الإسلام السياسي.. انطلاقة نحو الصفر
8 صفر 1425

تبدأ الاحزاب السياسية الإسلامية مسيرتها عادة وهي محملة بكم هائل من الثوابت والضوابط، لكنها ما تلبث أن تتخفف من حملها رويداً رويداً تحت وطأة القيظ، حتى تصل إلى نهاية طريقها وما بقي معها من حملها إلا ما خف وزنه وبليت قيمته، وهذا يجعلنا نطرح الإشكالية التالية، هل الهدف المشاركة في العمل السياسي من أجل تغيير المجتمع، أم السعي لتغيير مناهج الدعوة من أجل المشاركة السياسية، وما قد حدث أن كثيراً من الأحزاب السياسية بدأت بالهدف الأول، ثم انحرفت عن مسيرتها لتتبنى الهدف الثاني،<BR>وتتميز وسيلة العمل السياسي عن باقي وسائل التغيير بأنها تجمع في رحابها غالبية الأحزاب الإسلامية تحت مظلة فكرية واحدة، حتى وإن تخالفوا في البلد الواحد، فاجتهاداتهم قابلة للتداول فيما بينهم، لذا ينبغي أن يُنظر إلى تفاوت أداء الأحزاب السياسية الإسلامية في مختلف دول العالم الإسلامي على أنه اختلاف أو تمايز مرحلي، بمعنى أن كل مجموعة من الدول تمثل إحدى مراحل العمل السياسي، واختلافها عن غيرها هو اختلاف مرحلي لا غير، ولتبسيط هذا المفهوم نطبقه على الواقع، فلا يمكن القول إن ما قام به الحزب الإسلامي في العراق من قبول للعمل تحت مظلة الاحتلال الأمريكي - وهو عمل من أبسط لوازمه تجريم المقاومة الشرعية للاحتلال - لا يمكن أن نقول: إن هذا اجتهاد اختص به هذا الحزب وغير قابل للاقتداء به في دول أخرى، حتى الأحزاب الإسلامية التي استنكرت هذا الاجتهاد لو تعرض أغلبها لظروف مماثلة فستفرز عملاً مشابهاً؛ لأنها تنطلق من رؤى فكرية مشابهة، وهذا ينطبق أيضاً على الواقع التركي، فحزب أردوجان – العدالة والتنمية – يرفع شعار العلمانية، ويؤكد أنه حزب علماني وليس بإسلامي، ويتحالف مع الأمريكيين ويقر التعاون مع " الإسرائيليين "، ويتلهف على الوحدة مع الأوروبيين، وهذه مرحلة متطورة من العمل السياسي الإسلامي - الذي أصبح لا إسلامياً - تنتظر السائرين على الدرب..<BR>ولو ركزنا على النموذج التركي باعتباره حلم الأمريكيين وطائفة من الإسلاميين السياسيين معاً، فسنجد الصورة كما يلي: تبدأ الحركة مفعمة بالآمال متمسكة بنهج إسلامي، ومع تتابع الأزمات تتخلى عن بعض ثوابتها، لتصل في النهاية إلى الحلم الأكبر لأي حزب سياسي إسلامي، أي حكم البلاد، لتجد نفسها وليس بين يديها شيء مما بدأت به، حتى هويتها الإسلامية دفعتها كآخر قطعة نقود تملكها على أعتاب كرسي الحكم، فهي انطلاقة كبرى نعم، لكنها إلى الصفر..<BR>وفي العراق شاركت الحركة الإسلامية في مجلس الحكم العراقي حتى لا تتعرض للتهميش من قبل القوى الأخرى، فوقَّعت بكلتا يديها على تهميش أهل السنة - العرب خاصة – بما سمي قانون إدارة الدولة، فجعلت نفسها بدلاً من أن تكون طرفاً صامداً مقاوماً وإن عجز عن التغيير، مشاركاً مؤيداً موافقاً على مؤامرات المجلس..<BR> والجدير بالتأمل هنا أن المجلس سنَّ نظاماً جديداً لاتخاذ القرارات أُطلق عليه مصطلح " المحاصصة " أو التوافق، يعني أن القرارات لا يتم اتخاذها بالأغلبية المعهودة بحيث يكون لكل قرار مؤيدون ومعارضون، بل كل القرارات التي تتخذ لابد وافق عليها كل الأعضاء، فهل نستوعب دلالة ذلك جيداً ؟<BR>والتساؤل المهم هنا: ما الذي يجعل النموذج التركي – بطرفيه العلماني والإسلامي السياسي - غير قابل للتطبيق في بقية الدول الإسلامية التي تقبل التغيير والتحول السلمي إلى العلمانية الكاملة، وما الذي يجعل النموذج العراقي – بطرفيه الأمريكي والإسلامي السياسي - غير قابل للتطبيق في الدول التي تأبى ؟<BR>إن الإجابة على هذا التساؤل لا شك أنها تطرح علامات استفهام كثيرة حول افتقار العمل السياسي الإسلامي إلى رؤية متكاملة وصائبة تقيه وتقي العمل الإسلامي كله مغبة الفتن، والانطلاق الهادر نحو الصفر..<BR><br>