عيد بفأل الخير عدت يا عيد
10 ذو الحجه 1428

[email protected] <BR><BR>يخالجني شعور دائم أن غمامة سوداء من المآسي التي تلف أمتنا استبدت بشعوبنا والنخبة المصلحة في قلبها من حال يرثي له الشعراء والكتاب، حتى لكأنها ما عادت ترى في النفق برقة أمل أو ومضة تهدي إلى سواء السبيل.. <BR>ذاهلون نحن من فرط ما قد طوقنا من أخلاقيات قد ساءت وسلوكيات قد انحدرت وعبادات قد أفرغت ومن أثرة على الدنيا ورغبة عن الآخرة، عن أن ثمة ما يدعو للفأل والاستبشار..<BR>نكرر الحديث ذاته الذي سبق وقلناه وتواصينا به وشدد عليه غير مشفق على حال الناس أن تسري فيهم كريات اليأس والإحباط غير أن مزيداً من الداخلين إلى دائرة اليأس والاكتئاب يتوافدون على مناطق الإحباط المفضية إلى الاستسلام إلى اللحظة والركون إلى حظيرة الإذعان، نعم نعود ونكرر أننا قد ألفنا من فرط ما يكتنف هذه الأمة الإسلامية من أحزان ومشكلات أن نردد قول الشاعر الفريد المتنبي الذي بثه من قلب كسير قبل نحوٍ من ألف عام : <BR>عيـد بأية حال عدت يا عيـد بما مضى أم لأمر فيك تجديـد <BR>أما الأحبـة فالبيـداء دونهـم فليت دونك بيـدا دونها بيـد <BR>......<BR>أصخرة أنـا ما لـي لا تحركني هذي المُدام ولا هذي الأغاريد <BR>......<BR>وعندها لَذ طعم الموت شاربٌه إن المنيــة عند الذل قِنديـد <BR>(البيد : الصحراء , المدام : الخمر , الأغاريد : الأغاني , القنديد : العسل الأسود)<BR>ألفنا من زمن هذا الإحساس بالمرارة كلما مر علينا عيد , وحقوقنا مهدرة في أصقاع الأرض , وهذه الألفة حدت بكلمات شاعرنا الحزينة أن تنتشر وتعاود الظهور كلما مر عيد على المسلمين , وإذا كانت مشكلة المتنبي شخصية بالأساس تخص خلافه مع حاكم مصر كافور الإخشيدي ؛ فإن مشاكل المسلمين العامة وأتراحهم هي التي جددت هذه الأبيات وأحيتها حتى وضعها عدد كبير من الشعراء شامة وأمارة للحديث عن واقع المسلمين المعاصر , ولا غرو أن يصدح الشاعر عمر بهاء الدين الأميري ـ وحال الأمة الإسلامية كما هو معلوم ـ قائلاً : <BR>ما العيد و(القدس) في الأغـــلال وفي الخليل ملمّات وتشريد<BR>وزأرة المسجد الأقصى مضرجة الـ أصداء بالدّم والويلات ترديد<BR>.. الأحزان كثيرة والآلام أيضاً , غير أن البكاء لا يعيد مجداً ولا يرفع هامة , فقديماً سرى صوت خفيض مفعم بالمرارة من فم المعتمد بن عباد أمير أشبيلية يرثي مجداً أثيلاً من رحم منفاه الإجباري بعد أن أسره يوسف بن تاشفين , وهو يستقبل عيده قبل تسعة قرون : <BR>فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا فساءك العيد أغمـأت مأسـورا<BR>...... <BR>من بات بعدك في ملك يسر بـه فإنما بـات بالأحـلام مغـرورا <BR>ولم تكن كلمات المعتمد بقادرة على أن تعيد له ما مضى من ملك عظيم , فمات كمداً في أغمات .. ومثلما لم تكن كلمات المعتمد تملك القوة لإعادة النضارة إلى وجه المعتمد والرفاه إلى حياته ؛ فلن تتملك الإرادة نفوس المعتمديين الجدد. (وقد كان المعتمد معذوراً وهو أسير أما غيره فإنه حريص على أن يأسر نفسه وهو طليق) <BR>واليوم ونحن نستقبل العيد المبارك السعيد, نرى الأمة الإسلامية مدعوة لأن تزرع الفأل من جديد في ربوعها , والبشر في جنباتها.. ونرى الطليعة المؤمنة في لازم المسؤولية أن تبث في الأمة الكسيرة روح التفاؤل والاستبشار بالقادم .. ليس عن سذاجة وسطحية, بل لأن هذه الأمة بالفعل لم تفقد أدواتها الحضارية ولن تفقدها ما بقي في الأرض من يقول "الله.. الله", وليس لأننا نريد أن يعيش الناس في الأوهام, بل لأننا نريد اتساقاً مع روح الشريعة الغراء أن ننشر الأمل في القلوب, واستلهاماً لمحبة نريد أن تكون كما استقامت للنبي صلى الله عليه وسلم؛ أن تنشرح لها الصدور : "لا عدوى و لا هامة و لا طيرة و أحب الفأل الحسن" [ قاله النبي صلى الله عليه وسلم وأخرجه مسلم] .<BR>وكما تقدم ليست هذه كلمات تخدير ليمر العيد ببهجته وفرحته على المسلمين, وليست تسطيحاً لفكر يرى الخير يعم والمؤامرات ضد الإسلام والمسلمين قد انحسرت أو ذهبت جهودها أدراج الرياح. <BR>لسنا نملك إلا أن نقول ونحن نستقبل العيد والأطفال تغرد في الحدائق والأهلون يتزاورون في المنازل, أننا نعيش المحنة بكل معانيها ومفرداتها, غير أننا ومع ذلك لا يستبد بنا اليأس والإحباط أن نعي أن المخاض صعب ومن دونه وليد جميل, وأن الشوك يحف الرياحيين, وأن العتمة تسبق الفجر المشرق. <BR>ودعونا الآن من الإنشاء إلى الحقائق نداولها بين عقولنا, نقلب فيها النظر ثم إلى الخلوص إلى النتائج التي تجيب على هذا السؤال المنغص: هل من حقنا أن نفرح؟ هل من حقنا أن نتفاءل؟ <BR>قبل أن نطرح الحقائق تحدونا رغبة في أن نلفت إلى الفارق الشاسع بين الفأل كحالة لا تجعلك تهمل المعطيات السلبية ولكنها تقفز فوق الجراح وتلوذ بالواقعية العملية من دون النظر إلى عقابيل الطريق ووعورته كسد يمنعك من التحرك أو ربما التفكير في التحرك , والتسطيح والتخدير ـ كذاك الذي صاحب النكبة العربية وإعلامها ـ كحالة تجلسك على مقعد المتفرج تصفق للأوهام!! <BR>إنما العياذ بروح تفاؤل تبني الشخصية الطموحة الراغبة في التغير , وترفع إلى السماء استعلاء المرء بدينه واعتزازه بحضارته الضاربة بجذورها في تربة التاريخ. <BR>وهاكم حيثيات تفاؤلنا: <BR>تزعزع أركان العسكرية الأمريكية والأطلسية في العراق وأفغانستان وبطلان السحر الذي ما تفتأ الآلة الإعلامية الغربية أن تعقده على آذان المسلمين حول العالم عن قوى لا تقهر قد حازت مقومات الغلبة وجادت لها التقنية التي تملكها بأدوات تجعل قولها فاصلاً في العالم دونه القدر والعياذ بالله، فهكذا يصورون فجعل الله جهدهم بوراً وعملهم هباء منثوراً وهكذا ينفقون تريليوناتهم، فسينفقونها والمزيد حتى من جيوب بعض بني جلدتنا ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون..<BR>إنهم الآن يعترفون بأنهم ساروا في السبيل الخاطئة ولم يعد أمامهم إلا رشاوى ضعاف النفوس من القبليين بعد أن عجزت الترسانات النووية والتقليدية والأجهزة الاستخبارية العملاقة أن تمنحهم حظاً من الانتصار والغلبة أو الكرامة، إذ من يهن الله فما له من مكرم. <BR>واهتزت ثقة الصهاينة بأنفسهم وإن قتلوا هنا أو هناك من قتلوا بعد أن توافر للمقاومة الفلسطينية في الداخل لأول مرة منذ بداية القضية الفلسطينية مقاومة في الداخل بمثل هذه القوة والتدريب النظامي والأسلحة الفاعلة وإن لم تكن مناظرة..<BR>على أن المقاومة لا تختزل الفأل لأن حاجة الأمة لأخلاقياتها وإيمانها أعز وأبقى من أسلحتها وجيوشها، وتلك لم يتودع منها في الحقيقة، ويبقى في الأمة الإسلامية خير عميم، يحدوها لأن تكون الأنظف أخلاقاً وإن تلوث بعض أطراف ثوبها والأنقى سريرة ولو دخلت على كثير من الناس الميكيافيلية من أقطارها، والأجدر على توجيه البشرية وريادتها وإن تخلفت تقنياً وتعليمياً. <BR>إن أمتنا ـ خير أمة ـ ورسالتنا التي هي خير الرسالات ورسولنا الخاتم أفضل خلق الله وبقاء الخير في قطاعات عريضة من المسلمين تهرع إلى المساجد وتنحر الأضاحي وتحج بيت الله وتؤوب إليه في الملمات والفتن والخطوب وتتذكره متى نفضت عنها غبار الحياة المادية بكل قسوتها وطغيانها وسفور أخلاقها وسلوكياتها.. فبرغم ما يعتري أمتنا إلا أنها الأفضل والأرقى والأنظف.. الأقل سفكاً للدماء، والأقل جرائم، والأقل أنانية.. <BR>نعم إن معظم المشاريع الخيرية في العالم الإسلامي مقيدة، وصحيح أن قطاع الأوقاف يكاد يكون قد أصيب بالشلل في حوض العالم الإسلام، لكن سنابل الخير تؤتي أكلها بإذن ربها رغم تسلط القوى العظمى على جهود الخيرين وعملها على منعهم من أداء مسؤوليتهم. <BR>وصحيح أن انسياب الزكوات في العالم الإسلامي في مشاريع تنموية قد لاقت حائطاً مسدوداً في معظم الأحايين إلا أن كثيراً من لجان الزكوات تصنع تكافلاً اجتماعياً يتجلى أكثر في الأعياد ورمضان أي كلما اقتربت الأمة من منهجها وشريعتها.. <BR>كم يجهد آباء رغال في تغريب الأمة وشعوبها، ويتملكهم اليأس إذا ما شهدوا الجموع تدير لهم ظهورها وتستمع إلى المخلصين من أهل الخير وهم كثيرون بحمد الله رغم كثرة التجار بعواطف المتدينين. <BR>إنه الإسلام يحمل مقومات بقائه.. وأمته تظل صاحبة الريادة ولو تعثرت في الطريق. <BR>لقد صدق نيوتن حين قال بأن لكل فعل رد فعل .. وإذ نشاهد هذا المكر الكبار حيال الإسلام ندرك بما لا يدع مجالاً عندنا أن هذا الإسلام عملاق وأن من دونه أقزام مهما توافرت بين أيديهم من أدوات الفعل .. فامضوا بني الإسلام .. لا ترهبون من أقزام لا يطاولون بقاماتهم المشرئبة قدم العملاق .. ولتقر أعينكم بحديث الصادق المصدوق {لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين على من ناوأهم , وهم كالإناء بين الأكلة حتى يأتي أمر الله وهم كذلك} [ رواه الطبراني] , ولتصرخوا بوجه كل مرتاب أو خوان : <BR>قل موتوا بغيظكم .. أمامكم المناهج التعليمية فغيروها .. ودونكم الإعلام فغربوه .. وبين أيديكم الحكام فأخضعوهم .. والمؤسسات فاخترقوها .. والدعاة فكبلوهم .. والصادحون بالحق فأخرصوهم .. والمصلحون فأقصوهم .. أما الإسلام فماض في طريقه .. وطليعته الرائدة زاحفة لمبتغاها لا يحول دونها معوقات ؛ كذا قال الهادي الأمين صلوات الله وسلامه عليه : {لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك} [رواه الشيخان].<BR><br>