إضراب المعارضة اللبنانية.. الولادة والأفق
10 محرم 1428

بعد نحو شهرين من الاعتصام الذي بدأه فريق نصر الله ـ عون في العاصمة اللبنانية بيروت، اتجه الاثنان إلى التصعيد بالتزامن مع عقد مؤتمر باريس ـ 3 للدول المانحة بحضور رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة، والرئيس الفرنسي ووزيرة الخارجية الأمريكية ووزير الخارجية السعودي، وقد أدت أعمال عنف فجرها فريق المعارضة إلى مقتل وإصابة العشرات من المواطنين اللبنانيين خلا الإضراب الذي أخذ منحاه العنيف بدءاً من 23/1/2007 حينما قطع ناشطون موالون لـ"حزب الله" وحركة أمل الشيعيين طرقاً رئيسية في العاصمة وغيرها، ثم توالت أعمال العنف بعد ذلك، وفرضت السلطات الأمنية حظر التجوال. <BR>وقد اندلعت الاضطرابات كنتيجة طبيعية للتصعيد من قبل أحزاب المعارضة، والذي كان لابد من تحققه في وقت ما لأسباب مختلفة. <BR>فالمعارضة وفي قلبها "حزب الله" كانت تستشعر أن كل العوامل ليست في صالحها، فعامل الزمن كان ضاغطاً بقوة عليها، وكل لحظة تمضي تأكل من الرصيد الشعبي في الساحات وتنتقص المعارضة من أطرافها المسيحية، والسنية، التي قد بدتا أقرب إلى القشرة المحيطة بحركتي "حزب الله" وأمل الشيعيتين، وبرغم ثقلة الوازع الديني الشيعي وتمكنه من الهيمنة على تحركات وطموحات بل وأفكار منتسبيه، وللخصوصية المذهبية التي تؤكد على ولاية الفقيه التي يؤمن بها الحزب المنضوي تحت لواء الثورة الإيرانية يقتات فكرياً ودينياً من قصعتها الواسعة، والتي تجعل من الواجب طاعة الإمام أو من ينوب عنها فقهياً وسياسياً سواء بسواء وهو هنا الزعيم حسن نصر الله، والتي جعلته يوقف الإضراب في لحظة مناسبة وفقاً لـ"فتوى" صادرة عنه وليس عن طريق بيان أو أمر تنظيم حركي، إلا أن ذلك كله لا يشفع على الدوام للحركتين في التربة الشيعية الجنوبية المختلفة بالطبع عن نظيراتها في إيران والعراق، في عدم تحقيق نجاحات على الأرض تلهب حماس جماهير اعتادت من قادتها الادثار بكلمات النصر الممزوجة بنجاحات فعلية. <BR>وقضية الوقت ليست مأخوذة لحساب داخلية وجماهيرية فحسب، وإنما لما يداهم المعارضة المرتبطة عضوياً بسوريا في جمهورها الأعظم من التصعيد المتوقع لديها في موضوع تشكيل المحكمة الدولية بشأن اغتيال الرئيس رفيق الحريري والتي تستميت بسببها دمشق، ويستدعيها لتجريب كل أوراقها في المحيط بكل ما أوتيت من قريحة سياسية توفرها الخبرة السياسية العريقة في التعامل مع الملف اللبناني بكل تشعباته وتشابكاته. <BR>عامل الوقت له ارتباط أيضاً بالمسؤولية الوطنية التي يعرضها الحزب وسمعته معها للخطر مع استمرار الاعتصام بما يفضي إلى حالة من الشلل يتضرر منها كل لبناني لا تصله هبات "المال الطاهر" الذي تحدث عنه زعيم الحزب وهو يشير إلى المال القادم من إيران لمساعدة لبنان على تخطي عقبة إزالة آثار الحرب التي كان بالتأكيد المتضرر منها كل لبنان لاسيما شيعة الجنوب، والتي قال عنها رئيس الوزراء فؤاد السنيورة على هامش مؤتمر باريس ـ 3 : " كان لبنان قبل يوليو الماضي، يسير حثيثا نحو استعادة عافيته الاقتصادية... لكنه الآن بات على شفير هاوية ركود اقتصادي تام"، علاوة على آثار الإضراب التي ألقت بظلالها على موسم السياحة الشتوي، وسمعة لبنان الاقتصادية في الخارج. <BR>عامل الوقت أيضاً استدعى تحركاً يعرقل منح لبنان تسهيلات ومنح من الدول المؤيدة لحكومة السنيورة.<BR>بيد أن الأخطر من ذلك، هو ما يفضي إلى إعادة تشكيل صورة "حزب الله" وزعيمه نصر الله الذي رسمت له الجماهير صورة كاريزمية براقة، بدأت تبهت كثيراً نتاج هذا الموقف السياسي الداخلي الذي نحاه الحزب، الذي لم تكن علاقته بالإيرانيين والسوريين وإطلاق يده في الجنوب رسمياً (امتثالاً لقرار رسمي صدر في الزمن السوري بلبنان يحرم على جميع القوى اللبنانية حمل السلاح ما عدا الجيش والشرطة و"حزب الله") تلجئه إلى الدخول في المستنقع السياسي الداخلي بهذا الحضور اللافت الذي أبداه لدى أعدائه طامعاً في السلطة ولو جر البلاد إلى الشلل التام أو أزهق باضطراباته الأرواح، التي تخجل نجاحاته على الساحة الحربية أن توفر له صكاً نضالياً لم تتطرق إليه الشكوك. <BR>وهذه حقيقة تدركها حكومة السنيورة وأنصارها وتجعلهم مطمئنين ـ إلى حد ما ـ من صعوبة استرسال الحزب في إبراز عضلاته لخصومه السياسيين، ومن ثم يجد الحزب يده مغلولة عن التحرك الكامل في اتجاه القوة، وهو ما دعاه إلى إصدار فتوى وليس قراراً لإيقاف الاضطراب في الأسبوع الثالث من شهر يناير 2006. <BR>هذه الزاوية المحشور فيها "حزب الله" وحشر فيها لبنان برمته لا يبدو أن أياً من الفريقين يمكنه إيجاد أي مخرج لا سلمي منها إلا في حال تفجرت الساحة العسكرية من جديد في الجنوب اللبناني، أو جاوزت بعض القوى حافة الجنون السياسي، وهو ما ليس مستبعداً هو الآخر.. إذ يبقى لبنان ساحة كل جديد ومختبر المنطقة وصورة "الشرق الأوسط الجديد" المصغرة أو "القديم" المغرقة في بحور السياسة والدين والتاريخ والجغرافيا..<BR><BR><br>