الديمقراطية والفوضى وجهان لعملة أمريكية واحدة
20 ذو الحجه 1424

افتتن كثيرون بالديمقراطية الأمريكية معتبرين أنها نهاية ما توصل إليه العقل البشري في مجال النظم السياسية، لكن ليست النهاية دوماً محمودة، فقد تكون قمة أو قاعاً..<BR>فقط علينا أن نتأمل التجربة الأمريكية دون فغر الأفواه أو العقول، فالنظام السياسي الأمريكي يبدو براقاً ينتشي بمبادئ الحرية والديمقراطية، ولكن في وجهه الآخر تبدو معالم كالحة، ولنتناول ذلك من واقع الصراع بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، فحزب الرئيس الأمريكي الحالي جورج بوش بدأ رئاسته بما وصفه المراقبون: أكبر حادثة سطو سياسي في التاريخ الأمريكي، وهي حادثة لم يجسر حتى الديمقراطيين على التنقيب في أغوارها لئلا ينهار النظام كله، ويصف الملياردير الأمريكي جورج سوروس إدارة بوش بأن لديها تناقضاً واضحاً بين مفهومها للحرية والديمقراطية، وبين المبادئ الحقيقية لهما، ويقول: "من المضحك أن تقع الحكومة صاحبة أكثر المجتمعات نجاحاً وانفتاحاً في العالم فريسة في أيدي أناس يجهلون المبادئ الأولية للمجتمع المفتوح".<BR>وفي أروقة الحزب الديمقراطي تبدو المعركة على أشدها بين عشرة مرشحين لا ثوابت لديهم غير الفوز بالمنصب، وهذا ليس تعصباً، فالمرشح الأوفر حظاً هاوارد دين يتهمه الأمريكيون أنفسهم بأنه غامض في مبادئه، يغير مواقفه كما يغير ملابسه، ولو تتبعنا بصورة تجريدية الحملات الانتخابية لوجدنا عبثاً من العبث مئات الاستطلاعات المتضاربة، وعشرات الفضائح التي يُعلن عنها يومياً، وكل المرشحين وكثير من وسائل الإعلام يجندون مكاتب التحري للبحث في تاريخ المتنافسين عن زلة أو هفوة أو حتى قبلة في غير موضعها، ومن الطريف أن كريستين إيفرسن (الناطقة بلسان الجمهوري) تعلق على ذلك بالقول: "يكفي قراءة مقالات الصحف عن معركة مرشحي المعسكر الديمقراطي لإيجاد حجج ضد هذا المرشح أو ذاك".<BR>ويتم خلال ذلك جمع التبرعات من الغافلين أو الطامعين بملايين الدولارات (دين 16 مليون – كلارك 11 مليون – بوش 130 مليون)، هذا فضلاً عن الإجراءات المعقدة التي ربما لا يفهمها كثير من الأمريكيين، ولذلك لم يستوعبوا بعد حقيقة ما حدث في انتخابات عام 2000م.<BR>فما الذي يسفر عنه كل ذلك، التجربة التاريخية تثبت أنه لا يفيد، وأن كثيراً ما ينجح مرشح في ذيل القائمة، ولعل ذلك يرجع للولع الأمريكي بالمفاجآت، فالشعب الأمريكي هو الذي يقدم نتائج الاستطلاعات، وهو الذي يثبت خطأها في صندوق الانتخابات، وكان جون كيندي يلقب بالسناتور الكاثوليكي اللعوب، ولا يتوقع أحد فوزه وسط تدافع بروتستانتي، وكان المراقبون يعدون احتمال ترشيح جيمي كارتر للرئاسة منافياً للذوق العام.<BR>ثم في النهاية يتربع البطل على مقعد الرئاسة بعد عمليات فرز هائلة يفترض – نظرياً – أن تبرز خير ما في الجعبة، ولكن حقيقة الأمر أن جعبة الأمريكيين لم تكن يوماً ملأى بالصالحين، فروزفلت الذي ترشح استثنائياً ثلاث مرات كان يوصف وهو حاكم لنيويورك بأنه سياسي لا وزن له ولا مبادئ ، وذكر أنتوني سامرز في كتابه الهام (غطرسة القوة) أن نيكسون لم يكن يحترف شيئاً مثل الكذب، وأنتجت البي بي سي برنامجاً وثائقياً اسمه (الأخطبوط) عد رونالد ريجان – مدتي رئاسة – لم يكن إلا دمية يحركها لوبي خفي، وكل ما كان عليه أن يضحك ملء شدقيه حتى تخرج الصورة "حلوة"..!<BR><br>