الانتخابات المصرية: شروق لـ"اليمين" وغروب لـ"اليسار"
1 ذو القعدة 1426

كانت الضربة مؤلمة لليسار هذه المرة في جولة الإعادة من المرحلة الثانية من الانتخابات البرلمانية المصرية, بعد أن خرج منها مدحوراً, فالشمس قد جرت لمستقر لها.. شروق لـ"اليمين" وغروب لـ"اليسار".<BR>أمسى غروب "اليسار" السمة الأبرز أيديولوجيا في هذه الانتخابات تالية على تسيد الخطاب الديني الذي أجادت جماعة الإخوان المسلمين طرحه مستغلة هامش حرية واسعاً لم تكن تحلم به من قبل أثناء الفترة الممنوحة للدعاية الانتخابية البرلمانية, بل وكذا الفترة التي سبقتها وترافقت مع التحضير ثم الشروع في حملة الانتخابات الرئاسية التي جرت في سبتمبر الماضي, وتحديداً مذ بلغت الجماعة نقطة الرنين المغناطيسي مع النظام إثر تراجعها اللافت عن المضي قدماً في طريق المعارضة الثائرة والتي مثلتها حركة "كفاية" ومثيلاتها الرافضة لاستمرار الحكم بشكله الحالي والداعية إلى تغييره راديكالياً. <BR>ونزعم أنه عند هذه النقطة التي باتت فيها الجماعة مدركة لانسداد طريق المعارضة الثائرة ـ إلا من صيغة توافقية وتشاركية معاً ـ وباتت مدعوة لتغليب الاستحقاق النيابي على أي اعتبار آخر, شرعت في استغلال الهامش المتاح لها بمهارة مكنتها من ترويج خطابها الديني, الذي وضع العصي في دواليب ديمومة إمساك الحزب الوطني بتلابيب السلطة دونما منازع, وبالأحرى دون أن يجد من يرد عليه صوته في المجلس النيابي المصري (مجلس الشعب).<BR>غير أنه وللإنصاف, لا يغدو الانتصار الكاسح الذي حققته جماعة الإخوان المسلمين عائداً ـ كما تقدم ـ للخطاب الديني فحسب ولو كان هو العامل الأساسي الظاهر, بل كذلك إلى ضعف الخصم وانكفائه على خطاب مستهلك ممجوج, والتموضع حول رموز لم يعد لها حقيقة حضور في الشارع المصري, علاوة على فساد منسوب ـ أو حقيقي سيان ـ لقطاع عريض منها. <BR>المعركة إذن بين الإخوان والوطني جد يسيرة ـ إذا ما استثنينا "ميليشيات البلطجة" والتزوير المرصود والكشوف "التراثية" للناخبين .. إلخ ـ من حيث وجود طرفها الثاني في السلطة ينوء فيها بثقل مسؤولية لم يكن لها أهلا وفق طرفها الأول والمعارضة والشعب أيضاً!! وحيث يعارض الإخوان حزباً يجمع شتات أفكار وأشخاص لا جامع لهم في الغالب إلا وحدة المصلحة والمصير كذلك, ويحمل تركة تثقله عن إتمام طريق بدت منعطفاته حرجة أكثر من أي وقت مضى. <BR>بيد أن معركة الإخوان البادية في نقائها الأيديولجي كانت مع قطاعات اليسار أو بالأحرى مع بقاياه, وفي صميمها كانت المعارك الرمزية وتصفية ثارت قديمة ساقها القدر للإخوان بعد عقود من الانتظار. <BR>استعد الإخوان كما اليسار للمعركة, وكانت استراحة المحارب متمثلة في هذا المولود المشوه المسمى بـ"التجمع الوطني" الذي حاول لم شعاث اليمين واليسار في بوتقة هي إلى الهزل أقرب منها إلى الائتلاف, شارك الجميع فيه تحت لافتة توحيد قوى المعارِضة للحزب الحاكم, وكانت بعض القواسم المشتركة تجمع بين بعض الفصائل المشاركة في التجمع في بعض النقاط أيضاً, لكن الفصيلين الموجودين على طرفي التجمع, الإخوان واليسار كانا أبعد ما يكونان عن تصور إمكانية التقارب في المواقف أو حتى التنسيق بينهما في الانتخابات التي كانت إحدى أهم مبررات قيام هذا التجمع بالأساس!!<BR>ولذا طفحت على السطح من أول يوم قضية عدم التنسيق بين الأحزاب والقوى السياسية في الانتخابات, وتراشق هذان الفصيلان على الفور بالاتهامات في المسؤولية عن غياب هذا التنسيق, واتهم الإخوان حزب التجمع اليساري خصوصاً بتجاهل رموز الجماعة في دوائر معينة بترشيح مرشحين ينتمون لحزب التجمع فيها, فيما كانت أبرز ضربات الإخوان للحزب بترشيح عضو بالجماعة أمام رمز اليسار ومؤسس التجمع خالد محيي الدين أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة المصري.. وهل ينسى رموز الإخوان وجيله القديم كيف تعامل هذا المجلس معهم قبل ما يزيد عن نصف قرن؟! <BR>كانت الفرصة سانحة للإخوان لإسقاط رمز حزب يساري لطالما نال من الإخوان وحرض عليهم, بل وافتخر رئيسه الحالي د.رفعت السعيد بـ"ابتكاره" لمصطلح "التيار المتأسلم" حتى طاف بها ركبان اليسار في بلاد العرب, ولم يشأ الإخوان إلا أن يهتبلوا هذه الفرصة تحت ذريعة مرض قطب اليسار خالد محيي الدين الذي أخلى الوطني له الدائرة للمناسبة, فاقتنصها منه الإخوان. <BR>تكتيك الإخوان كان أمضى بالتأكيد من نظيره اليساري, وهو يعتمد على حقيقة تاريخية يدركها الخصمان معاً, وهي أن من يغادر اليسار إلى الإخوان لا يعود منقلباً إليهم, بينما لا يغادر من الإخوان أحد من الأساس إلى اليسار.. فمن اللافت والمضحك في آن معاً أن يرفع الإخوان شعارهم الانتخابي (الإسلام هو الحل) المنسوب تاريخياً إلى أحد أقطاب اليسار السابقين وأحد أهم أعمدة حزب العمل المجمد (الذي صار إسلامياً بعد تحالفه مع الإخوان في ثمانينات القرن الماضي) وأحد منظريه الإسلاميين, عادل حسين الأمين العام السابق للحزب, ومن اللافت كذلك أن يكون أحد أشهر مرشحي الإخوان المستبعدين في الجولة الثانية د.جمال حشمت من هذه النوعية التي عبرت بفكرها من اليسار إلى اليمين. (من نافلة القول أيضاً الحديث عن المفكرين الشهيرين, سيد قطب ومحمد عمارة). <BR>ولذا, كانت الاستراتيجية الإخوانية تقضي بإطاحة عضو مجلس قيادة الثورة من عقر داره (بلدة كفر شكر), واستلاب هذه البلدة من يد خالد محيي الدين الذي أفسح له ابن أخيه وزير الاستثمار وعضو لجنة السياسات بالحزب الوطني محمود محيي الدين الطريق لنيل الكرسي فأفلت منهما ووقع في يد الإخوان!!<BR>وبرغم أن المرض حقيقة قد حال كثيراً دون تمكن الرمز المسن من الوفاء بجولاته الانتخابية وأفقد شهية مواطنيه عن انتخابه, إلا أن ذلك لم يمنع الإخوان من الطموح في كسر هذه الحلقة الصلبة في سلسلة اليسار المصري. (انكسرت حلقتان أخريان قويتان ـ بغير المرض ـ بهزيمة قطبي اليسار البدري فرغلي وأبو العز الحريري لكن على يد مرشحين مستقلين).<BR>اليسار في الحقيقة قد خسر جولة هذه المرة, لكن المعادلة الدولية, وانكسار أيديولوجيته على المستوى العالمي قد لا يعني أن بإمكان اليسار أن يعاود الكرار مرة أخرى, وقد تكون هذه الجولة الأخيرة مؤذنة بأفول اليسار المصري وانهيار بناه.. <BR> <BR> <BR><br>