انتقامُ يَومٍ أمْ استضعافُ قَرْن؟
28 شعبان 1428

يصادفُ يومُ الثلاثاءِ التاسعِ والعشرينَ مِنْ شهرِ شعبانَ سنةَ 1428 الذكرى الميلاديةَ السادسةَ لأحداثِ ضحوةِ يومِ الثلاثاءِ الحادي عشرَ من سبتمبرَ عام 2001 ميلادية؛ وتجثمُ هذه المناسبةُ على الإعلامِ العالمي تحزناً وتحليلاً وانبطاحاً واعتذاراً في مناحةٍ سنويةٍ حتى لكأنَّ عالمنا مدينةُ أفلاطونَ الفاضلة وليسَ فيها مِنْ كدرٍ ولا غمٍّ إلاَّ ما فعلتُه " القاعدة " في هذا اليوم.

والحقيقةُ أنَّ الأمريكانَ أحسنوا استغلالَ هذا الحدثَ سياسياً وعسكرياً وإعلامياً ولستُ بمغُرِبٍ إنْ قلتُ إنَّهم استثمروه في كلِّ شيءٍ حتى في إخضاعِ العزيزِ والإمعانِ في استذلالِ المستضعفين وابتزازِهم وفرضِ الرؤى الأمريكيةِ عليهم في جميعِ شؤونهم؛ واحتلتْ بذريعته بلدين إسلاميين والقائمةُ قابلةٌ للزيادة، وهكذا تسعى أكثرُ أممِ الأرضِ في تحويلِ الحوادثِ والمناسباتِ لصالحها وليسَ بغائبٍ عنْ الأذهانِ محرقةُ اليهودِ المزعومةِ وما جنوه منها.

وتبقى الأمةُ المحمديةُ المسلمةُ بعيدةً عن هذه السياسةِ مع أنَّها أوفرُ الأممِ نصيباً من المآسي والمظالمِ وأكثرِها عرضةً للاعتداءاتِ ونهبِ الأراضي والثرواتِ وقتلِ الرجالِ واستحياءِ النساءِ والأطفالِ فضلاً عنْ الاعتداءِ على الرموزِ الدينيةِ المقدَّسةِ كالجنابِ الكريمِ والمصحفِ العزيزِ والكعبةِ المشرَّفة. ومنْ الغريبِ انشغالُ النَّاس بتجريمِ أوْ تبجيلِ تنظيمِ القاعدةِ في ضربتِها السبتمبرية وكانَ الأولى والأجدرُ بقومٍ تُرَّققُ كلُّ فتنةٍ في عالمهم أختَها أنْ ينظروا في كيفيةِ قلبِ مصائبهم لصالحهم ولوْ من خلالِ استدرارِ عطفِ العالمِ مادمنا أمةً ضعيفةً مغلوبةً على أمرها في كلِّ شأنها.

ولو أردنا المقارنةَ بينَ احتلالِ فلسطين وتشريدِ أهلها وذبحِهم منذ ستينَ عاماً وبينَ حادثةِ سبتمبر ذاتِ السنواتِ الست لرأينا البونَ العجيبَ حيثُ يعِزُ وجودُ بيئةٍ عالميةٍ تجهلُ خبرَ تفجيراتِ منهاتن وضحاياها والمتهمين بها بينما تبقى القضيةُ الفلسطينيةُ مجهولةً لدى أُناسٍ وضبابيةً عندَ آخرين ومعكوسةَ الفهمِ في ثقافةِ بعضِ الشعوب؛ ومَردُ هذا الأمرِ إلى ضعفِ الآلةِ الإعلاميةِ الإسلاميةِ وإلى أنَّ جلَّ مَنْ ادَّعى حملَ القضيةِ جعلها سبيلاً لمصالحة ومعبراً لرغباته ولم يأخذها بحقها إلاَّ قومٌ ليسوا ذوي مالٍ ولمْ يحظوا بقبولِ العالم عقوبةً لهم على منهجهم.

كما أنَّ مؤسساتِ ومنظماتِ العالمِ الإسلامي شكليةٌ في الغالبِ أوْ عاجزةٌ منْ نواحٍ قانونيةٍ أوْ ماليةٍ وإدارية؛ وكانَ يمكنُ توظيفَ حوادثِ العدوانِ الأثيمِ المتكرِّرِ على شخصيةِ النبي- صلى الله عليه وسلم- وتفعيلها إعلامياً ودعوياً وفي المنظماتِ العالميةِ بما يكفُلُ منعَ تكرارِها ويزيدُ منْ عددِ المسلمين الجدد؛ والقولُ نفسهُ يُعادُ في احتلالِ العراق الذي غضبتْ له شعوبُ العالمِ دونَ أنْ تتحركَ وسائلُ التأثيرِ المملوكةِ لمسلمينَ هنا وهناك للاستفادةِ منْ هذه الغضبةِ الشعبيةِ العارمةِ التي لاحقتْ مجرمي الحربِ الأمريكان أينما حَلوا، والأمثلةُ كثيرةٌ لا تغيبُ عن ذاكرةِ القارئ.

وللطابورِ الخامسِ في بلادِ المسلمين خيانته في هذا الشأنِ خاصةً مع سيطرةِ هذا الطابورِ على كثيرٍ منْ وسائلِ الإعلامِ والتأثير؛ فقد كانوا صدىً للكذبِ الإعلامي الأمريكي بلْ أربى إفكهم وما يفترونَ على صنيعِ أسيادهم الغربيين؛ وأعرضوا عن إحياءِ قضايا أمتنا وما أشدَّ آلامها وأبينَ الغبن فيها، ولم يتوقفوا عندَ السكوتِ بلْ قاموا بتحريفِ عددٍ من الأخبارِ لتوافقَ رغبةَ السادةِ فالمجاهدون ثوارٌ أوْ متمردونَ أوْ غيرَ ذلك من صنوفِ الغشَّ والبهتان.

وللإعلام الإسلامي الصادقِ كفلٌ من هذا الخطأ بسببِ ضعفه المادي أو المهني أحيانا؛ وكانَ يجدرُ بالمؤسساتِ الإعلاميةِ الإسلاميةِ رصدَ مظالمِ دولِ الصليبِ ضدَّ المسلمين عسكرياً أوْ اقتصادياً أوْ سياسياً وكذلكَ مساندة الصليبين لليهودِ بلا حدود؛ ثمَّ نشرُ ذلك باللغتين العربيةِ والإنجليزيةِ عبرَ المواقعِ الدوليةِ المنصفةِ وإرسالُ نسخةٍ من هذه التقاريرِ لدوائرِ التأثيرِ الغربيةِ الأقلِّ تحيزاً. وفي التركيزِ على الفرقِ الكبيرِ بينَ المبالغِ التي " تفضلتْ" أمريكا بدفعها "دية" للمسلم العراقي والأفغاني ونسبتها إلى "دية" الأمريكي التي دفعتها ليبيا "مجبرةً" بيانٌ لقيمةِ المسلم في سوقِ حراسِ ميثاقِ حقوقِ الإنسان.

وعلى المعنيين بقضايا الدعوةِ والكتَّابِ والمتحدثين إبرازُ هذه الأحداثِ للمجتمعاتِ الإسلاميةِ واتخاذها منطلقاً لاستحياء الشعور الديني الفطري في النفوس؛ ولكشفِ الزورِ الذي يغلفُ صورةَ العالمِ الغربي ويجملُها؛ فإذا كانتْ خسائرُ أمريكا إثرَ ساعةٍ من نهارٍ لم تتكررْ قدْ بلغتْ بضعةَ آلافِ إنسانٍ وأكثرَ منْ مائةٍ وخمسينَ مليارَ دولار فقدْ خسرتْ أمتُنا من العدوانِ الأمريكي أنفساً بريئةً طاهرةً بمئات الالآفِ على الأقلِّ وأموالاً وثرواتٍ تفوقُ أضعافَ الميزانيةِ الأمريكيةِ كما خسرتْ قسماً كبيراً من حريتِها وهويتِها وسيادتِها المستقلةِ وكفى بهذا القسمِ خسراناً مبيناً.