كذبة إبريل , و"الرايات" الأمريكية في الفلوجة
15 صفر 1425

[email protected] <BR><BR>أوما كان أنفع للأمريكيين أن يأتوا إلى الفلوجة زائرين ويغادرونها "معززين مكرمين" بدلاً من أن تعلق جثثهم في هوان فوق أسلاك كهرباء شوارع الفلوجة الغاضبة ؟ <BR>كان مشهد الجثث الأمريكية جد مقزز، ولم يبعث منظرهم المشين إلا قدراً إضافياً من البغض التراكمي للاحتلال وثمراته المتعفنة.<BR><BR>وعلى قدر ما كان المشهد مؤلماً على قدر ما كانت التصريحات الأمريكية عبثية في طرحها وطريفة في عرضها، فلقد بين (وزير الخارجية الأمريكي) كولن باول فور ذيوع الخبر المهين للعسكرية الأمريكية المنوط بها حماية رجالها و"مدنييها" الموجودين على أرض العراق في ظل الاحتلال أن بلاده غير أمينة على أرواح مواطنيها العسكريين، ولم تحمل تصريحاته سوى مزيداً من الرعب لقوى الاحتلال، إذ أوضح بعد تأسفه على قتلاه أن هجمات الفلوجة لن تثني بلاده عن المضي قدماً فيما دعاه تقدماً في العملية السلمية ما فسر على الفور على أنه اعتراف أمريكي رسمي مبطن بخطورة الوضع الأمني وفعالية المقاومة العراقية في النيل من المحتلين في ذات الوقت الذي يظهر عدم اكتراث من زعيم الديبلوماسية الأمريكية بالأرواح الأمريكية العسكرية المزهقة بشكل لا يخلو من إهانة لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) ، كما وأن إجابة مارك هامبلي السفير الأميركي للتواصل الإعلامي ومقره لندن على سؤال وجه إليه عن تعريف هوية الرجال الأربعة لم تكن موفقة أيضاً إذ شككت بدورها في "مدنية" القتلى الأمريكيين بالقول: إن "توصيف وظيفة هؤلاء لا تهمنا، يهمنا أن أعمال إرهاب مستمرة في العراق، وهو ما قد يعزز شائعات تفيد بأن هؤلاء "المدنيين" الأمريكيين ربما كانوا من عناصر الاستخبارات الأمريكية C.I.A استناداً إلى عجز عن تفسير وجود "مدنيين" أمريكيين في بلدة لا يتجاسر العسكريون الأمريكيون على دخولها بسهولة، وتعد في نظر البعض في العراق وخارجها "بلداً محرراً". <BR><BR>وليس مهماً ما إذا كانت الجثث المتفحمة المعلقة على أعمدة الطرق لمدنيين "يحظون بالحماية الأمريكية" أو أنها لعسكريين أو شبه عسكريين، إنما المهم أن هذه الأحداث الفريدة قد أفرزت لنا أربع ملاحظات لا يمكننا أن نغفلها حين نتابع عمليات الفلوجة، هي ما يلي : <BR>• لم تكن أنباء ما جرى في الفلوجة محض تخرصات يمكن دمجها بـ"كذبــة إبريــل"، ولكن كانت عين الصدق في غضبها وفورة ألمها وبركان ثورتها، ذلك الذي لا يمكن لأي مراقب منصف أن يتجاهل تعبيرها "القاسي" عما ألم بهذا الشعب العربي الأبي من خدش لكرامته وعزته ؛ ما اجتر معه هذه الصورة المفزعة للإحساس بالضيم والقهر والإذلال حينما يستبد بالرجال ذوي الشيم العربية فيحملهم على أن يفعلوا بجثث الأمريكيين ما فعلوه. <BR><BR>لم يكن الغضب الفلوجي "كذبة"، وإنما تراكمات صادقة لنحو عام من الاحتلال، بل ثلاثة أعوام من الحصار والتجويع والتركيع، وإن المشاهد التي رآها العالم كله ـ ما عدا الأمريكيين أصحاب الشأن !!ـ والفرحة التي كادت أن تنطق من عيون الفلوجيين، ورقصات الموت التي رأينا فوق ركام السيارات المتفحمة ؛ لحاملة على الجزم بأن هذا الشعب ينطوي على جرح غائر لا يندمل بتصريحات السراب الأمريكية. <BR><BR>عذراً أيها المراقبون، فبعيدا عن جدلية صواب هذا العمل أو خطئه ؛ معاقبة بمثلٍ أو مثلة محرمة، فإن هؤلاء الفلوجيين لم يكونوا كذلك من قريب، لم يكونوا يطربون للموت، لم تكن تستهويهم رائحة اللحم البشري المشوي .. لم يكونوا يوماً سعداء بتعليق الجثث كما الخراف .. لم تكن رائحة الموت هي عطرهم المفضل .. عذراً أيها المراقبون .. ليس على هذا جبلت الفلوجة المؤمنة .. عذراً .. فتلك خصال القادمين الحاكمين بأمر البيت الأبيض ..هذه بضاعتكم ردت إليكم. ما عرف أهل الفلوجة المثلة أبداً .. بلدة طيبة مسالمة كان أطفالها يخشون رؤية فأر يسعى أو يموت ؛ فإذا الشجاعة تتملكهم والسعادة تعلو محياهم وهم يرون ما يرون، وليست الفلوجة وحدها كذلك، بل كل بلاد العرب الوادعة .. فاتركوا القوم لا تفسدوا عليهم طباعهم.<BR><BR>لم تكن أحداث الفلوجة إشاعة كـ"كذبــة إبريــل"، وإنما شاهد صدق على كذب وسائل الإعلام الأمريكية التي تذرعت بـ"بشاعة المشهد" كي تحرم مواطنيها من حقهم المشروع في معرفة مصير جيشهم الغازي ، من حقهم الطبيعي في تقويم الموقف بأنفسهم ومن ثم معرفة من أوردهم موارد الخزي والخسران. <BR><BR>• من حق الأمريكيين أن يباشروا بأنفسهم مواطن الخلل، ومن حق الفلوجة اليوم أن تفخر بين أترابها ـ بغض النظر عن المثلة بحد ذاتها ـ بأنها أول المدن العراقية المحررة أو تكاد : إطلاق نار على السيارتين المسرعتين ..إيقافهما ثم إحراقهما، ثم ترك الأمريكيين حتى ينضجوا فيهما على نار شديدة، ثم ترك النار ليخبو لهيبها وتنحسر عنهما حرارة النيران , ثم إخراج الجثث من السيارتين والتمثيل بها بالفؤوس والمدى في شارع الفلوجة الرئيس ، ثم الختام بتعليق هذه الجثث على أسلاك الكهرباء .. كل ذلك في احتفالية حضرها العشرات من الفلوجيين في غياب أي وجود للمحتلين وأعوانهم !! وهذا لا يعني أن الحديث الأمريكي عن الانضباط الأمني لا يعدو كونه هراء وتراهات لا تنطلي إلا على البسطاء من الأمريكيين الذين يصدقون قيح وزبالات الإعلام الأمريكي القاضي دوما بأن كل شيء على ما يرام في العراق , والذي فشل في أن يستر عوار الهزيمة بعد أن افتضح أمرها فلم يك ممكنا أن يصدر التصريح الأمريكي التقليدي ليقول ـ وتصدقه الفضائيات والإعلام العالمي من دون الشعوب الواعية ـ : "أنه قد سمعت أصوات عشرة انفجارات ضخمة في العاصمة العراقية من دون حدوث ضحايا في صفوف قوات التحالف" !! أو ما نحو ذلك، فالصورة لا تحتاج إلى بيان حسبما تقضي قوانين الكون..<BR><BR>• لم يكن الشيخ أحمد ياسين _رحمه الله_ غائباً عن الفلوجة لتظل شهادته أشواكاً في خصور المحتلين ـ في شرقي "إسرائيل الكبرى" أو غربيها ـ مهما تعددت وجوههم، وقد تشابهت قلوبهم مثلما كانت حياته منغصة لحياة المحتلين، فالشيخ لم يمت ولم يغب ودمه الذي سفكه بوش وشارون بطائرات أمريكية وصواريخ "إسرائيلية" سيبقى طوقاً يلف عنقيهما ويقض مضجعهما، وإن طقطقت بهم "الآرامز" وهملجت بهم "الميركافا" فإن رب الورى ينتصر دوماً لأوليائه، ويحفظ لهم قدرهم ويعلي مكانتهم. <BR><BR><BR>ولم تكن صور الشيخ ياسين التي رفعت فوق أعناق الفلوجيين الصاعدين إلى السيارات المحترقة، ولم تكن بيانات "كتائب الشيخ الشهيد أحمد ياسين" التي وزعت في الفلوجة وتبنت عملياتها الأخيرة (التي يعادل سكانها ثلثي سكان غزة الشقيقة المناضلة) إلا شاهداً على أن الشيخ حاضر بقوة في الساحة العراقية كما هو في فلسطين التي عشقته وعشقها. <BR><BR>وستظل المعرة تطارد وتصيب قاتليه في كل درب وكل سبيل، كما طاردت الحجاج قاتل سعيد بن جبير _رحمه الله_ من قبل، حتى يقول شارون وتابعه في البيت الأبيض ـ كما قال الحجاج من قبل ـ :"مالي ولأحمد ياسين!!" فأما الأول فما مرت أيام حتى أشغله الله برشوته المشينة، وأما الثاني فبدأت تباشير أفول نجمه مع مثول أمته كونداليزا رايس أمام لجنة التحقيق التي شكلها الكونجرس الأمريكي للتحقيق بشأن أحداث صواعق سبتمبر.<BR><BR>• في مثل هذه الأيام ـ تقريباً ـ أهين الشعب العراقي في كرامته، جرد الغاصبون بعض رجاله الكرام مما يستر عوراتهم في الطريق بلا جريرة (وصورتهم عدسات مراسلة أجنبية)، وعبث المحتلون بأجساد بعض النساء العراقيات العفيفات أثناء التفتيش (وسجلتها عدة وكالات أنباء وذاع صيتها من فورها في حينها)، ورفع المغرضون رايات الذل فوق هامة تمثال صدام نكاية بشعبه، وأبى الله إلا أن "يرفع رايتهم/الجثث المتفحمة" فوق أسلاك الفلوجة المناضلة، "والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون". <BR><BR><BR><BR><BR><BR><br>