الخيار الوحيد
23 ذو القعدة 1428

تكثر الضغوط على المسلمين اليوم، يراد لهم أن يغيروا منهجهم، ونظرتهم للحياة التي تنبني على شريعة الله السمحة، ويراد لهم أن يربوا أولادهم على ما يرسم لهم من مناهج، يراد لهم أن يعيدوا صياغة أنفسهم وفق مناهج وافدة وأفكار مستوردة، لتكون النتيجة أمة مسخ نسيت ماضيها وتركت شريعتها، واتبعت أمر كل جبار عنيد.

إن الله تعالى نهى نبيه صلى الله عليه وسلم عن النزول على رغبة الأعداء بالتنازل عن بعض الدين مهما كلفه الأمر، فقال تعالى: "وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً إِذاً لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً" (الإسراء: 73-75).

لقد مارس المشركون أنواعاً من الضغوط على النبي صلى الله عليه وسلم، وعرضوا عليه عروضاً عديدة، عرضوا عليه الملك والزواج والمال وأن يعبدوا إلهه عاماً ويعبد إلههم عاماً، عرضوا عليه كل هذه المغريات، ومارسوا ضده وأتباعه ألواناً من التنكيل، والتعذيب حتى هاجروا من الأوطان، وتركوا الديار ولكنهم ظلوا متمسكين بالحق، لا يحيدون عنه قيد أنملة ويقابلون ترغيب وترهيب الكافرين وهم يرددون، "قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ" (الكافرون: 1-6).

ويخوف الله تعالى نبيه أن يركن إلى طلبات الأعداء الداعية إلى التنازل عن المنهج تحت ضغط الواقع فيقول "وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ" (الحاقة: 44-47).

لقد لقن الله تعالى نبيه ما يقول لأولئك الكافرين المطالبين بتغيير الدين وتبديل أحكامه، حتى يتوافق مع أهوائهم وينسجم مع أفكارهم قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم"وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ" (يونس:15).

إن الانتصار هو انتصار المنهج، وأهل المنهج القويم هم الأمة ولو كان صاحبه رجلاً فرداً، ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: "عرضت علي الأمم فرأيت النبي ومعه الرهيط والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي ليس معه أحد"(1).

ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم في زيد بن عمرو بن نفيل: "إنه يبعث يوم القيامة أمة وحده"(2) إن حقيقة الانتصار أن نثبت على منهج الله وأن تبلغ شريعة الله وكل أولئك الأنبياء منتصرون، وإن لم يؤمن بهم إلا نفر قليل، فمقياس الانتصار ليس بكثرة الأتباع بل بالثبات على المنهج وعدم الركون إلى الأعداء بالتنازل عن ما ألزم الله به العباد.

إن الخيار الوحيد للأمة أن تقاوم هذه الحملة الشعواء المراد منها مسخ هويتها وإبعادها عن منهج ربها، والأمة قادرة والحمد لله على تلك المقاومة، التي لن تصمد أمامها خطط الأعداء.

أما كيف السبيل فالطرق بحمد الله متعددة وسالكوها على خير في الجملة، فاحرص على أن تكون من الناصرين للدين، القائمين بالقسط لرب العالمين، لتكون في زمرة الناجين.

_______________
(1) رواه مسلم، 1/199، (220).
(2) رواه أحمد، 1/189، (1648).