حظر الحجاب و الاسلامفوبيا الفرنسية في كتاب جديد
7 ذو القعدة 1424

شكل صدور كتاب جديد حول (رهاب الإسلام) أو (الإسلاموفوبيا) للباحث الفرنسي فانسن جيسير، حدثاً جديداً ذا أهمية بالغة في فرنسا، ومنعطفاً جديداً في البحث العلمي الموضوعي بها. <BR><BR> وقد أجاب الباحث الفرنسي في كتابه بشجاعة وموضوعية عن الأسئلة الكبرى التي تسخن النقاش العام في فرنسا وتتوتر الأجواء السياسية والدينية بسببها في عاصمة ظلت تعتقد طيلة قرون أنها أم الثقافة الكونية وملجأ المضطهدين وموطن المهاجرين المسلمين، وأطلق الكاتب على إبداعه الجديد عنواناً دالاً: (الإسلاموفوبيا الجديدة) أو (رهاب الإسلام الجديد). <BR>وأجاب فيه عن أسئلة هامة جداً، مثل: ماذا تخفي هذه الظاهرة؟ ولماذا برزت من جديد؟ وما أشكالها وألوانها؟ ولماذا تستهدف المغاربيين والعرب والمهاجرين المسلمين؟ وما علاقة ذلك بالصراع العربي الصهيوني؟ وهل لوسائل الإعلام دور في تأجيج الظاهرة؟ ما الأطراف التي تصنعها وتنفخ في نارها؟ وما سبل تجاوزها من خلال عمل المسلمين وغير المسلمين من الفرنسيين أجمعين؟ وهل يوجد مسلمون مشاركون في صناعة الظاهرة بتواطؤ مع هيئات سياسية وحزبية فرنسية؟ <BR>فيما يلي قراءة وتقديم لمجمل الكتاب يقدم صورة مضيئة عن وجود أصوات عاقلة منصفة تستمسك بالحق وتستنكف عن الخوض في الحرب الإعلامية التي ينفخ في نارها اللوبي الصهيوني بأوروبا كلها، وفرنسا خاصة بعد ظهور استطلاعات للرأي تبين تغير نظرة الرأي العام الغربي للإسلام والمسلمين وللكيان الصهيوني الذي أصبح الخطر الأول على السلم العالمي كما يؤمن أكثر من 59 بالمئة من الأوروبيين.<BR><BR> ورداً على ذلك تقوم الآلة الإعلامية والديبلوماسية الصهيونية باستنفار وإعلان حالة طوارئ لمواجهة آثار الحضور الإسلامي في الغرب وتجذره في المشهد الثقافي والاجتماعي والسياسي بالقارة العتيقة والقارة الأمريكية أيضاً، واحتمالات صعوده في المستقبل القريب والبعيد معاً. <BR><BR>بين الحجاب والكيبا<BR><BR>الإسلاموفوبيا الجديدة لا تعد شكلاً جديداً من أشكال التمييز العنصري ضد المغاربي والمهاجر فحسب، ولكنها أيضاً رهاب من الدين، بمعنى أن كل ما هو ديني مستهدف بالإهانة. إهانة تأخذ شكلاً تناقضياً على الطريقة الفرنسية، فالمسلمون أصبحوا يعدون شيئاً فشيئاً فرنسيين كاملي الأهلية، غير أن الإسلام يقدم على أنه دين يضع مشكلاً وطنياً، فكأنما نريد من المسلمين أن يكونوا فرنسيين لكن مع تذويب تدينهم؛ لأنه عقبة في وجه الاندماج، وهذا هو مصدر كثير من التوترات التي تطفو هنا وهناك ليس بسبب المسلمين بقدر ما هي بسبب نظرة الآخرين لهم، فالمسلم الجيد في نظر الآخر هو الذي يتخلى عن مظاهره الدينية، والاستعانة بتعبيرات، مثل: "مسلمون علمانيون"، و"مسلمون معتدلون" هو مظهر هذا التشنج الوطني، وليس للمسلمين الآخرين من نعت سوى أنهم "متطرفون" و"متشددون"، وربما أخطر من ذلك "إرهابيون متوقعون".<BR><BR> وبالفعل مازلنا في المظهر الاندماجي الذي يرفض أن يعلن عن اسمه. التناقض يكمن في أن النخب اللادينية هي التي تدافع عن هذا الاختيار بكل قوة، فباسم قيم الحرية والتسامح، تعبر عن رفضها لكل ما تراه مخالفاً لـلحضارة الفرنسية، المفترضة على أنها "أم" الكونية، وخلف رفض المسلم يقبع أيضاً رفض اليهودي، لكن هاهنا يوجد محرم (طابو). رفض الحجاب هو طريقة أخرى لرفض الكيبا. غير أنه يمكننا أن نستخرج تلبيساً ضخماً في الحالة الأولى، نسخن نقاشاً إعلامياً، ونؤسس "لجنة للنظر في العلمانية، بينما في الحالة الثانية نفضل السكوت خوفاً من تهمة "معاداة السامية". <BR><BR><BR>"الإسلاموفوبيا الاحترافية"<BR><BR>هذا مجال للتحقيق ما يزال بكراً. والدراسات السوسيولوجية حول هذه الإسلاموفوبيا الاحترافية نادرة جداً. والكتاب نداء في هذا السياق: التقاط وتجميع كافة أنواع الأفعال الإسلاموفوبية في القطاعات المهنية، ولكن أيضاً في توزيع السكن والمجالات شبه العمومية (مقاولات ومقاهي ومطاعم...). فرنسا متأخرة جدا، في هذا المجال، عن الولايات المتحدة، التي تولي اهتماما كبيرا بالإسلاموفوبيا وتكافحها بمختلف الوسائل بحكم تقاليدها الليبرالية. والمقصود بـ"الإسلاموفوبيا الاحترافية" التمييز الذي يقصد بصفة خاصة المرجعيات الإثنية والثقافية والعنصرية والدينية أيضاً. هي تمييز يهاجم العلامات الظاهرة للتدين الإسلامي، مع هذا يميز الكاتب بين شيئين:<BR>- "الإسلاموفوبيا الاحترافية الخفية"، وهي التي تهاجم الحاملين للعلامات الدينية البارزة بالالتجاء وراء حجة العلمانية. باختصار هي إسلاموفوبيا تختفي وراء القيم الموصوفة بالكونية، وهي التي تفضل استهداف الفتيات والنساء المحجبات في المقام الأول، وعلى الجملة هؤلاء النسوة -في تقديرها- لسن "جديرات" بالنشاط المهني في الفضاءات شبه العمومية والعمومية؛ لأنه يفترض أنهن يحملن إيديولوجيا فاسدة وعلى الأخص مضادة للإنتاج، النساء المحجبات قد يصبحن سبباً في نفور الزبناء والمستخدمين. وهذه حجة نسمعها أحيانا على ألسنة المقاولين الخواص والأطر العليا بالوظيفة العمومية.<BR><BR><BR> -"الإسلاموفوبيا الاحترافية الواضحة" في بعض القطاعات الاقتصادية، يعد المسلمون المؤمنون "خطرين".. هم "أجراء الخطر"، ويعتقد الباحث أن هذا النوع من الإسلاموفوبيا سيتطور في السنوات المقبلة، وهنا أيضاً يوجد تناقض، ففي الوقت الذي تندمج فيه الساكنة الفرنسية ذات الثقافة المسلمة باطراد في كل القطاعات المهنية ،وهو ما يطلق عليه حيوية ما بين الأجيال، يواجه المسلمون المؤمنون والملتزمون متاعب متزايدة، كأنما يقال لهم: تخلصوا من علامات تدينكم وسوف نوظفكم، ولكن - كما بين الكتاب- هذه الإسلاموفويا غير مدروسة ولا مكتشفة، والرجل باعتباره عالم اجتماع أعلن عن أسفه لذلك. ما يلاحظه هو أن جمعيات المسلمين لم تهتم بهذه القضية، على خلاف زملائهم الأمريكيين الذين يقومون بعمل جيد على صعيد التحقيقات الإحصائية والمتابعات القضائية، وبطبيعة الحال لا ينبغي الصياح في كل مرة تعترض مسلماً ما عقبة من العقبات في نشاطه المهني. لا ينبغي المبالغة والانزلاق نحو نوع من "الاضطهادية"، برؤية الإسلاموفوبيا في كل مكان. جميع الجمعيات المسلمة الفرنسية ينتظرها عمل ضخم ينبغي إنجازه في هذا المجال، ويمكن أن يصبح عملاً مفضلاً خلال السنوات المقبلة بتعاون حثيث مع السلطات العمومية، ومراكز الأبحاث ومكاتب المحامين. بعبارة أخرى ودون التلاعب بالكلمات، أصبح ضرورياً الاحتراف والتخصص في الكفاح ضد الإسلاموفوبيا بالحصول على وسائل حقيقية للبحث والتنقيب تجنب السقوط في الشائعات.<BR><BR>خطايا الإعلام<BR><BR> وسائل الإعلام والصحافة على العموم ليست "إسلاموفوبية". على هذا الصعيد من الضروري الإبقاء على التحفظ، غير أن الأثر الإجمالي يساهم في صنع "مناخ إسلاموفوبي"، السبب الرئيس هو أن الخطاب الإعلامي حول الإسلام عموماً لا يتجاوز في الغالب الأغلب قضيتي الإسلامية والإرهاب، كما يحدث عندما نتكلم عن اليهودية نظهر المتطرفين اليهود في "إسرائيل"، مثل هذا السلوك اختزالي، بل فاقد للمصداقية فوق ذلك، لقد عالج الكتاب بتفصيل ما يسمى "مسرحة الإسلام في فرنسا". بصفة عامة مقالات الصحافيين موضوعية ومعتدلة، ولكن مجموع العمل الإعلامي يحدث "أثراً بالخوف"، وبالفعل؛ لأن المقالات ترفق أحياناً بصور المسلمين جميعاً تحت "روسم" (كليشيه) واحد: مجموعة في الصلاة، أو مجموعة فتيات محجبات، أوإسلاميون متطرفون، أوغير ذلك، وكما كتب فرانك فريغوزي (باحث فرنسي) منذ خمسة عشر عاماً، لا ينظر إلى الإسلام كله إلا من خلال "الإسلام المتشدد"، وعلى الجملة فإن وسائل الإعلام تساهم في تعزيز الخلفيات الخاطئة عن الإسلام والمسلمين. هم يتعاطون لما يسمى "الروسم الإسلامي الجاهز"، أي: مشاهد للتصوير في سجلات كارثية. يجب أن نقول: إن بضاعة "الخوف من الإسلام" بضاعة إعلامية تباع بتميز: أي تسمح للأسبوعيات الشاملة بالرفع من مبيعاتها في سياق أزمة اقتصادية للصحافة الفرنسية. <BR>وعلى هذ الصعيد، من المناسب تجنب السقوط دوما في "الاضطهادية" و"البؤسية. ومسلمو فرنسا بإمكانهم أن يقلبوا هذه الصورة السلبية بتطوير استراتيجية حقيقية للتواصل، وبلعب بطاقة "الشفافية"، رغم أن هذه الأخيرة فيها بعض المفاجآت، في هذا الصدد تعد مبادرة موقع "أمة كومOumma.com تجربة واعدة بالنسبة لمستقبل المسلمين في فرنسا، لقد أصبح هذا الموقع مرجعاً يعود إليه كثير من الباحثين والصحافيين والمواطنين العاديين الراغبين في التعرف على الإسلام وحياة الجماعة المسلمة بفرنسا. وباستثناء بعض المبادرات، مثل مبادرة "أمة كوم"، تعاني الجمعيات المسلمة من عجز في استراتيجية التواصل، صحيح أن هذا وحده لن يحل كل المشاكل، غير أن معركة "الصورة" والخطاب تبدو تحدياً حقيقياً للكفاح ضد الإسلاموفوبيا.<BR><BR><BR><BR><BR><BR>الإسلاموفوبيا المثقفة والحراس الجدد للمعبد الإعلامي<BR><BR>كثير من المثقفين الفرنسيين يتحملون مسؤولية كبرى في ترويج وتطبيع الإسلاموفوبيا الجديدة. إلا أن "إسلاموفوبيتهم" لا علاقة لها بالثقافة، بل تعد "تثقيفا" للأحكام القبلية الشعبية على الإسلام، والفرق بينهم وبين المواطنين العاديين هو أن لهم منابر إعلامية توفر لهم قيمة. إن عدداً من المثقفين الفرنسيين تخلوا عن وظيفتهم النقدية، وانغمسوا في "الرواسم" العامة حول الإسلام والمسلمين. اليوم أصبح متداولاً أنه على كل مثقف يحترم نفسه أن يكون لديه "خطاب مسبق" مبني سلفاً عن الإسلام، وكحجة على هذا انظروا إلى عدد المؤلفات والكتابات التي تتناول الإسلام و"أخطار الإسلامية" المكتوبة من قبل مؤلفين لا علم لهم بهذا الميدان، فالإسلام أصبح بالنسبة لهؤلاء بضاعة يستثمرونها ليضمنوا لأنفسهم مقعداً في الساحة العامة، وعلى العكس من هؤلاء يجري تهميش المتخصصين في الإسلاميات. المثقفون الإعلاميون ليس لديهم أي مشكل في أن يسمع لهم؛ لأنهم يختصرون الوضعية المعقدة للإسلام في فرنسا على أنها خطر وحيد هو "إسلام الإرهاب"، ويجد كثير من المثقفين الفرنسيين مشروعيتهم لدى وسائل الإعلام والمؤسسات العمومية في خطاب تبسيطي مفرط، وبالمقابل تتجنب الخطابات التي تسعى إلى تقديم صورة تركيبية لفهم الظواهر الاجتماعية، ولتضمن ظهورك على شاشة التلفاز لا بد من المراهنة على وهم "التهديد الإسلامي"، وقد توصم بالطهرانية إذا لم تحترم هذا الشرط.<BR><BR>معاداة السامية<BR><BR>لا ينكر الباحث ظاهرة معاداة السامية، بل على العكس يؤكد وجودها، ولكنه ينتقد بقوة كتاباً، مثل: (ألان فينكيلكراوت)، أو مثل: (بيير-أندري طاكييف)، أو مثل: (سامويل تريغانو)، الذين يفسرون معاداة السامية الحالية على أنها نتيجة خاصة لما يسمونه "الشبان العرب المسلمون" (شبان الضواحي). بالنسبة لهؤلاء المؤلفين، معاداة السامية صادرة عن كراهية الأجانب الموجودة في الضواحي وموجهة نحو اليهود. وخطير أن تصدر هذه الأحاديث الاتهامية دون أن تؤسس على تحليل سوسيولوجي قوي. هؤلاء الكتاب يكتفون أساساً بالإنكار والتعميم، وأدهى من ذلك وأمر، أن نظرية "رهاب اليهود" (يهودفوبيا) تنحو إلى إنكار الخصوصية التاريخية للتطهير العرقي أثناء الحرب العالمية الثانية. بمقارنة شباب الضواحي بالنازيين ننبش في الذاكرة ونستخدمها أداة لأغراض معينة، وهكذا نصل إلى إنكار وجود طرف مخرب يرفع راية معاداة السامية وهو اليمين المتطرف والإقصائيون. بالنسبة لهؤلاء المؤلفين ليس لهم من هاجس سوى "إسلامية الضواحي" بالفعل من المقلق ألا تقدم مؤلفاتهم تحليلات جيدة ودقيقة حول تجدد معاداة السامية في فرنسا، في حين أنها تبالغ في إظهار الخطر الإسلامي، والانتقاد لا يؤدي إلى إنكار حقيقة معاداة السامية في بعض الأوساط الإسلامية المتطرفة. بالفعل يوجد شكل من أشكال "معاداة السامية" لدى المسلمين، ومن الواجب على علماء الاجتماع أن يقوموا بدراسته. ويشترك الكاتب في هذا الرأي مع مثقفين مسلمين، مثل: طارق رمضان الذي ينادي بمكافحة هذه الظاهرة بقوة في أوساط المجموعات المسلمة، ولكن من أجل المكافحة لابد من دراسة الظاهرة وتجنب السقوط في الإنكار الفظيع كقولهم: "معاداة السامية هي خطأ المسلمين"، فهذا حديث اتهامي لا ينتج شيئاً. <BR><BR> ما العلاج؟<BR><BR>يصعب الإجابة عن هذا السؤال، بعضهم يقول: إن السبب في الإسلاموفوبيا مرده إلى الجهل بالإسلام والمسلمين، في حين أنه في بلد مثل فرنسا توجد مؤلفات وكتب كثيرة ومقالات غزيرة ومؤسسات متعددة تعرف بالإسلام وتشتغل به، ويظن الباحث أن هذا ليس من أسباب الظاهرة، هناك اختصاصيون في الإسلاميات والعربية، وتوجد لديهم الإسلاموفوبيا، وتطور معرفة الإسلام سوف يساهم - بدون ريب- في التخفيف من الصور والخلفيات التي تشوه صورة الإسلام والمسلمين، ولكن بالنسبة إلى المعرفة العملية هي الأكثر أهمية. غير أن هذه المعرفة لا تكتسب في الكتب، وإنما في الشارع، هذا هو التناقض الرئيس لفرنسا اليوم، تناقض علينا أن نحيا به أم الكونية، وأمة استقبال لكثير من المسلمين المهاجرين والمنفيين، وهي أيضاً أرض الإسلاموفوبيا، وأعتقد أن تراجع الإسلاموفوبيا على الطريقة الفرنسية لن يتم إلا على فترة من الزمن قد تطول، لكن هذا يقتضي عملاً طويل النفس سواء من جهة البحث والاستكشاف، أو من جهة التعبئة الوطنية ضد اللاتسامح.<BR><BR><BR>* باحث في معهد الأبحاث والدراسات حول العالم العربي والإسلامي (CNRS)، ويدرس في معهد الدراسات السياسية ب"إيكس أون بروفانس".<BR>من كتبه: - إثنية جمهورية 1997م - دبلومات مغاربية هنا وهناك 2000م. <BR>- المرض التسلطي: سوسيولوجيا تونس من عهد بورقيبة إلى بن علي (بالاشتراك) 2003م.<BR><br>