أمريكا وديمقراطية التقسيم
13 ربيع الثاني 1426

أمريكا بلد الحريات، أمريكا بلد الديمقراطية، أمريكا نصيرة الشعوب المضطهدة من الحكام الطغاة، هذه الشعارات وغيرها لم يفتأ سادة البيت الأبيض يرددونها حتى ظن بعض السذج أن أمريكا هي التي ستملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت جوراً، فأدعياء الليبرالية يؤممون وجوههم شطر أمريكا لتحقيق شهواتهم، وأصحاب الشبهات يعتقدون أن العدل والمساواة ما هي إلا ما تعتقده أمريكا وتصدّق عليه لجان حقوق الإنسان المصنوعة بوحيها، والحكام المسرفين بحقوق شعوبهم يتهافتون على البيت الأبيض لطلب الصفح والمغفرة من العم سام، فصارت أمريكا عند هؤلاء هي الآلهة التي تعبد من دون الله، ومن يراها خلاف ذلك يوصم بصفة الإرهاب التي لاشك أنها ستنال مباركة الآلهة، فينطبق عليهم قول الشاعر:<BR><DIV align=center> <TABLE width=450 align=center border=0 cellPadding=0 cellSpacing=0> <TBODY><TR> <TD width=45% valign=bottom align=left> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA">وإن كان فيهم ناصحاً وموجّهاً</SPAN> </TD><SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"><td width=10%> </td></span> <TD width=45%> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"></br>يقولون عنه مائقاً ومخرّباً</SPAN> </TD> </TR></TBODY> </TABLE> </DIV><BR>أما أمريكا فلا يعنيها من هذا الأمر شيئاً، وما هذه الشعارات إلا كلام حق أريد به باطل، فسيّد البيت الأبيض دخل العراق وعينه على 25% من نفط العالم الموجود بالخليج العربي واحتياطياً يكفي لما يربو على مئة سنة قادمة، أما قلبه فمثخن ببقاء دولة يهود وإبعاد الأخطار المهددة لوجودها والمتمثلة بالحركات الجهادية، أما ما عدا ذلك فهو كلام للاستهلاك الدولي ولا مانع أن يقال عن سجن عشرة آلاف مواطن ومواطنة في أبي غريب وتعذيبهم أنه عمل إنساني أريد به رفع الظلم عن الشعب العراقي بتخليصه من هؤلاء الإرهابيين.<BR><BR>أما الديمقراطية التي يريدها صنّاع القرار في البيت الأبيض للعراق فهي تعني فرض أشخاص لحكم العراق ممن يدينون بالولاء والطاعة لأمريكا التي انتشلتهم من أوكار الإجرام وبارات الخمور، وما ذلك إلا ليقينهم أن العبد لا يمكن أن يخالف أمر سيّده، وبالتالي ستكون لهم الحرية الكاملة وليس للشعب العراقي بنهب خيرات البلد وتحجيم دوره الإيجابي بالمنطقة ولم يتوقعوا أنهم سيواجهون بمقاومة بحجم المقاومة التي تواجههم حالياً بأرض الرافدين ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي سفن الأمريكان، فكان رامسفيلد يقول في بداية غزو العراق: إن العراقيين سيستقبلون جنودهم بالورود، ولكن الأمر بخلاف ما توقعه هذا الصيلبي الحاقد.<BR><BR>فالعراقيون استقبلوا جنوده بالعمليات الاستشهادية والسيارات المفخخة، مما جعلهم يفرون من المعركة كالفئران ويخرجون من أرض العراق هرباً متخفين بملابس النساء العراقيات، مما أرغم رامسفيلد ومايرز على الاعتراف باستحالة القضاء على المقاومة العراقية، أعقب ذلك تقرير المجلس الأمريكي للأبحاث المستقلة في العلاقات الخارجية الذي يقترح تقسيم العراق إلى ست ولايات فيدرالية على أساس جغرافي.<BR><BR>ومن عنده اطلاع على سياسة الإدارة الأمريكية يعلم أن قراراتها تأتي على شكل اقتراحات، فما يعلن عنه أنه اقتراح هو في واقع الحال قرار استراتيجي قد تمت المصادقة عليه، ولم تأت تصريحات جلال الطلباني عند ما تولى منصبه من فراغ، فقد قال: إنه لا يمكن القضاء على المقاومة بواسطة الجيش العراقي، فلابد من تشكيل مليشيات من البشمرجة والميليشيات الشيعية والسنية لهذا الغرض، فهذا التصريح مرتبط بقرار التقسيم.<BR><BR>فالديمقراطية الأمريكية بالعراق تقتضي بعد فشل آلتها العسكرية تقسيم العراق إلى ولايات متناحرة كل ولاية تدافع عن كيانها بواسطة الميليشيات الخاصة بها، مما يخفف الضغط عن الجيش المحتل الذي قد يلجأ للانحياز إلى قواعد معينة بالمنطقة، ويفرض سيطرته بواسطة الحكومة المركزية العميلة في بغداد، والتي ستستنفر وسائل الدعاية الإعلامية لديها لإقناع الناس بأنها حكومة وطنية عملت على إخراج المحتل وأن ما يحصل ما هو إلا تناحر بين الميليشيات المحلية، بإيحاء ودعم من جهات خارجية لا تريد للعراق والعراقيين الخير.<BR><BR>وهذا يذكرنا بالمؤتمر الرباعي سيئ الذكر الذي عقد على إثر هزيمة الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، حيث قرر المتآمرون (أمريكا – الاتحاد السوفيتي – الحكومة العميلة في أفغانستان وباكستان )، سحب الجيش السوفيتي المهزوم من أفغانستان ودعم الحكومة العميلة بهذا البلد بالأسلحة والمال لمواجهة المجاهدين، وتجنيد العملاء لإيهام المواطنين أن الجيوش المحتلة انسحبت وأن ما يجري ليس بجهاد بل هو صراع على السلطة، حيث استمر الصراع في أفغانستان حتى قيض الله لها حكومة طالبان الإسلامية التي قضت على الصراعات الداخلية ووحدت البلاد تحت ظل راية التوحيد.<BR><BR>ولسنا هنا بصدد الاسترسال بالأحداث التي أعقبت حكم طالبان، فما أردت الوصول إليه هو تأكيد أن سياسة الاحتلال واحدة وإن اختلفت وسيلة التنفيذ، فما طبق في أفغانستان بعد اندحار الاتحاد السوفيتي يراد تطبيقه بالعراق بعد هزيمة أمريكا، مع فارق أن الجيش السوفيتي خرج من كل الأراضي الأفغانية، أما الجيش الأمريكي فلا نتوقع خروجه كلياً من المنطقة في الوقت الحالي على الأقل خصوصاً أنه يملك قواعد آمنة بالمنطقة يمكن الانحياز إليها، ولكن يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.<BR><br>