الإنذار المبكر
30 ذو القعدة 1425

سوف تتوقف البشرية طويلاً أمام مصيبة زلزال تسونامي، ومن واجبها أن تفعل ذلك، وبعيداً عن التفسيرات الخرافية الضالة، والتفسيرات العلمية الطبيعية اليابسة من غياب الإيمان بالله المؤلهة للطبيعة الصماء العمياء الخرساء، يبقى القرآن الملجأ الوحيد للمسلم لفهم العالم والحياة الدنيا والإنسان، وبعيداً كذلك عن السباب الفارغ المنبئ عن جهل الجهلاء وسفاهة السفهاء ووشاية الجبناء، نتوقف اليوم للنظر من جديد فيما حل بنا نحن البشر، خاصة المسلمين، بسبب الابتعاد عن كتاب ربنا وسنة نبينا، وبسبب غفلتنا عن الإنذار المبكر.<BR><BR>ليس من الأخلاق العلمية للمسلم أن يتنكر للتفسير الطبيعي الميكانيكي للزلزال ولكل الكوارث الطبيعية الصغرى، فضلاً عن الكبرى، وقد أمطرنا علماء الجيولوجيا والجيوفيزيا وأضرابهم وزملاؤهم بتقريب مصيبة تسونامي من أبصارنا وأسماعنا وحواسنا، لكنهم جميعهم تأكدوا أن علومهم قاصرة جداً أمام هذا الحدث العظيم. اقرؤوا إن شئتم المقال الشائق الذي كتبه (الخبير الجيوفيزيائي الفرنسي) بول تابونييه في صحيفة "لوموند" يوم الخامس يناير 2005م تحت عنوان "تسونامي: كنت أعرف كل شيء، وكنت لا أعرف أي شيء"، حيث عبر بأسلوب يفيض أسى وحسرة عن الذهول والدهشة والذل والعجز التام أمام حدث ضخم كهذا، وأكد الخبير أن لا أحد كان يتصور أن يحدث ما حدث في تلك المنطقة بالذات.<BR><BR>وتناول العالم في مقاله قضية الإنذار المبكر، فقال: إن المشكل ليس في إنشاء محطات للإنذار المبكر، ولكن المشكل هو من أين ستأخذ هذه المحطات علومها ومعارفها وتوقعاتها، فلا بد من بحث مستمر لفهم الأرض وحركتها وزلازلها، ولا بد من استمرار مراقبتها دون توقف. وأضاف الخبير الفرنسي: إننا نعرف أن زلازل كبيرة سوف تهز الأرض في العقدين أو العقود الثلاثة القادمة في بحر ماربارا بكاليفورنيا الجنوبية بالولايات المتحدة، وفي ولايات كانشاي وغانزو الصينية، ومن أجل عمل عملاق مثل هذا، توجه العالم إلى المسؤولين السياسيين والماليين الذين يسيطرون على مقدرات العالم، وتساءل هل يمكن للديمقراطيين الحاليين والشركات العملاقة العابرة للقارات أن تكون في مستوى التطلع، وأن تقف إلى جانب الفقراء والمحتاجين الذين يؤدون الثمن دائماً؟<BR><BR>وفي السياق نفسه، ذكرت وكالات الأنباء أن بعض الدول المتضررة تقوم بتحقيق حول عدم معرفة الخبراء بالزلزال وعدم توقعه ولماذا لم يصدر أي إنذار وتحذير للناس.<BR><BR>لكن الإنذار الحقيقي والتحذير القبلي صدر للبشرية منذ قرون خلت، وأعاده الرسول الخاتم عليهم عدة مرات في آخر الكتب السماوية، إنذار وتحذير موجهان للمسلمين قبل غيرهم من الأمم والشعوب ليقوموا بالقسط ويكونوا شهداء على الناس، والتحقيق الحق هو الذي ينبغي أن يكشف عمن وراء المعاصي السياسية والاجتماعية والأخلاقية والمالية والسياحية والتربوية التي ترتكب في العالم الإسلامي وفي العالم كله، وهي التي تكون سبباً مباشراً في مثل هذه الأحداث المدمرة عندما تصبح عامة وعلنية ولا توجد حركات معارضة لها.<BR><BR>ولذلك تحمل الأنبياء والرسل وأتباعهم، خاصة منهم العلماء، مهمة الإنذار المبكر والتحذير القبلي للناس من الانحراف الكبير ومن الطغيان الأعمى ومن الفرعونية المستبدة والقارونية الظالمة "وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ"(الأنعام 48) "وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ" (القمر 36).<BR>الإنذار المبكر يبدأ بالالتزام بحدود الله وتجنب الاقتراب منها "تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ" (البقرة 187). والإنذار المبكر يبدأ بالحرص على تجنب العدوان على حدود الله، والحذر من تخطيها حتى لا نسقط في الظلم الجماعي والفردي "تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ" (البقرة 229). "وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ" (الطلاق 1).<BR>وبطبيعة الحال، فإن القرآن الكريم يعلم أن هناك نوعاً من الناس لا تنفع فيهم الإنذارات والتحذيرات، وأنهم يتمنون ويعملون بدأب واجتهاد على إسكات كل بشير ونذير حتى يخلو لهم الجو ليفعلوا بالناس ما شاؤوا، فهؤلاء سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم.<BR><br>