من إياد إلى المالكي.. انفراط العقد الاستعماري/المذهبي
21 ربيع الأول 1428

بعد دخول سريع لقوات الغزو الأمريكية لبلاد الرافدين, ودون خسائر تذكر, وتحت مظلة تحالف دولي ـ وإن كان خارج إطار المنظمة الدولية ـ إلا أنه ضم العديد من الدول من كل قارات المعمورة, وبتحالف ضم شخصيات واتجاهات سياسية ومذهبية عراقية كفل لها العالم الغربي والأمريكيين وإيران المأوى والتمويل لعقود, وباستغلال الشمال المنفصل عمليا منذ نهايات القرن الماضي, تحت راية الحزبين الكرديين الكبيرين وقواتهما ( البشمرجة) المدربة على أيدي الأمريكيين والصهاينة .. وفى إطار السياسة الأمريكية المعتمدة للحرب على "الإرهاب" بالمفهوم الأمريكى الهلامى, والتي تهدف إلى تدعيم الهيمنة الأمريكية المنفردة على مقدرات العالم في القرن الواحد والعشرين الميلادي بعد سقوط الاتحاد السوفييتى.. ومع التسليم الأوروبي للقيادة الأمريكية للمواجهة مع الشيطان الذي صوره فيلم 11 سبتمبر على وقع صرخات الذعر في أنشودة الألفية الجديدة المسماة " الخطر الإسلامي".<BR>أمام الخلفية التي ترسمها هذه الصورة الكلية تصرف الأمريكيون وإدارتهم في شئون العراق بعد الاحتلال بعشوائية وغباء, وحاولوا التلويح لدول المنطقة بالسيف وبدون الذهب، لفرض برنامجهم لتفتيت المنطقة وإعادة ترسيمها, ففككوا أجهزة الدولة العراقية لبناء دولة النموذج الأمريكى المراد تعميمها على دول المنطقة, ووضعوا صيغة حدية للتعامل مع الجميع " والأصدقاء قبل الأعداء " من لا يتبع إملاءاتي فهو ضدي وسوف يدفع الثمن.<BR>وقد لعبت المقاومة العراقية "السنية" الدور الذي لم يحسبه الأمريكيون في خططهم فكان التفكيك المتتالي والسريع لكل ما اعتقد الغزاة أنهم حققوه على إيقاع ضربات المقاومة.<BR>ولم يكن الأمريكيون في البداية يعتقدون أن الأمر سيطول ويكبر ويتعمق, فخرجت التصريحات التي تتحدث عن فلول النظام السابق, والإرهابيين الأجانب وخطط القضاء السريع عليهم وفق النموذج التصوري الحالم المعد سلفا بناء على تقارير العملاء الذين صاغوا الدعوة لقوات الاحتلال.. وقد عمل المحتل الأمريكي منذ البداية على ابتداع أشكال كرتونية لحكومات عراقية مكونة من مجموعة المتعاملين والتابعين والعملاء لفرض خطته لبناء الدولة البديلة للدولة المفككة على أساس طائفي وعرقي .<BR>وقد كان طبيعيا أن تزداد حاجة مشروع الاحتلال للتقسيم العرقي والمذهبي كلما تصاعدت المقاومة وازدادت خسائره, وهو ما أعطى مساحة وثقلا سواء للشيعة في الجنوب, أو للأكراد في الشمال, رفعا من طموحات ومكانة كليهما في لعبة الصراع، ليرتقوا في سلم العمالة من خدم للمصالح والمخططات الأمريكية, إلى طموحات ومكانة الشركاء, وبرزت على السطح أجندة كل منهما الخاصة, والأبواب التي يفتحونها, أو يطالبون بإغلاقها مع قوى إقليمية حليفة أو عدوة للأمريكيين.<BR>لقد حولت المقاومة العراقية ما اعتقد الأمريكيون أنه نصر حاسم في طريق تحقيق استراتيجيتهم, إلى بداية لهزائم متلاحقة, وتقلص مطرد في جبهة الحلفاء, بل إن المعاونين والتابعين والعملاء الذين استدعوا قوات الاحتلال, قد تحولوا هم أيضا إلى مشكلة لم تكن موضوع لها أي حساب في خطط الهجوم.. ويجمع المراقبون أن الاستراتيجية الخاطئة للإدارة الأمريكية في العراق سوف تنعكس سلبا على مجمل الثقل الأمريكى في التوازنات العالمية.<BR><font color="#0000FF"> حكومات متعاقبة وفشل متكرر </font><BR>من بريمر الحاكم الأمريكي .. إلى المالكي مرورا بعلاوي .. الجعفرى, لم تستطع الرؤية الأمريكية حل طلاسم اللوغاريتم العراقى .. وربما لم تكن تريد .. وسارت الخطوات الأمريكية من فشل إلى فشل, ومن خسارة لحليف خارجى إلى ابتعاد أو إبعاد قوة داخلية, فالخطوط التي تقاطعت عند نقطة إقصاء النظام السابق قد انطقت في اتجاهاتها المتعارضة, وحفز هذه التعارضات الوضع الخانق الذي وضعت فيه المقاومة ائتلاف الاحتلال, ونمت العلاقة الطردية بين خسائر وأزمة قوات الاحتلال وانفضاض التحالف الخارجى وبين بروز اجندات القوى الداخلية العرقية والمذهبية كأولوية, وقد أحدث هذا تصدعات مرشحة للتعمق في صفوف هذه القوى ذاتها وفقا لتحالفاتها الإقليمية والداخلية المتعارضة.<BR><font color="#0000FF"> ويمكن تصنيف الحكومات المتعاقبة على النحو التالى: </font><BR>حكومة علاوى وحكومة الجلبى.. حكومة العملاء المباشرين القادمين مع دبابات الغزاة والحاملين لجدول أعماله, الفاقدين لأية أرضية وطنية, والمعتمدين في وجودهم وبقائهم على وجود وبقاء الاحتلال.<BR>حكومة الجعفرى .. بعد أن ثبت للمحتلين عجزهم عن مواجهة المقاومة المتصاعدة, جاءت حكومة الجعفرى لتصعيد المواجهة الداخلية بين الجماعات المذهبية, ولربط الشيعة بمشروع الاحتلال, وقد أفرز هذا بروز الأجندة الشيعية والدور الإيرانى الغير مرغوب فيه أمريكيا وصهيونيا.<BR>حكومة المالكى ..مع تصاعد الخسائر الأمريكية, واتساع النفوذ الإيرانى على القرار في العراق, وتسرب كميات هائلة من النقود من خزانة الدولة المهلهلة والأسلحة المخزنة إلى أياد خفية, لميليشيات وجماعات شيعية شكلت أوراق ضغط على القرار الأمريكى لصالح الرؤية الإيرانية للصراعات في الداخل العراقى, وهو ما جعل الإدارة الأمريكية التي استبعدت كل شركائها التقليديين, تدرك أنها قد تضطر إلى مشاركة عدو في كعكة العراق، فكان الانقلاب على الحكيم وتنصيب المالكى لوضع صيغة جديدة لمشاركة الشيعة في اللعبة بعيدا عن إيران!! وهو تصور ساذج، بل ويعكس مدى اضطراب المخطط الأمريكى, والوضع المتراجع للطموحات الأمريكية التي أصبحت الخيارات أمام إدارتها تنحصر بين "المر والأمر".. وها هى تعد لمؤتمرات إقليمية بمشاركة دولية لتحقيق الأمن في العراق, وتسعى إلى ضم العديد من الدول في المنطقة إليه لتلعب أدوارا أساسية, بل وترحب بانضمام "دول مارقة" لهذه المؤتمرات، وهى ترسل العديد من رسائل الحوافز لحكوماتها عبر القنوات غير الرسمية, وما يظهر مدى التخبط الأمريكى أن المطلوب من هذه المؤتمرات لم يتحدد حتى الآن وليس هناك جهة مناط بها تحديده !!.<BR>لقد فشل المالكى حتى الآن في أداء المهام التي جلب من أجلها إلى رئاسة الوزارة, وجاء خطاب بوش, غير المفاجئ, لدفع نوري المالكي لتنفيذ الخطة الأمريكية لضرب المقاومة, ومحاصرة الميليشيات الشيعية المرتبطة ارتباط مباشر بالمخطط الإيرانى (جيش المهدى), وتحقيق حالة توازن دائمة في السيطرة على الحكم والبقاء فيه. كما هي خطة للتمكين لترتيب أوضاع دائمة للاحتلال, في إطار تحالفات محددة لمجموعات الحكم، وذلك عبر عمليات ترحيل قسرى وإعادة توزيع اثنى لمحاصرة وعزل السنة المقاومين بما يمكن من التركيز العسكرى عليهم دون غيرهم، وهو ما يسمح لإدارة الحرب الأمريكية بتقليص أعداد قواتها، وإعادة أوضاع التنسيق الأمريكى الإيرانى إلى حسبة بداية الغزو، حيث هددت حالة التصعيد الأمريكية الإيرانية مجمل مشروع الاحتلال وأسس تحالف الحكم الشيعى الكردى, وهو تطور يصب في مصلحة المقاومة وعلى حساب الطرفين.<BR>وقد أعدت الإدارة الأمريكية خطة بديلة للتطبيق في حالة فشل المالكى, وذلك في إطار المؤشرات القوية لفشل الخطة الأمريكية للسيطرة على المناطق المقاومة, أو فشل المالكى في تحجيم النفوذ الإيرانى في الحدود المطلوبة للتوازن بين القوى المتحالفة مع الاحتلال, وقد وضح هذا في الخطاب الذي ألقاه بوش والذي وضع المالكي بين المطرقة والسندان وتركه أمام خيارات مرة لا حلاوة فيها. حتى أن رايس وصفت مستقبل المالكي بعبارات قاسية عندما قالت إن 'وقته قد انتهى وانه يعيش على الوقت المستعار'، في إشارة واضحة إلى انه يمكن إسقاطه بانقلاب برلماني.<BR>ويبدو أن أمريكا لن تنتظر فشل خطتها الجديدة، وقد بادرت، ومن الآن، في ترتيب أوضاع الخطة البديلة, بكبح الميليشيات الشيعية، مع تكثيف الغارات والقتل الجماعى على المناطق السنية المقاومة, وفى هذا الإطار كشفت أميركا، في تسريبات مستشار الأمن القومي ستيف هادلي، عن سعيها لبناء كتلة برلمانية من شيعة وسنة وكرد هدفها دعم المشاريع الجديدة سواء تمت على يد المالكي أو من يليه. وإذا ما تعرض المالكي إلى محاولة برلمانية من كتلة الصدر لإسقاطه ومنعه من تنفيذ الخطة الأمنية تقوم الكتلة البرلمانية بدعم حكومته. وإذا ما حاول هو التمرد على الخطة أو عرقلتها تقوم هذه الكتلة البرلمانية بإسقاطه.. ويبدو أن تكوين هذه الكتلة هو الهدف من المؤتمرات والاجتماعات التي عقدت وستعقد في المرحلة المقبلة.<BR>على الجانب الآخر يتعاطى المالكى مع الخطة الأمريكية, مع المحافظة على ورقة الصدر (الورقة الإيرانية) لضمان رقبته وفى هذا الإطار يأتى تهريب الصدر إلى إيران رغم كل الخطط الأمنية, وفى نفس الإطار تأتى مسرحية مهاجمة مقاره المخطر عنها سلفا, كما تأتى عملية محاولة اغتيال نائبه من أحد حراسه, بعد تردد أنباء عن ترشيحه كبديل للمالكى في حالة إخفاقه, لتوضح مدى تغلغل النفوذ الشيعى الإيرانى في تفاصيل السجال الداخلى العراقى, وفى نفس الوقت يدفع المالكى بالقوات الحكومية في عمليات إجرامية وحشية لتصفية مناطق المقاومة السنية, ويهبط وتيرة التصفيات العرقية العشوائية ليقدمها كدليل على نجاح "الخطة الأمنية".. ويرد في هذا المجال مقترحات بضم قوات جيش المهدى إلى الجيش الحكومى في تشكيلات خاصة, على غرار البشمرجة.<BR>والصراع يمتد بين النفوذ الإيرانى ونفوذ الأمريكيين إلى السيطرة على الأجهزة الأمنية والذي كما يبدو يشكل رهانا صعبا للإدارة الأمريكية، وبدأ يؤرقها.<BR><BR>فوكالة الاستخبارات العراقية، ممولة بالكامل من قبل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA ، وليست ممولة من قبل الحكومة العراقية.<BR><BR>وقد نشرت الـCIA أكثر من 500 عنصر لها في العراق، بعد الاحتلال، مما جعله المنطقة الأكبر لعمليات وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في العالم، حتى أن هذه العمليات هي أكبر من تلك التي كانت في" سايجون"، إبان حرب فيتنام.<BR>كما أن الإدارة الأمريكية هي التي كانت وراء تعيين محمد عبدالله شهواني مديرا لوكالة الاستخبارات العراقية.. ولكن يبدو أن السيطرة الأمريكية على أجهزة الاستخبارات العراقية أصبحت مهددة.<BR><BR>فقد حددت وثيقة صادرة عن وكالة الاستخبارات العراقية برنامج عمل جديدا لعالم الاستخبارات العراقي والعاملين فيه, وبموجب هذا البرنامج ستخضع كل المعلومات الاستخبارية المجمّعة لإشراف الحكومة المركزية العراقية وثيقة الصلة بإيران, ويبدو أن هجوما على رجال الاحتلال في جهاز الاستخبارات قد بدأ بالتحقيق مع شهوانى من قبل الحكومة العراقية بتهم تتعلق بالفساد، إضافة إلى أنه لم يشاهد في الأشهر الثلاثة الأخيرة, وقال إياد علاوي والذي رأس الحكومة العراقية المؤقتة "لا أعلم ما إذا كان ذلك هجوما ضد الاستخبارات الأمريكية، لكن لا شك أن ما يحصل هو هجوم سياسي ضد شهواني."<BR>وعلى صعيد هذا الصراع تدعم الحكومة وزارة الأمن الوطني وعلى رأسها شيران الوائلى وثيق الصلة بطهران, وقد توسعت وزارة الوائلي لتضم ثلاثة آلاف عنصر استخباراتي، كما يتوقع لها أن تتطور أكثر.<BR>وهناك مؤشرات هامة على بداية التحسب الأمريكى لتمدد النفوذ الشيعى لأبعد مما هو مطلوب, وبدء تقليص هذا النفوذ لحساب الآخرين وأهمهم الكرد, وفق معدلة متوازنة تحقق لقوات الاحتلال موقع الحكم الأخير في الصراعات, ولعل أهم هذه المؤشرات ضم ثلاثة ألوية من البشمرجة لقوات الاحتلال القائمة على تنفيذ الخطة رغم ما في هذا التوجه من محاذير إقليمية.<BR><font color="#0000FF"> التخلص من المالكى ..الضرورة القادمة </font><BR>المقاومة هى الطرف الوحيد الذي يمكن أن يحقق معادلة الاستقرار، وهذه المعادلة مقرونة بنهاية الاحتلال, ويمكن تصور ارتفاع حرارة الصراع الإيرانى الأمريكى في ضوء الانسحاب البريطانى الوشيك من الجنوب, ولا يمكن تصور ملء الفراغ الناتج عن هذا الانسحاب بتكثيف الوجود الأمريكى في الجنوب.. خاصة مع الضغوط المتصاعدة لخصوم الإدارة الأمريكية في الكونجرس.. ولا بديل أمام الاحتلال سوى تفكيك التحالف الشيعى, وإثارة أكبر وأوسع حالة تصادم وتوتر بين القوى والتنظيمات والميليشيات, عبر عمليات قتل واغتيالات, وقد يكون المالكى هو أول خطوات لعبة التفكيك، فالموقف الأمريكى لم يعد يحتمل المزيد من الإخفاقات, وقد أعدت الإدارة الأمريكية القوات اللازمة لهذه الخطوة, فهناك قوات المرتزقة التي قدر تقرير حديث للأمم المتحدة بأن عددها يتراوح بين 30 و50 ألفا. وهم عسكريون سابقون يعملون لشركات أميركية خاصة بتمويل وتسليح أميركي وبملابس مدنية, وتسميهم وزارة الدفاع الأميركية "متعهدين مدنيين" ومن بينهم شكل بول بريمر قوات حراسته الخاصة قبل مغادرته للعراق.<BR>هذه القوات لا تعرف حتى حكومة الاحتلال عنهم شيئا، لا أفرادا ولا تسليحا ولا مهمات. وهم حتى لا يخضعون لأي سلطة قضائية عراقية بحكم الحصانة التي كفلها لهم الاحتلال من البداية. حتى الكونجرس الأميركي لم يتمكن من الحصول على بيانات عنهم من وزارة الدفاع الأميركية لأن الوزارة تكلفهم من الأصل بالمهمات التي لا تريد للقوات المسلحة الأميركية تحمل مسؤوليتها, وهناك أيضا الوجود "الإسرائيلي", من خلال أحزاب وهمية وجمعيات إنسانية وجمعيات حقوق الإنسان وبعض الشركات, أولئك "الإسرائيليين" لا تعرف أي سلطة عراقية عنهم شيئا ولا عن طبيعة مهامهم ولا أبعاد المصالح التي يخدمونها. المؤكد فقط هو أنهم موجودون الآن في العراق بكفالة الاحتلال الأميركي" وكفالة كردية".<BR>ويبقى أن مشروع المقاومة هو المشروع الوحيد القادر على اكتساب أرض جديدة كل يوم سواء على المستوى العسكرى أو السياسى وسوف تذهب كل الشخصيات والمشاريع المعتمدة على الاحتلال إلى مكانها الطبيعى .. المعروف. <BR><BR><BR><br>