استراتيجية الخوف القومي في بلاد العم توم
13 صفر 1425

أجندة المحافظين الجدد الذي يشكلون قلب إدارة بوش خطرة لدرجة أنها كانت تحتاج إلى أجواء خاصة لتمريرها، فلا يناسبها مناخ الحرية والأمن – من اعتداء خارجي - الذي كان سائداً في الولايات المتحدة، ومن ثم كانت استراتيجية الخوف حلاً أمثلَ تفتقت عنه عقولهم لتكوين الأجواء الملائمة لطرح أجندتهم.. </br> </br> ولم يكن توم ريدج (58 عاماً) شخصاً معروفاً على المستوى الجماهيري قبل أن يجلسه جورح بوش على كرسي جديد في حكومته ويُطلق عليه اسم (وزير الأمن القومي) فقد كان حاكماً لولاية بنسلفانيا، وهي ولاية غير محورية، كما شارك من قبل في حرب فيتنام، والمؤهل الأهم لديه أنه صدبق شخصي لجورج بوش، ومهمته الظاهرية التنسيق والإشراف على أكثر من 22 وكالة استخبارية وأمنية، والواقع أنه لا تاريخ توم ريدج ولا تاريخ العلاقة المتشاكسة بين هذه الوكالات يؤهلانه لتولي هذه المهمة الصعبة بل المستحيلة، ويمكن القول: إن المهمة الحقيقية لرجل الأمن الجديد هي الإشراف على تنفيذ استراتيجية الخوف، على الأقل في بعدها الإعلامي والتكتيكي، لذا جعلوا مكتبه بجوار بوش في الجانب الغربي من البيت الأبيض..<BR>هذه الاستراتيجية قدمت بالفعل في العامين الماضيين خدمات كثيرة لإدارة المحافظين، فهي أبقت المجتمع الأمريكي سائباً وفي حالة متوترة وفاقداً للقدرة على الاعتراض أو تكوين موقف شعبي موحد، وهذه الحالة جعلت تمرير أي قانون سهلاً ويسيراً، مثل قانون "يو إس فيزيت " المثير للجدل الذي أخضع مواطني عشرات الدول لنظام أمني معقد، فقبل تفعيل القانون برمج ريدج حملة تخويف من عمليات إرهابية محتملة مهدت السبيل لإقراره بسلاسة في الكونجرس، كما أنها – استراتيجية الخوف - تمثل غطاءً ذهبياً للسياسة الخارجية والأخطاء الداخلية، ولذلك نجدها تبرز للعيان لمواجهة أحداث ساخنة، مثل: اقتراب موسم الانتخابات أو تزايد الإخفاق العسكري والسياسي في العراق أو تراجع نمو الاقتصاد.. </br> </br> واستراتيجية الخوف الأمريكية تقوم على ثلاثة أركان: أولها: الثبات، ولتحقيق ذلك أعلن توم ريدج عن نظام جديد للإنذار بالألوان يتكون من خمسة ألوان أخطرها الأحمر، يليه البرتقالي ثم الأصفر الذي يعني التأهب ثم الأزرق الذي يعني الحذر ثم الآمن ولونه الأخضر، وتحول ريدج إلى حامل للراية، وقام بتثبيت الحالة الأمنية على الأصفر مع نقلها إلى البرتقالي في أحوال خاصة حدثت ثلاث مرات منذ هجمات سبتمبر 2001م، وحسم توم ريدج المستقبل اللوني للولايات المتحدة بقوله: "الأخضر لن يمكن الوصول إليه إلا بعد سنوات طويلة".. </br> </br> الركن الثاني، هو: الاستمرارية، وهذا الركن يلزمه عدو ثابت قادر على إفراز متتابع لمسببات الخوف الأمني، والعدو المثالي - الوحيد - لترسيخ هذه الوضعية هو تنظيم القاعدة، والحرب مع العدو لابد أن تكون طويلة مجهولة الخاتمة، وهو ما كان بوش يؤكد عليه دائماً "على الأميركيين ألا يتوقعوا معركة وحيدة، بل حملة طويلة لم يسبق لها مثيل"، والملاحظ هنا أن أكثر ما يميز إدارة بوش البدايات الضخمة والنهايات الغامضة، والمرة الوحيدة التي أعلن فيها عبارته الشهيرة "انتهت المهمة" تعرض بعدها للانتقاد والسخرية؛ لأنه ببساطة المهمة غرقت في الفشل..<BR>والخلاصة أنه لدواعي تدعيم استراتجية الخوف، أصبح كل من يحك أنفه في العالم الإسلامي يمثل تهديداً للأمن القومي الأمريكي، أضف إلى ذلك استغلال الأعياد وبعض المناسبات للبدء في ترويج تهديدات جديدة، حتى أن بعض المسؤولين الأمريكيين استغل موسم الحج لدى المسلمين للإنذار بهجمات محتملة، فالقاعدة، هي: اطرق الحديد وهو ساخن، وإدارة بوش تحتاج إلى طرقه دوما فلابد أن يظل ساخنا دائما، وطمأن توم ريدج الشعب: "حكومتكم ستكون على أتم الاستعداد، أربعاً وعشرين ساعة في اليوم، سبعة أيام في الأسبوع"..<BR>الركن الثالث، هو: التجدد، فالأمريكيون يتكيفون مع التهديدات المتكررة ويتعايشون معها، ولم يعد كافياً رعب الطائرات، أو الجمرة الخبيثة التي عجزت 22 وكالة عن كشف سرها حتى الآن، فظهر رعب الكباري والمنشآت النووية، ثم القنبلة النووية القذرة، ثم رعب الأحذية المفخخة في الطائرات (تكشف الأجهزة الأمنية في المطارات الأمريكية على ملايين الأحذية يومياً) وآخر الجديد، رعب المرأة الانتحارية (المسلمة) التي تتجول في نيويورك للبحث عن شيء تفجره، ومن ناحية أخرى اضطر توم ريدج إلى استخدام المبالغة في التهديد لإخافة الناس، فقال في تهديدات أعياد رأس السنة الاخيرة: "هناك إجماع عام بين أوساط المخابرات بأن الوقت قد حان لرفع المستوى – إلى البرتقالي - بناء على: تزامن في النوعية والكمية والمصداقية والنطاق والانطباع بأن هجمات ستقع على المدى القريب" ولم يقع شيء على القريب أو البعيد غير مصداقية توم نفسه..<BR>لكن هل تظل هذه الاستراتيجية تحقق للمحافظين الجدد ما أرادوه؟ أشك في ذلك؛ لأنه كثيراً ما تنقلب المبالغة على صاحبها، فهي لعب بالنار وأي حدث ضخم قد يحرق أصابع اللاعبين، والتجربة الإسبانية ماثلة، فقد خسر حزب أثنار الانتخابات بعد التفجيرات مباشرة، وإعلان القاعدة مسؤوليتها يعني أنها تستخدم مع بوش استراتيجية خوف مماثلة، فبعد ثمانية أشهر سيمر الرئيس الأمريكي بنفس ظروف خوسيه أثنار في انتخابات الرئاسة، وربما يتعرض لعمل " إرهابي " مشابه، وإن لم يحدث شيء فإن توقع الحدوث سيضم أيام الانتخابات إلى مواسم الخوف في القائمة الأمريكية، وهو آخر ما كان يتمناه جورج بوش، ولكن أليس رجاله يروجون لذلك صباح مساء؟<BR>عندها ستتحول إلى لعنة، تلك التصريحات المتناقضة التي ظلوا يرددونها: لقد قضينا عليهم، وقتلناهم.. لكنهم لا يزالون أحياء! لدرجة أنهم قد يدمرون أمريكا.<BR><br>