شجون فلسطيني مولود في دولة خليجية
7 ربيع الأول 1424

العتاب والصراحة بين المحبين صفاء للقلوب وحبل للود، ولأنني أحبكم يا أهل الصلاح في الخليج فاسمحوا لي أن اسمعكم صوت أنيني وأشكوا لكم هموم قلبي . انني صاحب قضية متهم، وتهمتي التي تلاحقني في كل مكان و تصبغ حياتي بالتعاسة والشقاء : أنني من الأرض المباركة أولى القبلتين التي لم أرها في حياتي حيث طرد اليهود منها آباءنا ولجأنا الى اخوة الدين والعروبة، وآه من العروبة . </br> منذ صغري ما فتئ طلاب المدرسة بتعييري دائماً أنني مشرد ولاجئ وأجنبي دخيل ، منهم الصغار الذين لم تتجاوز أعمارهم العاشرة. لقد نشأت على سماع هذه الكلمات ومترادفاتها حتى تعودت عليها وتأقلمت . </br> </br> أغلب من هاجر من فلسطين الى الخليج عملوا مدرسين ومنهم والدي الذي أمضى ثلاثين سنة من عمره مدرساً، من تلامذته من أصبح وزيراً وقائداً عسكرياً وطبيباً حاذقاً، ولأنه ليس من أهل البلد ولكبر سنه ألغي عقده . وهنا كان لنا قصة وحلقة من حلقات المعاناة المتواصلة اللازمة لحياتنا ، فالنظام لا يسمح بنقل كفالة الوافد من القطاع الحكومي الى الخاص ولا بد له من نقل كفالته ولا حل ثالث ، اذن فعلينا جميعا الرحيل والى أين ؟ الى المجهول ، ليست هذه قضية أحد سوانا. ستة أشهر قضيناها من باب الى باب استجداء لفلان واستعطافاً لآخر كنا أشبه بمن يتسول لا مالاً بل حياة وبقاءً على أرضكم . وجاءت الموافقة لتبدأ معاناة أخرى: فليست كل المهن مسموح بها للوافد، حتى مهنة عامل لم تكن مقبولة لمن تجاوز الستين من عمره </br> ماذا تتوقعون أن تكون مشاعرهذا المدرس بعد هذا العمر الطويل ؟ لم يكن يتقاضى والدي راتباً كبيراً مثل راتب ابن البلد، ولم يطالب بشيء من التكريم على عمره وخدمته الطويلة أو أن يعطى راتبا تقاعديا مثل أي نظام عمالي في العالم . كان أقصى ما نريد : فقط أتركونا نعش .<BR>كنت أمر وقتها على المقبرة وأتمنى لو كنا في عداد الأموات فبلاد العرب ضاقت بنا وليس لنا الا باطن الأرض سكناً وموطناً فهو المكان الوحيد الذي لن يمنعنا منه أحد أو يضع كل عام شرطاً تعجيزياً لبقائنا . </br> فلسطيني آخر أمضى أربعين سنةً موظفاً في وزارة الصحة ابتلاه الله بفشل كلوي ، كان على أولاده استجداء مدير المستشفى لغسل كليته كل مرة وتوسيط القريب والبعيد وطرق الابواب، اربعون عاماً من الخدمة لم تعطه أبسط حق في العلاج في ذات المكان الذي عمل به. ماذا تتوقعون دعوة هذا المريض وهو على فراش المرض ؟ أو وهو يرى أولاده يضطرون لشراء سيارة بالتقسيط وبيعها لعلاج والدهم وماذا تتوقعون من نفسية كل قريب أو صديق من أهل فلسطين يسمع بحالته ؟ </br> مشكلة الفلسطيني أنه طموح ومكافح ويحب كثرة الاولاد، فكان عليه أن يعمل ليل نهار فراتب الوظيفة لا يكفي لمعيشة عائلته الكبيرة فمن الرسوم السنوية الى أقساط المدارس الخاصة والتكاليف الباهظة للعلاج في المستشفيات فضلا عن تكاليف الحياة الأساسية .<BR><BR><BR>ولأن النظام لا يسمح للوافد بالعمل في أكثر من وظيفة أولحسابه الشخصي كان عليه أن يتقمص شخصية اللص السارق الذي يعمل مساءً في الخفاء يتوارى عن الانظار في زاوية مكتب أو ركن محل يشعر بالخوف من كل طارق أو زائر يخشى أن يكون رجل أمن فهو يعلم أن عقوبة عمله أو قل جريمته السجن والابعاد. وهنا أيضاً ماذا تتوقعون من نفسية هذا الانسان وهو يعيش هذه الصورة من الحياة ؟<BR> مشرد غريب يتابع بألم متجدد أخبار أهله في فلسطين وهو في بلاد العرب بعيداً عنهم، و هو يعاني كذلك لا لسبب إلا السعي للقمة العيش. انه لم يقم منتدى سياسي أو مجلة أو منبرا يدافع فيها عن قضيته وهل يجرؤ أن يفعل ذلك أو حتى التفكير فيه ؟ لقد أوجدت هذه الضغوط نفوساً مشحونه يائسة عابسة. <BR> من الفلسطينيين من جنا ثمار كده وتعبه، ولأ نه لا وطن له يحول اليه مدخراته فهو ينفق كل ماله هنا، سيارة جديدة ومسكن جميل ولكن هل سيشعر بالسعادة ؟ سيسترقون اليه النظرات عند اشارات المرور ويلمزه الجيران ، فقد أصبح أحد لصوص الوطن وناهبي خيراته، هكذا تكتب الصحافة حتى صورت للمواطن أن الرزق الذي ينزل اليك من السماء يتقاذفه هذا الوافد فيخطفه منك ويضايقك عليه .<BR>كنت في درس ببيت احد كبار العلماء ، شاهدني احد احفاده الصغار سألني السؤال الاساسي والدائم : من اين انت ؟ قلت له من فلسطين ، اجاب الطفل : عندنا جيران فلسطينيون لصوص ، اثار كلام الطفل اهتمامي ، سألته كيف عرفت ؟ أجاب : عندهم سيارة شبح (مرسيدس).<BR>يوجد في دول الخليج تيار عارم لتوطين الوظائف وهي قضية تسعى اليها كل الدول . وان كنت أتمنى ان يصبح المسلمون كلهم سواسية ولكنه بلاء عم وطم حتى اقتنع به بعض من الصالحين ، ليست هذه هي المشكلة . المشكلة هي الطريقة الاستفزازية التي يتم فيها طرح مثل هذه المواضيع وكأن لا طريقة لتشجيع رجال الأعمال على ابعاد الوافد الا وصف الوافد بأسوأ الأوصاف وتحميله سبب كل مشاكل المنطقة ، فتحويلات الوافدين سبب عجز الموازنات والوافدون هم سبب ارتفاع الجريمة وحوادث الطرق وهكذا يتم توظيف الخطاب العصبي بطريقة تثير الكراهية ومن يقرأ أو يسمع ما يقال عن هذا الموضوع ليظن - ان كان بعيداً عن المنطقة -أن هؤلاء الوافدين يمتصون خيرات البلد لا يعملون ولا يكدون ، وما يحولونه هو ما يقبضونه من الضمان الاجتماعي وهم نائمون في بيوتهم . وتسمع في كل يوم الخطاب المكرور عن الجريمة التي وقعت والتي توصف بأنها بعيدة عن اخلاق مجتمعنا و كأن السرقة لم توجد في عهد الصحابة أو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرجم زانية .<BR>أحد الكتاب وفي عموده الصحفي اختزل كل مشاكل المنطقة من ندرة المياه واهدار مخزونها الاستراتيجي بالخادمات الوافدات اللاتي يتركن الصنبور مفتوحاً. وآخر وبعد أن غطى كل أخطار الوافدين بقي عليه أن يشير الى تأثير الوافدين على شبكة الصرف الصحي أعزكم الله .<BR>يقف الفلسطيني وهو بلا وطن يلجأ اليه ان كان قد طفح به الكيل .<BR>اخواني ان العصبية لا يمكن أن تصنع أبداً دولاً قوية ذات ثقافة واقتصاد مستقر . فمهما شنع المرء في ذكر مثالبها فلن يبلغ أكثر من وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم لها أنها ( منتنة). وما أدقه وأعجزه من وصف، لا يستطيع أحد منع رائحة نتنها من التغلغل والاختراق.<BR>ان من يعتقد ان اثارة العصبية بين أهل بلده والبلاد الأخرى سيصنع بذلك مواطنين متحابين فهو مخطئ، ستبقى العصبية في الامتداد حتى داخل البلد نفسه، بين منطقة وأخرى ومدينة ومدينة وحتى داخل أهل العشيرة الواحدة.<BR>ان هناك فئة من الملأ تعلم ان اثارة دعوة العصبية كفيلة بلفت الأنظار عنها ووضعها بعيداً عن المسائلة وتفريغ مشاعر السخط والاستياء باتجاه الطرف الأضعف .<BR>في بداية التزامي كنت أنظر الى العرب القاطنين في الغرب وأمريكا خصوصاً نظرة المشكك في ولائهم لدينهم وعقيدتهم ، لم أكن أفهم وأفسر حبهم وتفاعلهم مع قضايا البلاد الغربية التي يعيشون بها ، الى أن شاء الله أن أقيم في تلك البلاد دارسا وزائرا، يا لحسرة ما رأيت : دول ذات منظومة متكاملة قائمة على قدر كبير من العدالة واحترام حقوق الانسان تزرع قوانينها الحب والولاء في قلب كل مهاجر اليها .<BR>لا يجد الامريكان غضاضة بل يعتبرونه مصدر فخر واعتزاز عندما يتحدثون عن علمائهم وعباقرتهم الذين هاجروا من بلدانهم الى أمريكا وتجنسوا بها .<BR>أما أنا في البلد الخليجي الذي ولدت فيه فأشعر أن كل شيء حولى مكرساً لاقناعي أنك من طبقة وأهل البلد طبقة أخرى. مظاهر هذا التمييز تطال كل مظاهر الحياة وتنظيماتها لدرجة أصبحت وكأنها مقصودة لذاتها وحتى في أمور وشكليات ليست ذات معنى ولا تعود بالفائدة على مواطني المنطقة ، حتى صورتي التي على رخصة القيادة ليس مسموح لي أن تكون باللباس الخليجي . وكلما كنت أسعى للاندماج في المجتمع ، تارة بارادة جازمة مني وتارة لا شعوريا اصطدم بالحواجز في كل طريق .<BR>كنت أتمنى أن اعيش مثل بقية شعوب الارض وهم يتحدثون (عندنا) و(نحن) التي كنت اذا استعملتها يرمقني الحاضرون بنظراتهم وهم يودون لو يصرخون في وجهي : ومن أنت حتى تتحدث (عندنا) ؟ انها لنا نحن .<BR>انني أعيش أزمة خانقة في حياتي ، ففي الوقت الذي أنظر الى ميلادي وحياتي هنا كرصيد يمنحنى ولو قليلاً من الحقوق – كما في بلاد الغرب - فان الطرف المقابل ينظر الى هذا الرصيد كمادة سالبة ودلالة على صبره ومنته عليَ بالبقاء في بلاده طوال هذه المدة .<BR>طرحت مجلة أمريكية وعلى صدر صفحتها الأولى تساؤلا عن سبب كره العالم الاسلامي لأمريكا ، طرحت السؤال الصحيح للنقاش ولكنها أجابت الاجابة الخاطئة عندما عزت ذلك الى حسد المسلمين لأمريكا على تقدمها وثرائها .<BR>اخي : هل فكرت يوما في أن تسأل من هم أمثالي عن رأيهم ومعاناتهم في بلدك ؟ أوعن شعور أكثر من عشرة آلاف عائلة فلسطينية هجرت الخليج لتستقر في كندا ؟ لا أقول صدق كل ما يقولون أو بعضاً مما يشتكون بل فقط فكر في سؤالهم وسماع قصصهم ؟<BR>واذا كانوا يشتكون ويئنون ويبالغون فهل كلهم كاذبون حاسدون أم أن هناك خللاً ما ؟<BR><BR>وفي هذه الظروف لا تنفك حاجة الغريب المستضعف المدفوع بالأبواب الى صاحب الجاه وابن القبيلة يشفع له بشفاعة ترد عنه مظلمة أو تكسبه حقاً مضيعاً ،<BR>فيفكر باللجوء أول ما يفكر الى اخوان الطريق ورفاق المنهج، يملؤه الأمل الكبير بحمية الدين وشهامة المحبين، ويالخيبة مطمحه حين تتكسر المثاليات على صخور العصبية والسعي المحموم خلف ركام الدنيا والبرود تجاه مثل هذه القضايا . بعضهم لم يفكر بمجرد السؤال ولو بعد حين عما حل بك .<BR>وقد تنقضي حاجة المظلوم ولكن بعد غصة في القلب وجرح في الفؤاد يتسلل الشيطان من خلاله مشككاً بمعاني الأخوة الجميلة وزارعاً الفرقة والكراهية .<BR>قد يملك المرء ما يسعده فيحمد الله وقد يقنع بالقليل وضيق ذات اليد رضاءً بقضاء الله ، الا أن هناك شيئاً واحداً يظل الفلسطيني يفقده مهما تباينت به الاحوال : انه الاستقرارأوعلى الاقل الشعور به . انني لا أضمن بقائي هنا عام آخر فعلي تجديد اقامتي وفي كل مرة هناك قيود وشروط وتنظيمات جديدة . أتمنى أن أعيش مثل أي نسان في بلده ولو معدماً فقيراً ولكنه يشعر بالاستقرار . أخي هل يمكن أن تعيش هذه الظروف طول حياتك ؟ تفكر في نفسك وفي أولادك ؟ ماذا لو أبعدوني أين أذهب ؟ وهل ستتحمل حياة هي سلسلة من العقبات النظامية لا تنتهي واحدة حتى تبدأ أخرى ؟ <BR>أخي الكريم هل مرعليك أن قامت زوجتك بتقديم ملف ابنتك لتسجيلها في المدرسة فقامت الحاكمة بأمرها مديرة المدرسة برمي الملف في وجهها وطردها بطريقة مهينة وكأنها تنفق من مالها الخاص على المدرسة ؟<BR>وهل قدت سيارة متواضعة وأنت حاسر الرأس فرأيت كيف يعاملك الآخرون وكيف يتفانى رجل المرور بتطبيق النظام عليك تاركاً السيارة الفارهة ذات الرقم المميز ؟<BR>وهل سبق أن ترددت على أقسام الامن لأي قضية كانت فرأيت كيف يرتبط الحق بمن تكون ومن أين تكون ؟ وكيف يزدرى البعض ويحترم البعض ؟ <BR>وهل جربت أخي الكريم أن تنام والشعور بالظلم يهز كيانك ويحرق قلبك ؟<BR>وهل جربت طعم الغربة الطويلة ؟<BR>كم كنت أتمنى أن يطرح الدعاة والوعاظ قضايا الوطنية والعصبية من منظور شرعي فيبينون الحق للناس أويطرحها المثقفون العقلاء الصادقون الحريصين فعلا على مصلحة بلادهم ليثبتوا لصناع القرار أن هذه الطريقة تصنع الاعداء في وقت تحتاج فيه الدول الى الاصدقاء وتنفر الطاقات التي تستقطبها دول الغرب . <BR>اخواني لقد امتدت اياديكم البيضاء الى اقاصي الدنيا اغاثةً لملهوف وتعميراً لمساجد<BR>أناشدكم أن تلتفتوا قليلا الى من هم معكم من اخوانكم القريبين منكم فتكونوا كمن قال الله عنهم ( يحبون من هاجر اليهم ) . <BR><br>