إعلامنا أم إعلامهم؟
24 صفر 1425

عرف العالم الحديث الإذاعات الموجهة إبان الاستعمار، حيث كانت الدول المستعمرة تهدف إلى ربط الشعوب المُستعمرة بثقافاتها المحلية، ورغم انتهاء الاستعمار فإن معظم تلك الإذاعات لا تزال موجهة لتلك الشعوب، وذلك كجزء من العلاقات العامة في السياسة لكنها أخذت أسلوباً أكثر ذكاءً حين اعتمدت الأساليب غير المباشرة في وسائلها الإعلامية الموجهة للتغرير بتلك الشعوب المسلمة في الغالب. </br> والمستعمر الجديد الولايات المتحدة الأمريكية التي توجهت بقواتها العسكرية إلى بلاد المسلمين لتحارب الإسلام وأهله لم تغفل هذا الجانب، فقبل أن تقدم على هذا الحمق والجريمة كانت قد ضمنت جانب الإعلام الموجه أو ما يسمى بالإعلام الخارجي كجزء من الحرب الاستخباراتية كما اقترح (فوكوياما) صاحب نظرية تصادم الحضارات.<BR>فالإعلام العربي الرسمي وغير الرسمي - إلا من رحم الله وقليل ما هو - يمثل إعلاماً أمريكياً موجهاً إلى الشعوب العربية، وهذا الكلام لا يقال اعتباطاً أو جزافاً، وإنما يشهد بذلك واقع هذا الإعلام الذي لا يمثل طموح وهموم أبناء هذه الأمة، ولا يعبر عن ثقافتنا وهويتنا. </br> وحتى يكون القول مدعوماً بالبرهان، فإن المختصين الأكاديميين والمهنيين في الإعلام يعلمون أن ما تقدمه هذه الوسائل فيما يتعلق بالأحداث القائمة الآن في بلاد المسلمين يغلب عليه طابع التغطيات الإخبارية المفصولة عن السياق العام للأحداث، وهي بذلك تؤدي عملها الأساسي (الأخبار) الذي إن تخلفت فيه رفضت وفقدت ثقة الجماهير، لكنها تمارس عبر هذه التغطيات المبتورة أيضاً العديد من الأساليب التي تفقدها هيبتها وأهميتها بدءً بالمصطلحات المستخدمة وانتهاءً بتلك الوجوه الملونة التي أعدت لتمتص الحماس والغضب على طريقة العلاج النفسي في المجتمعات الكافرة، فيحصل بذلك التشويش وانعدام الترابط لدى الجمهور.<BR>والمشكل لا يقف عند هذا فحسب بل تكون بذلك قد أهملت الجانب الأهم في العمل الإعلامي وهو جانب المعالجة الإعلامية للأحداث من خلال المواد التفسيرية والتحليلية ومواد الرأي التي يفترض أن تقدمها هذه الوسائل للأحداث الجارية لدعم قضايا الأمة واستلهام الدروس والعبر والبحث عن أسباب الخلل والقصور ووصف العلاج والحلول واستنفار الأمة بكامل طاقاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية لمساندة هذه القضايا والوقوف صفاً واحداً في وجه العدوان؛ فتفصل هذه الأحداث عن سياقاتها الزمنية والموضوعية وتبترها عن أبعادها وعلاقاتها المختلفة.<BR>إن تفريط هذا الإعلام في جانب معالجة الأحداث في سياقاتها الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية أكبر البراهين على تورطه في خيانة الأمة والعمل على تحقيق الأهداف الأولية للحرب على الإسلام بتجزئته الأمة حتى يسهل التهامها.<BR>وإذا كان هذا البرهان لا يكفي لإقناع غير المختصين بأن هذا الإعلام العربي هو إعلام أمريكي موجه إلينا، فليجيبوا على واحد من التساؤلات التالية: <BR>أليست دماء المسلمين تراق ظلماً وجوراً كل يوم؟...أين توظيف هذه الدماء لكسب قضية من قضايانا المتعددة؟ أين الإعلام الذي يستطيع أن يقدم للعالم حقائق هذه الدول الإرهابية الظالمة (أمريكا وحلفائها)؟ أين الإعلام الذي يبادر إلى استغلال كل إمكانياته وطاقاته لإيصال وجهة نظرنا إلى العقلاء والشعوب المشحونة ضدنا؟ والأهم من ذلك أين الإعلام الذي يوحد الأمة تجاه قضاياها ومصالحها المشتركة ويكشف عوار الإعلام الخارجي الأمريكي؟ <BR>نعم إن إعلامنا العربي- إعلامهم الخارجي – لا ينتظر منه أن يقوم بهذه المهام الحقيقية للإعلام فهو يؤدي مهمة محدده ومدروسة مستهدفاً قطاعاً كبيراً من الأمة ممن ركن إلى الدنيا ولم يستطع إخراج نفسه من دائرة الهوى، أما الفئة التي لا يصل إليها هذا الإعلام ولا تتأثر به فتلك يستخدم معها السلاح والقوة والبطش، وتبقى الفئة المتأمركة فتلك لها قناة (الحرة) مستنقعاً يتجرعون منه الذلة والخيانة.<BR><br>