ضعف المجتمع السعودي في إنكار المنكر.. أسبابه وعلاجه-2
1 محرم 1429

تحدثنا في المقال السابق عن المؤثرات الحادثة على الساحة والتي كانت نتيجتها انتشار المنكرات انتشار النار في الهشيم؛ فكان من المهم أن نقف وقفات تأمل نحاول من خلالها أن نرسم لنا خطة عملية في التعامل مع المنكرات، ونسأل الله الإعانة والتوفيق:
1. ضرورة التركيز من قبل العلماء والدعاة والمصلحين على خطورة القنوات الفضائية والنص على تحريمها، وعدم التردد في تحريمها مجاراة للناس وبحجة وجود بعض البرامج المفيدة فيها. فبعض العلماء يتردد في تحريمها بحجة ما فيها من البرامج المفيدة وهي قليلة جداً! ولو لم تكن قليلة وكانت أكثر مما هي عليه فهل يجوز الوقوع في المحظور من مشاهدة للمحرمات وسماعٍ للشبه المضللة بحجة مشاهدة المباح! كأن يفتي شخص بجواز دخول غرف نوم المومسسات والفاجرات بحجة دعوتهن، هذا أمر لا يقره عاقل فضلاً عن عالم!

2. ينبغي للعلماء والدعاة الذين يرون جواز الظهور في القنوات السيئة أن يبينوا للناس أن هذه البرامج موجهة لمشاهدي هذه القنوات ولا يجوز للملتزم من المسلمين اقتناء الفضائيات لمشاهدة هذه البرامج الطيبة. فيكون هؤلاء الدعاة بمثابة من يرتاد أهل الفسق في نواديهم كأماكن شرب الخمور وغيرها لدعوتهم. ولعل خروج الدعاة في القنوات المحرمة قد أوجد الذريعة لدى الكثيرين من الملتزمين لإدخال الفضائيات، مما يوجب إعادة النظر في مشاركة الدعاة في مثل هذه الحال ودراسة مدى المصلحة من خروجهم في هذه القنوات وهل يوازي ذلك المفسدة المتحققة؟

3. التحذير من المنكرات على المنابر مع ذكرها بالتفصيل وعدم الاكتفاء بالذكر الإجمالي لها كما هو الغالب في الوقت الحاضر. وهذا أمر مهم غاية الأهمية لأن الكثيرين ممن يقعون في بعض المنكرات قد تبلد حسهم فلم يعودا يروا المنكر منكرا. ومن فوائد الذكر التفصيلي للمنكرات خلق شعور لدى مجموع المستمعين بخطورة المنكر المعين مما يؤدي إلى تقوية جانب المنكرين ويرفع من معنوياتهم في الإنكار وفي المقابل يورث نوعاً من الحياء لدى الواقعين في هذه المنكرات.

4. إعطاء خطوات تفصيلية وواقعية لطريقة إنكار المنكر والتعامل مع المنكرات وذلك من قبل المتحدثين على المنابر وفي الجلسات الخاصة وفي أروقة البيوت مما يجعل المستمع على بصيرة بالجانب العملي وعدم الاكتفاء بالسماع واعتقاد أهمية الإنكار. وهنا نكون قد زودنا المتلقي بالآلية المطلوبة لإنكار المنكر مما يجرئه على الإنكار ويضبط عملية الإنكار. وينبغي أن يكون ذلك بالتفصيل ولا يكتفى بالإجمال الذي يصعب على الكثيرين فك رموزه وتفتيتها. فبإعطاء مثالٍ واقعيٍ لمنكر معين ومناقشة المستمعين في طريقة إنكاره والنتائج المتوقعة لذلك يكون المتلقي قد أخذ درساً واقعياً عملياً يسعفه في التعامل مع بعض المنكرات. فيذكر مثلاً الاختلاط ويناقشه بطريقة شرعية مقنعة ومن ثم يتحدث عن طريقة إنكاره وكذلك منكرات الإعلام ومنكرات الأفراح وغير ذلك.

5. إشاعة مفهوم الصبر في التعامل مع المنكرات ورجاء الأجر من الله وعدم التخاذل خشية إسخاط الناس، فمن ابتغى رضا الناس بسخط الله سخط عليه الله وأسخط عليه الناس. وما من منكر إلا وله مرتكبوه والإنكار واقع عليهم، فلا يتصور أن تكون ردود أفعالهم إيجابية. فعلى ذلك وجب على المنكِر أن يتحمل ما يصيبه في سبيل إنكار المنكر من أثر معنوي كالسب والشتم مثلاً أو أثر حسي لأن المنكر إذا عظم أمره كان الابتلاء فيه أشد. وعلى هذا يربى الناس على سيرة أحب الناس إلى الله –صلى الله عليه وسلم –وتبيين ما تعرض من الأذى في سبيل إبلاغ الرسالة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكذلك قصص الأنبياء –عليهم السلام -الذين ابتلوا أشد الابتلاء وأوذوا (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ) (البقرة: من الآية 214) من شدة ما يرونه من الأذى والاضطهاد. والحذر من تبسيط الأمر والدعوة إلى إنكار المنكر بطريقة عصرية وراقية لا تمس المنكَرِ عليه ولا تجرح مشاعره! وكأن الأمر هزل ولعب.

6. تثقيف الناس بأهمية إنكار المنكرات ووجوبه على الجميع متى ما انتشرت المنكرات في مثل وقتنا الحاضر كما ذهب إلى ذلك ابن باز رحمه الله. والتأكيد على أن جواز الذهاب للأماكن التي توجد فيها المنكرات مشروط بالإنكار وإلا فالذهاب حينئذ يكون محرماً. كمن تذهب لحفل زواج وتتوقع وجود بعض المنكرات فيه من تبرج وسماع للأغاني وغير ذلك فيجب عليها أن تنكر قدر استطاعتها وإن كانت لا تقوى على أي درجة من الإنكار صار ذهابها إقرارا للمنكر فحسب.

7. عدم المبالغة في نتائج إنكار المنكر وعدم ربط الناس بالنتائج لأن النتائج لا تعود لطريقة الإنكار فقط وإنما لعوامل كثيرة منها المحسوس ومنها ما لا يعلمه إلا الله، فربط الناس بالنتائج له أثره في تحبيط المنكرين وعدم استمرارهم. ويكفي أن يكون المنكِر قد خرج من تبعات المنكر وبين موقفه الرافض له مما يقوي جانب الحق وأهله ويكون له ثمرة على المدى القصير أو المتوسط أو البعيد. وفوق ذلك كله ينوي بذلك اتقاء سخط الله وعذابه (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) (هود:117).
وعن ‏ ‏حذيفة بن اليمان ‏عن النبي ‏ ‏_صلى الله عليه وسلم_ ‏ ‏قال: "والذي نفسي بيده ‏ ‏لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم." رواه أحمد والترمذي وحسنه.

8. إعمال القاعدة الشرعية في التعامل مع المتساهل بأحاديث الوعيد أكثر من أحاديث الوعد وعدم تخدير الناس بحجة كسب قلوبهم مع ما هم فيه من انحراف ورقة في الدين وغفلة ووقوع في المنكرات وذلك بتحذيرهم من سخط الله وغضبه وذكر ما أصاب الأمم السابقة من العقوبات العامة (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً)
(الكهف:58).

9. توجيه المسلمين لإنكار المنكر بالتي هي أحسن واختيار الأسلوب المناسب لذلك بطريقة واقعية بعيدة عن المبالغات من جهة الشدة أو اللين. فلا شدة مفسدة ولا تهاون يؤدي إلى ترك الإنكار، والحق وسط بين طرفين، وسط بين الغالي فيه والجافي عنه.

أسأل الله بمنه وكرمه أن يحفظ بلاد المسلمين من كل سوء وأن يرد المسلمين إليه رداً جميلا وأن ينير بصائرهم للحق وأن يكشف لهم أهل الباطل ومكرهم، كما أسأله تعالى أن يصلح أحوالنا وأن يجعلنا من الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر إنه على كل شئ قدير وبالإجابه جدير ... وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.