لا يا ماركس , "الإعلام أفيون الشعوب"
22 ذو الحجه 1424

أسس كارل ماركس اليهودي ثم الأصولي البروتستانتي نظريته الشيوعية العليلة على مقولة شهيرة له صارت إحدى أبرز لافتات دعوته لهدم الدين وصولاً لسيادة الإنسان ثم سيادة المجتمع والدولة، وهي مقولة "الدين أفيون الشعوب". <BR><BR>لم يكن في زمن ماركس فضائيات ولا أبواق أنظمة حكم ، فالراديو الذي اخترعه العالم الإيطالي ماركوني لم يبدأ بث برامجه عبر شركة الإذاعة البريطانية إلا عام 1922م ، كما لم يتم تفعيل البث التليفزيوني على يد المخترع الإنجليزي جون بيرد إلا عام 1928م، ولقد مات ماركس في العام 1883م قبل أن ترى عينيه ذيوع الآلات الإعلامية الضخمة التي تذهب بالألباب وتحرك الشعوب كيفما أرادت أو تخمدها وتخدرها. <BR><BR>وإذن لو عاش مؤسس النظرية الإلحادية لعصرنا لربما ألحق بمقولته أخرى تقول : "الفضائيات وأجهزة الإعلام أفيون الشعوب"، وإذا كانت مقولته الأولى باطلة إلا إذا ما أريد بها الأديان الباطلة غير ما فطر الناس عليه ، فإن مقولته الثانية المفترضة لا تركب متن الشطط ، ولا تحيد عن جادة الصواب إلا فيما ندر. <BR>ومن يلحظ ما يقترفه الإعلام العالمي ومن خلفه إعلامنا العربي المساق في حق قضيتنا المحورية ؛ قضية الأقصى وفلسطين السليبة وقضيتنا الجديدة (العراق) يدرك ـ لو كان من غير مدمني هذا الإعلام الذين يفغرون له أفواههم ـ أن هذا الإعلام يمارس نوعاً من التخدير لا يجاوزه الأفيون بحال. <BR>وهاكم جانباً من أنواعها الخطيرة المدمرة للعقل والمبادئ في أبواق الإعلام العالمي والعربي:<BR>• "خسائر الانتفاضة في جانب الفلسطينيين وحسب" ، والدليل هؤلاء الأيتام والثكلى الذين يبكون شهداء الفلسطينيين بسبب "أعمال العنف الفلسطينية"، والمطلوب هذه المقاومة تحرث البحر وتضر بعدالة القضية الفلسطينية ولا تحقق مكسبا فاعلاً، والمقاومة والانتفاضة "إثمهما أكبر من نفعهما" ، ونتيجة التخدير قلة دعم المسلمين لحماة الثغور في فلسطين وخفوت الصوت المساند للأهل هناك، والحقيقة أن الإعلام قد نجح باقتدار في ستر الأضواء عن أكبر هجرة صهيونية عكسية لخارج فلسطين (750ألف يهودي فار من الفعل المقاوم المؤثر) ، ولا نفهم كيف نجح الإعلام العالمي ومن خلفه الذيل العربي في ستر هجرة ضخمة بهذا الحجم عن أعين المصورين والمحققين الصحفيين. <BR>• "قتلى أعمال العنف الذي تنفذه المقاومة العراقية معظمهم من العراقيين"، والدليل بيانات المحتل الأمريكي وصور الفضائيات "المدجنة" ، والمطلوب : هذه المقاومة في معظمها تنفذ عمليات إرهابية، وأن الحل لابد أن يكون سلمياً وعبر مجلس الحكم المعين والنتيجة : إلصاق كل عمل إرهابي ينفذه الموساد بالمقاومة العراقية ـ كما فعل أذناب الموساد في الجزائر ـ وإحباط الجميع مقاومة ومتعاطفين بعدم جدوى مقاومة الاحتلال المشروعة في المواثيق الدولية ـ فضلاً عن المقاومة الشرعية ـ أو ضرورة تأجيلها ريثما يقبل الأمريكان على المقاومة بصدور عارية من دون التترس بدروع بشرية من الشرطة العراقية !! <BR>• "لابد من إنشاء لوبي عربي مقابل اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة"، ومثله"الإدارة الحالية مشغولة عن الشأن الفلسطيني بالانتخابات الرئاسية، وستلتفت ـ هي أو خليفتها ـ إليها متى انتهت تلك المدة" , "الرئيس بوش وأركان إدارته متعصبون وخلفاؤهم سيكونون أقل تهوراً " ، "أصوات الديمقراطيين تركز على خطأ بوش في غزو العراق دون مستند أخلاقي أو قانوني"، "أصوات دعاة السلام تتعالى ضد الجدار العازل، وضد فساد شارون، وضد ممارسة الجيش للقتل دون مبرر"، والدليل : عزم بوش على "ممارسة الضغط على إسرائيل" بعد أن يتحرر في مدته الرئاسية الثانية ، وحملات الديمقراطيين الرئاسية التظاهرات المنددة بالجدار العازل، وظاهرة التمرد في الجيش الصهيوني، والمطلوب : تخدير على تخدير وجزرة متوهمة خلف أخرى حتى ينام الناس مستريحي الضمير !! ، والنتيجة : أموال ومناصب لمروجي هذا الهراء في أبواق إعلام العالم العربي، خصوصاً، ونوم عميق لمعظم الشعوب العربية والإسلامية المهيضة، والحقيقة : أن التأييد اللامحدود من أي إدارة أمريكية يأتي متسقاً مع قناعة تلك الإدارة أيديولوجياً بضرورة دعم الكيان الصهيوني لتحقيق "مملكة الرب على أرض إسرائيل" كما جاء في التوراة التي يؤمن بها حكام واشنطن وتل أبيب سواء بسواء، وأن ألف لوبي عربي ليس بوسعه القفز فوق هذه المسلّمة. <BR><BR>والإدارة الأمريكية ـ جعل الله أيامها كلها انتخابات ـ لا تلتفت إلى القضية الفلسطينية إلا وتضمر لها الشر إما بسعي حثيث لتصفية المقاومة بإرسال المبعوثين "المتطوعين" في إثر بعضهم لإقناع المقاومين باللحاق بهم في الحظيرة قبل أن تغلق أبوابها بعد دخول العقيد "الثائر"، وإما بمنع أموال الإغاثة من الوصول لأيتام المسلمين وثكلاهم وضعفائهم بزعم وصولها لـ"الإرهابيين".<BR><BR>والرئيس بوش نعم متعصب، لكنه لا يصدر عن توجه إدارته فحسب، بل ولا حتى توجه الجمهوريين وحدهم، ومن يلحظ نتائج استطلاعات الرأي قبيل العدوان وأثناءه يدرك تماماً صدق تنزيل الحكيم الخبير "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم" إذ كان معظم الأمريكيين في صف بوش برغم افتقار قضيته إلى عناصر العدالة الأولية، ويدرك ماهية تبادلية الأدوار بين الجمهوريين والديمقراطيين ـ تماماً مثلما هو الحال في الكيان الصهيوني بين ليكود والمعراخ ـ حتى نظل دائماً بين لظى الجمهوريين وزمهرير الديمقراطيين، وكلاهما عذاب سواء بسواء. <BR><BR>وصحيح أن الديمقراطيين ينتقدون خطأ بوش في شن الحرب على العراق دون دليل على وجود أي أثر لأسلحة الدمار الشامل المزعومة، لكنهم ينطلقون من إدانة حماقة الإدارة الأمريكية في العجز عن توفير"الحبكة الفنية" لمبررات الحرب، وجدوى الحرب اقتصادياً في هذا الوقت بالذات، لا شفقة على العراق وأهله الذين مات منهم إبان حكم الديمقراطيين (كلينتون) أضعاف شهدائهم في العدوان الأخير على العراق (أجابت أولبرايت من قبل بدم مثلج عن سؤال لشبكة تليفزيون أمريكية عن المليون طفل عراقي الذين لقوا رباً رحيماً إبان حكم كلينتون بقولها: "نعم كان يجب أن يموتوا")، وإذا كان بوش قد أخطأ ببدئها، فهل سيصحح الديمقراطيون خطأه بإنهائها إذا استتب لهم الأمر فيرحلون أم سيطيب لـ"الحمار الديمقراطي" التقلب في "خشاش" بغداد والموصل وكركوك؟!<BR><BR>أما عن الجدار الفاصل ، فليهنأ الإعلاميون، ولتتسع أفواههم فرحاً بعشرات من المنددين ونظرائهم من الخائفين المتدثرين بالأخلاق في الجيش الصهيوني فيما يقف معظم الصهاينة في خندق الإرهاب الصهيوني، ولقد كشف آخر استطلاع للرأي نشر في الأسبوع الثاني من الشهر الحالي وأجراه المعهد الإسرائيلي للديمقراطية أن 57 % من الصهاينة يؤيدون تشجيع فلسطينيي 1948 على الهجرة (أما 67 فحدث ولا حرج) ، وأن 30 % من المستطلعين يؤيدون سحب الجنسية الإسرائيلية من العرب (المسلمين) الفلسطينيين، وأن 75 % يؤيدون مشروع الفصل العنصري ، وإذن فشارون لا يصدر سوى عن رأي معظم الصهاينة. <BR>والقائمة طويلة جداً من أنواع المخدرات الإعلامية المختلفة سياسية واقتصادية وثقافية ورياضية، وهذه النافذة الإعلامية لا تتسع بالتأكيد لمجلدات (أو لجوالات من المخدرات الإعلامية)، لذا نكتفي بهذا القدر لئلا تودي كثرة الجرعات بالأعمار _وقانا الله وإياكم كل سوء_ !.. <BR><BR><br>