الدم يصل إلى الركب في الجزائر!
2 رمضان 1428

ثلاث تفجيرات في ثلاثة أيام. ذكرت الصحف الجزائرية الصادرة أمس أن حالة الفوبيا التي عاشتها الجزائر طوال الأسابيع الماضية لم تكن من فراغ، وأن رسائل " الإس أم إس" التي كانت تصل إلى المواطنين عبر الجوال لم تكن " للتسلية" أيضا، وأن مصالح الأمن الجزائرية كانت على دراية مسبقة بعمليات إرهابية قبل وقوعها وأن الاحتياطات كان لابد أن تأخذ طابعا مختلفا باعتبار أن الإرهاب يهدد المواطنين أيضا، وأن الشخص الذي يريد اغتيال الرئيس ويعجز عن ذلك لا يتورع عن اغتيال عشرات الأبرياء لمجرد أنهم تواجدوا في المكان وفي الزمان غير المناسبين كما قالت شخصيات وصحف وجهت اتهاما مغلفا إلى مصالح الأمن التي " أخفت" عن المواطنين ما تملكه من معلومات، لم يكن بالضرورة كشفها بحذافيرها، بل كان عليها أن تكشف أن ثمة تفجيرات قد تقع لكي يحتاط الناس ويحسبون حسابهم خاصة في هذه الأيام التي يستعد فيه التلاميذ إلى دخول المدارس الأسبوع القادم، ويستعد الشعب إلى استقبال شهر رمضان المعظم شهر الرحمة والمغفرة..<BR> لقد كانت العمليات الإرهابية الأخيرة بمثابة الكابوس الحقيقي من عودة التفجيرات الانتحارية التي تغيرت طريقة تنفيذيها ما يعني أن الفكر القتالي لما يسمى بتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي قد تغير استراتيجيا في لعبته التنفيذية عبر نقل الرعب إلى الشوارع العامة من خلال انتحاريين جاهزين للموت في الأسواق أو في أي مكان..<BR> ولعل البيان الذي أصدره الشيخ يوسف القرضاوي حفظه الله كان الرد الديني والمنهجي لمن سماهم بالخوارج، بحيث أن الذي يقترف جريمة قتل نفسه وقتل العشرات في عملية انتحارية لا يمكن أن يوصل إلى الآخرين رسالة تعاطف، وهو الكلام الذي قاله " مدني مزراق" الأمير السابق (التائب) لما سمي بالجيش الإسلامي المسلح الذي ندد بشدة بالعمليات الانتحارية الأخيرة، واعتبرها العديد من الشخصيات الإسلامية بعدا خطيرا يراد به " التشكيك" في مسار المصالحة الوطنية من جهة وتقديم الصورة السلبية التي ترضي الأوروبيين بالخصوص الذين يستعدون لعملية "طرد" عشرات المسلمين العرب من أوروبا بتهم مختلفة، أولها الإرهاب، كما هو الحال في فرنسا التي تستعد بدورها إلى ترحيل عشرات الجزائريين بنفس التهمة، وكأنها تقول للعالم أن ما يجري في الجزائر لا يمكن السماح به على الأراضي الأوروبية، أو الفرنسية بشكل خاص..<BR><font color="#0000FF">إرهاب ينتقم من مصالحه! </font><BR>مسيرة المليون المبرمجة في الجزائر، والتي تكلمت عنها الصحف الجزائرية قائلة أنها تريد أن ترفع صوتها ضد أمراء الدم والجريمة في البلاد لم تكن عفوية تماما، فقد ذكرت صحف جزائرية أن خروج المواطنين للتنديد بالإرهاب لم يكن لولا أن الإرهاب وصل إلى "عباءة" الرئيس نفسه الذي كاد يدفع حياته على بعد عشرين دقيقة من التفجير الذي وقع في ولاية باتنة التي زارها، وهو التفجير الذي خلف في رقم رسمي 28 قتيلا و 112 جريحا، بالإضافة إلى العملية الانتحارية الثانية التي استهدفت ثكنة حراس السواحل.. <BR>كان التوقيت محسوبا في تاريخ يعتبره الجزائريون "نحسا" على أمنهم بالخصوص وأن نشاطات الجماعات المسلحة هذه السنة بلغت ذروتها منذ بداية شهر سبتمبر.<BR> وحسب " عمار لعريبي" المحلل السياسي؛ فإن تزايد العمليات الانتحارية في هذه الفترة تعكس محاولة للتشكيك في جدوى المصالحة الوطنية، لكن العديد من الملاحظين يعتبرون أنه منذ الإعلان عن قرب إنشاء حزب سياسي إسلامي بديلا عن الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة هو من فجر حالة الغضب في صفوف الجماعات المسلحة التي اعتبرت الشخصيات الإسلامية المستسلمة لمصالح الأمن بمثابة "خائنة "، بالخصوص بعد أن تسربت معلومات إلى الصحافة قالت عنها ـ موثوقة ـ جاء فيها أن مدني مزراق وجه رسالة مباشرة إلى أمير ما يسمى بتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي يدعوه فيها إلى العودة إلى الصواب، وكان رد "الأمير" في عملية إرهابية تبناها شخصيا في بيان رسمي كادت تؤدي بحياة " مصطفى كرطالي" الذي كان يشغل منصب " أمير كتيبة الرحمن" وهي الكتيبة التي ساندت ميثاق المصالحة الوطنية.<BR><font color="#0000FF">الجزائر في خطر لكن الثمن سيدفعه الجميع! </font><BR>هكذا قال أحد الإسلاميين الذين أبدوا استيائهم من " تواطؤ" جهات كثيرة مع الإرهاب، وقد اتهم "عمار سعدوني" أحد التائبين قائلا:" لقد استفاد أباطرة الساسة في الجزائر من الأزمة لتضخيم ثرواتهم في زمنية العنف المسلح، وأصبح من الصعب محاسبتهم اليوم لأن محاسبتهم سوف تعني رجوعا إلى إرهاب آخر سوف سيمارسونه لأجل التغطية على ملفاتهم الفاسدة.." وقد ذكرت صحف كثيرة العلاقة بين الفساد الإداري وبين الإرهاب المسلح، بحيث أن قضية " الخليفة" وحدها ( وهو رجل أعمال جزائري متهم في قضايا فساد بالتواطؤ مع جنرالات في صفقات مريبة) كلما أخرج ملف قضيته إلى الضوء إلا وعادت تفجيرات عشوائية إلى السطح كما يقول المراقبون، ما جعل الملف الأمني الجزائري من أكثر الملفات تشعبا لأنه لم يعد مرتبطا بالجماعات الإسلامية الراديكالية فقط، بل أيضا ببارونات السلاح والصفقات المشبوهة الذين جمعوا ثروات طائلة في ظروف أمنية خطيرة عاشتها الجزائر. وإن كان الأمر اليوم يبدو مختلفا قليلا عن الأمس من حيث وصول برقيات التنديد من أكثر من جهة ومن شخصيات إسلامية عربية وهو الذي بدا أشبه بالمساندة المعنوية غير مسبوقة لرئيس جزائري، فقد ذهب "مدني مزراق" إلى وصف التفجيرات التي يذهب ضحيتها الأبرياء من المدنيين "بالعار" الذي يسيء إلى قيم الإسلام.. بينما نشر الشيخ عباس المدني بيانا صريحا اعتبر فيه ما جري في الجزائر دليلا على ضرورة العودة إلى المصالحة الحقيقية التي يفهمها المقربون من عباس مدني على أنها ضرورة" تشكيل حركة إسلامية سياسية فاعلة" تستطيع أن تصحح المسار السياسي في البلاد.. <BR>ما يجري في الجزائر لم يعد يخص الجزائريين أنفسهم لأن العنف وصل أكثر من مرة إلى المغرب وقد مس دول إسلامية أخرى ولم يكن في أغلبه عفويا لأنه خدم إيديولوجية الغرب في الإساءة إلى الإسلام وإلى المسلمين ككل، لهذا لم يكن غريبا أن تقول صحيفة بحجم "لوكورييه" الفرنسية أن " الرئيس التركي الجديد مطالب بأن يكون "ذكيا " في التعامل مع الواقع الدولي الراهن بكل متغيراته، وهي العبارة التي تعني أن الجميع يربطه بالإسلام، وبالتالي الذين ينفذون عمليات القتل باسم الإسلام يساهمون في دعم فكرة " الإرهاب الإسلامي" التي يسوقها المجرم الدولي الكبير" جورج دابليو بوش"..!<BR><br>