أنت هنا

معرض الكتاب بين الانضباط والانفلات
17 صفر 1429

جدل عنيف دار ومازال يدور حول ما يجري في معرض الرياض الدولي للكتاب وأعتقد أن هذا الجدل لن ينقطع قريبا لأن أسبابه - ببساطة شديدة - لا تزال قائمة.
وابتداء فإنني أود تهنئة الوزارة على جهدها المتميز في إدارة هذا المعرض رغم حداثة تجربتها في إدارة هذا اللون من المعارض، هذا الجهد الذي بدا واضحا رغم كل ما قيل عن أوجه النقص فيه، إذ لا أتوقع أن يكون هناك عمل بشري يخلو من العيوب.
كانت متابعة الدكتورين عبدالعزيز السبيل وعبدالعزيز العقيل واضحة لكل من يزور المعرض وبدون شك كان الفريق الذي يعمل معهما متميزا وإلا لما خرج هذا العمل متميزا فروح الفريق كانت واضحة في المعرض.
أشياء جميلة كانت واضحة لكل الزائرين فهناك صور لبعض علمائنا المتميزين في الجامعات ونبذة مختصرة عن إنجازاتهم العلمية ومساهماتهم في تطوير المعرفة البشرية، هذه الالتفاتة كانت مهمة فمعظم المثقفين في بلادنا يجهلون جهد زملائهم ومثابرتهم في أعمالهم، فإذا كان هذا حال المثقفين فكيف بغيرهم؟
عرض تاريخ الصحافة السعودية كان أمرا لافتا للنظر وإضافة بارزة لكل المهتمين بالشأن الصحفي والثقافي في بلادنا، وهو جهد يشكر عليه الزملاء في وزارة الثقافة والإعلام.
وأعتقد كذلك أن تكريم الشعراء الأوائل كان لفتة جميلة ومثله تسمية الممرات بأسماء مجموعة من الأعلام الذين كانت بصماتهم واضحة على الشأن الثقافي في بلادنا.
من الإضافات التي لفتت نظري في المعرض الاهتمام البارز بالشأن "الطفولي"، فهناك مسرحيات هادفة للأطفال تخللها جوائز تشجيعية هذا فضلا عن المكتبات المتخصصة في كتب الأطفال.. ومعلوم أهمية الطفل في حياة كل أمة وكيف يجب الحرص على تربيته بصورة سليمة فالشكر لكل الذين أسهموا في هذه العملية التربوية المقدمة لأطفالنا.
أشياء جميلة كثيرة كانت واضحة في المعرض ربما أشرت لبعضها وتركت البعض الآخر لضيق مساحة المقال تماما، كما سأفعل عندما أتحدث عن مساوئ المعرض التي كانت واضحة أيضا بنفس مستوى وضوح المحاسن.
وابتداء فإن "المحاسن والمساوئ" في الغالب قضايا نسبية فما أراه حسنا قد يراه آخرون سيئا والعكس صحيح أيضا فهذه وجهات نظر يختلف فيها الناس ومع هذا كله ومع قناعتي بأحقية الاختلاف بين الناس إلا أن هناك ثوابت يجب عدم الاختلاف عليها في المجتمع المسلم الذي يدين بالإسلام.
ربما أقبل في معرض "فرانكفورت" مثلا أن أرى كتبا تتضمن الإلحاد أو الجنس الرخيص أو الشذوذ ولكني لا أقبلها في معرض الرياض أو مصر أو البحرين أو سواها من بلاد تعتنق الإسلام ووجودها في الرياض خاصة - بلاد الحرمين - شيء مرفوض تماما مهما قيل فيه من تبريرات لا قيمة لها.
بعض الزملاء يطرحون قضية حرية الرأي وأهميتها والمساوئ البارزة من حجب المعلومات وسوء الرقابة التي تدفع بعض الكتاب لطباعة كتبهم خارج المملكة وما شابه ذلك من الأقاويل التي يعتقدون أنها مبرر كاف للمطالبة بعرض كل شيء في المعرض ولهذا تجدهم مسرورين مما حصل ومطالبين بزيادة الانفتاح!! لست أدري أي انفتاح أكثر مما رأيناه؟!
ومع أنني شخصيا من المنادين بحرية الرأي وسواها من كل ألوان الحريات ومع أنني أعد من "كبار" منتقدي وزارة الثقافة والإعلام على منعها لمجموعات من الكتب دون مبرر إلا أنني مع هذا كله أرى أن فسح بعض الكتب ووجودها في المعرض كان خطأ قاتلا ما كان ينبغي أن يكون تحت أي ظرف أو تعليل.
مرة أخرى كثيرا مما أرى خطورته وأعتقد أنه مدمر للأخلاق ومضاد لتوجهات الدولة - سياسية ودينية - موجود في منزلي ومنذ سنوات ولكني لا أسمح لأبنائي بقراءته لأنني أجزم بأنه يسيء لهم في مراحلهم العمرية المبكرة وكنت أعتقد أن هذه النظرية من الأشياء المتفق عليها ولكني صدمت عندما استمعت بالمصادفة إلى لقاء عن المعرض شارك فيه الدكتور السبيل والنعمي وفوزية أبو خالد، حيث كان "النعمي" متطرفا في كل شيء ومثله كانت فوزية أبو خالد وكأني بهما لا يعلمان التفاوت الكبير بين طبقات المجتمع، سنا وثقافة وأن ما يصلح للبعض قد لا يصلح للبعض الآخر.
أما الدكتور السبيل فحاول أن يكون "وسطيا" حيث قال إن الكتب التي في المعرض والتي احتج عليها آخرون هي كتب علمية يحتاجها البعض وهي تفسح للمعرض فقط وتمنع بعد ذلك!!
أتفق مع الدكتور في العموميات وأختلف معه في التفاصيل وفي التطبيق أيضا!! اتفاقي معه أن العلماء والمختصين من حقهم أن يطلعوا على كل ما يكتب في أي مكان، ولكن هل الذي يعرض في المعرض وقف على العلماء والمختصين وحدهم؟! ثم لماذا لم نر كتب سيد قطب وأخيه محمد؟! أليس من حق العلماء والمختصين أن يطلعوا على هذه الكتب؟ كان ينبغي وضع ضوابط لما ينبغي أن يطلع عليه المختصون أو سواهم فترك كل شيء أمام الجميع أمر غير مقبول.
هل كتب "أبو زيد" التي حكم عليه من أجلها أفضل من كتب محمد قطب؟!
الأمثلة كثيرة وليس هذا مجالها ولكنني أردت القول إن مسؤولية الحفاظ على ثوابت شبابنا أمر لا ينبغي التفريط فيه تحت أي ذريعة وأردت القول أيضا إن التطرف - إلى اليسار - قد يقود تطرفا إلى الجهة الأخرى فتصبح بلادنا "الوسطية" تعيش بين تطرفين ولا أعتقد ذلك يخدم أحدا.
قد تكون هناك كتب دخلت دون علم الوزارة وهنا تقع المسؤولية على كل مرتادي المعرض ليتعاونوا مع المنظمين وهذه لا نحمل الزملاء وزرها ولكننا نلومهم على ما فعلوه عامدين.
أخيرا، لا أنسى أن أشيد بالإخوة في هيئة الأمر بالمعروف فقد كانوا في غاية النبل والتهذيب وقاموا بعملهم بصورة ممتازة يحمدون عليها.
وعلى أية حال هذه هي التجربة الثانية ولعل الثالثة تكون أفضل منها.