الخطة الأمنية في الأراضي اليمنية
6 ربيع الأول 1425

تجد الحكومة اليمنية نفسها دائماً في موقفٍ صعب أمام ما تسفر عنه النتائج دوماً من تورط يمنيين في معظم أعمال العنف التي تحدث في أماكن شتى، منذ أحداث سبتمبر إلى ما وقع مؤخراً من عملية ملاحقة وقتل ابن حاج اليمني في الرياض، هذا الأمر دفع القيادة اليمنية أكثر من مرة إلى أن تقوم بإجراءات أمنية وتطوير خطتها الأمنية، والقيام بمداهمات عسكرية متواصلة، وتشديد الإجراءات الرامية إلى حماية الأجانب الذين يقيمون على أراضيها.<BR><BR><font color="#0000FF">لعبة سياسية: </font><BR>لقد شكل هذا الصراع مكسباً للرئيس اليمني، وأتاح له أن يستعمله ورقة رابحة ليلعب بها معركة الانتخابات التي حدثت مؤخراً في أبريل 2003م، حيث أصاب عصفورين بحجر واحد، فهو في ضغطه على التيار الإسلامي ومحاولة محاصرته يؤكد تمسكه بمحاربة الإرهاب، ويقدم بذلك البراهين الدامغة لراعية السلام الأولى في العالم (أمريكا)، ومن ناحية أخرى فقد هيأ له ذلك المناخ الفرصة لخوض انتخابات برلمانية بأغلبية كاسحة..<BR>كانت حادثة تفجير المدمرة (يو. إس. إس. كول) الأمريكية على الشواطئ اليمنية في أكتوبر 2000م، والتي أسفرت عن مقتل 17 بحاراً من المارينز بداية تحول جدي في قضية فتح ملفات الإرهاب في اليمن، ولأول مرة تبرز اليمن رسمياً على واجهة الأحداث الإرهابية بشكل مباشر <BR><BR><font color="#0000FF">انعكاس أحداث سبتمبر: </font><BR>شكلت تفجيرات سبتمبر ضربة موجعة تلقتها الإدارة الأمريكية في عقر دارها، ولم تكن اليمن في معزل عن ردود الأفعال التي صدرت عن الإدارة الأمريكية، بل على العكس من ذلك فقد أخذت الأمور تزداد سوءاً في الداخل اليمني عندما تبين أيضاً وجود يمنيين ضمن قائمة منفذي تفجيرات سبتمبر، ولذا فقد توجه المستشار السياسي للرئيس اليمني إلى واشنطن حاملاً رسالة من الرئيس في إطار مناقشة التطورات و(الجهود) المشتركة لمكافحة (الإرهاب).<BR><BR><font color="#0000FF">جامعة الإيمان: </font><BR>في إطار صراعها مع الإسلاميين فقد دأبت أيادٍ حزبية مختلفة وعبر قنواتها الإعلامية على إقحام جامعة الإيمان في كل قضية عنف تحدث على الساحة اليمنية كحادثة المدمرة (كول) والناقلة الفرنسية (لمبرغ)، وآخرها ما حصل عند اغتيال الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي اليمني.. ولا يستبعد المراقبون السياسيون أن يكون مسألة التخطيط لإغلاق جامعة الإيمان هو أحد الاستحقاقات اللازمة والمتفق عليها بين الحكومة اليمنية والإدارة الأمريكية من أجل الحفاظ على علاقات متينة ومتميزة بين البلدين، وقد وصل ذلك إلى حد اتهام حزب المؤتمر الشعبي الحاكم جامعة الإيمان التي يتلقى الدروس فيها طلبة من مختلف الدول الإسلامية من بينها ماليزيا وإندونيسيا بأنها "تنشئ طلبة متطرفين دينياً وتخرج أفواجا من السلفيين" حسب ما تناقلته مصادر مختلفة، وبرغم إنشاء جامعة الإيمان بترخيص من الدولة إلا أن السلطات اليمنية هددت في السنوات الأخيرة بإغلاق هذه الجامعة الخاصة؛ لأنها فتحت "بدون تصريح رسمي".<BR>واعترف (وزير الداخلية اليمني) الدكتور رشاد العليمي بوجود هذه الاعتقالات، وقال: إن هناك اعتقالات وقائية في مناطق كثيرة، وقد تمت للتيقن من أنه لا توجد علاقات بين المعتقلين وأي مجموعات وصفها بالإرهابية خارج اليمن، وأضاف أن التحقيقات مازالت جارية، مشيراً إلى أن أعداد المعتقلين تقدر بالعشرات، وتقول أجهزة استخبارات غربية: إن عدد العرب الذين قاتلوا في أفغانستان ضد الغزو السوفييتي، والذين بات يصطلح على تسميتهم بالأفغان العرب يقدر بنحو 400 شخص.<BR>وأضاف العليمي أن اليمن يتبادل المعلومات حالياً مع الجانب الأميركي، ووصف المعلومات التي حصلت عليها أجهزة الأمن اليمنية بأنها أعطت اليمن على الأرجح مؤشرات يمكن أن يستخدمها في تحقيقات مستقبلية. <BR><BR><font color="#0000FF">اختطاف الأجانب إرهاب: </font><BR>تصريحات تأتي من قبائل شتى أو من جهات مجهولة تتبنى عملية خطف الأجانب في اليمن أو قتلهم بحجج مختلفة منها ما يقع في إطار المصالح التنموية كورقة يتم الضغط بها على الحكومة اليمنية لتنفيذ بعض المشاريع، وبعضها ما يتم بدافع ديني كما حصل من قتل المبشرين الثلاثة في الحديدة أو كما جرى لثلاثة أطباء منصرين أيضاً في مدينة (إب)، وتأتي هذه التصريحات في الوقت الذي حث فيه الرئيس اليمني علي عبد الله صالح البرلمان على إصدار قانون يصنف عمليات خطف الأجانب "عملاً إرهابياً"، وقال صالح أمام جلسة مشتركة لمجلسي النواب والشورى: إن اليمن يعارض "الإرهاب" بكل صوره، وإنه عانى من "الإرهاب".<BR>يشار إلى أن عشرات الأجانب اختطفوا باليمن في الأعوام الأخيرة في عمليات ينفذها عادة رجال قبائل يطلبون تحسين الخدمات الحكومية في مناطقهم أو الإفراج عن أقارب لهم مسجونين.<BR><BR><font color="#0000FF">التعاون المحرج: </font><BR>لقد أدت هذه الحادثة وغيرها من الحوادث المختلفة إلى وضع الحكومة اليمنية في وضع محرج أمام القيادة الأمريكية التي يجب عليه لزاماً أن يؤكد لها بعدم رضاه عما يحدث الأمر الذي دعاه إلى أن يقدم مختلف التسهيلات والتنازلات كما حصل في سبتمبر من العام 2002م حين قامت وكالة الاستخبارات المركزية والجيش الأمريكيين بعملية سرية - كما أسمتها المصادر الاستخباراتية الأمريكية حينها – واسعة النطاق بحثاً عن مقاتلي القاعدة الذين يعتقد أنهم فروا من أفغانستان، وقد استخدمت أيضاً لهذه العملية السفينة الحربية الأمريكية المسماة (بيليو وود) كقاعدة عائمة، كما تم إنزال أكثر من 800 جندي أمريكي وعشرات من طائرات الهليكوبتر في جيبوتي، والتي كان من بينها فرقة من قوة (دلتا) السرية المتخصصة في اختطاف المشتبه بهم من أراضي دول أخرى، إلا أن كل هذه التسهيلات والتنازلات لم تخفِ قلق اليمن من توسع التدخل الأمريكي إلى درجة مطاردة المشتبه بهم على أراضيها، ولكن تخوفها هذا لم يكن ذي بال عندما أقدمت الإدارة الأمريكية على اغتيال (الحارثي) الذي أوقعت الحكومة اليمنية في مأزق كبير كان الأقوى في علاقتها مع الشعب، حيث شكّل تصريح الإدارة الأمريكية بعلم الحكومة اليمنية بما قامت به مفاجأة غير سارة للحكومة اليمنية التي دأبت تنافح عن عدم علمها المسبق بما أقدمت عليه الإدارة الأمريكية من ضربة عسكرية على أراضيها، مما أثار بالمقابل استياءً لدى الإدارة الأمريكية من عدم التحدث صراحة من قبل الحكومة اليمنية على وجود ذلك التنسيق المسبق.<BR><BR><font color="#0000FF">خطة أمنية جديدة: </font><BR>حوادث متعددة هنا وهناك أجبرت الحكومة اليمنية على تكثيف خطتها الأمنية، وقد نشرت صحيفة الصحوة اليمنية نقلاً عن صحيفة 26 سبتمبر خبراً مفاده بأن مصدراً أمنياً أعلن أن النتائج الأولية التي تم التوصل إليها في حادثة فرار المتهمين في قضية تفجير"كول" "تبين أن المتهمين الفارين عملوا وعلى مدى عدة أشهر على إحداث فتحة في جدار الحمام التابع للسجن بصورة تدريجية، وكانوا يعمدون إلى وضع قطعة قماش للتغطية على تلك الفتحة قبل أن تتسع للتمويه حتى لا يكتشفها عمال النظافة.. كما كانوا يتخلصون من المخلفات أولاً بأول عبر شبكة المجاري بعد تفتيتها إلى أجزاء صغيرة"، وأكد المصدر تواصل التحقيق من قبل لجنة خاصة وتحت إشراف الأخ اللواء علي منصور رشيد (نائب رئيس الجهاز المركزي للأمن السياسي)، وقد جاء في مضمون الخبر بأن وزير الداخلية أعلن أنه سيتم عاجلاً الانتهاء من تغطية ست مناطق جديدة بنظام كاميرات المراقبة الآلية، وذلك في إطار المرحلة الثانية من خطة المشروع التي أنجزت مرحلته الأولى خلال الأشهر الماضية"، وقال: "إن المشروع يستكمل تغطية كافة منافذ ومناطق أمانة العاصمة بكاميرات المراقبة التي ترتبط مباشرة بغرفة العمليات" بغرض "تعزيز قدرات أجهزة الأمن في المتابعة المستمرة للأوضاع وتحقيق السيطرة الأمنية الفاعلة والحد من الجريمة في العاصمة صنعاء".<BR>إضافة إلى ذلك فقد قامت وزارة الداخلية اليمنية بإعداد خطة مشروع المرحلة الثانية من المناطق الأمنية النموذجية، والتي يفترض أن تصل إلى 68 منطقة في عموم محافظات الجمهورية اليمنية إضافة إلى 13 منطقة كان قد تم إنشاؤها في المرحلة الأولى، وستكون المنطقة الأمنية عبارة عن مركز انطلاق وتجمع للأجهزة الأمنية، كما قامت الوزارة بإعداد دليلٍ خاص بقائمة الأشخاص المطلوبين أمنيًا، ويتضمن الدليل حوالي 170 مطلوباً يتضمن أسماء وصور المتهمين الفارين ومعلومات كاملة حولهم وحول القضايا المطلوبين فيها، ومنها: قضايا الإرهاب، والقتل، والتقطع، والتخريب، والاختطاف...<BR>والسؤال الذي يطرح نفسه الآن أمام كل تلك الجهود الرامية إلى تعزيز الخطة الأمنية وضبطها: هل هي ضرورة أمنية تقتضيها مصلحة البلاد أم ضغوط أمريكية هدفها منع التسلل المتبادل بين الحدود اليمنية الأفريقية أو الحدود اليمنية الخليجية؟ كلا الأمرين نرى بأنهما يقعان على نفس القدر من الأهمية، ويبقى أن نتابع مدى نجاح هذه الخطة من عدمها..<BR><br>