خواطر حول استشهاد الشيخ أحمد ياسين
11 صفر 1425

كنت في زيارة إلى لندن لبعض المشاغل.. وفي صبيحة يوم الاثنين 22 مارس 2004م، وبعد أن أديت صلاة الفجر، هتف لي أحد الإخوان وأخبرني بأن (إسرائيل) قصفت موكب الشيخ أحمد ياسين بالصواريخ، وأنه استشهد مع كوكبة من مرافقي موكبه، ترحمت على الشهيد وحمدت الله على ذلك.<BR>ولن يمثل مقالي هذا شيئا مهما بالنسبة لهذا الحدث الجلل، ولكني أحب أن أنقل بعض خواطري التي تواردت إلى عقلي عقب سماع النبأ.<BR><BR>لقد جمعت (إسرائيل) كل عتادها: طائرات أمريكية من أحدث طراز، صواريخ دقيقة التصويب، جنرال متمرس بالقتل والإجرام يعمل رئيسا للوزراء يشرف مباشرة على الجريمة. تشاور مع رأس الأفعى أو ذيلها "المستر بوش"، تفاهم مع بعض زعماء المنطقة.. كل هذه الإجراءات اتخذت عندما قصفت طائرات الأباتشي موكب الشيخ أحمد ياسين. <BR><BR>وتساءلت: أليس ذلك دليلا على خوف هؤلاء المنفذين والموافقين والمتآمرين من الشيخ؟، وتساءلت مرة أخرى: ماذا لو كان عندنا في فلسطين وغيرها مزيدا من مثل شخصية الشيخ؟، وجاءني خاطر آخر عن موكب الشيخ أحمد ياسين.. فالمعروف أن الزعامات تسير في مواكب هائلة: سيارات وأبواق وإيقاف للمرور ورجال الشرطة تحف بالموكب من كل الجهات، فالزعيم ينتقل من قصره إلى قصر آخر،<BR><BR>أما الشيخ الشهيد فسيارته التي تقله عجلة صغيرة يدفعها أحد إخوانه، وهو كان في المسجد يؤدي صلاة الفجر، ولم ترافق هذا الموكب أية إجراءات استثنائية.. وتساءلت: أليس هؤلاء الأتقياء الأنقياء، الراكعين الساجدين، الذين هم على ربهم يتوكلون، هم الذين يقضون مضاجع الأعداء؟ أما أولئك الفارغين، أصحاب الألقاب والنياشين، الذين يؤرقون الناس بخطبهم وحكمهم، ويقودون الطائرات لملاقاة عدوهم، هل لهؤلاء أية قيمة، وهل يمثل حياتهم أو مماتهم شيء مهم للأمة؟.<BR><BR>وخاطر آخر توارد إلى ذهني وأنا أرى رئيس إحدى دول الطوق التي تحيط بإسرائيل يهزأ بالكرسي الذي كان يجلس عليه الشهيد ويقول: "رجل معقد يسير على دراجة، ماذا يعني قتله.. الأمر لا يساوي ثمنه"!.<BR>حزنت لمستوى هؤلاء الذين لا يفهمون معنى العظمة، ولا معنى الشهادة، ولا معنى الإصرار على الحقوق وتحرير الأوطان. <BR>وتساءلت: من جاء بهؤلاء إلى مقاعد الحكم، من أدار حركة الانقلابات العسكرية ليتسلط على الأمة أمثال هؤلاء لإذلالها والتفريط بكل شيء يتعلق بها؟<BR><BR>وخاطر آخر جاءني، فقد زارنا الشيخ أحمد ياسين في الكويت.. زرته كما زاره كثيرون، واستمعت إلى حديثه واستغربت.. كيف يستطيع هذا الرجل الذي كتب الله عليه أن يعيش بلا أرجل ولا أيد تتحرك، وبصوت لا يكاد يبين.. كيف استطاع أن يوقظ شعبا ويتحدى الطغيان اليهودي الذي يحرك طغاة العالم، من الذي أعطاه هذه القدرة؟<BR> وتساءلت: لو فعل شباب الإسلام وأبناؤه كما فعل الشيخ الشهيد هل يبقى في بلادي جاسوس أو عميل أو متسلط أو احتلال أو طغيان؟.<BR><BR>وخاطر آخر جاءني، فالرموز عادة لا يقتلون، فهم لا يحركون الجماهير بخطبهم ولا بقوة أيديهم وأرجلهم بل يحركونها بفكرهم وعقيدتهم، والفكر والعقيدة لا تموت، ولهذا فقتل الرمز تعظيم لقدرته وتثبيت لفكره وشموخ لعقيدته. وقد كتب الكتاب الغربيون أنهم يحذرون من قتل الرموز المعادية لهم، فالقتل يحيل الرمز من رجل إلى فكر، والأفكار الصحيحة هي التي تبعث في الأمة الحياة.. فلماذا قتله اليهود إذن؟!.<BR><BR>تساءل الشيخ حسن الهضيبي مثل هذا التساؤل عندما قتلوا حسن البنا.. قال: لماذا قتلوه؟! قالوا: شكل عصابة إجرامية لإسقاط نظام الحكم.. كلا لم يفعل ذلك. ولكن لأنه أصبح الرقم الصعب الذي لن تتمكن القوى الطاغوتية من العبث بمصير المسلمين.. ما دام موجودا.. لهذا قتلوه. ونحن نتساءل مثل تساؤل الإمام.. ونصل إلى نفس النتيجة.<BR><BR>وخاطر آخر جاءني، حول استشهاد الشيخ، وما مقدار خسارتنا بفقده، وما مقدار خسارتهم؟ نحن أسرة الفقيد الكبير لم نخسر شيئا، فلطالما تمنى ركب الإيمان أن يتقبلهم الله شهداء، ولقد حقق الله لشهيدنا أمنيته. أما هم فسيبقى دمه الطاهر لعنة على رؤوس القتلة، لعنة لا تترك لهم فرصة للراحة أو الاطمئنان أو الاستمرار أو البقاء.<BR><BR>هذه بعض خواطري التي تحركت في نفسي عندما وصلني الهاتف الذي نقل إلي خبر مقتل الرجل العظيم أحمد ياسين. ولم أجد كلمة أختم بها خواطري إلا بالكلمة التي نقلها تلفزيون "الجزيرة" عن الأستاذ محمد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين وهو يعلق على الحدث قائلا: "إن الذين قتلوا أحمد ياسين ليس اليهود فقط بل إن حكام العرب والمسلمين شركاء في الجريمة".<BR><BR>وأخيرا.. هل يخاف قارئ خواطري على فلسطين بعد استشهاد بطلها؟<BR>أقول له: لا تخف، "إذا سقط شهيد قام مكانه ألف شهيد".. هكذا قال أحمد ياسين في بعض كلماته.<BR><BR><BR><br>