رئيس في اليد
13 جمادى الأول 1425

ديبلوماسي أوربي حضر بعض اجتماعات القمة العربية الأخيرة المتعلقة بالإصلاحات وخرج بفكرة مختصرة عن الرؤساء العرب الذين حضروا : " موقفهم هو نعم للإصلاح .. لكن ليس في عهدي " وربما لا يدرك السياسي الأوروبي أنه عبر بدقة بالغة عن المرحلة الحساسة التي يمر بها النظام العربي حالياً ، ويمكن أن نضيف تعديلاً بسيطاً فنقول: إن هذه العبارة تبناها الأمريكيون مؤخراً : " نعم للإصلاح – التام - لكن ليس في عهدكم " وقبل ذلك كانت الضغوط تطالب بالإصلاحات الكاملة بصورة فورية ، ثم ترسبت قناعة لدى الإدارة الأمريكية أن النظام العربي ليست لديه القدرة أو المرونة على تنفيذ مطالبها ، وأن قادته يشكلون حجر عثرة في طريق الإصلاح – حسب الرؤية الأمريكية - ..<BR> فكان الحل البديل أن يُترك الرؤساء العرب على حالهم شريطة أن يعدوا أنفسهم نهاية المرحلة العربية الحالية ، ومقابل هذا التنازل الأمريكي عليهم أن يمهدوا السبيل لتدشين المرحلة المستقبلية لنظام عربي جديد ، وهذا السيناريو لا يلزم لتنفيذه توافر موافقة الطرف العربي ، فيمكن للأمريكيين أن يشرعوا في إعداده من تلقاء أنفسهم ، وتفصيله إلى أجزاء – إصلاحية - صغيرة تُنفذ منفردة ثم تعود إلى الالتئام في صورتها الكاملة الجديدة بعد غياب الرئيس ..<BR>نقول ذلك بمناسبة تزايد التكهنات والتساؤلات في أعقاب الأزمة الصحية التي تعرض لها الرئيس المصري مبارك مؤخراً في نفس الوقت الذي تتحدث فيه التقارير عن برود في العلاقات الأمريكية المصرية ، وقد تحدثنا في مقال سابق ( الجدار الفلسطيني المائل والسياسة العربية ) عن منظومة التوازنات التي تحكم العلاقة المصرية الأمريكية، والتي تتلخص في كلمة واحدة هي: التنازلات ، ونضيف: هنا بعد آخر لهذه المنظومة في نسختها العربية ، فنقول: إن هناك رؤية افتراضية سياسية للمنطقة تسعى إليها الولايات المتحدة يمكن أن نطلق عليها : نقطة أو مستوى إشباع المصالح الأمريكية ، وتسعى الإدارة الأمريكية بجهدها المباشر للوصول إلى هذا المستوى ، وفي نفس الوقت تمارس ضغوطها على النظام العربي لدفعه قسراً للوصول إلى مستوى الإشباع الأمريكي من جهة أخرى ، ومع تعرقل الجهود الأمريكية بسبب الورطة العراقية تزايدت الضغوط على النظام العربي ليُعوض التراجع الأمريكي ، وتظل هناك بعض الدول العربية التي لا تزال تمثل معوقاً للمصالح الأمريكية رغم علاقة التحالف المشتركة ..<BR>وهنا كان السعي بقوة لتدشين نظام عربي جديد تحاول فيه الإدارة الأمريكية أن تكون حاضرة منذ البداية كقوة رئيسة مؤثرة في الأوضاع الداخلية ، وهذا يفسر الجهد الأمريكي الدؤوب لخلخلة منظومات التوازن السياسية داخل عدد من الدول العربية، مثل: مصر والسودان وليبيا من أجل إيجاد فراغ سياسي يسمح لها بأن " تحشر " نفسها كلاعب رئيس في الميدان وليس بصورة غير مباشرة كما في أوضاع سابقة ، وبعبارة أخرى فإن لسان حال الإدارة الأمريكية يقول : " لقد انتهى عهد صياغة النظام العربي بعيداً عنا ، ولم يعد يكفينا التزامه بمصالحنا ، والمطلوب أن نقوم نحن بصياغة النظام العربي بصورة جذرية مماثلة للطريقة التي تمت بها صياغة الدولة في العراق " ..<BR>والمتابعة الدقيقة لأحداث العام الماضي تكشف أن الإدارة الأمريكية رغم قبولها بـ – أو عدم سعيها لتغيير - زعامات أربع دول ونصف على وجه التحديد ، فإنها في الوقت نفسه تتحفظ وتتدخل أحيانا- حسب قوة النظام السياسي - لمنع أي محاولات لنقل السلطة بعد وفاة الرؤساء بصورة لا تتطابق مع الرؤية الأمريكية ، وهذه الدول هي : مصر والسودان وليبيا وتونس والسلطة الفلسطينية ، وهذا التصرف الأمريكي يتم وفق مفهوم أن : دفع النظام لإشاعة مناخ سياسي يسمح بإفراز قيادات مستقبلية أكثر ولاءً ، أولى بكثير من الضغط على النظام لكي يحقق هو مستوى الولاء التام للمصالح الأمريكية ..<BR>ويستغل الأمريكيون الفراغ السياسي في أغلب الدول الجمهورية – أو الجماهيرية - والناجم عن عدم وضوح رؤية منهجية لتداول السلطة بعد وفاة الرئيس فيدعمون هذا الوضع ، لتصبح الإجابة على التساؤل المصيري : من يخلف الرئيس ؟ تأتي دائماً في اللحظات الأخيرة عندما تصبح الأجواء مهيأة لأي شخص يُدفع لملء الفراغ السياسي ، وفق الحكمة القائلة : "رئيس في اليد ..." .<BR><br>