حكومة فياض, استحضار المادي وتغييب المصيري!
15 ذو الحجه 1428

<font color="#0000FF"> أولويات حكومة فياض: </font><BR>على أولوية حكومة سلام فياض ؛ النقيض (الإيجابي) لحكومة الوحدة الوطنية المقالة, مهمتان, الأولى أمنية, والثانية اقتصادية مرحلية. تمارس الأولى بإشراف أمريكي مباشر ومعلن... وعلى عين "إسرائيل" وبصرها. وتستعين بالثانية لتجريع الشعب الفلسطيني حلا يبدو أقرب إلى الشكل منه إلى المضمون. <BR>وعلى الصعيد الأمني بدأت بنابلس المعقل الأهم في شمال الضفة الغربية, في خطوة أولى ومهمة , لتكون النموذج الذي يحتذى في المحافظات والمدن الفلسطينية الأخرى, استجابة وتنفيذا لخطة خارطة الطريق. <BR>ويتبدى سلام فياض الرجل الأنسب لتلك المهمة الاقتصادية؛ فقد تبادرت إلى الوعي الشعبي الفلسطيني, منذ اختير رئيسا للوزراء, معاني الأمن المعيشي بانتظام الرواتب وزيادتها. لما يحظى به من قبول دولي, أمريكي, على وجه الأهمية, وقد صدق ذلك الظن بمجرد إعلان حكومته, وهو ما أعطى مؤشرا واضحا للمواطن العادي أن ثمن الموافقة التامة على المطالب الأمريكية و"الإسرائيلية" هو الانفراج المعيشي, ولتصبح الضفة هي الأمل الماثل الذي يلوح لأهل غزة, ويمنيهم بالالتحاق بالنهج الذي حسّن أوضاع الضفة. ولهذا أهميته المعيشية لدى شعب يتقلص فيه دور العمالة التي تعتمد في الغالب على "إسرائيل" التي لا تمنح التصاريح اللازمة إلا لأعداد محدودة ... ويمثل الموظفون فيه القطاع الأهم في تحريك عجلة الاقتصاد الذي كان وصل إلى حافة الانهيار. <BR>لقد عاشت غزة والضفة أوضاعا اقتصادية صعبة منذ وصول حماس إلى المجلس التشريعي والحكومة,بدايات 2006م كانت تستهدف إسقاط حماس, أو تطويعها, أو ترويضها؛ للاعتراف بـ"إسرائيل" والقبول بالاتفاقات التي أبرمتها منظمة التحرير, لكنها, ولم تفعل, فقد عمَّت الإضرابات المرافق الحكومية كلها تقريبا...<BR>وعلى الصعيد الأمني كانت تنامت في مدن فلسطينية مظاهر طارئة على العمل المقاوم وتسربت في محيطه جماعات تمارس العربدة وفرض " الإتاوات " على التجار وإلحاق العسف بحياة الناس, ليصبح ذلك هما مضافا على الهم اليومي الذي يتسبب به الاحتلال الإسرائيلي بالاعتقالات والمضايقات على الحواجز والحصار الاقتصادي, وليختلط غث هؤلاء بسمين المقاومة. <BR><font color="#0000FF"> عباس والهامش الضيق : </font><BR>غلّب محمود عباس إبان ترشحه للرئاسة, بدايات 2005م, شعارات الأمن والأمان والطعام على الشعارات الوطنية الكبيرة والمهمة من مثل القدس واللاجئين والمستوطنات. ما يشعر بالأفق الحقيقي الذي يستطيعه, ويُقبل منه. وهو يعلي من البعد المعيشي في كل مناسبة, ففي خطابه الأخير أمام مجموعة الدول المانحة في باريس:" أننا لن نغامر بمصير شعبنا وسلطته الوطنية ومؤسساته ولقمة عيشه، ولن نقبل تعريض شعبنا للحصار الدولي مرة أخرى" ويغيب من خطابه البعد النضالي الشعبي الذاتي ويحضر هاجس الرضا الدولي المشروط هذه الآونة بشروط متأمركة, تتبدى في لباس التوازن, ومستأنسا بالتفويض العربي, والمبادرة العربية, الغائبة عن الفاعلية والتأثير. <BR><BR>واليوم تُجابَه حكومة عباس بعقبات قاسية وحرجة على المستوى الحقيقي الذي يشغل الشعب الفلسطيني ويؤرق أبناءه في الداخل والشتات, يتمثل ذلك في مصيره مع المعضلات : المستوطنات والقدس والعودة والحدود, فالمستوطنات التي لا تبدي "إسرائيل" رغبة في إيقافها, وتختار التوسع الاستيطاني في القدس التي تصر على الاحتفاظ بها؛ بمزيد من الاستيطان. وكذا العودة التي ابتدعت لها مسألة الاعتراف بيهودية الدولة؛ لتكون استباقا لها, وترسيخا لاستبعادها. هذه هي المهددات الحقيقية لأية حكومة تروم التحرر والاستقلال, وليست الأزمة المالية, كما يُصوَّر, حتى يبدو نجاحها في تأمين الرواتب مكسبا كبيرا ونصرا مبينا!! <BR>والمسألة البدهية الغنية عن البيان أن الحكومة الحالية التي شرطها الوجودي السير بحسب التخطيط الأمريكي المباشر. والمفتقدة للالتفاف الشعبي والوطني, بجناح الضفة المنقبض, وجناح غزة الكسير. والرافضة للعمل العسكري المقاوم, حتى الملاحقة وجمع السلاح. وغير المتحمسة حتى للنضال السلمي ضد الاحتلال ومشاريعه الاستيطانية. حكومة بتلك المواصفات لا تملك من الشجاعة ما يؤهلها لرفض ما يعتبره الجميع حتى الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي غير مقبول: بناء (307) ثلاثمائة وسبع وحدات سكنية في جبل أبو غنيم في أراضي القدس؛ ما أغرى الكيان الغاضب بالتمادي؛ فجاهر وزير الإسكان فيه زيف بويم بإعداد خطط لبناء حي استيطاني جديد على أراض فلسطينية محتلة في القدس الشرقية, معتبرا ذلك غير متناقض مع التزامات (السلام) لأن تلك الأراضي التي يستوطنون فيها, ليست من الأراضي التي سيقيم عليها الفلسطينيون دولتهم!! . فهل بعد كل هذا تملك هذه السلطة وحكومتها القدرة على فرض ما تريد, أو يريده الشعب من سائر حقوقه المضيعة؟! <BR> <font color="#0000FF"> التفاتة المغادر :</font><BR><BR>تقرير بيكر هاملتون كان دعا الإدارة, في مجموعة من التوصيات للخروج من المأزق العراقي, إلى الالتفات إلى قضية الصراع العربي الإسرائيلي, ولكن هل تستجيب إدارة بوش لتلك التوصيات استجابة كاملة؟ المراقب إلى ما يجري في العراق ودول الجوار, إيران وسوريا, يلحظ تحولا لا تخطئه العين في السياسة الأمريكية التكتيكية منهما, وهو ما دعا إليه التقرير, ومثل هذه الاستجابة تمت تجاه الصراع العربي الإسرائيلي, ومن مؤشراتها مؤتمر أنابوليس الذي كانت القضية الفلسطينية عنوانه.<BR>لكن الإدارة الأمريكية الحالية, وليست بدعا في الإدارات, تتعامل مع القضية الفلسطينية تعاملا لا يرقى إلى المستوى الذي لها في الواقع, والذي تشغله من سويداء القلوب, لدى أهل فلسطين والأمة بأسرها, لذا تتعامل معها بقدر من السطحية والنظر الآني, و باستخفاف أحيانا بآمال الشعب الفلسطيني وأمانيه العادلة مستفيدة من الانفضاض الرسمي العربي عنه, ومن الموقف الفلسطيني الرسمي الذي لا يسيطر إلا على الضفة الغربية بغير قليل من القمع والتضييق على الحريات.<BR>ولا تنتهج مع الحكومة الإسرائيلية نهج الحزم , وربما لا تستطيعه, وهي التي تلملم حقائبها للمغادرة . ولا تمارس عليها أي ضغط سوى الحث الذي لا تتورع "إسرائيل" إزاءه عن إحراجها بالرفض العلني له, كما حدث مؤخرا حين قررت الحكومة الإسرائيلية, ومعها القوى السياسية الإسرائيلية المهمة التوسع الاستيطاني في أبو غنيم .<BR>والإدارة الحالية لا تمارس دورا حتى في مسألة جزئية مهمة للمواطن الفلسطيني؛ ليشعر بتحسن طفيف في حياته اليومية, وهي مسألة الحواجز والقيود التي تعوق الحركة الإنسانية والتجارية. <BR>في هذه الأوقات المتضائلة, والأدوات المحدودة للحل, والظرف العربي المتخلي لصالح الممثل الفلسطيني, يدور الحديث عن حل نهائي لقضية تشغل مكانة مهمة على المستويات كلها. <BR><font color="#0000FF"> أسئلة تُوجَّه إلى الخطة الإنمائية:</font><BR>وعلى وقع الاستعجال والاستخفاف بعمق الأزمة الفلسطينية ومصيريّة قضاياها المغيبة تقدمت حكومة فياض ب«خطة التنمية والإصلاح الفلسطينية» فحظيت بموافقة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي, وحظيت كذلك بثقة المجتمعين في مؤتمر المانحين في باريس.<BR>وقد جاءت هذه الخطة, بحسب وزير التخطيط في حكومة فياض؛ لتخرج الاقتصاد الفلسطيني من حالة الركود إلى حالة النمو, ولتخفف من الفقر والبطالة, وتنهي الفوضى والفلتان الأمني, ولتحقق الأمن والأمان للمواطن, كهدف وأساس لمعالجة شؤون المواطنين الذي هو مفتاح النجاح في كافة الأمور الأخرى. <BR>لا يتقبل البحث الجاد إمكانية تنمية حقيقية في فلسطين في ظل احتلال يستأثر بالموارد الاقتصادية المتاحة, ويتعسف في اليسير المتبقي منها. مهما تفتقت العقليات الاقتصادية من خطط إنمائية. وقد رأى البنك الدولي بأن هذه الخطط لن تكون كافية لإحياء الاقتصاد, إذا لم ترفع إسرائيل القيود المفروضة على التجارة والحركة. وهو الأمر الذي تركته رايس إلى التفاوض, مفتوحا على الزمن؛ حيث لم تؤكد أن رفع القيود سيكون قريبا, وإنما سيتم_ بحسب قولها_ في نهاية المطاف! <BR> وينتاب الكثيرين شكوكٌ في انحياز تلك الخطة الإنمائية إلى المطالب الحقيقية للشعب الفلسطيني الذي لم ُيتح له الاطلاع عليها , والمفترض أنها تخصه بالدرجة الأولى, وتفردت الحكومة ببنائها, مشغولة بالهاجس الخارجي؛ لِ"أن كسب ثقة المانحين أمر أساسي" ما عرَّضها لانتقادات ومواقف رافضة, تبنتها منظمات أهلية ومراكز حقوقية فلسطينية, لاحتوائها على ثغرات -حسب تلك الهيئات- من شأنها أن تفاقم الأوضاع الاقتصادية الفلسطينية عموما وقطاع غزة تحديدا.<BR>وتستهدف الخطة في المحل الأول تقوية مكانة السلطة, وتعزيز قبضتها على الجانب المعيشي للمواطن؛ ذلك أن 70% من الهبات مخصصة لمساعدة الموازنة على تغطية النفقات الجارية. ما يزيد من تعلق المواطن بها, وتجعله يفكر كثيرا قبل الجهر برأيه المعارض في وقت يستعر فيه الغلاء. وتتفشى البطالة إلا من موظفي السلطة الذين يفوق عددهم 165 ألفا, ويجعل 25% من سكان الضفة وقطاع غزة يعتمدون في معيشتهم على الرواتب التي تدفعها السلطة. <BR>ويبقى سيف التمنع والتهديد الإسرائيلي مسلطا على حكومة رهنت كل إمكاناتها, وعطلت خياراتها إلا السلمي البحت منها, وقد صرحت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني الأحد 16/ 12 / 2007 : "إن تحسين الأحوال الاقتصادية للفلسطينيين يجب أن ينظر إليه جنبًا إلى جنب مع المخاوف الأمنية الإسرائيلية، وأتوقع أن يدرك العالم أن المسألتين هما طرفا المعادلة". ما يلجىء السلطة إلى تسليط سيفها على الشعب, أو على من أعاقها منه عن استيفاء تلك المطالب التي صارت رهينة لها. <BR><font color="#0000FF"> تساؤل عن معنى التفاوض في الوضع الراهن </font><BR> هل يتوجب على الفلسطينيين السير في التفاوض في كل ظرف, وبأي ثمن؟! <BR>إذا كانت العملية التفاوضية تكتسب مسوغاتها من دعاوى تحصيل حقوق الشعب الفلسطيني؛ فماذا تبقى من تلك الحقوق, وقد لاقت كل تلك الاستهانة من أمريكا وإسرائيل؟ حتى تبخرت وأمكن المتابع أن يحكم على شكل الحل المقترح ومصير الحقوق الفلسطينية المتبخرة والذاهبة مع ريح التنازلات وغبار الزمن الحافل بالأمور الواقعة.<BR>وتساؤل يتكرر: إذا كان جل الفصائل الفلسطينية في منظمة التحرير وخارجها تعارض هذه الوضعية التفاوضية وهذا القدر من التنازل؛ فمن تمثل هذه الحكومة التي تتصدى لهذه المرحلة المصيرية من القضية الفلسطينية؟! وهي مفتقدة الشرعية الدستورية في نظر حماس, وفي فتح نفسها أصوات ترتفع بالنقد لهذه الحكومة, حتى التهديد بحجب الثقة عنها, وإن اختلفت أسبابه, وتفاوت في المبدئية والثبات. <BR>ربما تعمد حكومة فياض في المرحلة المقبلة إلى الدفع نحو تحسن اقتصادي ما, يخفف من حدة الفقر والبطالة, وقد تعمل على احتواء أية أصوات من الصف الفتحاوي؛ بتعديلات في الحكومة, تسمح بوجود امتيازات سياسية أكثر للحركة, ولاسيما تلك القيادات التي تقترب من خط الحكومة الحالي والمستقبلي. <BR>وفي الوقت نفسه تمارس أمريكا ضغوطا ومساومات مع سوريا وإيران؛ ربما أفضت إلى تضييق الفسحة و"ترشيد" مستوى الاحتجاج من القوى الفلسطينية المعارضة. فهل ستنجح؟ أو تسمح لها إسرائيل بالنجاح؟ والإدارة الأمريكية على وشك الرحيل, وإسرائيل التي تملك الأوراق على الأرض تسمع المواقف المعلنة الأمريكية: أنها لا تنوي ممارسة ضغوط على أولمرت وحكومته, وإنما ستكتفي بحثّها على الوفاء بمتطلبات السلام , كما حثتها من قريب على توقيف البناء في جبل أبو غنيم, ولم تفعل. <BR>الراجح أن الإدارة الأمريكية الحالية, وهي تتراجع عن الرهانات الكبيرة, والأهداف العالية في العراق والمنطقة, لصالح تهدئة تسمح لها, بالحديث عن نجاحات, تسعى بنفس الأسلوب نحو فلسطين إلى نوع من الحلول السطحية الشكلية, وإسرائيل تدرك ذلك؛ فلا تعبأ بأية التزامات, وتستمر في برامجها ونشاطاتها..., كالمعتاد؛ فمن أين كل هذه الثقة للحكومة الفلسطينية, وعلامَ يكون الرهان؟!<BR><BR><br>