السيادة الباكستانية.. بمنظور أمريكي!!
23 ذو الحجه 1426

تبدو الولايات المتحدة الأمريكية في سياستها الخارجية الحالية قريبة الشبه بلظى حمم بركانية منطلقة تغمر محيط الكرة الأرضية باغية إعادة تشكيل هذا العالم من جديد, وهي في سبيل تحقيق مبتغاها باغية!! <BR>وبين المبتغى والبغي, توضع المفاهيم والأطر القانونية الدولية وما قد تعارف عليه العالم - قبل عولمته - بين رحى الطاحونة الأمريكية العملاقة, وتنتثر في الآفاق أقانيم أمريكية جديدة تنسف ما كان يسمى بالشرعية الدستورية التي كانت الدول تفاخر بها بين الأمم مؤسسة على نظريات السيادة الدولية المعروفة, والتي من دونها لا تستحق أي دولة مسماها - وفقاً لهذه النظريات - ولو رفعت بيارقها على مؤسساتها أو في باحة الأمم المتحدة. <BR><BR>وحين تملك الولايات المتحدة الأمريكية فضاء الدول وتقصف وتستهدف من تريد دونما رادع من هذه الدولة أو تلك, بغض الطرف عمّا إذا كان الهدف المستهدف مشتركاً - بدون علم الدولة - أم لا؛ فإن الحديث عن السيادة يظل أمراً عبثياً لا يرتقي إلى حال يفوق ما يتردد في قاعات دراسة كليات الحقوق أو حتى فصول المدارس الثانوية ولا يتجاوز ذلك إلى فعاليات منظورة!! <BR><BR>وإذا استقام للمحاضر أن يختزل السيادة في كلمة "القدرة"؛ حيث "الدولة ذات السيادة هي الدولة القادرة على اتخاذ القرارات والأعمال المتصلة بمصيرها على الصعيدين الداخلي والخارجي بحرية تامة، أي أنها سلطة حقوقية متفوقة، تجعل الدولة إطاراً وحيداً قادراً على امتلاك مشروعية استتباب الأمن والنظام بالداخل، وتملك حرية التعامل على صعيد العلاقات الخارجية" (مثلما نص على ذلك د. أمحمد مالكي في دراسته القيمة: الدستور الديمقراطي والدساتير في الدول العربية نحو إصلاح دستوري), فكيف يستقيم لسياسي أن يتحدث عن هذه القدرة المفقودة أو على الأقل عن هذا الانتهاك مدعياً لدولته سيادة على أراضيها؟! <BR><BR>في الحقيقة ليس بدعاً من القول أن نردد ذلك, فالانتهاك للسيادة هو أمر ألفه العالم مذ أسس لنظريات السيادة, لكن المذاق الأمريكي لهذا الانتهاك جد مختلف عن سابقه, ألم نقل إن أمريكا باتت عازمة على وضع مفاهيم العالم وقوانينه بين رحى مفاهيمها الخاصة والمتجددة؟! المذاق الأمريكي يتحدث عن انتهاك جديد يخل بمنظومة السيادة الدولية وفقاً لقاعدة تضع الحلفاء في خانة الأصدقاء وهو الجديد في الأمر.. ذاك الجديد الذي يضيف إلى العدوان جانباً من قلة الاكتراث, ولن نكون جافين إذا قلنا قلة الاحترام أيضاً للحلفاء الذين أبدوا في الحقيقة قدراً من المرونة الشاسعة التي تمكنهم من قبول "غارة لطيفة" تستهدف عدواً مشتركاً على أراضيهم. <BR><BR>قبل أيام, أغارت الولايات المتحدة الأمريكية على قرية حدودية باكستانية؛ فقتلت 18 مدنياً فقيراً - وفقاً لوكالات الأنباء - ظناً بوجود د.أيمن الظواهري الساعد الأيمن لأسامة بن لادن, واستدعت في إثر ذلك وزارة الخارجية الباكستانية السفير الأمريكي لدى باكستان لإبلاغه بتنديدها بالغارة. وباكستان العضو بالنادي النووي العالمي تحاذر بالأكيد من استهداف منشآتها النووية, لكنها ربما كانت مطمئنة إلى حليفتها الأمريكية التي تشاركها هاجسها الأمني من تنظيم القاعدة للحد الذي جعلها تسمح للولايات المتحدة الأمريكية بإقامة قاعدة مشتركة لهما داخل الأراضي الباكستانية لمناهضة "الإرهاب", حتى جاءت هذه الغارة لتزعزع هذا الاطمئنان الباكستاني بعد انتهاك السيادة الباكستانية والتصرف الأمريكي المنفرد دون مبرر قانوني مقبول. <BR><BR>الغارة في باكستان ليست في الحقيقة حالة استثنائية, فلقد شهد حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من انتهاك لسيادتهم تحت طائلة ملاحقة قيادات في تنظيم القاعدة وفقاً لحملة الولايات المتحدة الأمريكية ضد "الإرهاب", ويمكننا رصد أكثر من عملية جرت على هذا المنوال, فقبل أكثر من عامين من الآن وتحديداً في 12 نوفمبر 2003 اعترض 22عميلاً للاستخبارات الأمريكية طريق الإمام المصري "أبو عمر" في مدينة ميلانو الإيطالية واقتادوه في شاحنة إلى القاعدة الأمريكية بإيطاليا ومن ثم إلى خارج البلاد, حيث "السلطات الإيطالية لم تبلغ قط بسير هذه العملية" وفقاً لوزير العلاقات مع البرلمان الإيطالي كارلو جوفاناردي الذي صرح بذلك في الأول من شهر يوليو الماضي, مكتفياً أيضاً بالقول بأن "رئيس الحكومة سيلفيو برلسكوني استدعى السفير الأميركي في روما لكنه لم يكن موجوداً"!! في معرض رده على النواب الإيطاليين الغاضبين الذين قال بعضهم "لسنا جمهورية موز".<BR><BR>وقبل ذلك بعام أطلقت طائرة تجسس أمريكية بدون طيار تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية من طراز "بريدتر" صاروخا من نوع "هلفاير" على سيارة كان يستقلها مشتبه في انتمائهم للقاعدة فأردتهم جميعاً (6 أشخاص) باليمن, وعلق حينها البروفيسور مايكل كلارك من مركز الدراسات الدفاعية في لندن بالقول بأن "الولايات المتحدة اختارت في حالة اليمن أن تطلق النار أولا ثم تطرح الأسئلة" وقال مراسل البي بي سي "نظرياً، كان يمكن لطائرة التجسس الأمريكية تعقب سيارة المشتبه بهم ثم تقوم السلطات اليمنية بوضع حواجز طرق للقبض عليهم داخل السيارة." <BR><BR>إلا أنه قد بدا أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن في وارد الاهتمام بالحلفاء كما الخصوم الذين غدت لا تعترف لهم بأي سيادة ريثما تعلن عليهم الحرب وفقاً للمعايير الدولية, وحتى تتوافر الدقة لتلك المعلومات الواردة من سوريا حول انتهاك الولايات المتحدة لسيادتها بدعوى ملاحقة عناصر المقاومة داخل الأراضي السورية؛ تبقى أمثلة الحلفاء أكثر دلالة على نشوء هذه النظرية السيادية الأمريكية الجديدة, التي هي كالثقب الأسود الفضائي, خلقت لتبتلع أي سيادة لـ"الأسرة الدولية", جمهوريات نووية أو جمهوريات موز لا فرق, دول صديقة أو عدوة لا فرق أيضاً, إنما الفرق حقيقة يظل ثابتاً بين الدول التي يعنيها أن تتمتع بالسيادة وتلك غير المعنية بذلك والتي تكتفي بأن يردد طلابها نظريات السيادة في الفصول وتمضي هي إلى الحظيرة الأمريكية!!<BR><br>