امتهان المصحف حدث رسمي
13 ربيع الثاني 1426
إبراهيم الأزرق

وهو ظاهرة قديمة يعمد إليها أعداء هذا الدين كلما سنحت لهم فرصة، ولهذا حرم فقهاؤنا _رحمهم الله_ السفر بالمصحف إلى أرض العدو، وقد أجمعوا على ذلك في الحال المخوفة.<BR>وما ذلك إلاّ لكون حقد الكفار على دين أهل الإسلام قديم، يتبدى في مظاهر شتى، ومنها امتهان ما يعظمه المسلمون من شعائر متى ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً "وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزواً ولعباً ذلك بأنهم قوم لا يعقلون" .<BR><BR>ومن ذلك امتهانهم المصاحف وتمزيقها، وقد كان صنيعهم هذا مضرب المثل منذ سالف الأزمان وفي كلمة ابن حزم الأندلسي عندما حرقت كتبه في بلاد الأندلس قوله:<BR>كذاك النصارى يحرقون إذا علت * أكفهمُ القـرآن في مدن الثغر<BR>ويظل هذا هو صنيع بادي الرأي منهم كلما سنحت له فرصة، ولاشك أن هذا الفعل دليل على إفلاس الحجة وفقد كل منطق في الحوار الإنساني الهادئ، كما أنه دليل على سبب العداوة الحقيقي الذي أوذي من أجله من أوذي من المسلمين.<BR><BR>فليست عداوة الكفار لنا اليوم؛ لأننا شرقيين أبشرنا سمراء، ولا لأن دولنا قد تخلفت عن ركب الحضارة يوم ولوا زمامها من تولوا.<BR>وإنما عداؤهم مع من يحمل هذا القران وهو يعي معانيه.<BR><BR>هذه هي الحقيقة التي لا غرابة في ظهور دلائلها بين مدة وأخرى، ولا غرابة أيضاً من محاولة أهل الكفر سترها، ولعل لذلك أسباباً معقولة ولاسيما إذا تصورنا مجتمعاتهم الملفقة من خليط أديان شتى وعقائد متنوعة داخل الدين الواحد ولكل طائفة منها ما تقدس وربما لم يجمع بعضهم شيء غير عداء أهل الإسلام، فإذا لم يكن احترام المعتقدات أمر ينص عليه دستورهم لكانوا كالحمر في تهارشهم وإغارة بعضهم على مقدسات بقيتهم.<BR><BR>ولكن الغريب هو السعي الحثيث لأجل تزييف ذلك من بعض أبناء المسلمين، الذين يرددون العبارة الببغاوية: حادثة فردية! وربما كرروا ألفاظ اعتذار الإدارة الأمريكية في حال ما إذا صدر عنها اعتذار، ولا شك أن خيراً من هؤلاء الحكام الذين يطرقون وكأنهم لم يسمعوا شيئاً، أوكأن ذلك المصحف لا يعنيهم.<BR><BR>ووفقاً لمنطق هؤلاء الأبواق فإن ما حدث في أفغانستان من انتهاكات لحقوق الإنسان حوادث فردية، وما حصل في العراق حوادث فردية، وكذلك الأمر في الصومال وفي جونتناموا وفي كل أرض مسلمة تمتد إليها اليد الأمريكية، ولا حادث غير فردي إلاّ ما أقرت الإدارة الأمريكية بتحملها لتبعته!<BR><BR>ونحن نقول: ربما ازدرى بعض الأمركيين صنيع بني قومهم وربما عده آخرون خطأ بغض النظر عن حجمه في ناظريهم، ولكن ذلك لايكفي في تبرئة دولة أو يحول دونها ودون تحمل مسؤوليات موظفيها وممثليها. ولو صنع تلك الفعلة الشنعاء بقّال –كما يحاول تصويره المبررون بالحدث الفردي- في شارع بمقاطعة كولومبيا من واشنطن دي سي! لحق للمسلمين أن يغضبوا وأن يطالبوا بمحاسبته، فكيف إذا كان المجرم موظف حكومي ما تمكن من فعلته إلاّ بفضل ما منحته له مؤسسته من صلاحيات مع إغفالها لرقابته، فكيف إذا كانت تلك الإدارة عينها دأبت على تحميل جريرة حادث قام به أفراد في الحادي عشر من سبتمبر دولاً بأسرها، ولا تزال القوائم تخرج مطالبة بالتحقيق مع من له صلة بمن يعرف صديقاً لقريب من أحد الذين نفذوا العملية على حد الاتهام الأمريكي، وبكل من تعامل بدرهم أو دينار مع أولئك، بل بكل من وجه كلمة من علماء المسلمين تفهم منها الإدارة الأمريكية التحريض على صنيعهم!<BR><BR>وهكذا المنظمات الدولية التي ترفع تقاريرها حول حقوق الإنسان وحول المرأة وغيرها منددة ببعض الحكومات الإسلامية ترفعها بحوادث بعضها ظاهرة التلفيق، وعلى الرغم من أنها أقل من التي نحن بصددها فلم يكونوا ليعدوها حوادث فردية، ولم يكن أحدهم ليرضى بمثل ذلك العذر.<BR><BR>إنه قانون الغاب ومنطق الجاهلية الأولى، فلسان حال الإدارة الأمريكية قول اليهودي الأول:<BR>وننكر إن شـئنا على الناس قولهم * ولا ينكرون القـول حـين نقول!<BR>وأمثال أولئك –الذين يمزق جنودهم المصاحف- لا سبيل لنقاش حضاري معهم، ما لم يكن لصاحبه ساعد قوي يشمر عنه ويحسر عن تقاطيعه حال النقاش الهادئ.<BR><BR>أما المنافحون المناضلون عن الأمريكان بدعوى الحدث الفردي فقد آن لهم أن يكفوا عن أذى الآذان برجيع الكلام، وأن يخرجوا من تناقضهم الذي قادهم إليه نمط الحديث الببغاوي، وأن يتفكروا فيما يقولون، ليوافقوا على إدانة الحكومة الأمريكية وفقاً لمنطقها على الأقل، أو ليكفوا عن ترويج تهمها لمن لم يفعل معشار ما فعله أبناؤها.<BR><BR>وأخيراً ربما لم يكن لحكومات المسلمين من الأمر شيء، ولعل غاية ما يُتمنى سماعه من القائمين عليها التنديد، وحسبنا أن تذكي أمثال هذه الفعال عقيدة البراءة في النفوس لترضعها الأم وليدها وليرثها الولد عن والده، وسوف يأتي للحساب يوم.<BR><BR>أسأل الله أن يجعلني وإياكم من شهوده.<BR><BR><BR><BR><br>