عيدنا , وعيد شكرهم : السماء والأرض ..
11 شوال 1424

تسامت أعيادنا وتطامنت أعيادهم , والبون فسيح بين معاني الفداء والاستسلام والشكر للواحد الأحد , وبين ألوان الغدر وأطياف النذالة ودروب الخسة .<BR>عيدهم الأكبر : هو عيد الخيانة , بعد إجزال العطاء من أناس أحسنوا القرى ؛ فاستباح الضيوف دماءهم وأمعنوا فيهم القتل !! <BR>احتفل الرئيس الأمريكي بعيد الشكر في العراق هذا العام , وهو بذلك يجدد "شعيرة أمريكية" مرد الأمريكيون على تذكير العالم بها كل عام ؛ وهي "شعيرة شكر الرب على تسلطهم على عباد الله" . <BR><BR>ولا غرو أن يجد بوش في التنكيل بالعراقيين بعد قتلهم من بعد حصارهم هبة من معبوده تستأهل شكرها ؛ حيث يرى بوش أنه "مبعوث رسالة من السماء" للتنكيل بـ"الأراذل" , إذ يصرح لرئيس وزراء فلسطين السابق "أبو مازن" : "إن الله أمرني أن أضرب القاعدة فضربتها , وأن أضرب صدام ففعلت" (صحيفة هآرتس الصهيونية). "إن على أمريكا أن ترى أنها تواجه الشر المتجسد في صورة صدام حسين . (...) إن كان للمرء أن يرتاح ضميره، فأنا مرتاح الضمير بهذا الشأن" (أسبوعية نيوزويك 11/3/2003م) .<BR><BR>هل يستحق نصف مليون طفل عراقي الموت ؟ سؤال شبكة CBS يوم 11/5/1996 أجابت عنه مادلين أولبرايت (وزيرة خارجية الولايات المتحدة السابقة) : " نعم , أعتقد (أنهم) يستحقون ذلك" !! <BR>نعم , إنها جميعاً أمور تستوجب ذبح ديوك "الروم" احتفاءً بها, ولا غرو أن يتجدد الاحتفال بها خصوصاً إذا علمنا أن أصل هذا العيد كان لشيء مشابه تماماً ؛ فهذا العيد الذي يحتفل به الأمريكيون كل عام الخميس الرابع من شهر نوفمبر، وتتجمع فيه العائلات ربما لمرة يتيمة في العام على مائدة واحدة يتناولون الديوك الرومية، وتتخذها الدولة عطلة رسمية مرده التاريخي إلى قصة تعاف الأنفس السليمة والفطر القويمة على الاحتفال أو حتى الفخر بها .<BR><BR>ذاك أن المستوطنين لما رست سفنهم على شواطئ القارة الأمريكية الشمالية , استقبلهم الهنود الحمر سكان البلاد الأصليون بالترحاب والإكرام , وما إن وطأت أقدام المهاجرين أرض أمريكا حتى ذبح الهنود المساكين لضيوفهم "المتحضرين" الديوك الرومية , حتى إذا ما شبعوا وأتخموا عمدوا إلى بلاد الهنود يستولون عليها قطعة من بعد أخرى، وحدث ذات يوم أن نشب خلاف بين الطرفين بحكم ما اقترفه الضيوف بحق مضيفيهم فأولم الهنود للمستوطنين ديوكاً رومية مشوية لعقد صلح بينهما على تقسيم قطعة أرض كبيرة, وفور فراغ البيض من طعامهم تركهم الهنود ليعدوا أنفسهم لـ"التدخين من أجل السلام" وفق طقوس الهنود الحمر ؛ فاهتبل البيض هذه الخلوة لتدبير مكيدة كبيرة لمضيفيهم , حيث استغلوا فرصة وجودهم في عقر مخيم الهنود الحمر لشن حملة ضارية على الآمنين المستأمنين , وجاسوا خلال المخيمات قتلا وحرقا وإبادة . <BR><BR>ومن بعد احتفالية "الديوك الرومية" استمر البيض في ملاحقة السكان الأصليين الذين لم يفهموا مراد "الضيوف" أول الأمر إلا بعد فوات الأوان , فالقتل والتدمير والتهجير والتحريق، وحتى سلخ فروة رؤوس الهنود ظل ديدن "الضيوف" في كل بقعة وطأتها أرجلهم إلى أن ألجؤوا السكان الأصليين إلى الغرب الأمريكي , وحتى هذا الغرب لم يسلم من إفسادهم لما اكتشفوا فيه الذهب , فأوغلوا في عدوانهم على الهنود وحشروهم في معسكرات ضيقة , وانتقصوهم من أطرافهم حتى غدا تعدادهم ما بين 750 ألفا إلى مليون بعد أن كانوا ما بين 50 إلى 100مليون نسمة وقت أن حل عليهم بلاء "الأمريكان الجدد" ..<BR><BR>واليوم وكل عام يحتفل الأمريكيون بذكرى خيانة المعاهدين، ونذالة التعاطي مع من يعفون عن أن يشهروا أسلحتهم في وجه الضيوف , عيد شكر الرب على أن شياطينهم قد أوحت إليهم أن اقتلوا من يمدون أيديهم إليهم بالسلام والأمان . <BR>وكان الأولى أن يكون ما حدث في واقعة بيكورت، التي تم فيها قتل أعداد غفيرة من الهنود وتشريد آخرين وبيع من تبقى منهم ، وقتل الحيوانات البرية التي كان الهنود يعتمدون عليها حتى يجبرونهم على الرحيل ؛ مدعاة إلى الخجل وطأطأة الرؤوس لمن في وجهه قطرة دم حارة , لا أن يتخذوا منها عيداً وطنياً تلتئم فيه الأسر وتتواصل فيه الأرحام شكرا لمن يعبدون. <BR>إنه عيد الأمريكان , وإنها الأعياد تكشف عن خبيئة النفوس .. فثمة من تلتئم أسرهم وتتصل أرحامهم إرضاء لرب العالمين وامتثالاً بأوامره التي تأمر بالوفاء بالعهود وبالاستسلام التام لله أنى أمر أو نهى ..<BR>وثمة من لا تطربهم إلا أنغام الخيانة , ونبذ العهود سراً , والاعتداء على المستأمنين، وهاكم الفارق بين عيدنا وعيد شكرهم .. بين السماء والحضيض ..<BR><br>