هل تخلى العرب عن الفلسطينيين؟
3 صفر 1426

ليس أمراً عادياً أن يقوم وزير خارجية عربي بزيارة للكيان الصهيوني، ويعلن عن مشروع "تعاون" أمني واقتصادي وثقافي.. وليس عادياً أن يدعو رئيس دولة عربية شارون لزيارة بلاده بحجة المشاركة في مؤتمر تشرف عليه الأمم المتحدة، وليس عادياً أن يعاد سفراء مصر والأردن للكيان، وليس عاديا بأي شكل أن تزمع عشر دول عربية على إقامة علاقات دبلوماسية معه. <BR>ولكن يبدو أننا في زمن افتضاح الحقيقة وسقوط ورقة التوت الأخيرة، ويبدو أن بعض الأنظمة بدأت تمارس سياسة "على المكشوف" بمعنى أن ما كان يتم بالسر منذ قيام دولة الكيان الصهيوني ومن وراء الكواليس صار اليوم أو يراد له أن يصير أمراً عادياً وجزءاً ومكوناً أساسياً من مكونات ثقافة الشعوب.<BR> <BR>ويبدو أن بعض الأنظمة أشد تضرراً من الانتفاضة وأكثر رغبة في إنهائها وتفكيك الذاكرة تجاهها، ويبدو أنه يراد للأمة ألا تصدق أن الانتفاضة والمقاومة يمكن أن تنجز مشروعاً وطنياً، وهذا ما يجعل جهة ما "وهي هذه الأنظمة وبعض المثقفين والمتنفذين من حولها" تسعى لتجيير الإنجازات لحساب العدو، مما يبدد دماء الشهداء وتضحيات الأسرى والمجاهدين.. ويراد أن يقال للفلسطينيين: إن ما جمعتموه خلال سنوات الانتفاضة لا يمكن أن يؤدي بشيء وما عليكم إلا الوقوف بباب شارون والتوجه بالدعاء للبيت الأبيض.. ويراد أن يقال للفلسطينيين: عليكم أن تنسوا العروبة وبالإسلام وبالعرب وبالمسلمين، وأن تحقدوا على الجميع من حولكم، وأن ترتموا في أحضان العدو - عدو الأمة والعروبة والإسلام - وأن تنخرطوا في المشروع الصهيوني والأمريكي من قبيل الثأر من هذه الأمة التي أسلمتكم دائما وتخلت عنكم. <BR><BR>الجدير بالذكر هنا أن الخطوة الأولى ابتدأت من الفلسطينيين أنفسهم وتحديداً محمود عباس وطائفته السياسية الذين كانوا أول المنقلبين على الانتفاضة والشهداء والمقاومة، وتحديداً كذلك المجلس الثوري الفتحاوي الذي اختار محمود عباس لمشروعه السياسي الذي كان واضحاً منذ البداية، وهذا يذكرنا بما كان من قبل بعد أوسلو وكيف هرولت النظم لإقامة علاقات دبلوماسية وتجارية صريحة أو على استحياء، وهذا يضاعف حجم مسؤولية الشعب الفلسطيني عن إيقاف هذا التردي.. نعلم أن من العرب من لا ينتظر الفلسطينيين في مسألة التعاون مع العدو وليس على استعداد لقطع علاقاته في أية حال.. ولكن ما ينبغي هو ألا يصير هذا الخط الشاذ خطاً أصيلاً، وألا يجاهر بخزاياه، وألا يكون ثقافة عامة ومن هنا فإن على الفلسطينيين - أقصد هنا حماس والمقاومة - أن يضعوا في اعتبارهم عندما يفكرون في هدنة أو تهدئة هذه الخسارات الاستراتيجية. <BR><BR>الفلسطينيون هم إذن الباب الذي يلج منه التطبيع كما تلج منه الممانعة والمقاومة، وهم بالتالي الرقم الصعب، وعليهم أن يحسوا بمسؤولياتهم، وأن يكونوا أكثر "لؤماً" تجاه بعض الأصدقاء والأشقاء والأقارب "الأباعد" الذين فقدوا البوصلة الوطنية والقومية والدينية، وأصبحت حساباتهم آنية ومشبوهة وإن تظاهروا بالحرص على الفلسطينيين وسلمهم الأهلي والحلم الفلسطيني. أن يكونوا أكثر لؤماً بمعنى عدم الاهتزاز أمام تلك المجاملات، وعدم البناء على مراهنات الآخرين أو تصديق حسن نياتهم دائماً، وأن يكونوا أكثر لؤماً بمعنى الاستعداد للتراجع عن الوعود والاتفاقات إذا نكث الفرقاء الآخرون أو انحرفت عن مساراتها الأساسية، وعلى المقاومة أن تعلم أن لديها معادلات القوة؛ لأنها تتسق مع عقيدة الأمة وقوانين النهضة وسياق الشعوب وسنن التاريخ. <BR><br>