الأحداث اللبنانية... وقفات و تأملات
8 جمادى الأول 1428

الأحداث الدامية في لبنان لغم جديد ينفجر في العالم العربي المنهار مناعة, والذي أصبح مليئاً بالمفخخات والألغام، وغدت ساحاته وجنباته معارك للخصوم، وميادين لتصفية حسابات الآخرين, وباستخدام الأدوات المحلية السادرة في تيهها حينا، الغارقة في جهالاتها في أحيان أُخر, لمحاولة الفوز بأكبر قدر من غنائمه وأسلابه.<BR> أحداث لبنان وما شهده البلد قبلها وما يزال من حالات شد وجذب بين معارضيين ومواليين إضافة إلى الأحوال المتأزمة والأحداث الدموية العاصفة في غير مكان تظهر وبجلاء كبير الانحدار والانحطاط الذي وصل إليه عالمنا العربي جراء عوامل داخلية ذاتية وهجمات خارجية شرسة.<BR> الاستبداد السياسي، وفساد شريحة واسعة من الطبقة السياسية في عالمنا العربي، وضياع المحاسبة والمساواة أمام القانون، وتفشي الفساد الإداري، وانتهاك حقوق الإنسان وكرامته, متزامنا مع الصراع الدولي والهجمات الخارجية والتي لا ترى في المنطقة إلا سوقا استهلاكية للسلاح وللسلع والخدمات، وترى من مصلحتها ولصالح هيمنتها المطلقة أن تبقى منطقتنا متوترة وملتهبة وبعيدة عن السلم والاستقرار؛ لتبقي أسيرة الصراعات ورهينة التخلف والحاجات الاستهلاكية.<BR> من الأهمية بمكان أن تلفت أحداث نهر البارد الأنظار إلى مأساة اللاجئين الفلسطينيين، والذين يعانون في الشتات ولعقود، ظروفا إنسانية قاسية وصعبة, تهيئ المناخ لأن ينشأ جيل أو شريحة منه على الأقل وقد ملأت قلبه مشاعر السخط والغضب من عالم شارك في صنع معاناته وهو يحاول جاهدا وبكل الأساليب والطرق أن يمعن في مظالمه بإلغاء حقها الطبيعي والقانوني للعودة إلى ديارها وبلادها والتي سكنها واستوطنها الأغراب.<BR> التنظيمات الإسلامية والتي تعرف بأنها "متطرفة" هي في كثير من الأحوال نتاج ظروفا قاسية من الاضطهاد والقمع وغياب الحريات الفردية وانتهاك حقوق الإنسان. ففي الوقت الذي تمنع فيه غير دولة عربية الجماعات الإسلامية المعتدلة، والتي ترضى شروط اللعبة السياسية على إجحافها, وتزج بكوادرها في السجون وتلاحق قياداتها وتشن عليها الحملات الإعلامية وعلى الرغم من الفشل الذريع في الحكم والإدارة لتلك الحكومات الشمولية، وإن تدثرت بمظاهر زائفة من الديمقراطية الديكورية, نجد أن التنظيمات التكفيرية تنتشر وبطريقة انشطارية وكبيرة في عالمنا العربي لتفاجئنا بتفجيرات أو عمليات كبيرة تهز مجتمعاتنا لتزيدها بلاءً على بلائها وبؤسا على مآسيها. <BR>التنظيمات المندفعة التي لا ترى في غير العنف سبيلا لتحقيق طموحاتها, يسهل كثيرا ومع غياب مشاريع عملية ورؤى إستراتيجية واضحة وقيادات واعية, تجييرها لصالح جهات وفئات حاقدة على الإسلام بأهله ومنهجه, ويمكن اختراقها بسهولة ويسر من جهات استخباراتية إقليمية ودولية توظف دماءها وأرواح زهرة شبابها في غايات هي نقيض ما أراده أولئك الشباب الضحايا - الجناة في نفس الوقت. لذلك لم يكن عجبا أن تتعدد التقارير، التي تتحدث عن دعم إيراني على سبيل المثال لتنظيمات "متطرفة" في العراق والتي تقاوم الأمريكان بزعمها عبر عمليات جنونية غير مقبولة ومواقف متهورة قد تدفع البلاد لحرب أهلية وتنفر الجماهير من المقاومة الصادقة والنزيهة.<BR> الجيش اللبناني سقط في مواجهة غير متكافئة بين عناصر محدودة العدد والعدة ومحاصرة ضمن إطار جغرافي ضيق, ليذكرنا بأحوال غالبية الجيوش العربية والتي ينفق عليها الكثير من موارد الأمة وقوت أبنائها، وبعد ذلك نكتشف أنها غير مؤهلة لصد عدو أو دعم شقيق.<BR> أصبحت جيوشنا العربية في مجملها بابا للارتزاق والميزات والفوائد والنياشين والرتب والدخول إلى عالمها يحتاج إلى وساطات وعلاقات, فإذا ما جد الجد تنهار قواها وتنعدم جدواها. الجيش اللبناني طلب مساعدات عاجلة وأطلق استغاثات قوية بعد مواجهات محدودة, فكيف يكون حاله إذا هاجم البلاد عدو خارجي أو أُستدعي لصد عدوان حدودي؟<BR> أصابع الاتهام من خصوم سورية في لبنان في الأحداث الأخيرة توجهت نحو دمشق والتي من مصلحتها زعزعة الاستقرار في لبنان للتهرب من استحقاقات المحكمة الدولية في مسألة اغتيال رفيق الحريري. والحقيقة أن سورية النظام وبأسلوب نفيها على لسان مندوبها في الأمم المتحدة كادت أن تصادق على تلك الادعاءات وتدين نفسها بنفسها, مع التذكير بمسألة أبو عدس واعترافاته التلفزيونية المزعومة باغتيال الحريري, والأحداث الصدامية العجيبة بين قوات الأمن السورية وأصوليين مزعومين من حين لآخر؛ فقد قال سفير سوريا لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري أن متشددين يقاتلون قوات الجيش اللبناني أودعوا السجن في دمشق قبل سنوات قليلة لصلاتهم بتنظيم القاعدة وسيعاد اعتقالهم إذا عادوا إلي البلاد. <BR>وفي معرض نفيه اتهامات بأن سوريا كان لها صلات بجماعة فتح الإسلام التي تقاتل الجيش اللبناني، قال السفير إن بضعة أعضاء بالجماعة قضوا "ثلاثة أو أربعة أعوام" في السجون السورية "قبل عامين" بسبب روابط مع القاعدة ثم أفرج عنهم وغادروا البلاد. وأضاف قائلا للصحفيين "إذا عادوا إلى سوريا فإنهم سيودعون السجن... إنهم لا يقاتلون لمصلحة القضية الفلسطينية. إنهم يقاتلون لمصلحة القاعدة". وقال إن معظم قادة الجماعة فلسطينيون أو أردنيون أو سعوديون وربما أن "اثنين منهم" سوريان. وأضاف أنه بعد إطلاق سراح قادة الجماعة بدؤوا "ممارسات إرهابية" ودربوا "عناصر جديدة" لمصلحة القاعدة لكنهم غادروا سوريا حتى لا يتعرضوا للسجن مرة أخرى.<BR> إذن كان هناك أعضاء بارزون في التنظيم المرتبط "بالقاعدة" رهن الاعتقال في سورية, سورية والتي تحاكم الناشطين السياسيين فيها بأحكام قاسية لمواقف سياسية سلمية والتي تعلن أنها جزء مهم في الحرب العالمية على "الإرهاب" وأنها ضحية الإرهاب "الإسلامي المتطرف", يقضي في سجونها ولمدد قصيرة عناصر مفترضة من "القاعدة" ثم يكون لهم ـ حسب المسؤول السوري ـ بعد إطلاق سراحهم ممارسات إرهابية وتدريب لعناصر جديدة ثم يغادروا سورية بسلام من بعد, مع الانتباه أنهم لو عادوا لقبض عليهم. تصريحات الجعفري والمعلومات التفصيلية عن التنظيم تثير الريبة وترفع الكثير من علامات الاستفهام والتعجب والتي تدعم المزاعم التي تقول أن النظام السوري هو من ساهم في صنع هذه المجموعة وأنها مخترقة لصالحه تماما وأنه يستخدم عناصرها الشابة ودماءهم لصالح مصالحه السياسية الضيقة في محاولة لتسجيل نقاط على الساحة اللبنانية الهشة والمرشحة لانفجارات عنيفة.<BR> بكل الأحوال أحداث لبنان لها ما بعدها, والألغام الكثيرة في لبنان وفي غيره مرشحة للانفجار, والأمور في مجمل المنطقة لا تبشر بخير، بل إن السحب الداكنة تتجمع في السماء العربية تنذر بما هو أسوأ, فيما أنظمة عربية مشغولة بمسرحيات إعادة انتخاب القائد الضرورة، وأخرى بتهيئة الأجواء إلى توريث الحكم الجمهوري وثالثة بمحاربة الحجاب وتدبيج المدائح لرئيس نقل البلاد من قاع إلى قيعان.<BR><br>