جودة مستوى المعلمين فيما يتعلق بإتقان التلاوة والتعامل مع الطلاب، بينما يوجد في المقابل ضعف شديد في مهارات التدريس ، وشعرت أن من أهم ما ينبغي أن يُقدّم هو بناء برامج في تطوير أداء المعلمين فكانت فكرة هذا الموضوع.

المسلم : إذاً البرنامج يتعلق بمهارات التدريس فقط، ماذا عن المهارات الأخرى كالتلاوة والتجويد ...
الدكتور الدويش : البرنامج لايمكن أن يقدم كل مايحتاجه المعلم، لذا فهو يقتصر على تدريبه على مهارات تدريس القرآن الكريم، أما مايتصل بالتلاوة والتجويد فيفترض أن المعلم يتقنها، ومن لايتقنها فثمت أدوات وبرامج خاصة لذلك.

المسلم : ولماذا لم تشمل الرسالة مهارات تدريس العلوم الشرعية كلها ؟
الدكتور الدويش : السبب في ذلك أن تدريس القرآن الكريم له طبيعة خاصة ويتطلب مهارات لاتتطلبها سائر مواد العلوم الشرعية، ولا يوجد إعداد خاص لمعلم القرآن؛ إذ هو يتخرج من كلية التربية أو كلية المعلمين أو الكليات الشرعية، و معدٌ إعداداً عاماً لتدريس العلوم الشرعية، وليس لتدريس القرآن الكريم، فيتلقى الجانب العلمي والتربوي –نظريا وعمليا- في كل مايتصل بالعلوم الشرعية.
وأرى أنه لا بد من تأكيد خصوصية تدريس القرآن الكريم لدى معلمي العلوم الشرعية، وأن هناك مهارات خاصة بتدريس القرآن يحتاج المعلم لإتقانها وممارستها؛ إذ يرى عدد من معلمي القرآن الكريم أن مهمتهم تتم من خلال الاستماع لتلاوة الطالب وتصحيح أخطائه فحسب.

المسلم : لا شك أن فكرة الموضوع والبرنامج تعتبر جديدة، فهل الرسالة عبارة عن برنامج حاسوبي ؟
الدكتور الدويش : نعم ... فقد قمت بتصميم برنامج حاسوبي، يمكن نسخه وتسويقه ويستفيد منه المعلم، وتمت تجربة وحدة من البرنامج على مجموعة من المعلمين في كافة المراحل التعليمية (الابتدائية، المتوسطة، الثانوية) لاكتشاف مدى فاعلية البرنامج من عدمها.

المسلم : إذن هل يمكننا القول بأن الأطروحة تعد نظرية أم عملية أم أنها دمجت بين الطريقتين ؟
الدكتور الدويش : الجانب الأبرز في الرسالة هو الجانب العملي، ويتمثل في تصميم البرنامج، كما يتمثل أيضاً في الدراسة التجريبية للبرنامج، لكن لا بد لأي جانب عملي من تأسيس نظري يمثل مدخلاً ويكون منطلقاً لإعداد الأسس التي ينبغي أن يُبنى عليها البرنامج.

المسلم : هل بالإمكان إعطاء فكرة عامة عن البرنامج ..
الدكتور الدويش : يتضمن البرنامج ثمان وحدات، الوحدة الأولى: وحدة التخطيط للدرس، الوحدة الثانية: وحدة تنفيذ الدرس، الوحدة الثالثة: تصحيح التلاوة، الوحدة الرابعة: تقنيات التعليم، الوحدة الخامسة: آداب التلاوة، ويقصد بها كيف يعلم المعلم الطلاب آداب التلاوة، الوحدة السادسة: تنمية القدرة على تدبر القرآن وفهمه، الوحدة السابعة: التقويم، الوحدة الثامنة: إدارة الصف والتعامل مع المتعلمين.
وتتضمن كل وحدة عدداً من الدروس، يعالج كل درس جانباً معيناً.
والجانب المعرفي لا يركز عليه في البرامج التدريبية، وأكثر مافي البرنامج من ذلك هو قراءات إثرائية، يتم الاطلاع عليها من خلال روابط خاصة بذلك.

المسلم : كيف تم تقسيم هذه الوحدات في البرنامج؟
الدكتور الدويش : كل وحدة تتضمن عدداً من العناصر وتشمل:
‌أ- الأهداف؛ فتبدأ كل وحدة بمجموعة من الأهداف تراعي المجال المعرفي والمهاري والوجداني وتراعي تنوع المستويات داخل كل مجال
‌ب- المحتوى والمقصود به: المادة المعرفية التي تقدم للمتتدرب، وقد روعي فيه الإيجاز بما يتناسب مع التعلم الذاتي، وتم تنظميه بطرق عديدة من خلال ارتباطات تشعبية، ومن خلال خرائط مفاهيم، ومن خلال رسوم، وسعيت قدر الإمكان للتقليل من المحتوى المكتوب كتابة نصية طويلة على الشاشة.
‌ج- النشاطات، والنشاطات في البرنامج تركز على التعلم، وتتنوع فمنها ما يكون من خلال الكتابة، ومنها ما يكون من خلال الرسم، ومنها ما يكون من خلال التعليق على موقف، ومنها ما يكون اقتراحاً، ومنها مايكون مغلقا لايحتمل إلا إجابة واحدة، ومنها مايكون مفتوحا يتضمن أكثر من إجابة، ويعقب النشاط بتغذية راجعة تصحح لمعلم إجابته.
‌د- القراءات الإثرائية، وتتضمن المادة المعرفية التي تتسم بقدر من الطول، أو ليست ضرورية لكل المتدربين، وتم وضعها على هيئة (PDF).
‌ه- التقويم ويكون في آخر الوحدة، هو عبارة عن تقويم ذاتي يقيس مدى تحقق أهداف الوحدة لدى المتدرب.

المسلم : هل تتضمن البرنامج وسائل أخرى، كالوسائل الصوتية أو المرئية ؟
الدكتور الدويش : نعم تضمن البرنامج أيضاً عددا من الوسائل وتشمل:
‌أ- التسجيلات الصوتية، وتم تسجيلها في معمل الصوت " الاستوديو " حتى تكون أكثر نقاءً.
‌ب- الصور الثابتة (الفوتوغرافية).
‌ج- الصور ثلاثية الأبعاد.
‌د- التسجيلات المرئية (الفيديو) وتم تصويرها من البيئة الطبيعية في الصف، وهي غالباً نوعان: نوع يمثل أداء غير صحيح، ونوع يمثل أداء صحيحاً وإيجابياً.
كما يحوي البرنامج خدمات للمتدرب تتمثل فيما يلي:
‌أ- إرسال ملحوظات للمصمم على البريد الإلكتروني.
‌ب- تسجيل ملحوظات داخل البرنامج يريد الرجوع إليها
‌ج- ملخص مكتوب للوحدة على ملف وورد أو على ملف (PDF).

المسلم : هناك العديد من البرامج التي تعنى بجوانب محددة فيما يتعلق بالقرآن الكريم، سواء جانب تصحيح التلاوة أو غيرها، هل استفدتم منها أو حاولتم تطوير بعضها؟
الدكتور الدويش : البرنامج لا علاقة له بتصحيح التلاوة، فهو يدرب المعلم على طريقة تدريس القرآن فقط، أما البرامج التي تستهدف الطالب أو تستهدف المتعلم عموماً في تصحيح تلاوته فليست مجال موضوع الدراسة، فجزء منها دخل الحديث عنه باعتباره من تقنيات التعليم في تدريس القرآن.

المسلم : هنالك العديد من البرامج التعليمية الموجهة للمعلم أو للطالب، كبرامج تعلم اللغة الإنجليزية مثلاً، كيف يمكن للباحثين في العلوم الإسلامية أو الثقافة الإسلامية أو التربية أن يستفيدوا من مثل هذه الأفكار في تطوير الدراسات المتعلقة بالتربية؟
الدكتور الدويش : لايمكن للمهتمين بالتربية الإسلامية والعلوم الشرعية أن يبدؤوا من الصفر، وأن يتجاهلوا الجهود والأفكار السابقة، ومن هنا تمثل هذه البرامج فرصة ثرية مهمة للإفادة منها؛ فهي نتاج تراكم المعرفة العلمية والعملية، وعلى من يسعى لبناء البرامج التعليمية أن يفيد من هذه الدراسات والبرامج.
ومن أهم مجالات الاستفادة منها أسس تصميم البرامج التعليمية، والتطبيقات البرمجية، مع مراعاة خصوصية كل مجال.

المسلم : يحلو للبعض أن يعرف الأمي في هذا العصر بأنه: من لا يتقن الحاسب الآلي، ولا شك بأن هنالك صعوبات تواجه الكثير ممن يريدون الاستفادة من بعض البرامج، هل حاولت تجاوز مثل هذه الصعوبات في البرنامج؟
الدكتور الدويش : نعم هناك صعوبات قد يواجهها المستخدم العادي في التعامل مع بعض البرامج، ومن هنا كان من أسس تصميم البرامج التعليمية سهوله التعامل مع البرنامج للمستخدم العادي الذي لايملك معرفة مسبقة بالحاسب الآلي، فالبرنامج يقود المتعلم من خلال استخدام الفأرة والشاشات، وأي مستخدم يستطيع تشغيل جهاز الحاسب والتعامل معه يمكنه التعامل مع البرنامج بسهولة.
وتم تزويد البرنامج بملف تعليمات للمستخدم يسهل عليه التعامل مع البرنامج ويقدم له حلولا للمشكلات التي تواجهه، كما ثم تجريب البرنامج على عينة تمثل 40 معلماً في مراحل مختلفة، ومن خلال التجريب تم اختبار مدى سهولة التعامل مع البرنامج.
وقد كانت أبرز المشكلات تتمثل في عدم معرفة بعض المستخدمين بإعدادات ضبط الشاشة، وهي تواجه من تكون شاشة أجهزتهم بمقاس 800 × 600، والمشكلة الثانية عدم وجود برنامج قارئ ملفات الـ PDF، في بعض أجهزة المستخدمين.
وقد تم تدوين هذه الملحوظات على القرص وعلى غلافه الخارجي، وإرفاق برنامج قاريء ملفات (pdf).
أما بقية ملفات البرنامج وأدواته فهي لاتتطلب أي برامج إضافية سوى البرامج المدمجة مع نظام التشغيل، فملفات الفيديو والصور والصوت لايتطلب تشغيلها أي برامج إضافية بل تعمل مع كافة إصدارات نظام تشغيل (windows).

المسلم : هل يمكن أن نرى أو نشاهد هذا البرنامج قريباً في موقع المربي أو على شبكة الإنترنت؟
الدكتور الدويش : بطبيعة الحال توجد صعوبة في أن يكون على البرنامج على (الإنترنت)، نظراً لكبر حجمه، فهو يتجاز (400) ميجا بايت.
ولدينا مرحلتان في تسويقه بإذن الله المرحلة الأول: تسويقه بشكل مباشر من خلال أقراص.
والمرحلة الثانية: إعادة تهيئة وهيكلة للبرنامج بحيث يتناسب مع الإنترنت، وهذا يحتاج إلى معالجة أخرى وهي مرحلة لاحقة بإذن الله تعالى.
ونحن نسعى _إن شاء الله_ إلى تسويقه بعد استكمال الملاحظات التي ظهرت أثناء تحكيم البرنامج وأثناء المناقشة ثم مرحلة الإنترنت هي مرحلة تالية _إن شاء الله_.

المسلم : إذن بإمكان الكليات أو المراكز أو المؤسسات التي تعنى بتحفيظ القرآن الكريم أن تطبق هذا البرنامج ويكون ضمن مناهجها؟
الدكتور الدويش : لست من يصدر الحكم على ملاءمة البرنامج لهذه المؤسسات، لكن البرنامج مر بعدد من المراحل
المرحلة الأولى: تحديد مهارات تدريس القرآن الكريم التي ينبغي أن تتحقق لدى معلم القرآن، وهذه كانت أحد أسئلة الدراسة وبُذل فيها جهدٌ أرى أنه مناسب، وتم تحكيمها من قبل عدد من المختصين.
المرحلة الثانية: تصميم البرنامج التدريبي مكتوباً في ضوء هذه المهارات، وقد تم تحكيم البرنامج وتعديله.
المرحلة الثالثة: تحويل البرنامج التدريبي المكتوب إلى برنامج حاسوبي.
وبناء عليه يمكن أن يستفاد من جميع مراحل المشروع فيستفاد من مهارات تدريس القرآن مفصولة عن البرنامج التدريبي، كما يمكن الاستفادة من البرنامج التدريبي كبرنامج مكتوب، وإن كان هو مهيأ لأجل أن يعمل في الحاسب، فضلاً عن الإفادة من البرنامج الحاسوبي.

المسلم : هذا البرنامج موجه لمعلمي القرآن الكريم، فما هي نصيحتك لهم؟
الدكتور الدويش : أولاً: ينبغي أن نعلم أن إتقان تلاوة القرآن وتجويده ليس كافياً لتأهيل المعلم لتدريس القرآن الكريم.
ثانياً: ألا يعتمد المعلم على خبراته الذاتية فقط وتجاربه، وقد لاحظت هذا في زياراتي للمعلمين وحواري معهم سواء في مرحلة دراستي للماجستير أو الدكتوراه.
ثالثا: أن يجتهد في إتقان مهارات تدريس القرآن، وأن يعلم أن تطوير نفسه في هذه المهارات سوف يؤثر على أدائه بصورة إيجابية.

المسلم : يشتكي بعض معلمي القرآن الكريم من عدم مقدرتهم بأن يجعلوا الطالب يعيش مع هذه الآيات كواقع عملي ينعكس على أخلاقه وعلى سلوكياته، فما هي المهارة التي يمكنهم استخدامها لتجاوز هذه المشكلة؟
الدكتور الدويش : هذا جزء من الرسالة، وقد تم علاجه في وحدة كاملة من وحدات البرنامج، وهي وحدة تنمية قدرات الطالب على فهم القرآن وتدبره، وماقدم في البرنامج لايكفي في نظري في علاج هذه المشكلة فهي بحاجة إلى مزيد من الجهود المتنوعة.
وفي البرنامج تم تناول عدد من الوسائل والتطبيقات المعينة على تحقيق ذلك، وتم التركيز على تنمية الاتجاه عند الطالب نحو تدبر القرآن وفهمه، وعلى أن يكتسب الطالب من خلال درس القرآن الكريم أدوات فهم القرآن.
إن مهمة المعلم ليست قاصرة على مرحلة الاستماع لتلاوة الطالب والتعليق عليها، بل لابد أن يكسبه الأدوات التي تعينه على فهم القرآن بحيث يكون قادراً على فهم القرآن مستقبلاً، وما لم يكن تعليم هذه المهارات في درس القرآن الكريم فستكون الفرص في المستقبل ضئيلة جداً.

المسلم : هل لديكم أفكار أخرى في المستقبل كبرامج أخرى على نحو هذا النسق؟
الدكتور الدويش : في الذهن التفكير في تطوير البرنامج ليلاءم حلقات التحفيظ، وهذا يحتاج إلى مشروع وربما إن يسّر الله أن أعمل فيه أنا وبعض طلاب الدراسات العليا، لكن أعتقد أيضاً أن طبيعة تدريس الحلقات والجو الذي فيه يختلف عن التدريس في الصف.

المسلم : كلمة أو نصيحة للباحثين الذين قد لا يقدمون على مثل هذا النوع من الدراسات؟
الدكتور الدويش : واجهت في عملي صعوبات عدة وأخذ مني جهداً ووقتاً، لكن في النهاية شعرت أن العاقبة محمودة، كان يمكنني أن أكتفي ببرنامج تدريبي عادي بدون أن أحوله للحاسب وهذا سيسقط علي تكاليف مالية وجهداً ووقتاً ، لكن حينما ينجز الإنسان يشعر بقيمة ما أنجزه.
إنه من المهم أن يسعى الباحث إلى أن يقدم عملاً يشعر أنه حقق فيه إنجازاً وبالذات في مرحلة الدكتوراه، فمرحلة الماجستير هي في الغالب تدريب على مهارات البحث، لكن مرحلة الدكتوراه ينبغي للباحث أن يقدم عملاً له قيمة عملية.

المسلم : كلمة أخيرة توجهها إلى قراء موقع المسلم؟
الدكتور الدويش : أقول نحن بحاجة إلى أن نقدم أفكاراً في مجالات تخصصنا، فلئن كان هذا الجهد في في مجال التربية أو المناهج بشكل أخص، فجميع المجالات بحاجة لأن نقدم فيها الجديد، سواء في مجال المناهج، أو المجالات الأخرى للتربية أو غيرها من المجالات. نحن بحاجة إلى السعي إلى تقديم مشروعات وبرامج جديدة تسهم في تطوير الواقع وتطوير الميدان الذي نتعامل معه.