مضامين تربوية في الأحكام الفقهية ..قراءة في كتاب

عنوان الكتاب: مضامين تربوية إسلامية في الفقه الإسلامي.
اسم المؤلف: أ.د/ مصطفى ديب البغا * *
الطبعة الأولى 2007م
الناشر: عالم الكتب الحديث – إربد: الأردن
يقع الكتاب في مجلد واحد يحتوي على 448 صفحة، وهو بداية لسلسة تحت عنوان: (مضامين تربوية في الفقه الإسلامي)، تناول المؤلف في الكتاب الكتب الفقهية التالية: كتاب الطهارة، وكتاب الصلاة.

ذكر المؤلف في المقدمة أن أصل هذا الكتاب هو مقرر دارسي لطلاب الدراسات العليا، حيث حاول استنتاج المضامين التربوية من الأحكام الفقهية مستفيداً من بعض ما كتبه الطلبة من أفكار تربوية، ولا سيما المصطلحات الجديدة في ميدان الثقافة التربوية.
كما اكتفى بالرموز فيما يتعلق بتخريج الأحاديث تخفيفاً على القارئ، وقد أشار إلى تلك الرموز في المقدمة.

وبدأ المؤلف مباشرة بكتاب الطهارة وطريقته في العرض، أنه يذكر الكتاب ومن ثم التعريف في اللغة والاصطلاح، و لربما أشار إلى الحكمة من المشروعية، ويذكر الأدلة من الكتاب والسنة، ويعرض للأحكام بالأدلة، بعد ذلك يشير إلى المضامين التربوية المستفادة من تلك الأحكام.

وقد اخترنا من الأمثلة على ذلك: باب صلاة الجماعة، حيث بدأه بالإشارة إلى تاريخ إقامتها، وأنه صلى الله عليه وسلم أقامها بعد الهجرة، لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا مقهورين في مكة، فكانوا يصلون في بيوتهم.

ثم ذكر المؤلف الحكمة من مشروعية صلاة الجماعة، وفضيلتها وبعض الأحاديث الواردة في ذلك، ثم تطرق إلى حكم صلاة الجماعة، والأدلة من القرآن الكريم، والأحاديث، وكذلك ما تكون به الجماعة، وحكم حضور الجماعة للنساء، وما تسقط به الجماعة من الأعذار، مستدلاً لكل مسألة بالأدلة من الكتاب أو السنة، ثم ذكر عدداً من المسائل الفقهية الفرعية، ثم شرع في الحديث عن المضامين التربوية المستفادة من صلاة الجماعة وأحكامها.

وذكر عدداً من المضامين التربوية المستفادة من صلاة الجماعة، ومنها:
أولاً: مضامين روحية، وقد ذكر المؤلف عدداً من المضامين، ومنها:
التعبد لله بهذا الاجتماع، طلباً للثواب وخوفاً من عقاب الله ورغبة فيما عنده، وفي هذا أسلوب من أساليب التربية الروحية للناشئين، أسلوب الترغيب والترهيب وماله من نتائج مثمرة.

إظهار عزة المسلمين، إذا دخلوا جميعاً للمساجد وإذا خرجوا جميعاً، وهذا فيه إغاظة لأهل الكفر والنفاق، ودعوة لهم أن يسلكوا سبيل المؤمنين فيؤمن الكفار ويحسن إيمان المنافقين، وفيه ترك التشبه بغير المسلمين والبعد عن سبيلهم. وفي ذلك أيضاً إظهار شعيرة من أعظم شعائر الإسلام، لأن الناس لو صلوا كلهم في بيوتهم ما عرف أن هنالك صلاة.

ثانياً: مضامين اجتماعية وأخلاقية، وقد ذكر المؤلف عدداً من المضامين، ومنها:
التوادد والتحاب بين المسلمين بسبب معرفة أحوال بعضهم بعضاً، فيقومون بعيادة المرضى، وتشييع الموتى، وإغاثة الملهوفين، وإعانة المحتاجين، لأن ملاقاة الناس بعضهم ببعض توجب المحبة والألفة، ولأن الناس إذا صلى بعضهم مع بعض حصل التعارف بينهم، وقد يحصل من التعارف معرفة بعض الأقرباء فتحصل صلته بقدر قرابته، وقد يعرف الغريب عن بلده فيقوم الناس بحقه، وهكذا تزول البغضاء والشحناء والكره من نفوس المسلمين، ويسود التعارف والتآلف والترابط بينهم، ليكونوا كالجسد الواحد، وكالبنيان يشد بعضه بعضاً.

والذي لا يصلي في المسجد لا يعرفه أهل الحي، إلا من كان بينه وبين أحدهم مصلحة دنيوية. ونحن نرى في الواقع أن رفاق المسجد – أو جماعة المسجد – من أكثر الجماعات ألفة ومحبة فيما بينهم. وهذا يربي الشاب المسلم على ارتياد بيوت العبادة والخير، بدل ارتياد أماكن الفسق واللهو والفجور.

وفي ذلك تربية المسلم على إظهار شعائر الإسلام، والاعتزاز بها حتى ينحسر أهل الفسوق ويستقيم حالهم اقتداء بأهل الطاعة والإيمان.
اجتماع المسلمين في أوقات معينة يربيهم على المحافظة على الأوقات، فلا يضيعونه سدى، فهم كلما خرجوا من جماعة سعوا في قضاء أعمالهم ليتأهبوا للجماعة الأخرى، وهكذا، وهذا يعود المسلم الجدية في العمل.
الائتمام الذي يعني في مفهوم الإسلام الإتباع بموافقة ورضا مع بقاء المسؤولية الشخصية، ويتجلى ذلك في الصلاة بأن الإمام ينوب عن المأموم فقط في التلاوة حالة الوقوف لدى بعض المذاهب، بينما يتحمل المأموم بقية أفعال الصلاة وأذكارها مع أنه مأموم.

صلاة الجماعة تحمي من العزلة التي تجعل الإنسان عرضة سريعة لأقل انفعالية، وأكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب النفسي من جراء الانفعالات التي يتعرض لها بمجرد ولوجه في الحياة الاجتماعية، وتعرضه لشيء تافه يعترض متطلباته. وفي المواظبة على صلاة الجماعة علاج وقائي لهذا الداء، وفيها توجيها لمسلم إلى أن الالتزام بالجماعة فيه قوة ومتانة، وتركها هو الضعف والسقوط.

في صلاة الجماعة تدريب للمسلمين على النظام ووحدة الهدف، حيث يقرأ الكل كلاماً واحداً ويذكرون ذكراً واحداً، ويقفون صفوفاً موحدة يكره أن توجد فيها فرجات، ويتجهون اتجاهاً واحداً بظواهرهم وبواطنهم، فكل هذا تدريب على وحدة الإحساس والشعور بالهدف، وهي من خصائص الروح الإنسانية.

إن من آداب صلاة الجماعة، أن تكون الصفوف متراصة: فلا يكون هناك فراغ بين المصلين، وعليهم أن يحاذوا بين المناكب، ويجعلوا الصفوف متلاصقة، وبالتالي: فإن على المصلي أن لا يجعل شرخاً بينه وبين أخيه، ولا يجعل ثلمة في صفوف المسلمين، فإذا رأى فراغاً في صف من صفوف الجماعة، عليه أن يبادر إلى سد ذلك الفراغ، ولا يستحدث صفاً جديداً. فإذن، إن على الفرد أن يذوب في جماعة المسلمين، ولا يتفرد، فيكون كالقطيع الذي ينفصل عن القافلة العامة.
وفي هذا تأكيد على أهمية الجماعة بالنسبة للمسلمين، فيها يزدادون قوة وتماسكاً، وتقوى فيما بينهم علاقاتهم وتزداد هيبتهم بين الأمم، فلا تطمع – بل لا تحاول أن تفكر – في احتلال البلاد الإسلامية والاستيلاء عليها. ويستفاد من وصل الصف في صلاة الجماعة تربية للمسلم على المبادرة وتحمل المسؤولية تجاه المجتمع.

في كراهة أن يطيل الإمام في الصلاة، إلا إذا كان إمام جماعة محصورين رضوا بالتطويل: تعليم للمسلمين بتفعيل مبدأ الشورى، فليست الشورى هي خصوصية لنظام الحكم والسياسة فقط، بل هي مبدأ يجب أن ينخرط في التعامل معه كل فرد مسلم أياً كان موقعه في المسؤولية، فالمعلم مع طلابه، ورب الأسرة مع أبنائه، والإمام مع المصلين، فحين يعرض عليهم فكرة الإطالة يحدث حوارٌ بينهم، وفي ذلك مدرسة للمسلم في تعلم فن الحوار والمحادثة، وإيصال الفكرة إلى الطرف الآخر.

وفي أعذار عدم حضور الجماعة: مضامين تربوية اجتماعية، منها:
أن يتعامل الناس بينهم بالسماحة واليسر، وأن يقبل بعضهم عذر بعض، إذا بدر منه تقصير لأمر ما، طالما أن الله تعالى يعذر من وقع في ضيق أو عنت، فالله تعالى رحيم يحب من عباده الرحماء.
في اعتبار الخوف على نفسه أو عرضه أو ماله عذراً في التخلف عن الجماعة مضمون تربوي، يعني: ضرورة الحفاظ على هذه الأمور التي يعد حفظها وحمايتها من مقاصد الشريعة الضرورية. وفي ذلك توجيه للمسلم أن يصون هذه المقومات لغيره كما يصونها لنفسه.

ثالثاً: التربية المجتمعية، وقد ذكر المؤلف عدداً من المضامين، ومنها:
وفي هذا المجال تفيدنا صلاة الجماعة تعويد المسلمين – على اختلاف مستوياتهم – على النظام: فالإمام في المقدمة، ويقترب منه في الصف الأول – عند حضور الجميع في وقت واحد – القراء والفقهاء، الذين يمكن أن يستخلف واحداً منهم إذا طرأ عليه ما يفسد صلاته، وهذا يفيد: أنه لا بد لولي الأمر أن يسند المناصب إلى من هم أهل لها. ثم يليهم باقي الرجال، وهم القاعدة الشعبية التي ينبغي أن تكون خلف القيادة. ثم الصبيان، وهم رجال المستقبل، فينبغي أن يكونوا في الصف الذي يستفيدون منه النظام والانضباط في حياتهم، ليتأهلوا حتى يأخذوا مواقعهم في المستقبل. ثم النساء، وهن الأمهات والمربيات، وهن اللواتي يلدن الأشبال وأمهات المستقبل، وهن اللواتي يدفعن بمن ربينه على الفضيلة والاستقامة والشجاعة والخلق القويم إلى المجتمع، وهن اللواتي على الرجال أن يكونوا حماية لهن، وشباب المستقبل هم الردء للرجال والدرع للنساء. وهكذا الجميع يتحركون بحركة الإمام، وينتظمون معه كالعقد، في صفوف منتظمة لا خلل فيها ولا اضطراب، ولا اختراق لها ولا انفراد عنها، والكل يكبر بتكبير الإمام، ويؤمن لدعائه، ويسلم بسلامه.

وهكذا تعطي صورةُ وطيف الجماعة في المسجد الواحد صورةَ المجتمع المسلم القوي المتماسك كالبنيان يشد بعضه بعضاً، ومثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

رابعاً: المضامين التربوية المستفادة من صلاة الجماعة في حقل العملية التربوية والتعليمية، وهي كثيرة، منها:
تربية الطلاب على ضرورة الثقة بالنفس وإبراز الشعائر، وعدم الخوف مما يعتنقون من مبادئ وأفكار، وضرورة إبراز ما يعتقدون على الملأ، ودعوة الناس إليها بالحكمة والموعظة الحسنة. أفدنا هذا من ضرورة إقامة جماعة في كل محلة بحيث يظهر الشعار وتحصل الدعوة.

خامساً: مضامين تربوية خاصة بالمرأة، وقد ذكر المؤلف عدداً من المضامين، ومنها:
من مزايا التربية الإسلامية أنها تنظم مشاركة المرأة المسلمة في أنشطة الحياة العامة والمختلفة، ويظهر ذلك في ندب الشريعة الإسلامية النساء إلى الصلاة في بيوتهن درءاً للفتنة التي يمكن أن يحدثها خروجها إلى المساجد، ولما كانت نفوس بعض النساء تتوق إلى الخروج إلى المساجد أحياناً، بغية الصلاة مع الجماعة وبغية حضور مجالس الذكر والعلم والخير، أباحت لهن الشريعة ذلك.

قوامة الرجل على المرأة، وهذا فيه من العدل وإشعار كل من الرجل والمرأة بحدوده وما يترتب عليه من حقوق وواجبات، الأمر الذي يؤدي إلى انتظام في الحياة الزوجية واستقرار وراحة. فكلٌ منهما يقوم بدوره الذي فُطر عليه، وأي شعارات من الطلب بالمساواة فيما لم يشرعهُ الإسلام كلها شعارات باطلة ومنافية للفطرة، ولا محالة سوف تؤدي إلى هدم البيوت عامة والحياة الزوجية بشكل خاص.

صيانة المرأة عن الاختلاط بالرجال لغير حاجة، وحماية للمجتمع من عوامل الفساد والفتن. وهذا يقتضي أن يذكر المعلمون والمعلمات الطلبة قبل انصرافهم من المدرسة بمراعاة آداب الطريق، وحضهم على عدم ارتكاب المخالفات وسوء الأدب، كما يُرى من انتظار الفتيان أمام مدارس الفتيات والتعرض لهن وإغرائهن، مما يسيء إليهن ولسمعتهن.
تكريم الإسلام للمرأة، وعدم تحميلها فوق طاقتها وعدم حرمانها من الخروج من البيت إذا كان في ذلك مصلحة لها، كالخروج للتعلم أو التعليم مع مراعاة الضوابط الشرعية، إذا رغبت هي بذلك، لأنه لو طولبت بالجماعة كالرجل لما استطاعت، ولوقعت في الحرج، وفي هذا رفق بها، وصيانة لها.

وبعد هذا أشار المؤلف بإيجاز إلى المضامين التربوية اللغوية، والمضامين التربوية السياسية، والمضامين التربوية الرياضية، وكذلك المضامين التربوية العسكرية.
وختم المؤلف هذا الجزء الأول من السلسلة بذكر المضامين التربوية المتصلة بصلاة العيد ...

======================================

* * أستاذ الفقه وأصوله وقواعده في كليتي الشريعة والحقوق جامعة دمشق سابقاً وفي كلية الشريعة والدراسات الإسلامية جامعة اليرموك – الأردن.