تجمع صنعاء .. وشوكة أرتيريا
5 ذو الحجه 1424

تجمع صنعاء هو الاسم الذي أطلق على اتحاد مصغَّر يضم الدول الثلاث: اليمن، والسودان، وأثيوبيا، في حين ينظر إليه البعض نظرة ريبة وتوجس من أن يكون هو المستهدف من هذا التجمع كما هو الحال مع دولة أرتيريا إلا أن الهدف المعلن من هذا التجمع هو جعله مفتوحاً للتعاون الاقتصادي، ويتحول إلى تجمع إقليمي مفتوح أمام بقية الدول في جنوب البحر الأحمر والقرن الأفريقي للانضمام إلى التجمع، ويسهم في التعاون الاقتصادي بين دول المنطقة ومواجهة تحديات الإرهاب والإسهام في حل القضايا العالقة، مثل: السلام في الصومال.<BR><BR>وبالمقابل لا يمكن فصل تناول قضية تجمع صنعاء عن عدد من المحاور المعقدة، والتي منها الحضور الأمريكي المكثف في المنطقة، والذي ينظر إلى منطقة القرن الأفريقي منطقة شائكة لا يجب إغفالها لما تمثله من قناة يتسرب من خلالها أعضاء تنظيم القاعدة كما تشير إلى ذلك التقارير الأمريكية، إضافة إلى تفاعل منظومة مجلس التعاون الخليجي مع هذا التجمع.<BR><BR>كما أنه لا يمكن إغفال ما واجهته اليمن تحديداً من تحولات أمنية جذرية خلال السنوات الأخيرة، وخصوصاً بعد حادثة المدمرة كول ومن بعدها أحداث سبتمبر، وما تخلل هذين الحدثين وأعقبهما من حوادث تفجير متفرقة هنا وهناك واغتيالات عدد من الرعايا الأمريكيين وعمليات الاختطاف خصوصاً في اليمن، ولذلك فليس من المستغرب أن يكون لليمن خصوصية في أجندة قائد القوات الخاصة الأمريكية، تتمثل في الإسهام بتدريب أفراد القوات الخاصة اليمنية المكلفة بمهمة مكافحة الأنشطة العنيفة، وهي قوة حديثة لازالت في طور التكوين والإنشاء.<BR><BR>لقد تمثلت أولى مهام فريق القائد العسكري (روبنسون) عقب تكليفه قيادة القوات الخاصة لمنطقة القرن الأفريقي أن قام بزيارة لليمن بعد أسبوعين من زيارته الأولى التي كانت برفقة ساتلر، حيث حضر حفل تخرج أولى الدفعات من القوات الخاصة اليمنية، وكان هذا الأمر كفيلاً لأن يكون دليلاً وإشارة واضحة للرعاية والاهتمام الأمريكي الخاص بهذه القوات، التي سيعول عليها مستقبلاً في مساعدة واشنطن في ضبط ومحاصرة العناصر التي تقع في دائرة الإرهاب في التصنيف الأمريكي، والحد من عملية تسللها عبر المنافذ الحدودية.<BR><BR><font color="#0000FF">في سبيل التصدي: </font><BR>واجه القرن الأفريقي تحديات كبيرة ومشاكل عديدة من دولة أرتيريا، والتي تقف وراءها كما تشير بعض القراءات السياسية قوة إسرائيلية محركة من مصلحتها إثارة القلق في المنطقة وعدم الاستقرار، وكانت إسرائيل قد سعت في أعقاب استقلال إريتريا عن أثيوبيا عام 1991م إلى إقامة علاقات قوية مع النظام الجديد بزعامة الرئيس أسياس أفورقي الذي سيطر على مقاليد الأمور في البلاد عام 1993م.<BR><BR>ووصلت العلاقات الأريترية - الإسرائيلية إلى مستويات متقدمة في مجال التعاون العسكري والأمني، وتضمنت قيام إسرائيل بإرسال عدد من الخبراء العسكريين لتدريب قيادات الجيش الأريتري، والمساعدة في إنشاء حرس جمهوري في أريتريا. <BR><BR>إذن فالخلافات الأرتيرية مع دول تجمع صنعاء كانت هي المحرك الأول لهذا التجمع، فأثيوبيا تواجه عداءً قوياً مع أرتيريا فيما يتعلق بخلافات على الحدود خاصة بعدما أعلنت المحكمة الدولية لترسيم الحدود بين البلدين في لاهاي حكمها النهائي في 13 أبريل 2002م بشأن أحقية أرتيريا في المناطق المتنازع عليها خصوصاً منطقة "بادمي"، وفي السودان فإن أرتيريا متهمة بدعمها للحركة الشعبية لتحرير السودان الجنوبية والتي يقودها جون جرنج، وبالنسبة لليمن فإن الخلاف القوي بين البلدين على جزر حنيش، والذي كانت تقف وراءه إسرائيل وتسعى من وراء ذلك إلى التأثير على أمن البحر الأحمر، واستنزاف الموارد اليمنية وما كان لينتهي هذا الخلاف حتى مع إصدار محكمة العدل الدولية حكمها في 1998م بأحقية اليمن في هذه الجزر، حيث مازالت أرتيريا تدعي حقها في الصيد التقليدي في هذه الجزر، لذا فهي تقوم من حين لآخر باحتجاز سفن الصيد والصيادين اليمنيين.<BR><BR><BR>وأمام هذه الأهداف الشبه مشتركة بين هذه الدول الثلاثة ضد خطرها المشترك فليس من المستبعد أن ينضم إلى هذا التجمع دولة رابعة وهي جيبوتي، والتي أيضاً لها خلافاتها مع أرتيريا بسبب النزاع على جزيرتي "دوميرة" و"مولحلي"، والتي ادعت أسمرة سيادتها عليهما وقامت بفتح نيرانها عام 1996م صوب هاتين الجزيرتين منذرة بحرب ضروس لولا تدخل الحليف القوي لجيبوتي وهي فرنسا مما اضطر أرتيريا إلى التراجع. <BR><BR>هذه العوامل المشتركة لو لم تكن إلا هي هدفاً لهذا التجمع لكان كفيلاً بنجاحه فكان أن سعت الدول المتأثرة من هذا الوضع إلى عمل تنسيق مشترك لمواجهة الأخطار التي تحيط بها، فتحركت هذه الدول الثلاث منذ أكثر من عام وبدعوة من الرئيس اليمني علي عبدالله صالح لتبادل المباحثات والزيارات المتكررة والتنسيقات المختلفة التي أسفرت عن إعلان وإقامة "تجمع صنعاء للتعاون"، والتي أقر تسميته وزراء خارجية الدول الثلاث، وقد كانت الزيارة التي قام بها الرئيس اليمني إلى أديس أبابا بعد أسابيع قليلة من زيارة قائد القوات الخاصة الأمريكية إلى صنعاء لها مدلولها الخاص، حيث تناولت تلك الزيارة مباحثات مع القيادة الأثيوبية المسائل ذات الصلة بعوامل الأمن والاستقرار في المنطقة والقرن الأفريقي، ولو لم يكن من همٍّ مشترك يواجه مصير الدول الثلاث غير الخلافات المشتركة مع أرتيريا لكن هذا أدعى بمفرده لوجود مثل هذا التجمع بحسب ما يرى المراقبون، إضافة إلى سعيهم لتبني الاهتمام بالوضع في الصومال، والذي سيؤدي استمرار عدم الاستقرار فيه إلى تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين على دول الجوار ومنها اليمن وأثيوبيا. يزيد من أهمية تلك الزيارة ما صرَّح به بعض القادة العسكريين في القوات الأمريكية عن عزم واشنطن القيام بتدريب بضعة عشرات من الجنود الأثيوبيين لتأدية المهام الملقاة على عاتقهم أمريكياً في مكافحة العناصر المعادية للسياسات الأمريكية.<BR><BR>رغم الحديث الرسمي بأن الداعي إلى هذا التجمع ما هو إلا مصلحة وطنية بحتة بعيدة عن الاهتمام فقط بالجانب الأمني، كما أكد على هذا الأمر وبشدة في إحدى المؤتمرات وزير الخارجية الأثيوبي، عندما شدّد على أن التجمع الثلاثي أنشئ في المقام الأول من أجل التعاون في المجال الاقتصادي، ويأتي التعاون الأمني في مرتبة متأخرة نسبياً يستدعيها أمن تلك الدول إلا أن الواقع والممارسات تعكس غير ذلك خاصة في ضوء التحركات الدولية الرامية إلى تحويل أقطار المنطقة إلى مجرد خفر سواحل للأساطيل الأجنبية الرابضة على الشواطئ الاستراتيجية الهامة لهذه البلدان.<BR><BR>الزيارات التي يقوم بها قائد القوات الخاصة الأمريكية في القرن الأفريقي ومن بعدها أتت اجتماعات الدول الثلاث في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا، ثم زيارة الرئيس اليمني لأديس أبابا بعد زيارة أخرى لروبنسون كلها مؤشرات تدعو إلى وجود ترابط بين تلك الأوجه الأمريكية التي تكررت أخبار دخولها وخروجها من اليمن والقرن الأفريقي وبين تجمع صنعاء. <BR><BR>أمر آخر أثار حفيظة المراقبين، وهي: وجود علاقة ما بين زيارات المسؤولين الأمريكيين إلى اليمن، ووقوع أحداث أمنية مضطربة في المنطقة العربية، وهي: تفجيرات الرياض والدار البيضاء، كما جاءت زيارته الجديدة عقب التفجيرات التي ضربت مجمع المحيا السكني في العاصمة السعودية الرياض.<BR> <BR>لقد شكلت الأمم المتحدة هيئة خبراء للتحقيق في خرق حصار الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على الصومال منذ عام 1992م أنهت هذه الهيئة صياغة تقرير تنوي تقديمه إلى مجلس الأمن الدولي يتضمن معلومات عن تهريب الأسلحة إلى الصومال من دول مجاورة، وذكر منها اليمن في إشارة إلى الهجمات التي استهدفت فندق "برادايس" في مدينة مومباسا الساحلية الكينية في 28 نوفمبر 2002م ومحاولة الهجوم على الطائرة الإسرائيلية المتجهة من مومباسا إلى تل أبيب، ويشير التقرير إلى أن تلك العناصر جلبت الصواريخ من اليمن عبر الصومال ثم إلى كينيا عبر البحر بقيادة قائد المجموعة فضل عبدالله محمد، والذي ترجع أصوله إلى جزر القمر الواقعة في المحيط الهندي، والمتهم بتنظيم تفجير السفارتين وهجمات مومباسا.<BR><BR>وعلى هذا فإن من المرجح ألا تتردد السعودية في التعاطي مع دول التجمع، من خلال تبادل المعلومات والتنسيق الأمني، وعدم الاكتفاء بدائرة مجلس التعاون الخليجي، وهو ما يفرض عليها، الانفتاح مع تجمع صنعاء للتعاون بإيجابية أكبر في قابل الأيام، على اعتبار أن لها منافذ بحرية ليس مع اليمن وحسب، وإنما مع دول في منطقة القرن الأفريقي.<BR><BR><font color="#0000FF">قمة أديس أبابا: </font><BR>من جهة أخرى فإن تكتلاً مماثلاً يضم السودان وأثيوبيا، وباشتراك مصر هذه المرة كان قد تم الاتفاق عليه خلال هذه المدة، وفي إطار اجتماعات (تجمع صنعاء) عقدت قمة أديس أبابا في 29/12/2003م، والتي ناقشت التعاون الأمني ومكافحة الإرهاب وحماية الممرات المائية في البحر الأحمر والقرن الأفريقي، وأعلن زيناوي في كلمة الافتتاح أن "الهدف الرئيس من هذا اللقاء هو إيجاد الأسس وتحديد طريق التعاون السليم بين دول المنطقة من أجل مصالحها المتبادلة"، فقد كانت أهمية قمة أديس أبابا تكمن في أنه تمخض عنها التوقيع على النظام الأساسي لتجمع صنعاء، وفيه تم مناقشة المجال التجاري والاقتصادي بين بلدانهم، وأكدوا بأن باب التجمع مفتوح لانضمام دول المنطقة الأخرى لعضويته، والتي تؤمن بمراميه وأهدافه، كما ناقشوا أيضاً مسيرة السلام في السودان ومستقبل المصالحة الصومالية، ولم تخل قمة أديس أبابا من تصريحات مباشرة حول وضع أرتيريا قائلاً: إنه ليس سراً أن تكمن رغبة أريتريا في زعزعة استقرار السودان عن طريق تسليح وتدريب المتمردين وإرسالهم إلى أراضينا"، كما اتهم أريتريا بتقديم السلاح والمؤن للمتمردين والعلاج لجرحى التمرد في منطقة دارفور غربي السودان، حيث تدور معارك بين حركة تحرير السودان والقوات الحكومية".<BR>وأيد (رئيس الوزراء الأثيوبي) ملس زيناوي ما ذكره البشير، وقال: :"إن إريتريا تعاني من مشاكل مع كل جيرانها"، وأكد عدم تشكيل أثيوبيا والسودان واليمن "حلفا" ضد أسمرا.<BR>واعتبر زيناوي أن تشكيل تحالف ضد دولة صغيرة أمر غير وارد، و"أن كل عضو في منتدانا قادر على مواجهة أريتريا بمفرده". <BR>وأكد الرئيس اليمني أن إريتريا تعاني من مشاكل مع جيرانها، مضيفاً أن السبيل الوحيد لحلها يكمن في الحوار وليس في المواجهة".<BR>وفي المقابل فقد عدت أريتريا قمة أديس أبابا الثلاثية موجهة ضدها. <BR><BR><font color="#0000FF">تطورات قمة أديس أبابا: </font><BR>بعد أيام قليلة من قمة أديس أبابا، قام وزير الخارجية الأرتيري بزيارة إلى صنعاء اكتفى خلال زيارته بالقول: "إن الرسالة تتعلق بالعلاقات الثنائية بين البلدين، والتطورات الجارية في المنطقة، مشيراً إلى أن زيارته لليمن تأتي ضمن جولة يقوم بها في الشرق الأوسط، بينما أكد مراقبون بأنها رسالة تتعلق بشأن موضوع ترسيم الحدود بينهما، وقد أخذها الرئيس اليمني فرصة لكي يجدد خلال لقائه بالوزير الأرتيري دعوته لأرتيريا للانضمام إلى تجمع صنعاء للتعاون بما يحقق الغايات التي أنشئ من أجلها التجمع في التعاون والتكامل وتبادل المصالح المشتركة فيما بين الدول المنضوية فيه، وخدمة الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة، إلا أن دعوة الرئيس تلك قوبلت بالرفض بل بالتهكم حين قال: إن بلاده لا تنزعج كثيراً من "حلف صنعاء" الذي قال: إنه ولد بطريقة "قيصرية"، كما قال في الوزير الأرتيري علي سيد عبد الله، في تصريحات لصحيفة «الشرق الأوسط»: إن رأس الحربة في التجمع المذكور، هي: أثيوبيا التي استطاعت أن تستدرج السودان وأمالته إلى جانبها في صراعها الحالي مع أريتريا، في الوقت الذي شارك اليمن في هذه المؤامرة رغم العلاقات التاريخية التي تربطه بأريتريا، كما أوضح بأن الاجتماع الثلاثي الأخير الذي احتضنته أديس أبابا هو دليل قاطع على المؤامرة التي تحاك ضد بلاده، وأضاف بقوله: لا تزعجنا مثل هذه التحركات كثيراً، وإن كان الهدف منها معروفاً وهو خنق بلادنا وعزلها عن محيطها.<BR><BR>مهما كانت ردود الفعل فإن "تجمع صنعاء للتعاون" في ظل مؤامرات إسرائيلية مكشوفة تهدف إلى الاستيلاء على البحر الأحمر والتحكم في موارده عبر بعض الدول الصغيرة والضعيفة كأرتيريا أمر يجب التصدي له.. إلا أنه على الحكومة اليمنية ودول تجمع صنعاء ألا تخلط الأوراق بين هذا التصدي وبين العودة إلى حماية حدودها مع جيرانها، وضرورة محافظتها على ممتلكاتها وثرواتها..<BR><br>