العملُ الصالح
12 رمضان 1428

يتميّز الإنسان المسلم عن غيره من الناس بأخلاقه الفاضلة، المستمدّة من تعاليم الإسلام وروحه ومنهجه.. والعمل الصالح هو محور الخُلُق الإسلاميّ الرفيع.. إذ حوله تتجمّع كل الأعمال التي تُرضي الله عز وجل، فتشكّل حزمةً من الاستقامة والصلاح والتعامل الراقي الحضاري بين البشر، لا هدف لها إلا إرضاء الخالق تبارك وتعالى، وبالتالي تحقيق السعادة والعدل بين الناس.

مفهوم العمل الصالح:
هو كل ما يتقرّب به الإنسان إلى ربه عز وجل: نيّةً، أو قولاً، أو فعلاً.. وبالمقابل، نبذ أو ترك كل ما يُبغِضُ الله عز وجل ويُغضبه.

العمل الصالح.. لماذا؟!.. 1- لأنّ الإيمان والعمل الصالح قرينان:
(وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (سورة العصر).
- فقد كان الرجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.. لا يفترقان إلا أن يقرأ أحدهما على الآخر (سورة العصر).. لما فيها من معاني المحبة والعلاقة الوثيقة بين المؤمنين.
- وكان الشافعي رحمه الله ورضي عنه يقول: (لو تدبّر الناسُ هذه السورة (العصر) لوسعتهم)!..
فليعلم كل مسلمٍ أنه لا قيمة لأي عملٍ من غير إيمان.. فمن قام بأي عملٍ مهما كان يحتوي على الخير.. فإنه إن لم يكن صادراً عن روحٍ مؤمنةٍ بالله، ومن منطلق أنّ هذا العمل يُبذَل لوجهه الكريم، ولإرضائه.. فإنما هو عملٌ من الأعمال، لا قيمة له في ميزان السماء، مهما كان ذا قيمةٍ في موازين الأرض وأهلها.

2- لأنّ عمل الإنسان لا يُقبَلُ إلا بشرطين اثنين: الإخلاص لله عز وجل، والموافقة مع شرعه القويم سبحانه وتعالى. 3- لأنّ العمل الصالح سببٌ قويٌ من أسباب دخول الجنة، والنجاة من النار:
(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) (الزلزلة:7 و8).
(ما منكم من أحدٍ إلا سيكلّمُهُ ربُهُ، ليس بينه وبينه تُرجمان، فينظرُ أيمن منه فلا يرى إلا ما قدّم، وينظرُ أشأمَ منه فلا يرى إلا ما قدّم، وينظرُ بين يديه فلا يرى إلا النارَ، فاتقوا النارَ ولو بِشِقِّ تمرة) (متفق عليه).

4- لأنّ العملَ الصالحَ يُنجي من مَقْتِ الله سبحانه وتعالى:
فالإنسان المسلم المؤمن، عليه الالتزام تماماً وبحزم.. بما عاهد اللهَ عليه حين إيمانه.. وأول ما يعاهد الإنسان ربه.. يعاهده على التزام العمل الصالح، فإن نكث بوعده، وأطاح بعهده.. فإنه لن يكسب إلا مَقتَ الله عز وجل الذي عاهده ولم يوفِ بعهده إليه.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) (الصف:2).

5- لأنّ الله عز وجل جعل البركةَ في الكلمة المقترنة بالعمل المخلص والفعل على الأرض:
فالمسلم قدوة لغيره، إذا دعا إلى أمرٍ فإنه سيكون أول الملتزمين بهذا الأمر.. وإذا نصح أحداً، فعليه أن يكون ملتزماً تماماً بما ينصح به، وهكذا..

إذا فُقِدَ العملُ حلَّ محلَّه الكلام والعبث:
عندما يُفقَد العمل الصالح بين الناس، فإنّ أمراضاً عديدةً ستنشأ وتنمو بينهم.. بعضها مدمِّرٌ للعلاقات بين المسلمين.. بل بين كل البشر.. فما الذي سيحصل عندئذٍ؟!..
1- سنرى أنّ الشخصَ أصبح مُحِباً للعلم والمعرفة وحسب، من غير عملٍ يصدّق ما تعلّمه.. ليقالَ عنه: عالِمٌ وعارفٌ ومتعلّمٌ.. فحسب.
2- سنرى أنّ الرغبة في الجدال ستكثر بين المتعلّمين غير العاملين بعلمهم.. فلا نشهد إلا السفسطة الفارغة، وتضييع الأوقات بالكلام الفارغ، والجدالات العقيمة.
3- سيصبح الناسُ متتبّعين بعضهم لعيوب بعض، جاهلين بعيوبهم: (إنَّ أحدَكم لَيَرى القذاةَ في عينِ أخيه، ولا يرى الجذعَ في عينه)!..
4- سيصبح بعضُ الناسِ منتقصينَ بعضَهم الآخر، وهم في نفس الوقت لا يقدِّمون شيئاً مُهمّاً لدعوتهم: (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (التوبة:79).. وهذه الآية الكريمة نزلت في الصحابيّ (عبد الرحمن بن عوف) رضي الله عنه، حين تصدّق بأربعة آلاف درهمٍ، فقال المنافقون عليهم من الله ما يستحقّون: (ما أعطى إلا رياءً)!..

من آفات العمل الصالح!..
هل توجد آفاتٌ مقترنة بالعمل الصالح؟!..
نعم توجد لدى بعض الناس للأسف:
1- آفةُ المَنِّ على الله سبحانه وتعالى بالطاعة، وكأنّ الطاعة ليست لهم ولصالحهم:
(يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (الحجرات:17).. وهذه الآية الكريمة نزلت في (بني أسدٍ) الذين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (قاتَلَكَ العربُ ولم نقاتلك)!..

2- آفة المَنِّ على الناس: وهي سبب لبطلان الأعمال، وزوال بركتها وثوابها:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) (البقرة:264).

3- آفة الرياء وحُب الظهور وطلب السُمعة بسريرةٍ سيئة: فبعضُ الناسِ لا يبتغون من أعمالهم (حتى الصالحة) إلا الظهور ولفت الأنظار إليهم.. وهذا هو الرياء الذي يحرم صاحبه أجر الله عز وجل وثوابه، وهذه صفة من صفات النفاق والمنافقين الذين قال الله سبحانه وتعالى عنهم:
(يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً) (النساء: من الآية142).
[عن جندب بن عبد الله بن سفيان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن سَمَّع (أي أظهر عمله رياءً) سمَّعَ الله به (أي فضحه)، ومَن يُرائي.. يُرائي الله به (أي يُظهِر سريرته على رؤوس الأشهاد أو الناس)].
نسأل الله عز وجل، أن يجعلَ أعمالنا كلها خالصةً لوجهه الكريم، لا نبتغي منها إلا رضاه سبحانه وتعالى، وصلاحَ أنفسنا والناس من حولنا.. ونسأله جل وعلا، أن يُطهِّر قلوبنا وأسماعنا وأبصارنا وأعمالنا من كل ما يشوبها أو يلطّخها، ومن كل ما يبعدها عن الصدق والإخلاص والصفاء والنقاء.. إنه سميع قريب مجيب.