بعد الأقصى.. ماذا يأمل الفلسطينيون من المسلمين
20 محرم 1428

ليست دعوة لليأس، ولكنها يأس للدعوة إلى وقوف المسلمين والعرب صفاً واحداً بجانب الفلسطينيين، فهاهو المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله، قد بدأت جنباته بالهدم... فماذا نأمل بعد ذاك.؟!<BR><BR>في الأمس القريب، كان الفلسطينيون صامدين في وجه الاحتلال الإسرائيلي، تدعمهم الدول العربية والإسلامية، فتحت بعضها أبوابها لقياداتهم، وآوت أخرى عناصر مسلحة من تنظيماتهم، وسادت قرارات جامعة الدول العربية "على قلة حيلتها" الفلسطينيين، دعمتهم في المحافل الدولية، وتضامنت معهم شكلاً ومضموناً.<BR>وكانت الدول العربية، وعلى رأسهم فلسطين، تراهن على الحل الشامل، وبقاء الصف العربي واحداً، فلا سلام مع الكيان بشكل منفرد، ما لم تحل قضية فلسطين، وتسترجع بعضاً من الأراضي المحتلة.<BR>ومع توالي الأيام، خرق (الرئيس المصري السابق) أنور السادات الصف العربي، هكذا فجأة، في كامب ديفيد، فأحدث فيها شرخاً ما كان ليلتئم سنين طويلة. ثم تبعته الأردن في وادي عربة.. ثم تهاوى الصرح العربي رويداً رويداً، لتفتح تل أبيب مكاتب وسفارات لها في دول من المشرق العربي إلى مغربه.<BR>قلة تلك الدول التي لا تزال تقف في وجه التطبيع، ما دام الفلسطينيون عاجزون عن "الحياة" ببساطة في أرضهم، وبساتينهم، وتاريخهم.<BR>وحتى بعض الدول العربية التي لا تزال تعلن وقوفها في وجه التطبيع مناصرة للفلسطينيين، مستعدة للتنازل عندما تقرر تل أبيب ذلك، وعندما تقدم لهام ما يشتهون من "مطالب أساسية" تحفظ ماء وجههم.<BR><BR>ولطالما راهن كثيرون على الصف العربي، أنه قادر على ردع "مغامرات" الكيان الصهيوني ضد الفلسطينيين، ولكن حدث كل شيء، والعرب يتفرجون.. هكذا اختار عدد من الحكام العربي، أن يحافظوا على دورهم في المنطقة، دور المتفرج، الذي يستنكر بقلمه، ويندد بصوته، ويستهجن بقلبه، وهو اضعف من أضعف الإيمان. أما الشعوب العربية، فقد قامت بدورها على أكمل وجه،، تظاهرت، واعتصمت، وعقدت المؤتمرات والندوات.. ثم مضى كل شيء كأنه لم يكن.. هكذا حدث حين اغتالت تل أبيب الشيخ المجاهد أحمد ياسين، الذي لم يكن أحد ليتوقع أن يجرؤ الكيان الصهيوني على ذلك.. ولما حافظت الحكومات والشعوب العربية والإسلامية على دورها التاريخي.. اغتالت رفيق دربه، ونائبه عبدالعزيز الرنتيسي.<BR>وأبّنت الشعوب العربية القائدين الرمزين.. ثم تابعت ما كتبته الصحف والوسائل الإعلامية بشغف، كي تعرف "وفقط كي تعرف" هل مات الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات موتاً طبيعياً، أم اغتالته الأيدي الإسرائيلية.. فالأمر لم يعدو أن يكون "حدثاً إخبارياً".<BR><BR>اليوم.. يقف العالم الإسلامي والعربي، يتابع بذات الشغف، أخبار هدم أجزاء من المسجد الأقصى، هدم باب المغاربة، والجسر المؤدي إلى المسجد الأقصى. وطالما أن العدل سمة اليهود (!!) فقط أقاموا الحجة كاملة، عندما سمحوا للأردن بإدخال منبر مشابه لمنبر صلاح الدين الأيوبي، وتم تركيبه في المكان الذي أحرقه أحد المتطرفين اليهود قبل 37 عاماً. وبتكلفة إجمالية قدرها 3 ملايين دولاراً، والمؤلف من 16500 قطعة خشبية استغرق بناءها 4 أعوام. وعندما كان المسلمون منهمكين بالعمل الدؤوب لاسترجاع منبر صلاح الدين الأثري، كان الإسرائيليون منهمكين بالإعداد لهدم باب المغاربة، والجسر المؤدي إلى المسجد الأقصى، ومدخل مسجد البراق.<BR><BR>وقد استفاد الإسرائيليون ببراعة هذه المرة، ليس فقط من خرق الصف العربي، بل من خرق الصف الفلسطيني، من أجل تمرير سياستهم.. خاصة وأن الحديث القديم عن الصف العربي قد غاب تماماً، لتظهر معه مفردات جديدة، مثل "إراقة الدم الفلسطيني، والحرب الأهلية الفلسطينية، والخلافات الداخلية"، وهو ما أعطى أفضل الفرص للإسرائيليين كي ينفذوا خططهم.<BR>فالجماعات الفلسطينية باتت متناحرة فيما بينها، وقد فشلت جهود عربية وإسلامية عديدة لتقريب وجهات النظر، فيما ترتفع كل يوم معدلات العنف الداخلي.. ومع أن الكثيرين يأملون اليوم أن يمثل حوار مكة، الذي دعا إليه (العاهل السعودي) الملك عبدالله؛ بوابة حقيقة للحوار، وفرصة أخيرة للم الشمل، إلا أن القيادات لم تعد قادرة تماماً على كبح جماح أنصارها، والذي يستطيع واحد منهم فقط، قتل له أخ أو زميل على يد فصيل آخر، الثأر له؛ لإطلاق سلسلة جديدة من المواجهات، لن تجد معها الفصائل الفلسطينية ثقلاً أكبر من السعودية، وقداسة أكبر من مكة المكرمة، للم الشمل من جديد.<BR><BR>اليوم.. يستفيد الإسرائيليون من كل ذلك.. وهم يعلمون أن الشعوب العربية ستخرج في مظاهرات ومسيرات غضب، وأن الجامعة العربية قد تندد، وأن الحكام العرب قد يصفونهم بالانتهازيين، ولكن في النهاية، ستنتهي ثورة الغضب العربية العقيمة، بعد أن تكون الجرافات الإسرائيلية قد أنهت مهمتها، وأخفت باب المغاربة للأبد من المسجد الأقصى، وبات الحائط الغربي للمسجد الأقصى مهدداً بالسقوط أكثر من أي وقت مضى.<BR><BR>الدعوات التي أطلقها على الفور الفلسطينيون، ستخمد هي الأخرى، بعد أن تجد آذاناً "مغلقة" وبعد أن تقرر حكومات بعض الدول أن هذا الأمر "لا يدخل ضمن أمنها الداخلي" فتمنع أي نوع من أنواع الدعم للفلسطينيين.<BR>ولعل أكثر الدعوات تأثيراً، تلك التي أطلقها الشيخ تيسير رجب التميمي (قاضي قضاة فلسطين)، والذي قال: "إن الكيان الصهيوني يرتكب جريمة تطهير عرقي بحق المقدسيين وبيوتهم وأحيائهم الإسلامية، ويواصل إغلاق القدس بجدار الفصل العنصري بهدف تحويلها إلى مدينة يهودية خالصة، وكما يواصل التغلغل في الحي الإسلامي وبناء الكنس والتجمعات اليهودية هناك". وأضاف "أن (إسرائيل) ترتكب مذبحة بحق مدينة القدس المحتلة، وبحق الأماكن الأثرية والتراث العالمي" داعياً الجميع ليكون على أهبة الاستعداد للتصدي لمخططاتها وللدفاع عن المسجد الأقصى المبارك.<BR><BR>مع كل أسف، ليس هناك من أحد سيكون على أهبة الاستعداد للدفاع عن المسجد الأقصى، فالكل مشغول في أوضاعه الخاصة والداخلية، ولم يعد هناك من أحد يستعد للدفاع، فالدفاع بات "عملاً إرهابياً" والدعم المالي بات "دعماً للإرهاب" والنصرة باتت الإرهاب بذاته.. <BR>هذا هو واقعنا يا فلسطين.. وهذا هو واقعنا يا أقصى.. لك الله يا فلسطين.. لك الله يا أقصى.<BR><br>