مقتل بوتو.. ألوان اللوحة لم تجف
18 ذو الحجه 1428

[email protected] <BR><BR>انقلبت الطاولة وطاشت كل التوقعات، وتناثرت مع أشلاء المرافقين لبوتو ومع الشظايا التي أصابتها طموحات وسياسات محلية وإقليمية ودولية كثيرة. <BR>بوتو كانت معدة لتبوأ منصب رئاسة الوزراء وقد عقد لها خرز التاج، لكنها الآن مسجاة استعداداً لدفنها وفقاً لطقوس الطائفة الإسماعيلية التي تنتمي إليها. <BR>سيبحث المحللون عن القاتل، لكن التوقيت بالأكيد هو القاتل المعروف حتى الآن، ففي لحظة فارقة في ساعة السياسة الباكستانية قتلت بوتو مثلما اغتيل الرئيس الباكستاني الأسبق ضياء الحق مع اختلاف توجه الشخصيتين؛ فلقد اغتيل ضياء الحق، عندما أبان عن توجه ديني لحكمه وأدار ظهره للولايات المتحدة الأمريكية وإيران، بينما غابت بوتو إلى الأبد حين استقبلتهما وتوعدت "المتشددين" و"إرهابي" المدارس الدينية التي تعلم أبناءها التصويب بالبنادق كما قالت الراحلة قبل أيام. <BR>بيد أن أصابع الاتهام ليس بالضرورة أن تتجه في مقتل بوتو إلى متدينين رأوها خطراً على دعوتهم ومدارسهم الدينية، بل إن احترافية عملية القتل تومئ إلى جهة أكبر من عمليات "هواة" الطلاب، علاوة على أن بوتو لم تكن في معية حرسها الخاص وحدهم، بل تمر عملية تأمينها بإجراءات معقدة تمر عبر واشنطن وإسلام آباد إذ إن وجود بوتو لم يكن رهيناً بإرادة توافقية بينها والرئيس الباكستاني برفيز مشرف فقط، بل تمت عبر إملاء صريح من<BR>جون نيجروبونتي نائب وزيرة الخارجية الأمريكية الذي اتضح جلياً تأثيره خلال زيارته إلى باكستان قبل أربعين يوماً. <BR>الولايات المتحدة كانت راغبة في وصول "الليبرالية" بوتو إلى رئاسة الوزراء، وتلاقت مصالحها مع الرئيس الباكستاني برفيز مشرف الذي رآها ـ أقل الخسائر ـ في مساعي تجريده من صلاحياته المطلقة التي كان يتمتع بها، ولذا كان مفهوماً أن يخرج رئيس الوزراء السابق نواز شريف من حيز التطلع لرئاسة الوزراء إلى "التمثيل المشرف" داخل البرلمان الباكستاني، فيمنع من حقه في الترشح للانتخابات ويسمح لحزبه بذلك، وإذن كان الرئيسان بوش ومشرف معنيان بشكل مباشر بضمان سلامة بوتو، وقد تبدى ذلك جلياً في أعقاب محاولة اغتيالها لدى عودتها من منفاها قبل شهرين حين خاض الناس في كون هذه المحاولة مسرحية اغتيال هدفها منح بوتو كاريزما إضافية أم محاولة جادة من قبل أطراف رأتها في عداد الموتى أفضل من كرسي رئاسة الوزراء. <BR>ومهما يكن من أمر؛ فقد تكون عملية اغتيال بوتو من طرف الاستخبارات الباكستانية أو تحديداً جناحها "الوطني" أو "الإسلامي" أو الاثنين معاً، الذي ساءه ما يسيئه منها شخصياً أو من كونها ستضخ دماً جديداً في عروق الرئيس البغيض إلى جميع قوى باكستان تقريباً. <BR>فوصول بوتو إلى سدة الحكم بمعية مشرف كانت في نظرهم ستعني مزيداً من الارتهان إلى الجانب الأمريكي، وتفريطاً في السيادة الوطنية التي غدت يد الولايات المتحدة على مقربة شديدة من ملفها النووي الاستراتيجي، وموتاً سريرياً لملف كشمير وتباريها مع الجارة الهندية، وتباعداً مخيفاً عن الملف الأفغاني بالغ الأهمية بالنسبة إلى باكستان.<BR>ووصولها سيقود إلى مزيد من العنف الداخلي في منطقة القبائل وتحرشاً زائداً بـ"الحساسيات الدينية" التي أشعلها نظام مشرف عبر سلسلة من الإجراءات مر أخطرها بقضية اقتحام المسجد الأحمر الدموية وما جرته من تداعيات خطيرة في الملفين الإسلامي عموماً والطائفي خصوصاً. <BR>وجود "فدائي" أو "استشهادي" أو "انتحاري" ـ أيا كان المسمى الذي يروق لمحللي السياسة ومحرري الأخبار ـ أو أكثر من بين المهاجمين سيمنحه "مسحة" دينية لكنه لن يحول دون فتح المجال أمام البحث عن الجهة التي سهلت للقناص الذي أصابها في رقبتها بالرصاص قبل أن يفجر ذاته في موكبها الطريق إلى اختراق تلكم الجموع. <BR>سيفتح المحللون الباب مشرعاً أمام تساؤلات مشروعة، حول الاستخبارات الباكستانية، أو الجيش ذاته، أو مجموعة مشرف التي ستقلب الطاولة من جديد وتبرهن على أهمية قوانين الطوارئ وفرضها في تلك اللحظة العصيبة ما قد يمد مشرف في بقائه برغم تخليه عن قيادة الجيش، أو الأحزاب الدينية، أو حزب الرابطة، أو حركة طالبان باكستان، أو تنظيم القاعدة الذي حاول اغتيال مشرف عدة مرات... لكنهم ربما سيقفون أكثر تعثراً أمام اللحظة الراهنة بكل ما تقود إليه من تساؤلات حول مستقبل باكستان الغامض، فوفقاً للمعطيات الأولية؛ فإن فريق المعارضين للانتخابات سيكون أكثر تطلعاً إلى إلغائها الآن، وصناديق الانتخابات ذاتها إن أجريت سيظل مجهولاً ما ستبوح به؛ إذ إن رحيل بوتو قبل عشرة أيام فقط من موعد إجراء الانتخابات قد يعني أموراً عصية على التوقع. <BR>تأجيل الانتخابات وارد.. إقامتها وارد أيضاً وقد يمنح حزب الشعب زخماً كبيراً باعتباره حزب "الشهيدة" أو "الشهداء" مثلما استحسن من قبل لأنصاره وصمه، أو يفقده كاريزمتها للأبد.. إعلان أحكام عرفية وارد.. اشتعال أعمال عنف تقود إلى سيطرة الجيش على مقاليد الحكم وارد كذلك.. انقلاب أبيض وارد كذلك. <BR>الصورة سائلة لم تجف ألوانها بعد، غير أن ما ثبت منها لحد اللحظة أن الولايات المتحدة تلقت صفعة كبيرة، وتتبعها دولة إقليمية صاعدة، وأن فريقاً من مناوئي العلمانية والتوجه الأمريكي في باكستان سيطربون فرحاً بذلك ولو اختزل في سعادة قلبية قد لا تقود الحسابات المحلية والحزبية والإقليمية والدولية إلى ترجمتها إلى ما هو أكثر فاعلية من ذلك.. <BR>واللون الثابت الأكيد في اللوحة سيكون مسارعة الآلة الإعلامية الغربية إلى اختيار بنظير بوتو كـ"سيدة" أو امرأة العام 2007 في نهاية هذا العام، وستوضع كنموذج للمرأة "المناضلة" التي دفعت دمها ثمناً لما ذهبت إليه.. <BR>اللون الثابت أن المقاتلين في جبال القبائل سيفرحون لموتها، وسيقرأ المتدينون "وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت".. "قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء"..<BR>سيقول البعض للحسابات السياسية أن تتوقع.. لكن قدر الله حاكم ونافذ..<BR><br>