تفجيرات العراق وأثرها على الاحتلال الأمريكي
6 رجب 1424

ما تزال تداعيات عملية غزو العراق واحتلاله من قبل القوات الأمريكية والبريطانية تلقي بظلالها القاتمة على الحكومة والقوات الأمريكية المحتلة في العراق، فما أن يخرج الاحتلال من مشكلة، حتى يجد مشكلة أخرى في انتظاره، وقد لا تكون هذه المشاكل قاصمة لظهر الاحتلال منفردة، إلا أن تراكمها وتعددها قد يفعل الكثير.<BR><BR>فما تزال قضية أسلحة العراق المفترضة، والتي بررت غزو العراق واحتلالها عالمياً تحرج الإدارة الأمريكية، التي استطاعت عبر وسائل الإعلام التي تمتلكها التعتيم بشكل مستمر على هذه المسألة، فيما يلاقي توني بلير وحكومته الداعمة لأمريكا مشاكل أكبر وأوسع في بريطانيا، خاصة مع حادثة انتحار خبير الأسلحة ديفيد كيلي، التي لم تسمح لهذه القضية أن تتقلص كما في أمريكا. <BR>ومسلسل حوادث القتل التي يتعرض لها الجنود الأمريكيين بشكل يومي تقريباً ما تزال تهز المجتمع الأمريكي داخل أمريكا وخارجها، وتجبر الأمريكيين على فعل أي شيء للخروج من هذا المستنقع الذي لا يعرف له نهاية، ابتداءً من المظاهرات التي تخرج بشكل متكرر في أمريكا من قبل أهالي الجنود العاملين في العراق، وليس انتهاءً بعمليات الهروب المتكررة التي يقوم بها الجنود الأمريكيون في العراق، والتي يدفع من أجلها الأمريكي مبلغاً قد يصل إلى 1000 دولار. <BR><BR>بالإضافة للعديد من المشاكل الأخرى؛ كفشل القوات الأمريكية وعملياتها المتعددة في العثور على الرئيس العراقي السابق صدام حسين، والميزانية الضخمة للاحتلال التي باتت تهدد فرصة إعادة انتخاب الرئيس الأمريكي جورج بوش في الانتخابات الرئاسية القادمة، ورفض موافقة الكونغرس الأمريكي إرسال المزيد من القوات إلى العراق، مما تسبب في تمديد مدة بقاء القوات المحتلة إلى أجل غير مسمى... <BR><BR><font color="#0000FF" size="4">التفجيرات تفضح الأمريكيين: </font><BR><BR>جاءت سلسلة التفجيرات الأخيرة في بغداد لتشكل ضربة أخرى، قاسية للاحتلال الأمريكي، ولتظهر بشكل جلي للعراقيين الذين آمنوا بالقدرة الأمريكية على إحلال السلام والأمن، أن القوات الأمريكية ليس فقط غير قادرة على إحلال الأمن في العراق وحسب، بل إنها لم تكن ضمن مخططاتها في الأساس خطة أمنية أو استراتيجية لعراق ما بعد الاحتلال، في حين ظهرت براعتها في تنفيذ مخططات أساسية أخرى تتعلق بمنح شركات مملوكة من قبل يهود وقادة أمريكيين عقود إعادة إعمار في العراق بمليارات الدولارات، وكذلك الخطط التي تستهدف تثبيت أركان الاحتلال العسكري، من تدريب قوات عراقية موالية لأمريكا، وزرع جواسيس بين العراقيين، وملاحقة أي معارض حتى لو كان في الأمس ممن تدافع عنه الديمقراطية الأمريكية بحجة أن النظام العراقي السابق كان يتعقبه كمعارض له. <BR>هذا عدا العلاقات العراقية اليهودية، التي تنفذها أمريكا بعناية، من محاولات استملاك يهود لعقارات عراقية، وتأمين مقر للموساد بجانب مقر المخابرات الأمريكية في بغداد، والتخطيط لإعادة فتح خط النفط العراقي الذي يصل إلى حيفا... وغيرها.<BR><BR>سلسلة التفجيرات الأخيرة أظهرت للعالم أيضاً مدى هشاشة قدرة القوات الأمريكية التي تبلغ أكثر من 150 ألف جندي، لتأمين الأمن للعراقيين الذين يأسوا من الدور الأمريكي في بناء العراق، بالإضافة إلى القوات الأجنبية العاملة تحت إمرة أمريكا، كبريطانيا، وبولندا، وغيرها.<BR><BR>على أن الاحتلال الأمريكي لم يستطع إبراز أي حجة في عدم مسؤوليته في أمن وسلامة المناطق التي تعرضت للتفجير، وهو إن استطاع أن يبرر عدم وجود قواته في مدينة النجف؛ لأنها تعد في نظر الشيعة مقدسة، لا يستطيع أن يبرر عدم قدرته على حماية السفارة الأردنية في بغداد، أو مقر الأمم المتحدة، أو مركز الشرطة العراقي الذي تقوم القوات الأمريكية بتدريب عناصره. <BR><BR>كما لم تفيده كل نقاط التفتيش المقامة على مداخل المدن العراقية وفي شوارعها الرئيسة، ولا حملات المداهمة العديدة التي تشنها قواته بأسماء رمزية، تدل على قدرة خارقة لهذه القوات، أو على طريقة فعالة للقضاء على المقاومة. <BR><BR>كما بدأ الاحتلال الأمريكي يعاني من انتقادات بعض الدول العالمية وبعض الشخصيات السياسية، فعلى سبيل المثال: أعلن الجنرال ويسلي كلارك القائد السابق لقوات حلف شمال الأطلسي في أوروبا، أن السياسة الأمريكية "خلقت فوضى" في العراق. <BR><BR><font color="#0000FF" size="4">ردود أفعال عالمية على التفجيرات: </font><BR><BR>ربما لم تبرز بشكل واضح ردود الأفعال السلبية التي تبعت التفجير الأول على مقر السفارة الأردنية في بغداد، إلا أنها ومع تكرر العمليات التفجيرية، وبنفس الطريقة وبقدرات أكبر بات من غير الممكن التستر أو إغماض الطرف عن هذه الردود. <BR><BR>كان من المقرر أن تتسلم القوات البولندية التي وصلت العراق مؤخراً المنطقة الجنوبية، والتي تضم مناطق شيعية، إلا أن تفجير السيارة المفخخة في مدينة النجف أدى إلى تأجيل هذا الاستلام، فيما بقيت القوات الأمريكية تتولى المسؤولية إلى حين رجوع الأمور على ما هي عليه. <BR>هذه الحوادث زعزعت ثقة القوات العاملة في العراق تحت الإدارة الأمريكية بمصيرها، وهي ترى القوات الأمريكية غير قادرة على تثبيت الأمن في هذه المناطق التي كانت ولوقت قصير مضى، من المناطق الأكثر هدوءاً في العراق، والتي قررت أمريكا أن تسند مهام حفظ الأمن فيها لقوات من دول أخرى. <BR><BR>كما أن هذه التفجيرات أخرت من وصول بعض قوات دول عالمية، كان من المقرر أن تصل إلى العراق منذ وقت سابق، ففي اليابان حذر (رئيس وكالة الدفاع اليابانية) شيغيرو إيشيبو من أنه قد لا يكون من الممكن إرسال قوات إلى العراق هذا العام، بسبب الوضع الأمني الخطير السائد في البلاد. <BR>وقال إيشيبو في تصريح أدلى به بعد أحداث تفجير مقر الأمم المتحدة العاملة في العراق: "إذا ما ألقيتم نظرة على الوضع، فإن الفطرة السليمة تقول: إننا لا نستطيع أن نرسلهم على الفور". <BR>وكان من المتوقع أن يجري نشر 1,000 جندي ياباني في العراق في تشرين الثاني/ نوفمبر القادم، وكان من المتوقع لمهمة الاستطلاع اليابانية في العراق أن تبدأ الشهر الماضي. <BR><BR>وليست اليابان الدولة الوحيدة التي تساورها شكوك في شأن المضي قدماً بإرسال قوات لحفظ السلام إلى بغداد. <BR>فقد قال (رئيس الوزراء التايلاندي) ثاكسين شيناوارترا: إنه قد يلغي خططا لإرسال 400 جندي تايلاندي إلى العراق في أعقاب الهجوم الذي حصل في مقر الأمم المتحدة أيضاً.<BR><BR><font color="#0000FF" size="4">أثر التفجيرات على مجلس الحكم العراقي: </font><BR><BR>مجلس الحكم العراقي الذي أضفى صفة شرعية لقرارات الإدارة الأمريكية، وعلى رأسها بول بريمر، بات مهدداً بالانحلال، خاصة مع تنامي العداء الظاهر والمعلن من قبل بعض الأعضاء فيه ضد الوجود الأمريكي.<BR>محمد بحر العلوم أحد أعضاء مجلس الحكم الانتقالي في العراق أعلن يوم السبت الماضي بعد تفجيرات النجف تعليق عضويته في المجلس، احتجاجاً على التفجيرات، وأشار في بيان أصدره بمناسبة تعليق عضويته، إلى الانفلات الأمني الخطير في العراق عامة وفي هذه مدينة النجف الشيعية أيضاً، مشيراً إلى " المطالبات المستمرة لقوى التحالف بحماية هذه المدينة من الاعتداء إلا أننا لم نجد منهم آذانا صاغية وتجاوباً جدياً".<BR>وتابع "أن هذه اللامبالاة تدفعنا إلى تعليق عضويتنا في مجلس الحكم الذي لم يستطع تحمل مسؤوليته في دفع قوي التحالف لحماية أبناء شعبنا وعتباتنا ومرجعيتنا الدينية وشخصياتنا ".<BR><BR>على أن بحر العلوم لم يكن الوحيد من مجلس الحكم العراقي الذي ينتقد الإدارة الأمريكية للعراق والانفلات الأمني فيها، بل شاركه في ذلك عبد العزيز الحكيم(أخو المرجع الشيعي محمد باقر الحكيم، الذي قتل بانفجار النجف الجمعة الماضية). <BR>فقد حمل عبد العزيز الحكيم على الإدارة الأمريكية في العراق، وعلى القوات الأمريكية المحتلة، أمام نحو 400 ألف شيعي اليوم في مدينة النجف. <BR>وقال في حفل تأبين المرجع الشيعي الحكيم: إن القوات الأمريكية لم تقم بواجبها تجاه حماية العراقيين، محملاً الأمريكيين مسؤولية سقوط ضحايا وإراقة دماء العراقيين في مدينة النجف وفي كل العراق. <BR>وندد بالوجود الأمريكي في العراق واصفاً إياه بالاحتلال، حيث أعرب عن رغبته في أن يخرج المحتل الأمريكي من العراق، ويتركوه؛ لكي يقوم أبناء الشعب العراقي ببنائه بسواعدهم. <BR><BR><font color="#0000FF" size="4">الموقف الأمريكي: </font><BR><BR>لم تستطع الولايات المتحدة أن تفعل كثيراً إزاء هذه الهجمات المتتالية، التي نفذت في أقل من شهر، واستطاعت أن توقع كل هؤلاء القتلى والجرحى من مختلف الجنسيات، وفي أماكن بعيدة وقريبة من الوجود الأمريكي وقواته في العراق. <BR><BR>الرئيس الأمريكي جورج بوش لم يستطع إلا أن يبدي من جديد، حماسه وثبات موقفه ضد العراق، فلم يعد الوقت حليفه في تغيير أي من سياساته الخارجية، وخاصة في العراق كونها من أكثر الأمور حساسية بالنسبة للأمريكيين وللقوات الأمريكية. <BR>لذلك فقد تعهّد مجدداً، وبعد أحداث تفجير النجف " بعدم التراجع" في العراق، قائلاً: إن قوات التحالف التي تقودها بلاده تحقق تقدماً جيداً في استعادة النظام، وأصر على أن العراق جزء من الحرب على (الإرهاب) المفترض.<BR>كما تعهد بوش في خطابه الأخير، أن يقدم الفاعلين الذين يقفون خلف عمليات التفجير إلى المحاكمة العادلة؛ لنيل نصيبهم من العقاب.<BR><BR>في حين تؤكد مصادر إعلامية على أن الموقف في العراق أصبح إحدى القضايا التي ستتناولها الحملات الانتخابية، مشيرة إلى أن المرشحين المعارضين لبوش وصفوا تصريحاته بتحقيق تقدم في العراق بأنه "خطابة فارغة"، وإلى انخفاض شعبيته بين الأمريكيين. <BR><BR>كما أن أمريكا أعلنت أنها ستخصص عناصر من مكتب التحقيقات الفيدرالية، من أجل التحقيق والمتابعة كشف الأدلة وتحليل العينات الخاصة بعمليات التفجير في العراق. <BR>ومؤخراً أكد توم فوينتس (المسؤول في مكتب التحقيقات الفيدرالي إف بي أي في العراق) أن المكتب سيساعد الشرطة العراقية في التحقيق حول تفجيرات النجف.<BR>وقال المسؤول: إن عملاء "إف بي أي" "سيدرسون عينات المتفجرات التي استخدمت في الاعتداء، وسيشاركون في التحقيق حول المشتبه بهم للتأكد مما إذا كان الأمر يتعلق بمنفذين معروفين".<BR>وأضاف مهما كان الأشخاص الذين ستوقفهم الشرطة العراقية، "سنتحقق مما إذا كانوا عناصر في مجموعة معروفة، كما سنتحقق من قاعدة البيانات والمعطيات الموجودة لدينا لمعرفة ما إذا كانوا مطلوبين توجد معلومات عنهم سابقا".<BR>وأشار إلى أن سلطة التحالف المؤقتة في العراق طلبت من الشرطة الفيدرالية الأميركية المساعدة بعدما تلقت طلباً بذلك من محافظ النجف حيدر مهدي مطر.<BR><BR>وتقوم حالياً فرق من مكتب التحقيقات الفيدرالية في العراق بالتحقيق حول الانفجارات الأربعة التي ضربت أهدافاً معينة ومدروسة، كما تقوم هذه الفرق بالعمل مع بعضها البعض من أجل الوصول إلى صلات بين الانفجارات، وتحديد أطر لتسهيل إلقاء القبض على المنفذين. <BR><BR><font color="#0000FF" size="4">العمليات التفجيرية: </font><BR><BR>حدث الانفجار الأول من سلسلة التفجيرات الكبيرة يوم الخميس 7 أغسطس/آب عندما انفجرت سيارة مفخخة بالقرب من السفارة الأردنية في العاصمة العراقي بغداد، وأدت إلى مقتل نحو 11 شخصاً، وإصابة أكثر نحو 50 آخرين، لكن وكالة الأنباء الفرنسية قالت: إن شخصين آخرين لقيا حتفهما متأثرين بجروحهما في مستشفى الإسكان ليصل عدد قتلى الانفجار إلى 13 شخصاً، في حين تقول وكالة اسوشيتدبرس: إن عددهم ارتفع إلى 17 شخصاً بعد إحصاء عدد الجثث التي وصلت مشرحة في مستشفى للأطفال،<BR>وأدى التفجير إلى تدمير واجهة السفارة ومبان مجاورة وسيارات قريبة من موقع الانفجار. <BR> <BR>ووقع الهجوم الثاني يوم 17 أغسطس بجانب مقر الأمم المتحدة العاملة في بغداد، وأدى إلى مقتل نحو 17 شخصاً من بينهم الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق سرجيو دي ميللو، كما جرح أكثر من 100 شخص.<BR>وقالت مصادر عسكرية أمريكية: إن الهجوم ناجم عن عبوة ناسفة كانت على متن شاحنة، وربما يكون تفجيراً انتحارياً، وقد تم إيقاف الشاحنة خارج مكتب دي ميللو تماماً عندما انفجرت العبوة الناسفة في حوالي الساعة الرابعة و40 دقيقة بالتوقيت المحلي (الثانية عشرة و40 دقيقة بتوقيت جرينيتش). <BR>ولفظ دي ميللو، وهو دبلوماسي برازيلي يبلغ من العمر 55 عاماً، أنفاسه الأخيرة بعدما ظل محاصراً تحت أنقاض مكتبه لعدة ساعات. <BR>ومن بين الضحايا أيضاً منسق شؤون العراق في صندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (يونيسيف)، وعدد من موظفي البنك الدولي، بالإضافة إلى موظفين عاملين في الأمم المتحدة من كل من الفلبين، ومصر، وبريطانيا، والولايات المتحدة وكندا، وعدد من الضحايا العراقيين. <BR><BR>أما الانفجار الثالث والأعنف في سلسلة التفجيرات، فكان في مدينة النجف الشيعية، وذلك يوم الجمعة 29 أغسطس/آب الماضي، والذي وقع بعد صلاة الجمعة، وأدى إلى مقتل المرجع الشيعي الكبير محمد باقر الحكيم، بالإضافة إلى نحو 125 شيعي آخر من مؤيديه، بينهم 15 حارس شخصي له، كما أصيب نحو 200 شخص بجروح. <BR>ووقع الانفجار عن طريق سيارة مفخخة وضع فيها نحو 700 كيلو غرام من المتفجرات، وأدت إلى تهشيم المباني القريبة من مكان الحادث، فيما عد التفجير الأعنف على مستوى المنطقة العربية. <BR><BR>بينما وقع الانفجار الأخير اليوم الثلاثاء 2 سبتمبر/أيلول، عن طريق سيارة مفخخة أيضاً بالقرب من قسم شرطة الرصافة، بأحد أحياء بغداد، على مقربة من مبنى وزارة الداخلية العراقية. <BR>وأدى الانفجار إلى مقتل شخص واحد، وجرح 14 آخرين، من الشرطة العراقية. <BR><BR><BR><BR><br>