الانسحاب الإسرائيلي الزائف من قطاع غزة
2 جمادى الأول 1424

تتناقل وسائل الإعلام المختلفة (العالمية والعربية) منذ ليلة أمس الاثنين أخباراً حول الانسحاب الإسرائيلي من قطعة صغيرة من فلسطين المحتلة، وتتبارى وكالات الأنباء وقنوات التلفزة في بث صور الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، ونقل الابتسامات على وجوه قوات الأمن الفلسطينية وهي ترفع الأعلام وتتسلم أراضيها المحتلة، ونقل الفرحة المرتسمة على وجوه الجنود الإسرائيليين وهم يسلمون مناطق احتلوها أكثر من مرة، آخرها منذ نحو ثلاث سنوات. <BR><BR>هذه الأخبار والصور التي حرصت وسائل الإعلام العالمية (وما تبعها من وسائل عربية) على نقلها إلى المشاهدين العالميين، نجحت في رسم صورة من التفاؤل، وصورة من حرص إسرائيل على تطبيق بنود خطة خارطة الطريق بكل أمانة، إلا أن الأخبار والصور التي لم ولن تنقلها تلك الوسائل الإعلامية، ربما كانت هي الأصدق، والأكثر واقعية، ذلك أن من يعيش على الأرض يرى صورة مختلفة تماماً عما ترسمه وسائل الإعلام المملوكة في الغالب للوبي الصهيوني العالمي.<BR><BR>فالصورة الإعلامية تظهر لنا انسحاب إسرائيلي من بلدة بيت لاهيا، وبيت حانون شمال قطاع غزة، بالإضافة إلى إعادة فتح طريق صلاح الدين الرئيسي أمام حرية حركة تنقل المواطنين، وأن الجيش الإسرائيلي سينسحب الأربعاء 2-6-2003 من بيت لحم، وبيت ساحور، وبيت جال،ا والخضر في الضفة الغربية، بينما على أرض الواقع، وفي عيون الفلسطينيين صورة أخرى مغايرة لها.<BR><BR><BR><font color="#0000FF" size="4">موقف حماس والجهاد الإسلامي من الانسحاب الإسرائيلي:</font></br><BR><BR><BR>في أول رد فعل لحركتي المقاومة الإسلامية (حماس) والجهاد الإسلامي على الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، والذي انتهى صباح اليوم، وصفت الحركتان الانسحاب الإسرائيلي أنه غير حقيقي وكامل. <BR>حيث قال إسماعيل هنية (القيادي البارز بحركة حماس) لوكالة الأنباء الفرنسية اليوم الاثنين:هذا الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة ليس كافياً وليس حقيقياً، مضيفاً : نحن لا نعارض انسحاب القوات الإسرائيلية من أي جزء من أرضنا الفلسطينية، ومقاومة الشعب الفلسطيني تهدف إلى ذلك، لكن يجب أن يكون ذلك انسحاباً حقيقياً، وجلاء حقيقياً للاحتلال.<BR><BR>واعتبر هنية أن إعادة انتشار القوات الإسرائيلية لا يعني للشعب الفلسطيني انسحاباً وجلاء، والتضحيات الجسيمة التي قدمها الشعب خلال هذه الانتفاضة من شهداء وجرحى لا بد أن تُستثمر لجهة دحر الاحتلال الصهيوني بشكل حقيقي عن الضفة الغربية وقطاع غزة بما في ذلك القدس.<BR><BR>وأكد أن الخطوات الخداعية التي يقوم بها الاحتلال الصهيوني لا يمكن أن تنطلي على الشعب الفلسطيني.<BR><BR>أما محمد الهندي (القيادي البارز بحركة الجهاد الإسلامي) فقد قال لوكالة الأنباء الفرنسية بأن: الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة ليس كاملاً، فنحن نريد أرضنا محررة بدون أي جندي إسرائيلي وبدون أي مستوطن.<BR><BR>مضيفاً أن أي انسحاب صهيوني هو في صالح الشعب الفلسطيني، وهو بفعل المقاومة الفلسطينية، ونريد أن نرى انسحاباً حقيقياً على الأرض.. لا نريد احتلالاً لأراضينا نهائياً.<BR><BR>وأوضح أنه بعد انسحاب قوات الاحتلال الصهيوني من بيت حانون كان واضحاً للعيان التدمير والخراب الذي سببته قوات الاحتلال لهذه المنطقة، وخاصة تجريف المزارع والبيوت المملوكة للفلسطينيين.<BR><BR>ودعا الهندي الحكومة الفلسطينية إلى إعلان بيت حانون منطقة منكوبة، وطلب من المنظمات الإنسانية والشعوب المحبة للسلام دعم أهالي بيت حانون، والمساعدة في إعادة بنائها وخاصة البيوت المهدمة، وإعادة تشجير البيارات التي تم تجريفها.<BR><BR><BR><BR><font color="#0000FF" size="4">صورة الانسحاب الإسرائيلي في عيون المواطنين::</font></br><BR><BR>عن أي هدنة يتحدثون والحصار على المدن يشتد والحواجز تزداد والقتل والاعتقال والاجتياح والتوغل والتدمير في تصاعد مستمر، وتزداد الغطرسة الصهيونية يوماً بعد يوم.<BR><BR>بهذه العبارات بدأ الحاج محمد أبو مغصيب حديثة لمراسنا في غزة.<BR>ويشير أبو مغصيب الذي يسكن بالقرب من طريق كوسوفيم الاستيطاني أن ما يتحدثون عنه من انسحابات لا تعدو كونها انسحابات صورية، حيث أشار بالقول: " ما فائدة أن يخرج جنود الاحتلال من داخل القرى و يتمركزوا في مداخلها، ويمارسوا العربدة والاعتقال متى يحلوا لهم" .<BR><BR>وأشار أن "إسرائيل دولة مغتصبة لحقنا منذ عشرات السنين، وهي لا تريد سلام، وتعيش وتتغذى على دماء أطفالنا ونسائنا وشيوخنا، مؤكداً أن السنين الماضية أثبتت أن القوة والردع هو الذي يجعلها تخضع لأي قضية، وأنه من الصعب أن تنتزع حقاً من عدوك وأنت تضرب منه ليل نهار.<BR>وقال أبو مغصيب: " أنا لا أثق في السياسة ولا بالسياسيين، ولا أصدق ما تقوله وسائل الإعلام، فما يجري على الأرض هو الذي يحدد وهو الذي يتحدث" وقد أشار أن الحواجز تزداد، والخناق يستمر، والناس كل يوم وضعها يزداد صعوبة، والأراضي التي تم تجريفها تحتاج لمئات السنين كي تعود مرة أخرى، حيث إن الجرافات الصهيونية دمرت أرضه التي يقتات منها هو وأسرته الخمسة عشر .<BR>وأشار إلى جذور إحدى شجرات الزيتون التي دمرتها الجرافات الصهيونية، وقال: "هذه الشجرة عمرها من عمر الاحتلال، خمسين عاماً، ونحن نأكل منها، ونطعم الجيران، ويأتي جنود الاحتلال ليقتلعونها في لحظه ".<BR><BR>فيما قال الطالب محمد أبو هداف الذي يسكن بلدة القرارة: "إن ما نريده هو انسحاباً حقيقاً نلمسه على الأرض، لا نريد أن نشاهد المستوطنات الممتدة على طول أرضنا"، حيث أشار إلى أن 60 من أراضي مدينة خانيونس تغتصبها المستوطنات الصهيونية، وتسيطر على أجود المناطق وأخصبها وأفضلها للزراعة، وتستولي على المخزون الجوفي الكبير للمياه في غزة، علاوة على أنها "تعيشنا في سجن كبير من خلال محاصرتها لمنازلنا واجتياحها لبلدتنا ليل نهار" ، وتمنى ألا يكون الانسحاب الذي تتحدث عنه وسائل الإعلام انسحاباً صورياً يشمل فقط مداخل الشوارع، وألا تتمركز قوات الاحتلال على مداخل البلدات، كي لا يسهل بعد ذلك الانقضاض على المدن ومحاصرتها، واعتقال وقتل من تريد من المقاومين بسهولة .<BR><BR>وقال أبوهداف: " لا نريد أن نرى الحواجز، نريد أن نمشي بحريتنا، ونصل لجامعاتنا بسهوله" وأشار إلى أنه كان يصل إلى الجامعة الإسلامية التي يدرس فيه خلال 20 دقيقة، ويقول:" أما الآن فبفعل الحواجز العسكرية الصهيونية ربما أصل بعد 6 أو 8 ساعات"، وربما يتم احتجازه ولا يصل، وربما يضطر إلى المبيت في مدينة أخرى نتيجة إغلاق الحاجز .<BR><BR>وتوافقه الرأي مريم العمور( 22 عاما)ً التي قالت: " إننا نضطر إلى أن نسلك طرق التفافية وعرة كي نصل إلى جامعاتنا"، وطالبت بزوال الاحتلال وعدم الاكتفاء بالانسحاب من مداخل المدن الفلسطينية.<BR><BR><font color="#0000FF" size="4">ممارسات إسرائيلية فورية::</font></br><BR><BR>رغم الانسحاب الشكلي الذي بدا للمتلقي العالمي والعربي أنه انسحاباً حقيقياً، إلا أن ما فعلته إسرائيل بعيد انسحابها من هذه المناطق، كان أمراً مخفياً ولم تنقله وسائل الإعلام العالمية، فبعد ساعات من إكمال الانسحاب من شمال قطاع غزة صباح اليوم، كانت أصوات وهدير المركبات العسكرية لقوات الاحتلال وسيارات دائرة المساحة الإسرائيلية كفيلة بإيقاظ حوالي1600 مواطن، يقطنون قرية بيت إكسا شمال غربي مدينة القدس المحتلة من نومهم.<BR><BR>وأصيب مواطنو القرية بالذهول والصدمة حين فاجأهم ما يسمى (ضابط الإدارة المدنية، ومسؤول دائرة التنظيم) في مستوطنة بيت إيل بأن جميع أراضيهم الزراعية وحقولهم باتت تحت يد الاحتلال والمستوطنين لإقامة مستوطنة جديدة على أراضي القرية على مساحة حوالي 14 ألف دونم.<BR>وأخبر ضباط الاحتلال أهالي القرية وممثليها ورئيس جمعيتها الخيرية بأن حدود القرية وممتلكاتها من الآن فصاعداً أصبحت تقتصر على ألف دونم هي المنطقة المصنفة (B) فقط، بينما عدت بقية الممتلكات والأراضي (أملاك دولة) يحظر على أصحابها الانتقال إليها والعمل بها لزراعتها وفلاحتها.<BR><BR>وباشرت قوات الاحتلال فعلياً بمسح هذه المساحات الشاسعة من الأراضي، ووضع اللوحات المعدنية الكبيرة باللون الأحمر التي كتب عليها "تحذير من جيش الدفاع الإسرائيلي والإدارة المدنية هذه أملاك غائبي الدولة ومن يتواجد داخلها يعرض حياته للخطر"، وغيرها.<BR>وأبلغت تلك القوات وجهاء القرية الذين هرعوا إلى المنطقة بأن جميع الأراضي الواقعة غربي شارع المطاطة الزراعي، والتي تشكل الغالبية العظمى من الأراضي باتت تحت تصرف وملكية إسرائيل، والتي شرق الشارع وتقتصر على المناطق السكنية المحصورة والضيقة أصلاً تبقى تحت تصرف سكان القرية.<BR><BR>وأوضح السيد محمد عبد العزيز (رئيس جمعية بيت إكسا الخيرية) لـوكالات الأنباء الفلسطينية أن هذا المخطط الخطير بمثابة طامة كبرى بالنسبة لجميع أهالي القرية الذين سيفقدون جميع أملاكهم، مناشداً جميع أصحاب الضمائر الحية وصناع القرار ومنظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية، والجهات المدافعة عن الحريات والحقوق المدنية للتدخل فوراً لوضع حد لهذا المخطط الاستيطاني الشامل.<BR><BR>وشدد السيد عبد العزيز على أن مناطق وأراضي عراق عواد، رقايق الحصيني، لوزة، رأس الرمانة، جبل اسطيح، السدر، خربة بيت ظلمة، وعر أبو إسماعيل، حريق العطابي، أرض كالونيا، وغيرها مملوكة لأهالي القرية، ولديهم الأوراق الثبوتية وإخراجات القيد التي تؤكد ذلك، نافياً أن تكون هذه الأراضي خاصة بقوات الاحتلال.<BR><BR>وأوضح رئيس جمعية بيت إكسا، أن بعض وسائل الإعلام والصحف الإسرائيلية، تحدثت مؤخراً عن إقامة مستوطنة جديدة باسم (علونة) تكون بمثابة امتداد لمستوطنة (رموت) وغيرها من المستوطنات المقامة على أراضي جنوب غربي القدس على حساب منطقة خربة العلاونة.<BR><BR>وبدوره بين السيد محمد سليم( رئيس المجلس المحلي في القرية) أن الاحتلال بدأ يفكر جدياً بالسيطرة والاستيلاء على هذه الأراضي منذ سبعة أشهر عندما شق بعض الطرق الاستيطانية في المنطقة.<BR>و أشار إلى أن جيش الاحتلال يسعى لمصادرة 14ألف دونم من أراضي القرية لإقامة العديد من المخططات الاستيطانية في حين يترك أهالي القرية وأصحاب هذه الأراضي بدون أملاك، وداخل سجن كبير محاط من جميع الجهات بمستوطنات وطرق استيطانية.<BR>ووجه رئيس المجلس القروي صرخة للعالم أجمع من أجل التدخل الفوري قبل فوات الأوان باعتبار ما يجري هو سرقة للممتلكِات الخاصة بأهل القرية، بشكل يتنافى مع أبسط مبادئ حقوق الإنسان والأعراف الدولية.<br>