أنت هنا

د.عبد الباقي عبد الكبير: موقف إسلاميي باكستان متشتت.. السياسة الباكستانية تجاه أفغانستان لن تتغير.. النووي فزاعة مشرف
15 ذو الحجه 1428

أوضح المحلل السياسي الأفغاني الدكتور عبد الباقي عبد الكبير أن الرئيس الباكستاني برويز مشرف يستخدم ورقة "رعب وقوع السلاح النووي في أيدي المتطرفين" كوسيلة لجلب ولاء أمريكا وتأييدها، وإقناعها بأنه الأنسب للسلطة لأجل تأمين مصالحها في المنطقة؛ مشيرا إلى أن "السياسات الأمريكية في المنطقة تتجه نحو إضعاف باكستان، وذلك بدفع القيادة الباكستانية نحو تحقيق أهداف لا تتمشى مع مصلحة وتوجهات الأكثرية المطلقة من أبناء الشعب الباكستاني.
وقال الدكتور عبد الكبير – المقيم في باكستان- في حوار خاص لموقع "المسلم": إن "الولايات المتحدة انحازت إلى الهند كخيار استراتيجي، لتصبح "إسرائيل الثانية" في شرق آسيا، حيث احتلت أرضا إسلامية، وضربت بقرارات الأمم المتحدة بخصوصها عرض الحائط، كما تحظى بدعم دولي بالأخص من الولايات المتحدة والتي وقعت معها اتفاقيات تتعلق بالطاقة النووية.
وتوقع عبد الكبير ألا تمكن نتائج الانتخابات القادمة أحد الأطراف الثلاثة منفردًا من تشكيل الحكومة، مرجحا تشكيل حكومة ائتلافية، مؤكدا أنه "أيا كان الفائز في نتائج الانتخابات فإن السياسة الباكستانية تجاه أفغانستان لن تتغير، حيث إن صناعة السياسة تجاه أفغانستان لا تتم في وزارة الخارجية فحسب"، مذكرا بأن "المعارضة المسلحة في باكستان ترتبط بعلاقات وثيقة مع حركة طالبان".
وكشف عبد الكبير عن أن "الموقف الإسلامي في باكستان متشتت وغير متناسق، كما أن خطابه السياسي ضعيف ولا يرتقي إلى الاستجابة والتفاعل مع هموم المواطنين، والرؤية الإسلامية كذلك لدى معظم التجمعات الدينية طائفية أو جزئية أو مصلحية"، موضحا أن "هذه العيوب لم تمكن الجماعات الإسلامية من أن تستوعب في صفوفها النخبة الثقافية المؤثرة في المجتمع، وتطرح نفسها كبديل عن الذين يتلاعبون بمصالح الشعب".
وقال د. عبد الكبير :"في الواقع فإن معظم المواقف الإسلامية عاطفية وشكلية ووقتية، تفتقد الدقة والتخطيط والنظرة العلمية المرتبطة بمستقبل البلاد"، مشيرا إلى أن "الجماعات الإسلامية بحاجة إلى التجديد في خطابها، وأطروحاتها، وتبني هموم الشعب ومشكلاته، وأن تستفيد من تجارب الحركات الإسلامية في الشام ومصر وتركيا".

مزيد من التفاصيل في نص الحوار التالي:
* د. عبد الباقي.. هل تتوقعون نجاحاً لمشرف في المرور من عاصفة المعارضة؟
** على حسب ما نشر من استطلاعات الرأي فإن شعبية مشرف أدنى من شعبية حزب الشعب وحزب الرابطة الإسلامية جناح نواز شريف؛ ففي استطلاع "المعهد الجمهوري الدولي" الذي يجري استطلاعات الرأي في باكستان منذ 2002م، وبخصوص توقعات نتائج الانتخابات، جاء حزب بينظير بوتو في المقدمة برصيد 30%، تلاه حزب نواز شريف برصيد 25%، في حين رأى 23% أن حزب مشرف سيفوز في الانتخابات.

ولكن مع تدني شعبية مشرف فإن توقعات المراقبين تشير إلى أن مشرف قد يفوز في الانتخابات التشريعية القادمة، ولأجل هذا تطالب الأحزاب المعارضة لمشرف بمراقبة دولية لتأمين نزاهة الانتخابات، كما حذرت بوتو من أن هناك استعدادات لإضافة ثلاثين ألف صوت في كل دائرة انتخابية لأجل ضمان مرشحي الحزب الحاكم.

والذي يظهر لي أن نتائج الانتخابات القادمة لن تمكن أحد الأطراف الثلاثة منفردًا من تشكيل الحكومة، وسوف تكون هناك حاجة إلى التحالف لأجل تشكيل حكومة ائتلافية.

* وما الذي يمكن أن تمثله بوتو كرئيسة جديدة للوزراء في باكستان؟
** بما أن بينظر بوتو قد تأثرت بالحياة الغربية التي عاشت فيها لسنوات طويلة، كما أنها تعتبر نفسها من دعاة الديمقراطية (..).

ولم تنس بوتو ذلك في أولى تصريحاتها عندما وضعت رجلها على أرض باكستان بعد ثماني سنوات قضتها في المنفى الاختياري، وبما أنها جاءت بمساعي أمريكية لأجل توحيد مشرف مع القوى الليبرالية الأخرى في باكستان، لأجل السير مع رياح الحرب على ما يسمى بالإرهاب، وتنفيذ مخططات واشنطن في المنطقة، فإنها تسعى في حياتها السياسية الراهنة في باكستان إلى الاستمرار في مكافحة التطرف والإرهاب، والحد من انتشار المدارس الدينية، وتحجيم دورها.

ويعرف عن بوتو سعيها لتحجيم المدارس الدينية إبان حكمها في أواخر القرن الماضي، وبالتالي فإن نجاحها في الانتخابات المقبلة يعني أنها سوف تسير نحو تحقيق ما تريده الولايات المتحدة في المنطقة، والتي تتمثل في مكافحة ما يسمى بالإرهاب والتصدي للحركات المسلحة بالحديد والنار، وتحجيم دور المؤسسة التعليمية الدينية في الحياة السياسية بغض النظر عن التعاطي السليم مع توجهات الشعب وخياراته ومصالحه.

* يتحدث بعض المراقبين عن بوادر مشروع لتقسيم لباكستان، تتبدى بعض ملامحه من خلال الصراع القوي في مناطق القبائل.. فما رأيكم في هذا الأمر؟
** هذا الأمر أحدث قلقًا كبيرًا لدى الأوساط السياسية في كل من باكستان وأفغانستان، حيث إن المعارضة المسلحة في باكستان ترتبط بعلاقات وثيقة مع حركة طالبان، وينتمون إلى قبائل بشتون، كما أن حركة طالبان كذلك نشطة في مناطق قبائل بشتون في أفغانستان، وبالتالي فإن المناطق القبائلية في كل من أفغانستان وباكستان مرشحة للانضمام إلى بعض ولو في المستقبل غير القريب.

ولكن لابد من النظر إلى أن المعارضة المسلحة في شمال غرب باكستان، وفي الحدود مع أفغانستان، ليس لديهم حاليًا توجهات انفصالية على حسب خطابهم السياسي، بل إنها تطالب بتنفيذ الشريعة الإسلامية على غرار فهم طالبان، وفي هذا الإطار يمكن فهم الإشاعات حول الاتصالات بين القادة في إسلام آباد وما كان يسمى بالتحالف الشمالي في أفغانستان للتصدي المشترك في أفغانستان وباكستان للحركة المسلحة التي تنتمي في كلاهما لقبائل بشتون في طرفي الحدود الأفغانية الباكستانية.

إلا أن مثل هذا التوجه يخدم أغراض الهند بالدرجة الأولى، ثم بعض القادة في أفغانستان الذين يرتزقون من استمرار الحرب وغياب الدستورية وسيادة القانون، وبالتالي فإنه من المحتمل أن تدعم الجهات المستفيدة الحركات المسلحة، كما أن حركة طالبان كذلك قد تستفيد من التناقضات الموجودة في الساحة السياسية الدولية لأجل الحصول على دعم، ولو من أطراف متناقضة مع أيدلوجيتها كالصين والهند وإيران (!!)

والواقع يدل على أن حركة طالبان والحركات المسلحة في باكستان تتحصل على دعم سخي من أطراف لا تعرف بصورة واضحة ويستبعد أن يكون كل هذا الدعم من أطراف شعبية موالية لطالبان.

* ما مصير السلاح النووي الباكستاني في ظل ما تردد عن وجود خطة أمريكية للسيطرة عليه حال وجود اضطرابات للحيلولة دون وقوعه في أيدي الإسلاميين؟
** برويز مشرف يستخدم رعب وقوع السلاح النووي في أيدي المتطرفين- على حسب زعمه- وسيلة لجلب ولاء أمريكا وتأييدها، وإقناعها بأنه الأنسب للسلطة لأجل تأمين المصالح الأمريكية في المنطقة.

وفي هذا الإطار وفي تطور غير مسبوق أحكم مشرف يوم الجمعة 14/12/2007 رسميًا قبضته على هيئة القيادة الوطنية، وهي الجهة المسؤولة عن أمن الترسانة النووية الباكستانية، وسط تقارير صحافية بوجود مخاوف أمريكية من سيطرة ما يسمى بالإرهابيين عليها، وبأن واشنطن تضع خطط طوارئ للسيطرة على الترسانة النووية الباكستانية في حال تفاقم أزمة سياسية أثيرت بعد إعلان مشرف حالة الطوارئ في البلاد في الثالث من نوفمبر من العام الجاري.

وقد تأسست هيئة القيادة الوطنية في فبراير 2002، لكن وظائفها وقيادتها لم تحدد بشكل قانوني إلا من خلال أمر رئاسي أصدره مشرف يوم الجمعة نفسها بعد أن تقلصت سلطاته منذ تخليه عن منصبه العسكري كقائد للجيش في الشهر الماضي، ما دفعه لوضع لوائح جديدة لضمان سيطرته على الرؤوس النووية البالغ عددها 90 رأسًا تقريبًا.

وجاء في الأمر الرئاسي أن الرئيس سيتولى منصب رئيس الهيئة التي لديها حق "الإشراف والمراقبة الكاملة لأعمال البحث والتطوير والإنتاج واستخدام التقنيات النووية والفضائية، وتطبيقات أخرى ذات صلة في مجالات عديدة"، وذلك بدلاً من رئيس الوزراء مثلما كان الحال قبل صدور القرار الرئاسي.

وفي كل الأحوال فإن السياسات الأمريكية في المنطقة تتجه نحو إضعاف باكستان، وذلك بدفع القيادة الباكستانية نحو تحقيق أهدافها التي لا تتمشى مع المصلحة الباكستانية وتوجهات الأكثرية المطلقة من أبناء الشعب الباكستاني.

* نأتي إلى الحديث عن الموقف "الإسلامي" في باكستان، والذي يصفه البعض بالتردد والاضطراب، فما مدى صحة ذلك؟، وإلى أي مدى يمكن أن يلعب الإسلاميون دورا في الانتخابات القادمة؟
** الموقف الإسلامي في باكستان متشتت وغير متناسق، كما أن خطابه السياسي ضعيف ولا يرتقي إلى الاستجابة والتفاعل مع هموم المواطنين، والرؤية الإسلامية كذلك لدى معظم التجمعات الدينية طائفية أو جزئية أو مصلحية، وبعض القيادات الإسلامية تستغل العاطفة الدينية لدى الشعب لأجل حصول على مكاسب مادية.

ولأجل هذه العيوب فإن الجماعات الإسلامية لم تتمكن أن تستوعب في صفوفها النخبة الثقافية المؤثرة في المجتمع، وتطرح نفسها كبديل عن الذين يتلاعبون بمصالح الشعب، وتبرهن على أنها أيدٍ أمينة وواعية ومهتمة بمشكلات التنمية الشاملة في البلد، وفي الواقع فإن معظم المواقف الإسلامية عاطفية وشكلية ووقتية، تفتقد الدقة والتخطيط والنظرة العلمية المرتبطة بمستقبل البلاد.

وفي اعتقادي أن الجماعات الإسلامية بحاجة إلى التجديد في خطابها، وأطروحاتها، وتبني هموم الشعب ومشكلاته، وأن تستفيد من تجارب الحركات الإسلامية في الشام ومصر وتركيا.

* وعمليا.. كيف ترى الموقف الإسلامي؟
** من الناحية العملية فإن الموقف الإسلامي بعد أن كان يعاني من الاضطراب والتفرق شكل تحالفا قبيل الانتخابات التي أجريت عام 2002 بما يسمى بمجلس العمل المتحد، والذي حقق نجاحات في تشكيل الحكومة في إقليمين من أقاليم باكستان الأربعة.

ولكن هذا المجلس حاليا مهدد بالانهيار؛ حيث إن أكبر الجماعات في هذا التحالف (جمعية علماء الإسلام جناح المولوي فضل الرحمن) سيشارك في الانتخابات القادمة بينما يقاطع الأحزاب الأخرى المشاركة في هذا التحالف الانتخابات القادمة مما يدلل على أن دور الأحزاب الإسلامية سيكون ضئيلا للغاية في المرحلة السياسية القادمة، سواء بالنسبة للذين شاركوا في الانتخابات أو الذين قاطعوها.

* ما مدى التأثير المتوقع على أفغانستان من جراء الحالة السياسية الراهنة في باكستان؟
** أيا كان الفائز في نتائج الانتخابات فإن السياسية الباكستانية تجاه أفغانستان لن تتغير، حيث إن صناعة السياسة تجاه أفغانستان لا تتم في وزارة الخارجية فحسب؛ بل إن ثوابت الاستخبارات الباكستانية في الوزارة الداخلية تشكل الحجر الأساسي في السياسة الباكستانية تجاه أفغانستان.

وبالتالي فإن باكستان سوف يبقى عضوا في التحالف ضد ما يسمى بالإرهاب، وإن الشد والجذب سوف يستمران في العلاقات الباكستانية الأفغانية لفترة ليست بالقصيرة.

* وهل ماتت القضية الكشميرية بفعل سياسة الرئيس برويز مشرف؟
** القضية الكشميرية التي هي قضية باكستان الوطنية، وبسببها خاضت باكستان حربين كبيرين مع جارتها (الهند)، وكانت الحكومات الباكستانية تدرج الاهتمام بها في برنامجها الانتخابي لأجل الحصول على مزيد من التأييد الشعبي، ولكن برويز مشرف قدم هذه القضية للولايات المتحدة والهند على طبق من ذهب بعد أن أقفل مكاتب الأحزاب الجهادية الكشميرية وأوقفت أرصدتها رغم تعنت الهند على أن كشمير جزء لا يتجزأ من أراضيها.

كما أن الولايات المتحدة انحازت إلى الهند كخيار استراتيجي، لتصبح "إسرائيل الثانية" في شرق آسيا، تحتل أرضا إسلامية، وضربت قرارات الأمم المتحدة بخصوصها عرض الحائط، وتحظى بدعم دولي بالأخص من الولايات المتحدة والتي وقعت معها اتفاقيات تتعلق بالطاقة النووية.

* في تقديركم.. ما مدى التباعد والتقارب بين موقفي مشرف والولايات المتحدة الأمريكية؟
** الأخذ والعطاء بين برويز مشرف والولايات المتحدة غير مبني على تبادل المصالح الوطنية الباكستانية والأمريكية، بل إن الأمر وصل إلى الإملاءات على القيادة الباكستانية بما فيه مصلحة الولايات المتحدة.

ورغم ما قدمته باكستان للولايات المتحدة فإنها لم تكافئ باكستان بقدر ما ضحت من أجلها، وتخاذلها لباكستان في قضية كشمير وانحيازها إلى الهند خير دليل على ذلك.