اغتيال قديروف.. الانقلاب على الانقلاب
22 ربيع الأول 1425

لم يشكل اغتيال رئيس الحكومة الشيشانية المدعومة من قبل الكرميلن حدثاً مفاجئاً أو غريباً، إذ إن العديد من الأوساط السياسية والإعلامية كانت تتوقع اغتياله في أي وقت، خاصة وأنه العدو رقم واحد، حسب ما أطلق عليه الرئيس الشيشاني السابق أصلان ماسخادوف بعد أن طرده من منصب مفتي الشيشان.<BR><BR>إلا أن عملية الاغتيال جاءت ناجحة ومدروسة بكل المقاييس، وشكلت ضربة لا يستهان بها، خاصة في ظل الاحتفالات الروسية بهزيمة الألمان إبان الحرب العالمية الثانية، والتي استطاع الجيش الأحمر وقتها أن يقف في وجه النازية السريعة الخطى في كل الاتجاهات.<BR>لذلك فإن عملية اغتيال لشخصية بحجم قاديروف، في مناسبة مثل هذه المناسبة، وبطريقة نظيفة وناجحة كهذه الطريقة، جعلت موسكو تستنفر خوفاً من صورة تتكرر، تصبح فيها الشيشان مسرحاً للقضاء على الانتشار الروسي في الدول الإسلامية، كما حصل في أفغانستان سابقاً.<BR><BR><BR><font color="#0000FF">من هو قاديروف: </font><BR>ولد أحمد حجي قديروف الشيشاني الأصل، في كازاخستان عام 1951م، والتي أبعدت إليها أسرة قاديروف عام 1944م ضمن نصف مليون أسرة شيشانية، عندما عاقب ستالين الشيشانيين بتهجيرهم إلى آسيا الوسطى وسيبيريا؛ بتهمة التعاون مع الألمان.<BR><BR>وفي كازاخستان، بدأ أحمد يتلقى تعليمه الديني، خاصة في حفظ القرآن الكريم.<BR>وفي عام 1956م عاد مع أسرته إلى الشيشان، بعد أن سمحت الحكومة الروسية لعائلات المبعدين بالعودة إلى وطنهم.<BR><BR>درس أحمد الإسلام في أوزبكستان السوفيتية خلال عقد الثمانينات، ولم يلفت الأنظار إليه إلا بعد تولى منصب رئاسة أول معهد إسلامي في شمال القوقاز عام 1989م<BR>وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي وإعلان الجنرال جوهر دوداييف استقلال الشيشان التي أصبح أول رئيس لها اختير قاديروف عام 1993م في منصب مساعد المفتي العام للشيشان. <BR>وحينما استعرت حرب الشيشان الأولى (1994-1996م) عين قاديروف في عام 1995م مفتياً للشيشان في اجتماع حضره سليم خان ياندربييف، وأصلان مسخادوف، وشامل باسييف، وقادة وأئمة آخرون بعدما رأوا في قاديروف مقومات علمية ودينية أهلته آنذاك لتولي هذا المنصب.<BR><BR>وخلال هذه الحرب صنفت موسكو قاديروف واحداً من أخطر أعدائها في الشيشان؛ لقدرته البلاغية على شحن عاطفة الشيشانيين بقدسية الجهاد ضد الروس "الكفار"، وعد بوريس يلتسين أن إسقاط رأس قاديروف أثمن من إسقاط رأس أصلان مسخادوف الذي انتخبه الشعب الشيشاني في 27-1-1997م رئيساً لخمس سنوات.<BR><BR>ولا يزال الكثير من الشيشانيين يتذكرون حتى الآن تلك الخطب الرنانة التي كان يدعو فيها إلى الجهاد ضد الاحتلال الروسي، منها خطبته التي قال فيها: "أيها الرجال، يا من تدافعون عن الإسلام والشيشان، ها هو مصير أوطانكم بين أيديكم، إذا كنا لا نزيد على مليون مجاهد يواجهون 150 مليوناً من الروس، فإن القضاء على روسيا نهائياً لا يستوجب أكثر من أن يقتل كل رجل منا 150 كافراً منهم".<BR><BR><font color="#0000FF">الانقلاب على المجاهدين: </font><BR>يروي التاريخ الشيشاني الحديث واقعة شكلت في وقتها مفاجئة لم تكن لتخطر على بال،<BR>وتنقل هذه الرواية أن القوات الشيشانية التي أسقطت مبنى المخابرات الروسية في جروزني عثرت على رسائل وأوراق للتواصل مع عميل شيشاني يحمل اسماً حركياً هو "آدم"، ويقابله في خانة الاسم الحقيقي "أحمد حجي قاديروف"! <BR>غير أن الأمر لم يكن ليصدق آنذاك، ورغم التحذير الذي وجهه ياندربييف للرئيس المنتخب أصلان مسخادوف بضرورة التخلص من قاديروف في أقرب فرصة، إلا أن مسخادوف كان غير قادر على تصديق الشائعات، أو ربما كان مصدقاً، ولكنه لم يكن قادراً على التخلص من قاديروف "المفتي العام" لجمهورية تحكمها العلاقات العشائرية والقبلية. <BR>وفي الحالتين كانت المحصلة في صالح بقاء قاديروف في منصبه.<BR><BR>الحادثة الثانية التي سجلها التاريخ الشيشاني ضد قاديروف هي عندما أعلن المجاهدون الشيشان توسيع نطاق عملهم، عبر فتح الأراضي الداغستانية، وإقامة دولة إسلامية تشمل الشيشان وداغستان، عندها استغل قاديروف الفرصة من أجل إعلان انضمامه للحكومة الروسية، التي أرسلت قوات عسكرية كبيرة حاصرت الشيشان.<BR>وكونه مفتي الدولة، فقد أعلن قاديروف وقوفه ضد قادة المجاهدين، ومن أبرزهم: الرئيس أصلان مسخادوف، والقائدان الميدانيان شامل باسييف وخطّاب.<BR>وخلال وقت قصير، أرسل قاديروف إشارات إلى موسكو بدخول الشيشان، ودخل القوات الروسية مدينة غوديرمس ثانية كبرى المدن الشيشانية دون طلقة رصاص بعد أن سلمها قاديروف للروس.<BR>ومنذ ذلك التاريخ، تحول قاديروف إلى لعبة بيد حكومة الكرميلن، ضد المجاهدين الذين عاش وعمل معهم لسنوات طويلة.<BR><BR><font color="#0000FF">الانتقال من العمل الديني إلى السياسي: </font><BR>على الفور، حصل قاديروف على الجائزة الروسية لانقلابه على حكومة بلاده المنتخبة والشرعية، فقد قلده الكرملين منصب رئيس الإدارة المؤقتة في الشيشان، تمهيداً لانتخابه بانتخابات مزورة رئيساً للحكومة.!!<BR><BR>ولم يتساءل الكثيرون عن مدى قدرة مفتي عام مهتم بالشؤون الدينية، على قيادة حكومة سياسية موالية للاحتلال، في وقت تسعى فيه لتحييد الشعب الشيشاني عن الجهاد والعمل الثوري.<BR>فقد جاءت الإجابة سريعة، إذ إن هذا الرئيس المفترض لم يكن أكثر من صورة أو دمية لحكومة حقيقية تفعل ما تريد، وتدير شؤون الشيشان من مكاتب الكرملين في موسكو.<BR><BR>ولم تنسى الحكومة الروسية من أن تستفيد من مهارات قاديروف الخطابية، والثقة السابقة التي كان الشعب الشيشاني يوليها لقاديروف، حيث اعتمدت عليه في إقناع الشعب بالتخلي عن العمل السياسي والثوري، والتفرغ لبناء دولة عاشت سنوات طويلة من الحرب، تحت وصاية روسية، <BR>وقد دخل من دخل في هذا الدور، واستسلمت الكثير من العائلات البائسة والفقيرة لهذا الواقع، وهم يرون نصير المجاهدين أمس، ولي الكرملين اليوم، في وقت تنتشر فيه القوات الروسية أكثر من المواطنين أنفسهم.<BR><BR>وطالما بقي قاديروف لعبة سهلة للروس، ضمنت هي له حكماً مطلقاً في الشيشان، وهذا ما حدث في أكتوبر 2003 م، عندما أظهرت نتائج الانتخابات الرئاسية فوزاً كاسحاً لقاديروف، ليس فقط لأنه المرشح الوحيد؛ ولكن لأن المراكز وصناديق الاقتراع كانت تحت وصاية روسية.!!<BR><BR><font color="#0000FF">محاولات اغتيال سابقة: </font><BR>بعد أولى الأحداث التي عين فيها قاديروف رئيساً للإدارة المؤقتة، أعلن الرئيس الشيشاني السابق ماسخادوف أن قاديروف بات العدو رقم 1 أمام المجاهدين الذين شكل حركة قاديروف لهم ضربة مؤلمة، حولت دولتهم الواقعية إلى حلم جديد، سيسعون سنوات طويلة لاحقة من أجل تحقيقه.<BR><BR>ومنذ ذلك الوقت، عرف قاديروف أنه أصبح هدفاً للمجاهدين، وهو يعلم تماماً قدرتهم على الوصول إلى هدفهم، ولو طال عليهم تحقيقه.<BR>وهو يعترف بهذا الأمر ولا يخفيه، ففي حديث له مع قناة الجزيرة بتاريخ 6-8-2000م- قال: "حتى داخل منزلي لا أتواجد بدون حراس، وحينما أجلس في مكتبي فإلى جانبي البندقية، وإلى جانبي الآخر مسدس".<BR>ولكن شيئاً من ذلك لم يكن ليحول دون وصول المجاهدين إليه.<BR><BR>وقد تعرض قاديروف لعدة محاولات اغتيال، من بينها محاولة الاغتيال بتاريخ 29 يناير 2001م، التي فجر خلالها المجاهدون الشيشان عبوة ناسفة شديدة الانفجار، لدى مرور موكبه في مدينة جودرميس انفجرت، ما أدى إلى تناثر العديد من السيارات المارة على جانبي الطريق لعدة أمتار، <BR>وقد أصيب خلال المحاولة سبعة من معاونيه ومساعديه فيما لم يصب هو بأذى.<BR><BR>ومن المحاولات أيضاً ما نشرته وكالة (ايتار تاس) مطلع عام 2003م ، والتي زرع خلالها المجاهدون عبوة ناسفة في طريق موكب قاديروف<BR>وأعلن وقتها وزير الداخلية الشيشاني رسلان تساكييف أن العبوة المصنوعة بواسطة قذائف مدفعية تم اكتشافها قرب ساحة ميوتكا في غروزني المعتاد الذي يسلكه قادروف للتوجه إلى عمله.<BR><BR>وكان آخرها محاولة الاغتيال قبل أقل من شهر من الانتخابات التي عين فيها مجدداً رئيساً للشيشان.<BR>فقد تم نقله في شهر سبتمبر 2003 م إلى المستشفى بعد إصابته بالتسمم من غذاء تناوله،<BR>وأكد الأطباء أنه تعرض لمحاولة تسميم، إلا أنه نجا من المحاولة، وتماثل للشفاء خلال أيام.<BR><BR><font color="#0000FF">عملية الاغتيال الناجحة: </font><BR>إلا أن هذه المرة لم يكتب لقاديروف النجاة، فقد كانت العملية ناجحة ومدروسة.<BR>الاحتفالات التي ستشهدها الأراضي الروسية ومن والها من الدول الأخرى، ستكون كبيرة وواسعة، ومن المقرر أن تشارك الحكومة الشيشانية الموالية لموسكو باحتفالات ذكرى التصدي للقوات النازية عام 1945م.<BR>ولا بد أن يكون قاديروف في المنصة الرئيسة للحفل، جالساً على المقاعد المخصصة لكبار الشخصيات، وهو ما حدث بالفعل.<BR><BR>لا أحد يعلم حتى الآن كيف لم يتنبه أحد من مساعدي أو مرافقي قاديروف لوجود قنبلة في المنصة، خاصة في ظل الظروف الأمنية التي تتخذها أجهزته الخاصة من تأمين المكان وفحصه والتأكد من سلامته.<BR>وأمام عدسات الكاميرات، وقع الانفجار..<BR>كان شديداً وكبيراً، وقد صمم لأن يقضي على أي احتمال لنجاة قاديروف الذي نجا عدة مرات سابقة.<BR><BR>الإصابات كانت مباشرة وقوية له، ما استدعى نقله مباشرة إلى المستشفى، إلا أنه وخلال نصف ساعة فقط كان قد فارق الحياة متأثراً بجراحه.<BR>وقد قتل إلى جانبه عدد من كبار أعداء المجاهدين، منهم: رئيس القوات الروسية في الشيشان الجنرال فاليري بارانوف، وغيره.<BR>وبهذا تحقق للمجاهدين الشيشان هدفهم في القيام باغتيال قاديروف؛ انتقاماً منه على أعماله السابقة، وانقلاباً على انقلابه السابق ضد المجاهدين.<BR><br>