نهاية وزير!
18 شوال 1427

أقاله قبل أن يصبح مادة يومية لتسفيه الرئاسة الأمريكية ،وقبل أن يقال على يد غيره وربما قبل أن يكون سببا في أن يقال هو نفسه بسبب احتفاظه به وزيرا للدفاع –رغم كل الهزائم والانتكاسات -وكذا يصدق القول بأنه ضحى به أو قدمه قربانا لخطب ود الديموقراطيين وإظهار نفسه بمظهر القابل أو المبادر لتحقيق طلباتهم قبل أن يطلبوها.<BR>هو أقاله فور إعلان نتائج الانتخابات ،مدعيا أمام الجمهور العام في مؤتمر صحفي عقد خصيصا لإعلان نبا الإقالة -الذي سماه استقالة-أن القرار كان يجرى التشاور لاتخاذه من قبل ،وهو الذي كان لا يدافع عن أحد مثلما كان يدافع عنه ،ليس فقط باعتباره وزيرا للدفاع خدم مع غيره من الرؤساء الجمهوريين، ولكن باعتباره رمزا من رموز المحافظين الجدد ،الذين يدعون أيضا بالمتصهينين الجدد .<BR>لقد جرت مطالبات كثيرة للرئيس الأمريكي بان يقيل وزير دفاعه دونالد رامسفيلد منذ نهاية العدوان على العراق ،بتهمة انه لم يدخل العراق عدد كاف من القوات ،لكنه أبى ..وشدد النكير على كل من سولت له نفسه إعلان تلك المطالبة ،وكال المديح إشادة بهذا الوزير.وذات يوم صاح صغار الجند في وجه الوزير خلال لقائهم به في الكويت ،وقالوا نحن نجمع الحديد الخردة لندرع سيارات الهمفي التي يفجرها العراقيون ،فكان ذلك إعلان وإعلام بعدم قناعة الجند بوزيرهم ،فلم يلتفت الرئيس لكلام الجند الذين اقترب صياحهم من صوت البكاء والندم على قرارهم بالمشاركة في الجيش ،فنظر الرئيس للأمر بسخرية وظل محتفظا بالوزير مدافعا عنه .واجتمع نخبة من كبار الضباط الأمريكيين المتقاعدين وطلبوا إقالة الوزير باعتباره مسئولا عن ما جرى بعد احتلال العراق وأفغانستان من خسائر وهزيمة،فلم يأبه الرئيس –للحق هو لم يعتبرهم من أنصار القاعدة أو صدام حسين –بل هو أحضر الوزير بعدها ليقف إلى جواره في مناسبات عدة ،تأكيدا على قرب الرجل منه ومن أن قرار الاحتفاظ به غير قابل للحوار، بل هو حتى الأسبوع الماضي وحينما سأله صحفي أمريكي عن احتمالات إقالة هذا الوزير إذا هزم الجمهوريون في الانتخابات ،أجاب بالنفي.<BR>لكن نفس الرئيس، وبعد أن سيطر الديموقراطيون على مجلس النواب وأصبحوا قاب قوسين أو أدنى من السيطرة على مجلس الشيوخ أو من تعطيله ،وعلى نحو مفاجئ ودون انتظار إلا ساعات بعد إعلان النتائج ،أعلن إقالة وزيره أو وزير الدفاع أو هذا الوزير المدلل والممنوع الاقتراب من قرار إقالته.<BR>هو أقاله إنقاذا للوزير من تلك المساءلات التي لن تنتهي والتي يمكن أن تتطور إلى إقالته . وهو أقاله –وهو رفيق عدوانه في الحرب على الإسلام والمسلمين في العراق وأفغانستان بل في كل ديار الدنيا – لأنه هو نفسه من سيساءل عن وجوده واستمراره رغم كل الهزائم ،كما أن وجوده سيفتح ملفات السلاح والتسليح والعدد الحقيقي للجند المقتولين في العراق ،كما الأسئلة ستدور حول المليارات المنهوبة في العراق ومن العراق وعن من كانوا يوردون الغذاء للجنود بأضعاف أضعاف الميزانيات المعتادة .<BR>لقد قرر الرئيس الأمريكي أن يضحى برامسفيلد حتى يبدو أمام الديموقراطيين مادا يده للتعاون معهم ومنفذا طلباتهم .وهو أراد أن يأتي بوزير جديد يستمر الجدل حوله في مجلسي النواب والشيوخ لبعض من الوقت يكسبه هو لتقليل زخم انتصار الديموقراطيين ،وليصبح الانسحاب من العراق غير ممكن إلا بعد الاستقرار على الوزير، والذي هو من حقه أن يأخذ وقته لمراجعة الأوضاع حتى يقرر ..الخ .كما هو أقاله لان الديمقراطيين في وجوده لم يكونوا سيوافقون على تمرير ميزانيات الحرب على العراق .<BR>لكن الحقيقة أن الذي أقاله وأسقطه ،هو نفسه من اسقط الجمهوريين في الانتخابات .إن الذي اثر على الانتخابات الأمريكية وغير نتائجها من الجمهوريين إلى الديموقراطيين لم يكن الجدل حول العراق لدواعٍ أخلاقية أو حضارية،بل كان المقاومة العراقية التي غيرت موقف الناخب الأمريكي من تأييد قتل العراقيين والاستيلاء على ثرواتهم ،إلى المطالبة من الخروج من هناك لان الخسائر الأمريكية لا تحتمل .<BR>لقد نقلت المقاومة المعركة الجارية على الأرض العراقية ،إلى معركة جرت على الأرض الأمريكية .هي من جهز أرض معركة الانتخابات في الولايات المتحدة ،لتغيير موقف الناخب الأمريكي من دعم الحرب إلى المطالبة بإنهائها وإعادة الأبناء إلى الوطن ،وهى من انتبه إلى أهداف خطة التهدئة والإلهاء التي اتبعها بوش ورامسفيلد خلال الشهور الأخيرة بالحديث عن التفاوض وإبداء الاستعداد له ،وكذا هي من رفع من وتيرة أعداد القتلى الأمريكان خلال الشهر السابق على إجراء الانتخابات في حالة مبرمجة بصفة يومية حتى لا يتصور أحد أن ما يجرى مجرد حوادث متفرقة.<BR>لقد سقط الوزير وانهزم قبل أن يقال ،وفى ذلك عبرة للقادم الجديد إلى وزارة الدفاع الأمريكية ،إذ هو في موقف لا يحسد عليه من أعدائه، ليس فقط لأن من سبقه قد هزم ،ولكن أيضا لأنه يأتي لكي يعلن هو عن هزيمته وهزيمة سلفه وهزيمة جيشه وهزيمة الولايات المتحدة الأمريكية.<BR><BR><br>