الاحتلال نحو طمس عروبة العراق
22 ربيع الأول 1425

فجأة تحول العراق من جزء لا يتجزأ من الأمة العربية إلى "الأمة العراقية". <BR>وأصبح هذا المصطلح الجديد الذي لم يكن يسمع به أحد أو يجرؤ أحد على استخدامه، هو المصطلح السائد في وسائل الإعلام، وخاصة التلفزيون، ويتقصد بعض أعضاء مجلس <BR>الحكم تكرار ذلك كلما تحدثوا في وسائل الإعلام بغية إشاعة المفهوم، وتطبيع الآذان على قبوله، كما يصر الحزب الشيوعي العراقي على استخدام هذا المصطلح، الذي لم يألفه العراقيون بعد أن غرس النظام البعثي السابق مفهوم العروبة والأمة العربية، في النفوس والعقول طيلة أكثر من ثلاثة عقود، لم يقتصر الحديث فيها <BR>على أن العراق هو جزء من الأمة العربية فحسب، بل كان يسن القوانين التي تساوي بين العراقيين والعرب، ويؤكد على أن "القطرية" هي فكر ينبغي محاربته.<BR><BR><font color="#0000FF">استهداف عروبة العراق: </font><BR> ويلاحظ المراقب تصاعد الدعوات التي تدعو إلى سلخ العراق عن العرب، وتركز بعض وسائل الإعلام في العراق على أن العرب كانوا يقفون إلى جانب صدام في حربه ضد إيران، وأن بعض الأقطار العربية قامت بتبرير غزوه للكويت.<BR>وكان مجلس الحكم الانتقالي في العراق قد رفض بأغلبية مطلقة المذكرة التي تقدمت بها الأمانة العامة للعمل القومي في العراق إلى المجلس، والتي تطالب بتأكيد هوية العراق العربية، والنص عليها دستورياً بأن "العراق جزء لا يتجزأ من <BR>الأمة العربية".<BR>وقالت المصادر: إن خلافات نشبت بين أعضاء مجلس الحكم في العراق عند سن قانون الدولة في المرحلة الانتقالية الذي صدر مؤخراً، ودارت الخلافات بصفة خاصة حول مسألة الانتخابات والشريعة الإسلامية وعروبة العراق، ووصفت مصادر في أوساط <BR>التيار القومي في العراق ما فعله مجلس الحكم بأنه تنكر للحقائق التاريخية والحضارية والجغرافية ولا معنى له، إذ إن هذه الحقائق أكبر وأقوى من الإرادات السياسية للقوى الرافضة لعروبة العراق في مجلس الحكم،و أشارت هذه المصادر إلى أن تيار الرافضين يمثلون تياراً حانقاً على العروبة، ويمتثلون لرغبة سلطات <BR>الاحتلال بإبعاد العراق عن عالمه العربي، ولا عجب أن تتبنى الحملة التي تشن حالياً ضد عروبة العراق أجهزة إعلام عراقية تمول من قبل الإدارة الأمريكية وأدرعتها الأمنية، بناء على توصيات إسرائيلية واضحة؛ لأن العراق العربي المسلم <BR>الموحد كان يشكل الخطر الأكبر على الدولة العبرية وخططها في التوسع والهيمنة على المنطقة العربية، ومن هنا فإن عروبة العراق مستهدفة؛ لأنها عروبة تقاوم الاحتلال الإسرائيلي، و تتصدى للهيمنة الأمريكية، ولو كانت هذه العروبة مستأنسة، <BR>قابلة للتطبيع الإسرائيلي، ومستعدة لفتح سفارة للدولة العبرية في قلب بغداد لما التفت واضعو الدستور العراقي الجديد إلى هذه المسألة.<BR><BR><font color="#0000FF">الأكراد والشيعة: </font><BR> ويقول الصحفي العراقي المعروف " هارون محمد ": " يتوهم الأعضاء الكرد، ونظراؤهم الشيعة الموالون لواشنطن و طهران في مجلس الحكم الانتقالي ببغداد، إذا اعتقدوا أنهم نجحوا في إلغاء عروبة العراق، وتغييب هويته التاريخية والحضارية <BR>والثقافية والاجتماعية القومية العربية، عندما خلا قانونهم الأعرج الذي أطلقوا عليه اسم (قانون إدارة الدولة الانتقالية) من المادة التي لم يجرؤ حاكم أو حكومة في السابق على حذفها أو شطبها، وهي المادة التي تقول: إن العراق جزء لا يتجزأ من الأمة العربية، واستعاضوا عنها بمادة أخرى كسيحة تشير إلى أن العراق <BR>بلد متعدد القوميات، وأن الشعب العربي فيه جزء من الأمة العربية، رغم أن العراق - كما هو معروف - بلد عربي الوجه والطابع والانتماء والتأريخ، يشكل العرب أكثر من <BR>ثمانين بالمائة من أرضه وسكانه، تعيش في وسطهم ورعايتهم أقليات عدة من ضمنها الأقلية الكردية التي لولا عرب العراق الذين حموها وحافظوا عليها ومنحوها مكانة متميزة لا وجود لها في تركيا وإيران وأذربيجان، التي تضم ملايين الأكراد، لكانت <BR>الآن لا وجود لها على الخارطة، هذه حقيقة يدركها كل منصف وعاقل.<BR><BR><font color="#0000FF">تفتيت العراق: </font><BR> يقول الدكتور حازم فيضي من هيئة علماء السنة:إننا ندرك جيداً أن هناك أقليات أو أعراقاً غير عربية في العراق، مثل: الأكراد، والتركمان، والأرمن، ولكن هذا التنوع العرقي كان دائماً موجوداً، وفي كل الأزمان والعهود، وشكل رافداً أساسياً في <BR>النسيج العراقي، فما هو الجديد الآن، الذي يحتم تغيير هوية العراق؟!<BR><BR>ويضيف الدكتور فيضي: إذا كانت المسألة مسألة أقليات يجب احترامها، ونحن مع احترامها وأخذ حقوقها كاملة على قدم المساواة مع الجميع في إطار العراق الديمقراطي الموحد، فلماذا يغفل هؤلاء الذين يطالبون بطمس عروبة العراق، وجود أقليات غير مسلمة، ويحرصون على التأكيد على الهوية الإسلامية للعراق، ألا يحتوي <BR>هذا الطرح على تناقض يعكس سوء النية المسبق، ويصب في إطار السياسة الأمريكية التي تعتمد التفتيت كمنهج سياسي، أي: تفتيت المنطقة العربية وتحويلها إلى كيانات منفصلة متناحرة، تمهيداً لتفتيت القطر الواحد؟<BR>ويقول المحامي خليل الدليمي (أحد رموز التيار القومي في العراق): لقد بلغ السوء ببعض الأحزاب الشعوبية والشخصيات المرتبطة بإيران أو غيرها إلى إعلان عدائها السافر للعرب، واتهامهم بكل ما لحق بالعراق من مآسٍ وأهوال بهدف زرع <BR>الكراهية والحقد بين العراقيين وأشقائهم العرب، وبدأنا نسمع أصواتاً نشازاً تدعو إلى قطع الصلة بالعرب أو تحميلهم مسؤولية كل ما حصل، أما مهزلة الدستور فلا يمكن السكوت عليها، ولكم أن تعرفوا أن جميع دساتير العراق، الدائمة والمؤقتة الملكية والجمهورية، الثورية والرجعية، أكدت بوضوح على هوية العراق العربية، فلماذا يريد رجالات أمريكا الذين جاؤوا إلى العراق على ظهر دباباتها مسخ هوية العراق، ولماذا هذا العداء للعرب والعروبة؟!<BR><BR><font color="#0000FF"> (الأمة العراقية)! </font><BR>المحلل السياسي المعروف الدكتور " ايمن العاني " قال لمراسل " المسلم ": إن دعاة الأمة العراقية هم ذاتهم دعاة الديمقراطية الأمريكية والحرية الغربية، والداعين إلى تغيير المناهج الدينية والوطنية في بلادنا، وهم ليسوا سوى عملاء استخدمهم الاحتلال لتنفيذ مآربه، واستطاع شراء ذممهم إلى الحد الذي سخرهم لترويج سياساته وادعاءاته بأنه جاء لتحرير العراق وشعبه من الحكم السابق،وهم ذاتهم الذين أشاعوا عشرات القصص الوهمية عن أسلحة الدمار الشامل والمقابر الجماعية وغيرها من الادعاءات التي لم تعد تنطلي على أحد، وليس صدفة أن تتزامن محاولات طمس عروبة العراق مع الجهود الأمريكية الضخمة من أجل تجذير التقسيمات الطائفية في العراق، تمهيداً لإشعال نيران الحرب الأهلية بين أبناء العقيدة الواحدة، من خلال تقريب هذه الطائفة وإبعاد أخرى.<BR><BR>ويضيف الدكتور "العاني": إن العراق ما كان ليشكل أهميته الحالية إلا من خلال انتمائه لأمته العربية، وهو يشكل عمقها الاستراتيجي مثلما تشكل هي عمقه التاريخي والحضاري.<BR>ويستهجن الدكتور "العاني" ما ورد في الدستور الجديد، قائلاً: إن من المخجل حقاً أن ينص الدستور الجديد الذي وضعه "برايمر" وجلاوزته بأن "الشعب العربي في العراق هو جزء من الأمة العربية" وليس العراق كله، وهو ما أثار في نفوس العراقيين حنقاً واستياء شديدين، بسبب مجاملة بعض السياسين لقيادات الأكراد، وكأن العرب أقلية في العراق.<BR><BR><font color="#0000FF">الثمن المدفوع: </font><BR>مما دفع الكاتب الصحفي " علاء اللامي "إلى القول بأن المبتهجين<BR>بدستور "بريمر " الانتقالي من قيادات الأحزاب القومية الكردية والسلفية الشيعة المرتبطة بإيران، وخصوصاً في حزب "آل الحكيم " إضافة إلى المجموعات المتواطئة مع الاحتلال كمجموعات الباججي والجعفري والإخوان المسلمين...إلخ يعدون أنفسهم <BR>قد انتصروا حين نجحوا بإلغاء هوية العراق كبلد عربي واستعاضوا عن ذلك بمادة هزيلة تقول بأن الشعب العربي في العراق هو جزء من الأمة العربية، ومن الطبعي أن يسارع النظام الإيراني الطائفي إلى تأييد هذه الخطوة الخطيرة لثلاثة أسباب على الأقل: فهي ألغت عروبة العراق كبلد مؤسس للجامعة العربية، ولقد كان مطلب إلغاء عروبة العراق مطلباً للإيرانيين منذ عهد الشيخ حسين يزدي الذي رفض هو وعدد من زملائه علماء الدين ذوي الأصول الإيرانية استقلال العراق في العشرينيات، على اعتبار أن ( فارس هي أم العراق، وتركيا كانت مربيته، ويجب أن يعود الطفل إلى <BR>أمه إذا استقل عن مربيته ) كما ورد في عريضة نشرها في الصحافة في العشرينيات، وأوردها الكاتب الإسرائيلي المؤيد للطائفيين الشيعة إسحق نقاش في كتابه عن شيعة العراق. والسبب الثاني: أن هذا الدستور الاحتلالي سيقرب الحزب الموالي لهم " <BR>المجلس الأعلى " من احتكار الساحة السياسية داخل الطائفة الشيعية في العراق كما يتصورون عن جهل. والسبب الثالث الذي جعل إيران تندفع إلى تأييد دستور بريمر كما اندفعت أمس لتأييد تشكيل مجلس حكمه المعين، فكانت أول دولة في العالم تعترف <BR>بهذا المجلس الصوري ، هو: أنها تريد أن تنقذ رأس نظامها من أنشوطة الضغوطات الشعبية والغربية معاً، ولكن بثمن مدفوع من جيب العراقيين!<BR><BR><font color="#0000FF">أغلبية الثلثين: </font><BR>أما النجاح الآخر الذي احتفل به المبتهجون، هو: أنهم ثبتوا فقرة في المادة 61 تعطي الحق للمحافظات ذات الأغلبية الكردية دهوك والسليمانية وأربيل في رفض الدستور بكامله من خلال استفتاء إذا صوتت أغلبية الثلثين في هذه المدن الثلاث أو أية ثلاث مدن عراقية أخرى ضد مسودة الدستور ككل أو ضد أية مادة فيه،ومن جهة أخرى يعتقد الكثير من المحللين أنه ينبغي على الأطراف الوطنية <BR>والاستقلالية العراقية المناهضة للاحتلال، وبخاصة في التيار القومي العروبي أن يتخلوا بعد اليوم عن حذرهم وحساسيتهم المبالغ بها إزاء مطالبة الإخوة الأكراد بحقوقهم القومية، وعليهم أن يثبتوا للجماهير الكردية أنهم لا يعادون طموحاتها المشروعة، وأنهم لا يرفضون صيغة الحكم الاتحادي " الفيدرالي " ضمن العراقالموحد <BR>المستقل الخالي من القواعد العسكرية الأجنبية، بل ينبغي على العراقيين العرب عموماً أن يثبتوا لإخوتهم الكرد و التركمان وغيرهم أنهم سيقدمون لهم أكثر مما يعدهم المحتل بتقديمه، مع ضمان البقاء والاستمرارية الذي لا يملك الاحتلال تقديمه ألا وهو السلام الدائم والحقوق القومية المشروعة على أساس المساواة <BR>والاستقلال، ورفض العمالة والهيمنة الأجنبية.<BR> إن رفض الحقوق المشروعة للكرد العراقيين جريمة، ولكن دفع الجماهير الكردية من الأحزاب القومية الكردية خلف السراب الأمريكي، وتدمير التآخي العراقي المعمد بالتضحيات لهو جريمة مضاعفة بحق النفس وبحق الآخرين.<BR><BR><font color="#0000FF">العلم الجديد غير عربي: </font><BR>اضطر الدكتور عدنان الباججي (عضو مجلس الحكم) إلى الاعتراف بأن العلم العراقي الجديد لا يحمل أية سمة عربية بعد أن تعالت الأصوات داخل العراق وخارجه رافضة العلم الذي وضعه مجلس الحكم مؤخراً، والذي يصفه العراقيون بأنه صنو العلم <BR>الإسرائيلي، وقبل أن يرفع العلم العراقي الجديد فوق مؤسسات «الاحتلال» أحرقه أهالي الفلّوجة والنجف والبصرة، مؤكدين رفضهم القاطع له ولما يحمله من دلالات، أقرها - للأسف - مجلس الحكم، ليس كرمز للعراق «الجديد»، بل اختزالاً لمشروع عراق ما بعد الاحتلال، وقد أجمع العراقيون على أنه نسخة أخرى للعلم الإسرائيلي فيما نفى مجلس الحكم أي تشابه بين العلمين، ويؤكد العراقيون أن العلم الجديد خال من أي رمز عربي، حيث تغيب قومية الأغلبية عمداً لتقحم بدلها قومية الأقلية إرضاءً لها مقابل الإقرار بالدين الإسلامي كهوية لدولة جديدة خالية من العروبة، وإذا كنا نفهم تنكر بعض العراقيين للقومية العربية، كرّد فعل على استبداد العهد السابق، وقبولهم بتغييب كل ما يؤكد عروبة العراق، سواء في الرموز والأعلام الوطنية وحتى الدستور، لكننا لا نفهم أن يأتي هذا التنكر للعروبة في وقت يقبلون فيه الإقرار بقومية إحدى الأقليات دون سواها؟ وغير خاف المعاني والدلالات التي تحملها ألوان العلم العراقي وسائر الأعلام العربية،وكلنا يتذكر قصيدة الشاعر العراقي "صفي الدين الحلي" الذي وصف ألوان العلم العربي ودلالاته:<BR><DIV align=center> <TABLE width=450 align=center border=0 cellPadding=0 cellSpacing=0> <TBODY><TR> <TD width=45% valign=bottom align=left> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA">إنَّا لقوم أبت أخلاقنا شرفاً</SPAN> </TD><SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"><td width=10%> </td></span> <TD width=45%> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA">أن نبتدي بالأذى من ليس يؤذينا</SPAN> </TD> </TR><TR> <TD width=45% valign=bottom align=left> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA">بيض صنائعنا، سود وقائعنا</SPAN> </TD><SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"><td width=10%> </td></span> <TD width=45%> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA">خضر مرابعنا، حمر مواضينا</SPAN> </TD> </TR></TBODY> </TABLE> </DIV><BR><BR>وهكذا يلعب مجلس الحكم الانتقالي دوراً بارزاً في العمل على إنهاء دور العراق، ليس على صعيد الصراع العربي الصهيوني فحسب، و إنما على صعيد سلخه عن أمته وجعله مرتعاً للشعوبيين الحاقدين على العرب، وتاريخهم عبر العصور.<BR><br>