أنت هنا

قف مع اللسان
28 شعبان 1428
الشيخ أ.د. ناصر بن سليمان العمر

الحمد لله خلق الإنسان علمه البيان، أنعم عليه بالنعم العظام فجعل له عينين ولسانا وشفتين وهداه النجدين، غير أن الإنسان كفور.
فكم من نعمة أنعم بها الجواد الكريم، فسخرها الناس في معصيته، والله ما هكذا يكون شكر النعم! قال الجنيد: كنت بين يدي سري السقطي ألعب وأنا ابن سبع سنين، وبين يديه جماعة يتكلمون في الشكر، فقال لي: يا غلام ما الشكر؟ فقلت: ألا تعصي الله بنعمه. فقال لي: أخشى أن يكون حظك من الله لسانك.

قال الجنيد: فلا أزال أبكي على هذه الكلمة التي قالها السري لي.
ولعل من النعم العظام التي تفضل الله بها على جنس الإنسان اللسان، ومع ذلك صح عنه _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال لمعاذ حينما سأل: إنا لمآخذون بما نقول يارسول الله؟ فقال:" ثكلتك أمك يامعاذ! وهل يكب الناس على وجوههم في النار إلاّ حصائد ألسنتهم"؟
فانظر كيف عادت النعمة نقمة على أقوام!

إخوة الإسلام، وحتى لا تعود النعمة نقمة علينا، فينبغي أن نراعي أموراً ونعيها ومنها:

أولاً: أهمية ضبط هذه الجارحة بالضوابط الشرعية.
ثانيا: علينا أن نكثر من استخدامها فيما أمر الله به وشرعه لعباده، ولنعلم أن كثرة الكلام في الحق، والخير، والدعوة لا تعد عيبا، وقد خطب رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ في يوم من الأيام من بعد صلاة الفجر، واستمر إلى الظهر، ثم نزل وصلى، ثم عاد، وخطب إلى العصر، ثم نزل وصلى، ثم عاد خطيباً إلى المغرب، أو كما ورد عنه _صلى الله عليه وسلم_ فمن الصباح إلى المساء، وهو ينذر أمته، ويعلم أمته لم ينزل إلا لحاجة.
قيل لإياس بن معاوية: إنك تكثر الكلام، فقال: أفبصواب أتكلم أم بخطأ؟ قالوا: بصواب، قال: فالإكثار من الصواب أفضل.
فينبغي أن نشغل ألسنتنا بالذكر وغيره مما أمر الله به فإنك إن لم تشغل لسانك بالحق شغلك بالباطل، فالكلام لا بد منه، وإذا كان كذلك فاجعله خيراً.
ثالثا: قد يتوجه الواحد منا إلى مجلس من المجالس، وما عنده نية إلا الخير، ولكن إذا دخل هذا المجلس يكون المجلس في غير طاعة الله، فيجر إلى المعصية جراً، فلذلك يا أخي الكريم،احرص على اختيار المجلس المناسب، فقد لا يكون لك قصد في كلام لا في غيبة، ولا في نميمة، ولكن عندما تذهب إلى مجلس فيه هذه المحاذير قد تقع في الحرام، ولذلك قال الله -جل وعلا- :"وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ" [الأنعام:68].
فلذلك الله الله في اختيار المجالس.

أذكر نفسي وإخواني بهذه الكلمات، وأسأل الله أن يجعلها نافعات مباركات، والحمد لله أولاً وآخرا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.